الفيلم الملحمي المذهل
حافة جبل هاكسو Hacksaw Ridge
بعد الفيلم الملحمي ( Saving Private Ryan ـ إنقاذ الجندي رايان ) الذي أخرجه " ستيڤن سبيلبرگ " و نال خمس جوائز أوسكار عام 1998 ، و الذي تدور أحداثه الحربية عام 1944 ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، يأتي النجم الممثل و المخرج " مِل گبسون " ليقدم لنا ملحمةً أشد مضاءً من خلال فيلمه ( حافة جبل هاكسو ) ، الذي تدور وقائعه في معركة بالغة الشراسة ، حصلت عام 1945 ، ليحكي لنا قصة جندي شاب مؤمن ، من الطائفة السبتية المسيحية التي لا تؤمن بحمل السلاح ، يدخل المعركة الشرسة و هو أعزل ، لكنه يبلي بلاءً مذهلاً ينال عنه أعلى وسام شرف يمنحه الكونگرس الأمريكي لـ ( مُستنكف ضميري) .
من هو ( المُستنكف الضميري ) ؟ إنه الشخص الذي يرفض القيام بأعمال عسكرية تتعارض مع ضميره و مبادئه ، و هو حقٌ طبيعيٌ للفرد أُدرج ضمن لائحة حقوق الإنسان . و كان أول مستنكفٍ ضميري في التاريخ هو " ماكسيميلانوس " ، الذي رفض الإدلاء بقـسَم الولاء للإمبراطورية الرومانية ، معترضاً على إلحاقه بالخدمة العسكرية في الجيش الروماني ، قائلاً : ( إنني مسيحي ، و لا تسمح لي مبادئي بحمل السلاح ) ، فقُطع رأسُهُ حالاً ، و كان في الحادية و العشرين من عمره.
يبدأ الفيلم ( الذي طوله ساعتان و 19 دقيقة ) بمشاهد الموت : جثثٌ متناثرة ، نيرانٌ ملتهبة ، أجسادٌ تتطاير بفعل عصف القذائف ، أعضاءٌ مبتورة ، أجسام مهروسة ، وجوه مشوهة بآلة الحرب .... ليضعنا المخرج في صورة شراسة معركة تُعد من أعنف معارك القرن العشرين ، تلك التي وقعت على حافة ( جبل هاكسو ) لمدة ثلاثة أشهر ، للفترة بين شهر أبريل / نيسان و شهر يونيو / حزيران من عام 1945 ، بين الجيش الأمريكي العاشر و الجيش الثاني و الثلاثين الياباني . و يترافق مع مَشاهد الموت الأولى صوتٌ مناجٍ يتلو السطور الأخيرة من الإصحاح 40 من ( سِفْر إشعيا ) في ( الكتاب المقدس ) ، ليكون ذلك مقدمةً لما سيطرحه الفيلم من جانبٍ تبشيري ، و يكاد أن يكون هذا هو العيب الأهم الذي يُسجل على الفيلم . و معروف عن المخرج ( مِل گبسون ) أنه كاثوليكي ملتزم ، و هو الذي أخرج فيلم ( The Passion of the Christ ـ آلام السيد المسيح ) عام 2004 ، و الذي أثار ضجة لدى اليهود و لدى المسلمين على حد سواء ، فصدرت فتوىً من المملكة السعودية و من الأزهر بمنع عرض الفيلم في البلدان العربية ، فلم يُعرض سوى في سوريا و لبنان و مصر و الأردن . بعد هذا التقديم من صور الموت و تعاليم الكتاب المقدّس ، يعود الفيلم الى ستة عشر عاماً خلت ، الى ولاية فرجينيا ، حيث كان بطل الفيلم ( ديزموند دوس ) ــ الذي مثّل دوره الممثل الأمريكي / البريطاني " أندرو گارفيلد " ــ يعيش فترة صباه مع شقيقه ( هال ) و والدته و والده المدمن على الكحول و الحاصل على وسامين عسكريين ، و كان قد خاض المعركة الحامية الدامية في غابات ( بيلو ) الفرنسية أثناء الحرب العالمية