قصة قصيرة i صاحب المعجزة
كان قد أوصى بنفسه عن نفسه ؛ حين يَحل أجله ويسكن فيه الموت ويصير جسداً ميتاً اكتمل موته أو بقى منه بعض من الحياة ؛ أوصى بأن يُزرع في الموت فوراً ؛ وأن يدفن في تربته التي سوف ينمو فيها جسده من جديد حيث يعاود الحياة من أرض الموت ذاته ؛ وأوصى مشدداً بأن يُزرع في أرض موته على عجل دون أن يدعى لتشيعه إلا من أثبت محبة سابقة له وكان شاهداً سفره عن أرض الحياة ، التي فيها ومنها منبته الجديد الحتمي في ظنه ، وليس أن يتعفن فيها جسده ويتلاشى .
وكان قد أوصى بأن يحمله مُحبوه فقط ؛ وأن لا يُقدم على حمله في موته إلا من قد نسى له زلاته وحماقاته وأن يشهد علانية أنه يودعه دون ضغينة أو ذكرى سيئة أو مؤلمة .
وفق وصيته حملناه وسرنا به من بيته القريب جداً من مدفنه ؛ لكي يُزرع فى الموت " طازجا " قبل أن يَفسد منه شيئا ؛ فينمو كاملا في الموت صحيحاً طاهراً بكراً طازجاً ؛ يتكامل في موته نقصه إذا كان قد حل به نقص في حياته التي مات فيها شاباً غير طاعن في السن وغير هَرم وغير يائس من شيء فكل ما تمنى قد حققه وكل ما عشقه فقد استمتع به دون ملل حتى مات " طازجاً صبوحاً " كثمرة قُطفت على فرعها بعد تمام نضجها دون عطب .
سرنا به وكان النعش خفيفاً وكأنه كان لولي ؛ لازم طاعة ربه في الدنيا ولم يفارقه إيمان أبداً ولم يفارق الطاعة والعصمة إلا قليلاً . سرنا ولكن يبدو أنه لم يكن على أكتافنا حمله الذي سرنا به ؛ عندما حملناه من البيت إلى القبر .
لقد اكتشفنا خديعتنا عندما فتحنا الصندوق الذي كان من المُحتم أن يكون محتوياً على الجثة ؛ التي كفناها ووضعناها في الصندوق بنفسنا وأمام أعيننا ولم تغافلنا الجثة ولو لحظة واحدة أثناء عملية تحضيرها وزفافها للموت السعيد .
انطلقت التخمينات والتفسيرات والظنون بشأن إختفائه الحادث ؛ فقط مسافة نقله من بيته وحتى قبره ؛ وأين غافلنا وخرج من الصندوق ؟! ، وهل ساعده أحد من بيننا على ذلك ؟! ؛ أم أنها معجزة جديدة له وحده فعلها حين مات ووجد نفسه وحيداً في الموت . وربما يكون قد مات في الموت فصعد الجسد مع الروح ؛ في المستقر الجديد له ؛ دون حاجة إلى أن يذهب الجسد الفارغ إلى المكان المنعزل الذي ينام فيه الموتى ؛ ليصعد من هناك فى معراج رحلته الجديدة ؛ وقد اختصر الجسد الرحلة وصعد مباشرة من البيت إلى المستقر ؛ دون حاجة أو داعي إلى إستراحة في المقابر ؛ حيث حياة الأموات العادية والموتى العاديون ؛ حيث كانت تظهر لنا هذه الحيوات الساكنة مدينة الموتى أشباحاً أو عفاريت أو حيوانات متحولة عن أصل جِني .
