عيسي موسي
Isa ibn Musa - Isa ibn Musa
عيسى بن موسى
(102ـ 167هـ/721ـ 783م)
أبو موسى، عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم الرسولr، أميرٌ عباسي، من الولاة القادة، وهو ابن أخي أبي العباس السفاح، كان يقال له: شيخ الدولة. ولد في الحميمة ونشأ بها، وكان من فحول أهله وذوي النجدة والرأي منهم، كان محباً للأدب، ناظماً للشعر، ضم مجلسه الفقيه ابن أبي ليلى، والفقيه ابن أبي شبرمة، والأديب الفقيه ابن السمّاك.
جعله عمه أبو العباس ولي عهد المنصور وولاه الكوفة وسوادها سنة 132هـ، بعد أن عزل عمه داود بن علي الذي ولاه مكة واليمن واليمامة، فكان ذا فضل في استتباب الأمر للعباسيين في سواد الكوفة وكان ثقةً وقوياً، أُمِّرَ بالحجيج سنة 134 و143هـ، وأقام المحطات وأوقد النار على طول الطريق من الكوفة إلى مكة.
استقضى على الكوفة ابن أبي ليلى الفقيهَ المناهضَ لإمامِ مذهبِ أهلِ الرأي أبي حنيفة النعمان المتعاطفِ مع آل البيت في فترة بدأت فيها العناصر العلوية من رجالات بني هاشم وآل أبي طالب بالتحرك، فبايعوا ذا النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب، وعندما توفي الخليفة أبو العباس سنة 136هـ قام عيسى بن موسى بأخذ البيعة لأبي جعفر المنصور في اليوم نفسه، وحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين، وقام بأمر الخلافة بنفسه وهو في الأنبار، وأرسل لأبي جعفر الذي كان في طريقه إلى مكة للحج يُعلمه بوفاة أخيه وأَخْذِ البيعة له، فلما وصل المنصور إلى الكوفة أُكدت له البيعة ولعيسى بن موسى من بعده.
ولما غلب ذو النفس الزكية على المدينة ومكة، أرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فدخلها وأَخَذَ بيعةَ أهلِ خراسان لأخيه، وحين وصل الخبر إلى المنصور، أمر عيسى بن موسى بالمسير إلى المدينة، وبعث معه محمد بن أبي العباس السفاح، وأمره بعرض الأمان على ذي النفس الزكية وأهل بيته، وكان ذو النفس الزكية قد جمع أحلافه وحفر خندق رسول الله حول المدينة وأقام من دونه جداراً على طول الخندق يحتمي به جند من أتباعه يمنع خصمه به من الوصول إلى الخندق، ولما وصل عيسى بجنده أرسل مَن يهدم الجدار بعد القضاء على حُماته، ثم أعد عيسى أبواباً بحجم الخندق للعبور عليها، وقام بطرح حقائب الإبل في الخندق لردم أجزاءٍ منه، وأَرْسَلَ لمحمد ذي النفس الزكية أن المنصور قد أمّنه وأهله، ونصب الألوية في المدينة ونادى من دخل داره أو المسجد أو تحت لوائنا فهو آمن ولم يرضَ محمد ذو النفس الزكية بذلك فاستمر القتال أياماً، واستطاع حميد بن قحطبة القائم على مقدمة جيش عيسى أن يصل إلى محمد بن عبد الله ويحتزّ رأسه، ولما بلغ إبراهيم قتل أخيه محمد خرج يريد أبا جعفر المنصور بالكوفة، وكان إبراهيم قد استولى على البصرة وسيطر على الأهواز وفارس وواسط وبدأت دعوته تتوغل في العراق، وقد آزره أبو حنيفة النعمان بالدعوة له ولنصرته، وقد أرسل له 4000 درهم، فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى يعلمه بذلك ويأمره أن يُقبِلَ إليه، فتحلل عيسى من إحرامه للعمرة وعاد إلى الخليفة، فوجهه في القواد والجند والسلاح إلى إبراهيم بن عبد الله الذي اجتمع له ما لم يجتمع لخصمه من الرجال فالتقوا بـ «باخَمْرىَ» سنة 145هـ، وهي على ستة عشر فرسخاً من الكوفة، فاقتتلوا بها قتالاً شديداً، وانهزم حميد بن قحطبة في البداية مع كثير من الجند ولم يبقَ مع عيسى ابن موسى إلا مئة من رجاله وخاصته، فرابط وثبت في مكانه وعسكَرَ جند إبراهيم قربه، وسأله ماسك لجام دابته: «علامَ تقيم وقد رحل أصحابك؟»، فقال: «لاينظر إليّ أهلُ بيتي مهزوماً»، لكن المنهزمين من جنده كروا راجعين بعد أن حال نهرٌ ذو ثنيتين من دون فرارهم ولم يجدوا بداً من القتال، فكرّ ابن قحطبة ومعه المتراجعون يرسلون الرؤوس إلى عيسى بن موسى، وقُتل إبراهيم بن عبد الله في هذه المعركة، وبذلك استتب أمر الخلافة لأبي جعفر. وعلى الرغم من هذه الإنجازات استُنْزِل عيسى عن ولاية العهد سنة 147هـ، وعُزل عن الكوفة، وأرضاه بمالٍ وفير على أن يؤخره في الولاية ويقدم ابنه المهدي.