الأولى ، و الذي راح يندب حياته بين شواهد قبور رفاقه . و كاد ( ديزموند ) أن يقتل شقيقه أثناء حالة من حالات المزاح الدائم بينهما في فترة الصِبا ، حين ضربه بآجرّة في رأسه فسقط و انقطعت أنفاسه و كاد يموت . تلك الحادثه ألقت بظلها الكثيف على حياة ( ديزموند ) ، و يبدأ ذلك الظل من اللحظة التي يندهش خلالها مما فعله ، حين يقف أمام لوحة تمثّل ( سِفر الخروج ) الذي تقول فيه إحدى الوصايا العشر في الإصحاح 20 : ( لا تقتل ) ، و عندما توجهه والدته ، تُسمعُه القول : ( القتل أعظم الخطايا ) و تضيف : ( لا شيء أشد من أخذ الروح ) . هذه العبارات التي وقف عليها بعد فعلته التي كادت تودي بحياة شقيقه ( هال ) ، لم تلقِ ظلالها على عقله حسب ، بل حوّلته الى إنسان يقدّس الحياة ، فيسعى الى إسعاف سواه ، و يحرّم على نفسه حملَ السلاح ، و يبتعد كلياً عن فكرة القتل . هذا التحوّل الذي غيّر شخصية ( ديزموند ) هو الذي يمثل ثيمة فيلم ( حافة جبل هاكسو ) المبني على قصة حقيقية .
ذات يوم ، عندما يصبح ( ديزموند ) شاباً ، و كان ينظف نافذة الكنيسة و أمه تتدرب على التراتيل مع رفيقاتها ، يفلت هيكل سيارة و ينزل على فخذ شاب كان ممداً تحت السيارة لتصليحها ، فيتطوع ( ديزموند) حالاً لنقله الى ( مستشفى لينبورگ ) بعد أن نزع حزامه و ربطه و شده على فخذ الشاب ليمنع تدفق الدم ، ما يدفع طبيب المستشفى الى مدح تصرفه الذي أنقذ حياة الشاب ، إذذاك يدرك ( ديزموند ) قيمة إسعاف حياة الآخر ، و هناك ــ في المستشفى ــ يقع بصره على ممرضة اسمها ( دورثي ) فيقع في حبها ــ مثّلت دورها الممثلة الأسترالية " تيريزا بالمر " ــ فتبادله الحب و يتفقان على الزواج و يعرّفها على أهله . هي وجدت فيه شاباً صادقاً نظيفاً يتصرف على سجيته ، ولكنه ليس غبياً . أثناء ذلك يتطوع ( ديزموند ) للإلتحاق بالجيش ، بعد أن كان شقيقه ( هال ) قد تطوع قبله ، رغم عدم رضا الأب عن ذلك ، لأنه خاض أهوال الحرب بلا جدوى . ولكن الشابين ، الواحد تلو الآخر أدركا جسامة الخطر الذي يحيق بوطنهما أمريكا ، فتطوّعا . غير أن الفيلم لم يوضح لنا أين اختفى ( هال ) بعد أن يصف الأبُ مشهداً مرعباً من الحرب التي خاضها و يقول لإبنه ( إغربْ عن وجهي ) ، فيغرب ، و يختفي ، و لم يعد له ذكرٌ في الفيلم . و كان الشقيقان يكرهان أباهما ، لأنه كان كثير الإعتداء على أمهما عندما يثمل ، و لأنه كان يضربهما ( لأن الشمس أشرقت ) و يضربهما ( لأنها غربت ) على حد تعبير ( ديزموند ) في حديثه مع أحد رفاقه في معركة ( جبل هاكسو ) . ذات ليلة ، حين كان صبياً ، يسأل ( ديزموند ) أمَّه : ( أمي ، لماذا يكرهنا الى هذه الدرجه ؟ ) ، تجيبه الأم : ( إنه لا يكرهنا ، هو يكره نفسه ، والدك ليس كما كان قبلاً ، ليتك تعرفتَ عليه كما تعرّفتُ أنا عليه قبل الحرب ) ، ما يعني أن الرجلَ قد خرج من الحرب بخيبة انسانية كبيرة عجَنت حياته بالألم ، و هو ما يفسر امتعاضه من تطوع ولديه في الجيش لاحقاً .