بعضنا عَده فعلا صاحب معجزة ؛ وكان دليله اليقيني ؛ أنه رأى المعجزة ؛ وأنه رأى معجزة صعوده إلى الموت بجسده وروحه ؛ وقد آمنوا بمعجزته التي رأوها بأعينهم دون خداع أو تحايل أو إدعاء ؛ فقد كانت معجزته في ظنهم ؛ هى معجزتهم أيضاً ؛ وليسوا فقط قد سمعوا بها أو رويت لهم ؛ أو وجدوها مدونة . لقد آمنوا بالمعجزة كلها وليس فقط صاحب المعجزة ؛ لقد آمنوا حتى أنهم أطلقوا عليه اسم " الوالي المُجدد " ؛ ذلك الذي جدد معجزة الصعود إلى السماء ميتاً بالجسد والروح معاً !! . وكان مبشراً أنه سوف يكون " صاحب المعجزة " وكانت معجزته الأولى التي فعلها قبل موته ؛ أنه كتب مرثية موته التي تحققت ؛ وقد أتمها قبل أن تحدث معجزته فى صعود جسده وروحه معاً :
" لقد بكينا الحياة ؛ فلماذا لا نبكي الموت بكاءً أقل ؟! ؛ لماذا نبكي الموت نهاية الحياة الحزينة بفقد القدرة على الإستمتاع بها ؟! ؛ لماذا نبكي الموت وهو ليس خاتمة الحياة ؟! ؛ وهل هو الموت خاتمة الحياة فعلاً ؟! ؛ هذا الظن هو أكبر غباء بشري قد يعتقده البشر ؛ وهو أسوأ اعتقاد في الحياة ؛ فماذا سيفعل الله حين تنتهي الحياة وتسكن كل المخلوقات في مستقرها !! .
إن الموتى لا يغادرون الموت إلا لسبب ضروري وبإستذان مُسبق ؛ ولكني سوف أفعل متى عن ليّ ، ومتى رغب الأحباء المخلصون فى الإستدعاء ؛ إستدعائي أنا الذي سوف يكون هو الميت الحاضر ؛ الجاهز دائما تحت الإستدعاء ، والحي في الموت ، ما شاء ليّ المحبون " .
في اليوم الأول لموته ؛ كان قد فعل ؛ كما وعد وكما أعلن وأخبر ؛ وقد ترك الموت مؤقتاً وزار كل من استدعاه ، من المحبين ، حتى ولو كانوا فقط قد سمعوا به ولم يلتقوه ، ولكن وقر في قلوبهم محبته !! .
محمد الصباغ
كان قد أوصى بنفسه عن نفسه ؛ حين يَحل أجله ويسكن فيه الموت ويصير جسداً ميتاً اكتمل موته أو بقى منه بعض من الحياة ؛ أوصى بأن يُزرع في الموت فوراً ؛ وأن يدفن في تربته التي سوف ينمو فيها جسده من جديد حيث يعاود الحياة من أرض الموت ذاته ؛ وأوصى مشدداً بأن يُزرع في أرض موته على عجل دون أن يدعى لتشيعه إلا من أثبت محبة سابقة له وكان شاهداً سفره عن أرض الحياة ، التي فيها ومنها منبته الجديد الحتمي في ظنه ، وليس أن يتعفن فيها جسده ويتلاشى .
وكان قد أوصى بأن يحمله مُحبوه فقط ؛ وأن لا يُقدم على حمله في موته إلا من قد نسى له زلاته وحماقاته وأن يشهد علانية أنه يودعه دون ضغينة أو ذكرى سيئة أو مؤلمة .
وفق وصيته حملناه وسرنا به من بيته القريب جداً من مدفنه ؛ لكي يُزرع فى الموت " طازجا " قبل أن يَفسد منه شيئا ؛ فينمو كاملا في الموت صحيحاً طاهراً بكراً طازجاً ؛ يتكامل في موته نقصه إذا كان قد حل به نقص في حياته التي مات فيها شاباً غير طاعن في السن وغير هَرم وغير يائس من شيء فكل ما تمنى قد حققه وكل ما عشقه فقد استمتع به دون ملل حتى مات " طازجاً صبوحاً " كثمرة قُطفت على فرعها بعد تمام نضجها دون عطب .
سرنا به وكان النعش خفيفاً وكأنه كان لولي ؛ لازم طاعة ربه في الدنيا ولم يفارقه إيمان أبداً ولم يفارق الطاعة والعصمة إلا قليلاً . سرنا ولكن يبدو أنه لم يكن على أكتافنا حمله الذي سرنا به ؛ عندما حملناه من البيت إلى القبر .