وعندما أصبح المهدي خليفة (158ـ 169هـ) أراد ولاية العهد لابنه فأرسل إلى عيسى وطلب منه أن يخلع نفسه عن ولاية العهد، فرفض في بادئ الأمر ثم نزل مقابل أن يعطيه المهدي عشرة آلاف ألف درهم (عشرة ملايين) وضياعاً بالزاب وكسكر، وخرج إلى مسجد الرصافة يوم الأربعاء لأربعٍ بقين من المحرم سنة 160هـ وصعد المنبر وأخبر الناس ما أجمع عليه أهل بيته وشيعته بشأن خلعه وما في ذلك من رَجوةٍ لمصلحتهم، ودعاهم للبيعة لابن الخليفة، وأحل من كان قد بايعه.
مات عيسى بن موسى في الكوفة عن عمرٍ يناهز الخامسة والستين، تاركاً وراءه آثاراً وإنجازات عدة، فأسهم في تخطيط مدينة بغداد، وسمّى «نهر عيسى» باسمه، وهناك قصرٌ يعزى إليه في بغداد، ثم صار للخليفة المأمون، بل إن قصر الأخيضر ذا التحصينات ينسب إليه، وهذا القصر يعد الحامي الأول للكوفة والخط الأول في رصد الحركات العلوية وكبح جماحها في المنطقة.
جواد ترجمان
Isa ibn Musa - Isa ibn Musa
عيسى بن موسى
(102ـ 167هـ/721ـ 783م)
أبو موسى، عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم الرسولr، أميرٌ عباسي، من الولاة القادة، وهو ابن أخي أبي العباس السفاح، كان يقال له: شيخ الدولة. ولد في الحميمة ونشأ بها، وكان من فحول أهله وذوي النجدة والرأي منهم، كان محباً للأدب، ناظماً للشعر، ضم مجلسه الفقيه ابن أبي ليلى، والفقيه ابن أبي شبرمة، والأديب الفقيه ابن السمّاك.
جعله عمه أبو العباس ولي عهد المنصور وولاه الكوفة وسوادها سنة 132هـ، بعد أن عزل عمه داود بن علي الذي ولاه مكة واليمن واليمامة، فكان ذا فضل في استتباب الأمر للعباسيين في سواد الكوفة وكان ثقةً وقوياً، أُمِّرَ بالحجيج سنة 134 و143هـ، وأقام المحطات وأوقد النار على طول الطريق من الكوفة إلى مكة.
استقضى على الكوفة ابن أبي ليلى الفقيهَ المناهضَ لإمامِ مذهبِ أهلِ الرأي أبي حنيفة النعمان المتعاطفِ مع آل البيت في فترة بدأت فيها العناصر العلوية من رجالات بني هاشم وآل أبي طالب بالتحرك، فبايعوا ذا النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب، وعندما توفي الخليفة أبو العباس سنة 136هـ قام عيسى بن موسى بأخذ البيعة لأبي جعفر المنصور في اليوم نفسه، وحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين، وقام بأمر الخلافة بنفسه وهو في الأنبار، وأرسل لأبي جعفر الذي كان في طريقه إلى مكة للحج يُعلمه بوفاة أخيه وأَخْذِ البيعة له، فلما وصل المنصور إلى الكوفة أُكدت له البيعة ولعيسى بن موسى من بعده.