تطوّعُ ( ديزموند ) في الجيش كان غريباً ، فهو أثناء وجوده في معسكر التدريب يرفض لمس البندقية ، معتبراً إياها أداةَ قتل ، و عبثاً يقتنع قادته في المعسكر بطروحاته ، صحيحٌ أن القائد الرئيس في المعسكر يرى أن الشاب يتصرف بصورة تكشف عن إيمان عميق و مختلف ، ولكن لا يمكن التعامل مع حالة كهذه إلا باعتبارها حالةً غريبة وشاذة لدى الجيش . و يُخيّر ( ديزموند ) بين أن يتدرب على حمل السلاح أو أن يُلقى به في السجن العسكري حتى نهاية الحرب .. و هي غير معروفة النهاية . و لم تنفع معه حتى توسلات ( دورثي ) التي تزوره في السجن و تقول له : ( لا تخلط إرادتك مع إرادة القدير) . و في المحكمة ، يسأله رئيسُها ــ بما معناه ــ إذا كنت تعصي الأوامر في المعسكر ، فلماذا تطوعت للخدمة في الجيش ، فيجيبه : ( لأنه عندما هجم اليابانيون على ميناء بيرل هاربر أخذت الأمر على محمل شخصي ) ، ما يعني أنه التحق بالجيش بدافع وطني ، و هو ما يشيد به رئيس المحكمة.
من لحظة إنتهاء المحاكمة تبدأ الأحداث الجسام التي يخوضها هذا الجندي الباسل الذي عادل كتيبةً كاملةً في جَهده العظيم في معركة شرسة ، تلك التي دخلها في شهر مايو / آيار من العام 1945 بعد أن أن أنتهى الفصل الأول منها ، حين أبيدت فرقة أمريكية قبل شهر ، أي في شهر أبريل .
الفيلم مذهل من حيث التصوير ، بكاميرا الأسترالي " سيمون دوغان " ، و مدهش من حيث براعة المخرج في صناعة مشاهد المعارك التي تبدو كلمة ( شرسة ) ضئيلة أمامها . و قد تفوّق " مِل گبسون " ــ المُقل في إخراجه ــ على جميع من سبقوه في إخراج الأفلام الحربية ، بمن فيهم " ستيڤن سبيلبرگ " في فيلمه ( إنقاذ الجندي رايان ) . فيما كانت الموسيقى التصويرية التي وضعها " روبرت گريگسون ـ وليامز " ساحرة و هي ترافق الأحداث ، خصوصاً في المشاهد الأخيرة . و كم كان " أندرو گارفيلد " باهراً في تمثيله دور ( ديزموند ) ، الشاب المؤمن ، الذي يبدو جباناً بليداً في ظاهره .. ولكن الذكي و الشجاع و المتماسك في دواخله .
ماذا كانت تعني هذه المعركة في الحرب العالمية الثانية ؟ حتى السابع من ديسمبر عام 1941 ، كانت أمريكا على خط المراقبة من أحداث تلك الحرب العالمية ، و لم تـُبدِ رغبة في أن تكون طرفاً فيها ، فيما كانت علاقتها باليابان قد أصبحت على خط الريبة ، و قد قطعت معها معظم خطوط التعاون ، و لم تبق سوى خط إمدادات النفط ، كي لا تثير استفزاز اليابان ، ولكن اليابان كانت تفكر باتجاه آخر ، فقد اتخذت من أمريكا عدواً لها في السر ، و هو ما لم تظهره في العلن إلا قبل ثلاثين دقيقة من اعتدائها على أمريكا . لقد كانت لدى اليابان طموحات في جنوب شرق آسيا ، لغرضٍ اقتصادي يتعلق بالموارد الطبيعية التي يقع النفط في مقدمتها ، و لكي تحقق هدفها في الجموح نحو تلك المنطقة كان عليها أن تزيح العقبة . تلك العقبة كانت متمثلة في القاعدة البحرية الأمريكية القائمة في ميناء ( بيرل هاربر ) في ( جزر هاواي ) ، فأرسلت اليابان ــ على دفعتين ــ 353 طائرة لتدمير الميناء الستراتيجي ، فدمرت تلكما الضربتان 188 طائرة أمريكية و أغرقت أربع بوارج و دمرت أربع بوارج أخرى