الحركة الدينية الإصلاحReformation

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحركة الدينية الإصلاحReformation

    اصلاح ديني

    Reformation - Réforme

    الإصلاح الديني

    الإصلاح الديني reformation حركة دينية ظهرت في أوربة في القرن السادس عشر تدعو إلى إصلاح الكنيسة وتخليصها من الشوائب والممارسات الخاطئة وتمخضت عن ظهور ما يعرف بالكنائس الإنجيلية. وقد تم تطور هذه الحركة ـ على تعقيدها ـ وفق منهج عام بدأ قبل ذلك بقرون، فكانت استمراراً لمحاولات إصلاح كثيرة سابقة هدفت إلى تقويم بعض ممارسات الكنيسة الكاثوليكية والعودة بها إلى نقاء الإنجيل وبساطته. وقد تفردت هذه الحركة عن سابقاتها بانشقاق زعماء الإصلاح عن الكنيسة وإصرارهم على أن يكون الإنجيل وحده ـ لا البابا ولا التقليد المسيحي المتوارث ـ هو المرجع الأعلى في الشؤون الدينية. وأدى اختلاف زعماء الإصلاح في الرأي، إضافة إلى الفروق الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلى ظهور أكثر من حركة إصلاح. وغدا أكثر من نصف سكان أوربة منشقين عن الكنيسة الكاثوليكية في مدة لا تزيد على 40 عاماً. وانضوت شعوب بكاملها تحت لواء الكنائس البروتستنتية أو الإنجيلية، التي تعددت فرقها فكان منها اللوثرية والتسفنغلية Zwinglians المعتدلتان في ألمانية والأقاليم السويسرية الناطقة بالألمانية، وطائفة «مجددي المعمودية» Anabaptists التي انتشر أتباعها في هذه المناطق أيضاً وفي الأراضي المنخفضة، والكلفينية Calvinists التي أخفقت في فرنسة ونجحت في الأقاليم السويسرية الناطقة بالفرنسية وفي الأراضي المنخفضة واسكتلندة، وكذلك الانغليكانية التي نشأت وتطورت في إنكلترة.
    أقامت أكثر هذه الطوائف البروتستنتية كنائس خاصة بها ذات تنظيم مركزي نسبياً ومرتبطة بالحكومات المدنية المركزية. فاتخذ الملوك والأمراء المحليون في أوربة كنائس مستقلة عن رومة، وربطوها بدولهم وإماراتهم. وفي زوريخ وجنيف (سويسرة) تولى المواطنون المستقلون إدارة شؤون كنائسهم التي تولت بدورها إدارة حكومتي المدينتين. وشدد قسم من البروتستنتيين على الالتزام الفردي أمام الله كالقائلين بتجديد المعمودية والانغليكان المنشقين (المتطهرين)، فمالوا إلى تأليف طوائف خاصة بهم ترعى قضاياهم الدينية مستقلة عن كنيسة الدولة وعن الحكومة العلمانية، وطالبوا بأن تكون مثل هذه الحكومات ممثلة لفئات الشعب.
    وأسهمت جهود هؤلاء في زيادة النزعة الدستورية في إنكلترة والتسامح إزاء الطوائف الأخرى التي لا تنتمي إلى كنيسة الدولة الانغليكانية. وقد نقل المهاجرون الإنكليز إلى المستعمرات الأمريكية هذه الأفكار والمبادئ الإصلاحية معهم فتبنتها الولايات المتحدة وضمنتها دستورها بعد الاستقلال. ونتج من الانشقاقات اللاحقة بين الجماعات البروتستنتية ظهور عدد كبير من الطوائف الإنجيلية ولم تبذل محاولات جادة لضم أشتاتها وتقريب وجهات النظر بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية إلا في القرن العشرين.
    محاولات الإصلاح الأولى
    في عام 313م أصدر الامبراطور قسطنطين الكبير (274-337) مرسوم ميلانو الذي أعلن فيه حرية الاعتقاد المسيحي ورفع الاضطهاد عن المسيحيين بعد ثلاثة قرون من الملاحقة والعسف وقد فتح هذا المرسوم الباب واسعاً أمام الدعاة والمبشرين لنشر الدين، ولم تسلم دعوتهم هذه من خلافات وبدع كان بعضها جوهرياً وبعضها ثانوياً.