لقد اكتشفنا خديعتنا عندما فتحنا الصندوق الذي كان من المُحتم أن يكون محتوياً على الجثة ؛ التي كفناها ووضعناها في الصندوق بنفسنا وأمام أعيننا ولم تغافلنا الجثة ولو لحظة واحدة أثناء عملية تحضيرها وزفافها للموت السعيد .
انطلقت التخمينات والتفسيرات والظنون بشأن إختفائه الحادث ؛ فقط مسافة نقله من بيته وحتى قبره ؛ وأين غافلنا وخرج من الصندوق ؟! ، وهل ساعده أحد من بيننا على ذلك ؟! ؛ أم أنها معجزة جديدة له وحده فعلها حين مات ووجد نفسه وحيداً في الموت . وربما يكون قد مات في الموت فصعد الجسد مع الروح ؛ في المستقر الجديد له ؛ دون حاجة إلى أن يذهب الجسد الفارغ إلى المكان المنعزل الذي ينام فيه الموتى ؛ ليصعد من هناك فى معراج رحلته الجديدة ؛ وقد اختصر الجسد الرحلة وصعد مباشرة من البيت إلى المستقر ؛ دون حاجة أو داعي إلى إستراحة في المقابر ؛ حيث حياة الأموات العادية والموتى العاديون ؛ حيث كانت تظهر لنا هذه الحيوات الساكنة مدينة الموتى أشباحاً أو عفاريت أو حيوانات متحولة عن أصل جِني .
بعضنا عَده فعلا صاحب معجزة ؛ وكان دليله اليقيني ؛ أنه رأى المعجزة ؛ وأنه رأى معجزة صعوده إلى الموت بجسده وروحه ؛ وقد آمنوا بمعجزته التي رأوها بأعينهم دون خداع أو تحايل أو إدعاء ؛ فقد كانت معجزته في ظنهم ؛ هى معجزتهم أيضاً ؛ وليسوا فقط قد سمعوا بها أو رويت لهم ؛ أو وجدوها مدونة . لقد آمنوا بالمعجزة كلها وليس فقط صاحب المعجزة ؛ لقد آمنوا حتى أنهم أطلقوا عليه اسم " الوالي المُجدد " ؛ ذلك الذي جدد معجزة الصعود إلى السماء ميتاً بالجسد والروح معاً !! . وكان مبشراً أنه سوف يكون " صاحب المعجزة " وكانت معجزته الأولى التي فعلها قبل موته ؛ أنه كتب مرثية موته التي تحققت ؛ وقد أتمها قبل أن تحدث معجزته فى صعود جسده وروحه معاً :
" لقد بكينا الحياة ؛ فلماذا لا نبكي الموت بكاءً أقل ؟! ؛ لماذا نبكي الموت نهاية الحياة الحزينة بفقد القدرة على الإستمتاع بها ؟! ؛ لماذا نبكي الموت وهو ليس خاتمة الحياة ؟! ؛ وهل هو الموت خاتمة الحياة فعلاً ؟! ؛ هذا الظن هو أكبر غباء بشري قد يعتقده البشر ؛ وهو أسوأ اعتقاد في الحياة ؛ فماذا سيفعل الله حين تنتهي الحياة وتسكن كل المخلوقات في مستقرها !! .
إن الموتى لا يغادرون الموت إلا لسبب ضروري وبإستذان مُسبق ؛ ولكني سوف أفعل متى عن ليّ ، ومتى رغب الأحباء المخلصون فى الإستدعاء ؛ إستدعائي أنا الذي سوف يكون هو الميت الحاضر ؛ الجاهز دائما تحت الإستدعاء ، والحي في الموت ، ما شاء ليّ المحبون " .
في اليوم الأول لموته ؛ كان قد فعل ؛ كما وعد وكما أعلن وأخبر ؛ وقد ترك الموت مؤقتاً وزار كل من استدعاه ، من المحبين ، حتى ولو كانوا فقط قد سمعوا به ولم يلتقوه ، ولكن وقر في قلوبهم محبته !! .
محمد الصباغ