و أسفرت عن مقتل 2402 شخصاً و جرح 1282 آخرين . تلك الفعلة اليابانية ، كانت تمثل مقتل اليابان عسكرياً على يد الأمريكان ، فعلى أثرها دخلت أمريكا الحرب ، لا للإنتقام من اليابان الغادرة حسب ، بل لتغيير مسارها بشكل عام . فاليابانيون دخلوا الحرب بصورة مباغتة الى جانب آلمانيا و إيطاليا ليتشكل حلف ( المحور ) في مواجهة الحلفاء : بريطانيا و الإتحاد السوفييتي ( سابقاً ) و فرنسا ، و أمريكا لاحقاً . ولكن اليابانيين كانوا أشرس طرف في حلف ( المحور ) ، فالإيطاليون بدوا عاطلين و غير فاعلين ، و الآلمان باتوا رتيبين في معارك تقليدية ، فيما اليابانيون ابتكروا طرقاً شرسة في الحرب تستمد مقوماتها من تاريخهم الشرس في الحروب . فـ ( الساموراي ) يشكل الإرث البطولي الأسمى في وجدان المحاربين اليابانيين ، لذلك فأن المحاربين الذين وجدوا أنفسهم و قد خسروا معركة ( جبل هاكسو ) أقدموا على الإنتحار على طريقة ( الساموراي ) . إنهم لا يستسلمون.
في الحرب العالمية الثانية كان اليابانيون جميعهم ( ساموراي ) ، لذلك فقد تسببت اليابان في تشكيل عقدة عسكرية لدى الحلفاء لإنهاء هذه الحرب العالمية العبثية . فقد كان اليابانيون ـ مثلاً ـ لا يقصف طياروها بوارج قوات الحلفاء البحرية ، بل يضربون تلك البوارج ضربات انتحارية : الطيار و طائرته الحربية يضربون القطعة البحرية . فأسرع ذلك في التفكير الجاد لكسر شوكة اليابان بعد تدمير قوة آلمانيا المتسببة بتلك الحرب العالمية . من هنا وضعت أمريكا خططها لتدمير قوة تلك الدولة الشرسة . فبعد عام كامل من هجوم قوات التحالف ( في يونيو من عام 1944 ) على ساحل ( نورماندي ) و هزيمة آلمانيا و تقهقرها في فرنسا ، باتت علامة نهاية الحرب العالمية مرهونة بهزيمة اليابان ، و تلك هي المهمة التي تولّت أمريكا تنفيذها ، و في مقدمة هدف هذه الخطوة الإنتقامُ من غدرها لأمريكا في عملية ميناء ( بيرل هاربر ) .
بعد عام من عملية ساحل ( نورماندي ) توجه الجيش الأمريكي العاشر لتنفيذ عملية اكتساح الساحل الياباني في جزيرة ( أكيناوا ) التي ابتدأت من حافة جبل هاكسو . معركة ( جبل هاكسو ) التي جسّدها الفيلم فقدَ فيها الجيش الأمريكي 30% من قواته ، فيما قُتل 150 ألفاً من سكان جزيرة ( أكيناوا ) ، و معظم من تبقى أقدم على الإنتحار ـ على طريقة الساموراي ـ خوفاً من الوقوع في قبضة الأمريكان
سينما العالم
حافة جبل هاكسو Hacksaw Ridge
بعد الفيلم الملحمي ( Saving Private Ryan ـ إنقاذ الجندي رايان ) الذي أخرجه " ستيڤن سبيلبرگ " و نال خمس جوائز أوسكار عام 1998 ، و الذي تدور أحداثه الحربية عام 1944 ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، يأتي النجم الممثل و المخرج " مِل گبسون " ليقدم لنا ملحمةً أشد مضاءً من خلال فيلمه ( حافة جبل هاكسو ) ، الذي تدور وقائعه في معركة بالغة الشراسة ، حصلت عام 1945 ، ليحكي لنا قصة جندي شاب مؤمن ، من الطائفة السبتية المسيحية التي لا تؤمن بحمل السلاح ، يدخل المعركة الشرسة و هو أعزل ، لكنه يبلي بلاءً مذهلاً ينال عنه أعلى وسام شرف يمنحه الكونگرس الأمريكي لـ ( مُستنكف ضميري) .