    وجرى التقليد منذ ذلك الحين على فض الخلافات والنزاعات في مجامع كنسية محلية أو مسكونية (أي في العالم المسيحي كله)، ولما عقد المجمع المسكوني في نيقية عام 325 لحل الخلافات التي دارت حول الأريوسية [ر. آريوس والآريوسية] نبه بعض المجتمعين إلى خطر تدخل السلطة ـ ممثلة بالامبراطور الذي حضر المجمع مراقباً ـ ولكن الامبراطور تمكن من فرض وجهة نظره في «دستور إيمان المجمع» وأوعز إلى الحضور لتوقيعه، وعاقب الرافضين عقوبات صارمة، فكان عمله هذا تقليداً لتدخل السلطة في شؤون الكنيسة، حتى إن بعض الحكام كان يتمادى في تدخله هذا.
    ورغب البابا ليون الأول (390-461م) في تصحيح الوضع ورد الاعتبار إلى الكنيسة فأصدر منشوراً يدعي فيه أنه وارث بطرس الرسول وأنه صاحب الحق الوحيد في ممارسة السلطة المطلقة على الكنيسة، إلا أن سياسته أخفقت، وغدا الصراع سجالاً بين رجال الإكليروس ورجال السياسة.
    وقد صدر عن الكرسي البابوي في حقب مختلفة أكثر من مرسوم وقانون يؤكد حق البابوات بالجمع بين السلطتين الدينية والمدنية وراح البابوات يسعون إلى تطبيق هذه المراسيم عملياً. وضاق الحكام المدنيون ذرعاً بمداخلات رجال الدين وحدِّهم من نفوذهم فازدادت الهوة بين الطرفين اتساعاً. ومن ذلك على سبيل المثال النزاع بين البابا غريغوريوس السابع (1020-1085) وامبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة هنري الرابع (1050- 1105)، وقد كان من نتائجه أن رمى البابا الامبراطور بالحرمان وأقر تنحيته عن العرش (1077)، ولم ينجح الامبراطور في تحديه فاضطر إلى إعلان خضوعه وتوبته، ولما نال الغفران والصفح بعد ثلاث سنوات انقلب على البابا وثأر لنفسه ونفاه سنة 1085 ومات البابا في المنفى.
    كذلك أدى الخلاف بين البابا بونيفاس الثامن (1235-1303) وملك فرنسة فيليب الرابع (1286-1314) إلى تعرض البابا للإهانة ونهب قصره ثم موته. وفي عهد البابا كلمنت الخامس الفرنسي الأصل نقل الكرسي البابوي من رومة إلى أفينيون في فرنسة وظل فيها سبعين عاماً (1308- 1378) إرضاء لملك فرنسة. وقد عرف هذا الانتقال بالسبي البابلي.
    ومع كل هذه النزاعات ومحاولات الإصلاح ظلت الكنيسة الكاثوليكية سيدة الموقف ومتشددة في قضاياها في أكثر أجزاء أوربة، ولاسيما الغربية منها حتى مطلع القرن السادس عشر.
    وفطنت الأسر الطموحة والموسرة إلى ما في مراتب الإكليروس من مزايا فراحت تحث أولادها على الالتحاق بسلك الكهنوت وتقدمهم نذراً للكنيسة منذ نعومة أظفارهم لتضمن لها ولهم مكانة عالية ودخلاً كبيراً. وتجاوبت الكنيسة مع رغبات هذه الأسر وشجعتها، واحتكرت الكنيسة لنفسها حق تلاوة الكتاب المقدس وتفسير مضمونه، ومنحت نفسها صفة المشرع المعصوم وصاحب القرار الوحيد فيما تجب مزاولته في العبادة وما يمنع عمله.
    ولما اتجهت الكنيسة إلى أن تكون عالمية بدأت تختط الكنائس والكاتدرائيات الضخمة، وتحيط نفسها بمظاهر الأبهة والفخامة.
    واتخذ رجال الدين القصور الفخمة لسكناهم وفرشوها بالرياش والأثاث الفاخر. وتطلبت هذه الأعمال أموالاً طائلة كانت تجبى من أبواب كثيرة كالضرائب المباشرة والقرابين وبيع ذخائر القديسين وصكوك الغفران وبعض الوظائف المهمة في الكنيسة إضافة إلى الهبات والصدقات.
