تويت
( في حارتنا عَوَّاد)
~~~~~~~~
من عجيب اتفاق القضاء ان استوطن اكناف حينا معلم يُحسِنُ الضرب على العود ، ولعله من أحذق مَن رأيت في الضرب على هذه الآلة، وكان لمهارته الفائقة في العزف احدوثة المنطقة بأسرها ، يتقاطر إليه شبيبة الحي كل ليلة زرافات ووحدانا، فغدت داره - على ضيق مساحتها- اشبه ببلاط ملكي يؤُمُّهُ مَن استخفه الطرب، ولفرط ثقافته التي لهج بها زائروه قد شرعت انخرط في سلك تلك الجماعات التي كانت تفد اليه ، وكنت أشخص إليه كل مساء في جملة مَن يشخص اليه رغبة مني في كلمة تستفاد او أدب يستزاد .
ثم إنه كان رجلا فيه ظُرف وأدب، حلو المفاكهة والمطارحة، طلق المحيا ينضح وجهه بالبشر، وكانت مجالسه تفتح لنا بابا من الأنس يريحنا من جِدَّ الدراسة في النهار ، ولعلنا كنا بمجالسته نتخفف من الوان الشدة التي كان اهلونا ياخذوننا بها أثناء النهار، فإذا ضمنا ذلك المجلس لم يكن منا إلا الحديث عن الفن وأهله، حتى إذا قضينا وطرنا من السَّمَر و اللهو والسماع انصرفنا من عنده محبورين .
وكان صاحبنا هذا واحد دهره في العزف على العود ، تمتزج انامله بالأوتار امتزاج الماء بالرَّاح ، ثم إنه وهب اصابع مرنة توشك لفرط رقتها في العزف انها لو لامست الصخر الأصم لتفجرت منه الموسيقى!
والحق أني لم ار طريقة أعجب من طريقته في الضرب على على هذه الالة؛ إذ كان يعزف بيمينه وشماله وقد بلغ في كلتا الحالتين غاية الجودة والإتقان ، وكان لوقع ريشته في القلوب أثر بليغ، فإذا تصدى للعزف رمقته العيون بنظرات الاعجاب المقرون بالدهشة.
وكان قد أوتي إلى جانب البراعة في العزف ملكة الفكاهة ، وكان يتخلل مجالس سمره فواصل من النكت والقفشات التي تضحك حتى الثكالى، وكان يحذق الاجوبة المسكتة فما رإيت أسرع بديهة منه في إلقاء النكتة.
ومن طريف مُلَحِه ونوادره أن كنا ذات يوم عنده، وكان يوما صائفا شديد الحرارة، وكان معنا صديق له أنف مفرط الطول، فكان يقول له مداعبا: يا فلان، لو صنعت معروفا فجعلتنا نستظل بظل انفك!
وكان قد ابتلى بوسواس الصحة، ومن عجائب اطواره في ذلك انه إذا هَمَّ بأكل اللحم فلا يأكل إلا رأس الضأن ، وكان قد شاع بين العامة في تلك الأيام خبر قبيح مفاده أن القصابين يخلطون لحوم الحمير بلحوم الماشية، فكنت إذا سألته عن علة اختياره الرأس تحديدا أجاب : لأني أعرف نوعه فآمن خيانة القصاب!
~~~~~~~~~
(
~~~~~~~~
من عجيب اتفاق القضاء ان استوطن اكناف حينا معلم يُحسِنُ الضرب على العود ، ولعله من أحذق مَن رأيت في الضرب على هذه الآلة، وكان لمهارته الفائقة في العزف احدوثة المنطقة بأسرها ، يتقاطر إليه شبيبة الحي كل ليلة زرافات ووحدانا، فغدت داره - على ضيق مساحتها- اشبه ببلاط ملكي يؤُمُّهُ مَن استخفه الطرب، ولفرط ثقافته التي لهج بها زائروه قد شرعت انخرط في سلك تلك الجماعات التي كانت تفد اليه ، وكنت أشخص إليه كل مساء في جملة مَن يشخص اليه رغبة مني في كلمة تستفاد او أدب يستزاد .
ثم إنه كان رجلا فيه ظُرف وأدب، حلو المفاكهة والمطارحة، طلق المحيا ينضح وجهه بالبشر، وكانت مجالسه تفتح لنا بابا من الأنس يريحنا من جِدَّ الدراسة في النهار ، ولعلنا كنا بمجالسته نتخفف من الوان الشدة التي كان اهلونا ياخذوننا بها أثناء النهار، فإذا ضمنا ذلك المجلس لم يكن منا إلا الحديث عن الفن وأهله، حتى إذا قضينا وطرنا من السَّمَر و اللهو والسماع انصرفنا من عنده محبورين .
وكان صاحبنا هذا واحد دهره في العزف على العود ، تمتزج انامله بالأوتار امتزاج الماء بالرَّاح ، ثم إنه وهب اصابع مرنة توشك لفرط رقتها في العزف انها لو لامست الصخر الأصم لتفجرت منه الموسيقى!
والحق أني لم ار طريقة أعجب من طريقته في الضرب على على هذه الالة؛ إذ كان يعزف بيمينه وشماله وقد بلغ في كلتا الحالتين غاية الجودة والإتقان ، وكان لوقع ريشته في القلوب أثر بليغ، فإذا تصدى للعزف رمقته العيون بنظرات الاعجاب المقرون بالدهشة.
وكان قد أوتي إلى جانب البراعة في العزف ملكة الفكاهة ، وكان يتخلل مجالس سمره فواصل من النكت والقفشات التي تضحك حتى الثكالى، وكان يحذق الاجوبة المسكتة فما رإيت أسرع بديهة منه في إلقاء النكتة.
ومن طريف مُلَحِه ونوادره أن كنا ذات يوم عنده، وكان يوما صائفا شديد الحرارة، وكان معنا صديق له أنف مفرط الطول، فكان يقول له مداعبا: يا فلان، لو صنعت معروفا فجعلتنا نستظل بظل انفك!
وكان قد ابتلى بوسواس الصحة، ومن عجائب اطواره في ذلك انه إذا هَمَّ بأكل اللحم فلا يأكل إلا رأس الضأن ، وكان قد شاع بين العامة في تلك الأيام خبر قبيح مفاده أن القصابين يخلطون لحوم الحمير بلحوم الماشية، فكنت إذا سألته عن علة اختياره الرأس تحديدا أجاب : لأني أعرف نوعه فآمن خيانة القصاب!
~~~~~~~~~
(