من هو ( المُستنكف الضميري ) ؟ إنه الشخص الذي يرفض القيام بأعمال عسكرية تتعارض مع ضميره و مبادئه ، و هو حقٌ طبيعيٌ للفرد أُدرج ضمن لائحة حقوق الإنسان . و كان أول مستنكفٍ ضميري في التاريخ هو " ماكسيميلانوس " ، الذي رفض الإدلاء بقـسَم الولاء للإمبراطورية الرومانية ، معترضاً على إلحاقه بالخدمة العسكرية في الجيش الروماني ، قائلاً : ( إنني مسيحي ، و لا تسمح لي مبادئي بحمل السلاح ) ، فقُطع رأسُهُ حالاً ، و كان في الحادية و العشرين من عمره.
يبدأ الفيلم ( الذي طوله ساعتان و 19 دقيقة ) بمشاهد الموت : جثثٌ متناثرة ، نيرانٌ ملتهبة ، أجسادٌ تتطاير بفعل عصف القذائف ، أعضاءٌ مبتورة ، أجسام مهروسة ، وجوه مشوهة بآلة الحرب .... ليضعنا المخرج في صورة شراسة معركة تُعد من أعنف معارك القرن العشرين ، تلك التي وقعت على حافة ( جبل هاكسو ) لمدة ثلاثة أشهر ، للفترة بين شهر أبريل / نيسان و شهر يونيو / حزيران من عام 1945 ، بين الجيش الأمريكي العاشر و الجيش الثاني و الثلاثين الياباني . و يترافق مع مَشاهد الموت الأولى صوتٌ مناجٍ يتلو السطور الأخيرة من الإصحاح 40 من ( سِفْر إشعيا ) في ( الكتاب المقدس ) ، ليكون ذلك مقدمةً لما سيطرحه الفيلم من جانبٍ تبشيري ، و يكاد أن يكون هذا هو العيب الأهم الذي يُسجل على الفيلم . و معروف عن المخرج ( مِل گبسون ) أنه كاثوليكي ملتزم ، و هو الذي أخرج فيلم ( The Passion of the Christ ـ آلام السيد المسيح ) عام 2004 ، و الذي أثار ضجة لدى اليهود و لدى المسلمين على حد سواء ، فصدرت فتوىً من المملكة السعودية و من الأزهر بمنع عرض الفيلم في البلدان العربية ، فلم يُعرض سوى في سوريا و لبنان و مصر و الأردن . بعد هذا التقديم من صور الموت و تعاليم الكتاب المقدّس ، يعود الفيلم الى ستة عشر عاماً خلت ، الى ولاية فرجينيا ، حيث كان بطل الفيلم ( ديزموند دوس ) ــ الذي مثّل دوره الممثل الأمريكي / البريطاني " أندرو گارفيلد " ــ يعيش فترة صباه مع شقيقه ( هال ) و والدته و والده المدمن على الكحول و الحاصل على وسامين عسكريين ، و كان قد خاض المعركة الحامية الدامية في غابات ( بيلو ) الفرنسية أثناء الحرب العالمية الأولى ، و الذي راح يندب حياته بين شواهد قبور رفاقه . و كاد ( ديزموند ) أن يقتل شقيقه أثناء حالة من حالات المزاح الدائم بينهما في فترة الصِبا ، حين ضربه بآجرّة في رأسه فسقط و انقطعت أنفاسه و كاد يموت . تلك الحادثه ألقت بظلها الكثيف على حياة ( ديزموند ) ، و يبدأ ذلك الظل من اللحظة التي يندهش خلالها مما فعله ، حين يقف أمام لوحة تمثّل ( سِفر الخروج ) الذي تقول فيه إحدى الوصايا العشر في الإصحاح 20 : ( لا تقتل ) ، و عندما توجهه والدته ، تُسمعُه القول : ( القتل أعظم الخطايا ) و تضيف : ( لا شيء أشد من أخذ الروح ) . هذه العبارات التي وقف عليها بعد فعلته التي كادت تودي بحياة شقيقه ( هال ) ، لم تلقِ ظلالها على عقله حسب ، بل حوّلته الى إنسان يقدّس الحياة ، فيسعى الى إسعاف سواه ، و يحرّم على نفسه حملَ السلاح ، و يبتعد كلياً عن فكرة القتل . هذا التحوّل الذي غيّر شخصية ( ديزموند ) هو الذي يمثل ثيمة فيلم ( حافة جبل هاكسو ) المبني على قصة حقيقية .
