طفشة/ رافع يحيى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طفشة/ رافع يحيى

    طفشة/ رافع يحيى
    - أبي أريد أن أقطف الميراميّة!
    - وما الّذي ذكّرك بها الآن يا كيان؟
    - بصراحة ليست الميراميّة فقط، أريد أن "أطفش" معك.
    - إلى أين؟
    - إلى ارضنا المصادرة.
    - ولكنّك تعرفين ماذا جرى الأسبوع الماضي!
    - أنت دخلت للمستوطنة من تحت السّياج، فاعتقلوك.
    - ماذا ظننت، هل أدخلها بمرسيدس!
    - ليس هذا قصدي. كان علينا البقاء على التّلّة.
    - لم أتمالك نفسي! إنّها أرض جدّك وهُجّرنا منها!
    - يا أبت. جدّي الله يرحمه. ونحن لن ننسى، ودعك من المواجهة. بتّ أخشى عليك.
    - قلبي يؤلمني حبيبتي.
    - اسمع، ما رأيك ان نجلس على التّلّة، وتشتم كما ترغب، تشتم المنافقين وتجّار الوطنية وتشتم من قبض الثّمن.
    - لا.. اليوم تعبان. لن أشتم، لكنّي "سأطفش" معك، هيّا بنا. أخبري أمّك أنّنا طفشنا وسنمرّ عليها عند دار جدّك بعد الطّفشة.
    وما أن انطلقت السّيّارة، حتى هتفت كيان، أبي هل حقًا ستعود أرضنا المصادرة؟
    ردّ الأب بنزق: إن شاء الله. ربنا كريم.
    مرّت بقرة، فقطعت الطّريق على السّيّارة. داس الأب على الفرامل. تأمّل البقرة وقال ضاحكًا: أكيد دخلت أرض المستوطنة وأكلت من الأعشاب ما أكلت حتّى شبعت.
    ضحكت كيان واردفت، لم يعتقلوها، مثلك!
    - إنّهم لا يلتفتون إلى البقر، إلّا إذا اقترب من حدائقهم وبيوتهم.
    تزحزحت البقرة من أمام السّيارة، فتحرّكت السّيّارة باتّجاه التّلّة، وتوقّفت هناك.
    ضحكت كيان وقالت بفرح: أوصلنا...
    ردّ الأب بفرح: رغم أنّ أرضنا مصادرة، لكنّي أرتاح حينما أراها... يا رب!
    تفاعلت كيان مع كلام أبيها وسألت والدها: أبي السياج قرب الزّاوية مخلوع!
    تمتم الأب بهدوء: عملتها البقرة، ما أشجعها! أرى روثها حول السّياج.
    حاولت كيان استفزاز والدها: أبي هيّا ندخل لنجمع الميراميّة، فالبقرة هي من خلعت السّياج، ولا علاقة لنا بذلك.
    هتف الأب: رائحة الميرامية تسحرني، الأرض تناديني! هل أكسر بخاطرها!
    - طبعًا لا.. هيّا نتقدّم يا أبي. رددت كيان بفرح
    - هيّا، هيا، ردّ الأب ومضى خلف السّياج.
    كانت الأرض صامتة وكأنها تصغي لوقع أقدام أبو غالب،كأنّها تعرف موسيقى وقع هذه الأقدام، فهي خفيفة، محبّة، عاشقة، رحيمة. تذكّرها بوقع أقدام والده المرحوم الحاج غالب. كانت تعشق دخوله إليها. كان يعزقها ويرويها من ماء النّبع ويقلّم أشجارها. لم يقصّر معها مرّة.
    كان الهواء النّقي يملأ المكان، ارتاح أبو غالب للمنظر وامتداد الجمال، فجلس مكانه، ونادى كيان بفرح: ألقيت ميراميّة يا حبيبتي؟
    ردّت كيان بفرح: قطفت لك ولأمّي وردًا، وأردفت: أبي كيف تعرّفت على أمّي وخطبتها؟
    ردّ أبو غالب بحزن: اسأليني ماذا حصل يوم خطبتناا؟
    - ماذا حصل، يا ساتر!
    - صادر اليهود الأرض.
    - كيف صادروها؟
    - فقنا الصّبح، وجدناها مسيّجة، يحرسها جنود!
    - ألم تعترضوا؟
    - شهور وسنين، كلّه على الفاضي. ولكنّنا لا ننسى.
    - كيف؟
    - أموال غائبين، فجدّك لم يعد من لبنان، اختفى هناك، مع عدد من الثّوّار، وعلى الأغلب استشهد، الله يرحمه.
    - قوانين ظالمة.
    - الظّلم لا يدوم يابا يا كيان.
    صاحت كيان: وجدت الميراميّة!
    ردّ أبو غالب: هيا نعود إلى البيت.
    فجأة صرخت كيان بخوف ودهشة:
    - يابا ..عش.. عش، تحت الميراميّة!
    نهض أبو غالب ضاحكًا وتوجّه إليها، انتبه للعش، وسألها: هل ستقطفين الميراميّة أم ستتركينها تحمي العش؟
    ردّ كيان بحب: - لا يا أبي، لا حاجة للميراميّة، سأتركها لتمنح الظّلّ لهذا العش.
    ضحك أبو غالب وأمسك بيدها الصّغيرة، وسار نحو السّياج، حتّى وصل إلى الفتحة الّتي أحدثتها البقرة، وردّد بفرح: لم يعتقلونا يا كيان. أنت بطلة.
    وردّدت كيان بفرح طفوليّ: أنت بطل والبقرة بطلة، صح؟
    ضحكت الأب وقال: نعم البقرة بطلة.
    صمتت كيان، ثم سألت والدها بلطف وحذر:
    - هل أنت غاضب على أمّي لأنّ اليهود صادروا الأرض يوم خطبتكم؟
    - لا يا ابنتي. لا علاقة لأمّك بما حصل. وغضبت هي وأهلها مثلنا بسبب ما حصل، وأمّك بطلة وتحبّ الأرض.
    نظرت كيان نحو أرضهم المصادرة، وقالت بشموخ: أبي وأنا أيضًا غاضبة مثل امّي ومثلك، وعندما نعود إلى الأرض، في المرّة القادمة، سنفحص العش، وسنغنّي للأرض وسنقطف الميرامية، حتّى لو وقّفونا...إنّها أرضنا في كلّ وقت وزمان!
يعمل...
X