    وكانت مثل هذه الجبايات ترهق الشعوب والحكام. وفي حين كان البابوات يسعون إلى المحافظة على سلطتهم المباشرة على رجال الكنيسة المنتشرين في أوربة كلها كان هؤلاء يسعون إلى استرضائهم وشراء الكراسي الأسقفية لزيادة مدخولاتهم، فكانوا يشجعون المؤمنين على زيادة إسهاماتهم المالية في مقابل تحريرهم من العقوبات المؤقتة الناتجة عن خطاياهم البسيطة، أو في مقابل بيع صكوك الغفران لمحو كل الخطايا من غير اهتمام بتوبة الخاطئ.
    العوامل التي أسهمت في حركة الإصلاح
    مرت حركة الإصلاح في تطورها حتى القرن السادس عشر بمراحل عدة وساعدت على قيامها عوامل كثيرة دينية وثقافية وسياسية واقتصادية. وقد احتلت العوامل الدينية المكانة الأولى بينها لأنها كانت السبب الرئيس في احتجاج المحتجين ودعاة الإصلاح وإن اختفت وراءها أسباب أخرى. وسبقت الإشارة إلى بعض تلك الأسباب التي تدخل في صميم ممارسات الكنيسة وتمسكها بحقها وحدها في تفسير أحكام الدين وتطبيقاتها على النحو الذي تراه، ومنع الآخرين من هذا الحق، ولاسيما قضايا الإيمان، وممارسة الأسرار السبعة المقدسة، وسيطرة الكنيسة على تربية الأفراد والتزامهم حيالها. بيد أن حركات الإصلاح ومحاولات الانشقاق الأولى أدت إلى تبدل نظرة الشعوب الأوربية إلى ممارسة الكنيسة، ومن تلك المحاولات حركة الألبيجيين والغالديزيين (الغوديين Waldenses) في فرنسة التي قمعت في مهدها ووسمت بالهرطقة، وكذلك حركة رواد النهضة العلمية والثقافية التي بدأت في إيطالية أوائل القرن الخامس عشر ثم عمت أوربة كلها. وقد دعا رواد عصر النهضة إلى دراسة التاريخ والأدب والفلسفة وراحوا يكتبون دراساتهم بلغاتهم المحلية التي تفهمها شعوبهم من دون اللاتينية. وكان للاهتمام بدراسة اللغات القديمة كاليونانية والسريانية والعبرية والعربية أثر كبير أيضاً في تطوير الحياة الدينية عند هذه الشعوب. وقد حمل الصليبيون العائدون من الشرق مجموعات ضخمة من الكتب التي ترجم أكثرها إلى اللغة اللاتينية أو اللغات المحلية، وكذلك فعل اليونانيون البيزنطيون الذين هاجروا من القسطنطينية بعد سقوطها في يد العثمانيين وساعدت معرفة هذه اللغات القديمة على التعمق في فهم الكتب المقدسة التي كتبت بها أصلاً وموازنتها مع ما نقل منها إلى اللاتينية، كما ساعدت على دراسة تاريخ الكنيسة والاطلاع على ما أقحم في المفاهيم المسيحية مع الزمن.
    وصار في وسع الكثيرين من غير رجال الإكليروس الاطلاع على حقائق الدين وتوجيه النقد إلى رؤوس الكنيسة ومحاورتهم في القضايا الروحية وتعاليم الإنجيل، ولاسيما ما يتعلق بالصور والأيقونات والتماثيل والطقوس الكنسية والمَطْهَر وشفاعة القديسين والإتجار بذخائرهم والحج إلى الأماكن المقدسة والرهبنة الإلزامية والطوعية وغير ذلك.
    وكان للطباعة التي ظهرت في منتصف القرن الخامس عشر دور مهم في ترويج الثقافة المحلية والكتب ولاسيما الكتاب المقدس الذي غدا بين أيدي الجمهور، كذلك كان للأحكام التي تصدرها المحاكم الكنسية بحق دعاة الإصلاح ووسمهم بالهرطقة ورميهم بالحرمان دورٌ كبيرٌ في إثارة فضول الجماهير ودفعهم إلى الاستماع إلى أقوالهم وحججهم أو قراءة كتبهم لمعرفة أرائهم، وقد نالت مؤلفات بعضهم شهرة
يعمل...
X