ولما غلب ذو النفس الزكية على المدينة ومكة، أرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فدخلها وأَخَذَ بيعةَ أهلِ خراسان لأخيه، وحين وصل الخبر إلى المنصور، أمر عيسى بن موسى بالمسير إلى المدينة، وبعث معه محمد بن أبي العباس السفاح، وأمره بعرض الأمان على ذي النفس الزكية وأهل بيته، وكان ذو النفس الزكية قد جمع أحلافه وحفر خندق رسول الله حول المدينة وأقام من دونه جداراً على طول الخندق يحتمي به جند من أتباعه يمنع خصمه به من الوصول إلى الخندق، ولما وصل عيسى بجنده أرسل مَن يهدم الجدار بعد القضاء على حُماته، ثم أعد عيسى أبواباً بحجم الخندق للعبور عليها، وقام بطرح حقائب الإبل في الخندق لردم أجزاءٍ منه، وأَرْسَلَ لمحمد ذي النفس الزكية أن المنصور قد أمّنه وأهله، ونصب الألوية في المدينة ونادى من دخل داره أو المسجد أو تحت لوائنا فهو آمن ولم يرضَ محمد ذو النفس الزكية بذلك فاستمر القتال أياماً، واستطاع حميد بن قحطبة القائم على مقدمة جيش عيسى أن يصل إلى محمد بن عبد الله ويحتزّ رأسه، ولما بلغ إبراهيم قتل أخيه محمد خرج يريد أبا جعفر المنصور بالكوفة، وكان إبراهيم قد استولى على البصرة وسيطر على الأهواز وفارس وواسط وبدأت دعوته تتوغل في العراق، وقد آزره أبو حنيفة النعمان بالدعوة له ولنصرته، وقد أرسل له 4000 درهم، فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى يعلمه بذلك ويأمره أن يُقبِلَ إليه، فتحلل عيسى من إحرامه للعمرة وعاد إلى الخليفة، فوجهه في القواد والجند والسلاح إلى إبراهيم بن عبد الله الذي اجتمع له ما لم يجتمع لخصمه من الرجال فالتقوا بـ «باخَمْرىَ» سنة 145هـ، وهي على ستة عشر فرسخاً من الكوفة، فاقتتلوا بها قتالاً شديداً، وانهزم حميد بن قحطبة في البداية مع كثير من الجند ولم يبقَ مع عيسى ابن موسى إلا مئة من رجاله وخاصته، فرابط وثبت في مكانه وعسكَرَ جند إبراهيم قربه، وسأله ماسك لجام دابته: «علامَ تقيم وقد رحل أصحابك؟»، فقال: «لاينظر إليّ أهلُ بيتي مهزوماً»، لكن المنهزمين من جنده كروا راجعين بعد أن حال نهرٌ ذو ثنيتين من دون فرارهم ولم يجدوا بداً من القتال، فكرّ ابن قحطبة ومعه المتراجعون يرسلون الرؤوس إلى عيسى بن موسى، وقُتل إبراهيم بن عبد الله في هذه المعركة، وبذلك استتب أمر الخلافة لأبي جعفر. وعلى الرغم من هذه الإنجازات استُنْزِل عيسى عن ولاية العهد سنة 147هـ، وعُزل عن الكوفة، وأرضاه بمالٍ وفير على أن يؤخره في الولاية ويقدم ابنه المهدي.
وعندما أصبح المهدي خليفة (158ـ 169هـ) أراد ولاية العهد لابنه فأرسل إلى عيسى وطلب منه أن يخلع نفسه عن ولاية العهد، فرفض في بادئ الأمر ثم نزل مقابل أن يعطيه المهدي عشرة آلاف ألف درهم (عشرة ملايين) وضياعاً بالزاب وكسكر، وخرج إلى مسجد الرصافة يوم الأربعاء لأربعٍ بقين من المحرم سنة 160هـ وصعد المنبر وأخبر الناس ما أجمع عليه أهل بيته وشيعته بشأن خلعه وما في ذلك من رَجوةٍ لمصلحتهم، ودعاهم للبيعة لابن الخليفة، وأحل من كان قد بايعه.
مات عيسى بن موسى في الكوفة عن عمرٍ يناهز الخامسة والستين، تاركاً وراءه آثاراً وإنجازات عدة، فأسهم في تخطيط مدينة بغداد، وسمّى «نهر عيسى» باسمه، وهناك قصرٌ يعزى إليه في بغداد، ثم صار للخليفة المأمون، بل إن قصر الأخيضر ذا التحصينات ينسب إليه، وهذا القصر يعد الحامي الأول للكوفة والخط الأول في رصد الحركات العلوية وكبح جماحها في المنطقة.
جواد ترجمان