ذات يوم ، عندما يصبح ( ديزموند ) شاباً ، و كان ينظف نافذة الكنيسة و أمه تتدرب على التراتيل مع رفيقاتها ، يفلت هيكل سيارة و ينزل على فخذ شاب كان ممداً تحت السيارة لتصليحها ، فيتطوع ( ديزموند) حالاً لنقله الى ( مستشفى لينبورگ ) بعد أن نزع حزامه و ربطه و شده على فخذ الشاب ليمنع تدفق الدم ، ما يدفع طبيب المستشفى الى مدح تصرفه الذي أنقذ حياة الشاب ، إذذاك يدرك ( ديزموند ) قيمة إسعاف حياة الآخر ، و هناك ــ في المستشفى ــ يقع بصره على ممرضة اسمها ( دورثي ) فيقع في حبها ــ مثّلت دورها الممثلة الأسترالية " تيريزا بالمر " ــ فتبادله الحب و يتفقان على الزواج و يعرّفها على أهله . هي وجدت فيه شاباً صادقاً نظيفاً يتصرف على سجيته ، ولكنه ليس غبياً . أثناء ذلك يتطوع ( ديزموند ) للإلتحاق بالجيش ، بعد أن كان شقيقه ( هال ) قد تطوع قبله ، رغم عدم رضا الأب عن ذلك ، لأنه خاض أهوال الحرب بلا جدوى . ولكن الشابين ، الواحد تلو الآخر أدركا جسامة الخطر الذي يحيق بوطنهما أمريكا ، فتطوّعا . غير أن الفيلم لم يوضح لنا أين اختفى ( هال ) بعد أن يصف الأبُ مشهداً مرعباً من الحرب التي خاضها و يقول لإبنه ( إغربْ عن وجهي ) ، فيغرب ، و يختفي ، و لم يعد له ذكرٌ في الفيلم . و كان الشقيقان يكرهان أباهما ، لأنه كان كثير الإعتداء على أمهما عندما يثمل ، و لأنه كان يضربهما ( لأن الشمس أشرقت ) و يضربهما ( لأنها غربت ) على حد تعبير ( ديزموند ) في حديثه مع أحد رفاقه في معركة ( جبل هاكسو ) . ذات ليلة ، حين كان صبياً ، يسأل ( ديزموند ) أمَّه : ( أمي ، لماذا يكرهنا الى هذه الدرجه ؟ ) ، تجيبه الأم : ( إنه لا يكرهنا ، هو يكره نفسه ، والدك ليس كما كان قبلاً ، ليتك تعرفتَ عليه كما تعرّفتُ أنا عليه قبل الحرب ) ، ما يعني أن الرجلَ قد خرج من الحرب بخيبة انسانية كبيرة عجَنت حياته بالألم ، و هو ما يفسر امتعاضه من تطوع ولديه في الجيش لاحقاً .
تطوّعُ ( ديزموند ) في الجيش كان غريباً ، فهو أثناء وجوده في معسكر التدريب يرفض لمس البندقية ، معتبراً إياها أداةَ قتل ، و عبثاً يقتنع قادته في المعسكر بطروحاته ، صحيحٌ أن القائد الرئيس في المعسكر يرى أن الشاب يتصرف بصورة تكشف عن إيمان عميق و مختلف ، ولكن لا يمكن التعامل مع حالة كهذه إلا باعتبارها حالةً غريبة وشاذة لدى الجيش . و يُخيّر ( ديزموند ) بين أن يتدرب على حمل السلاح أو أن يُلقى به في السجن العسكري حتى نهاية الحرب .. و هي غير معروفة النهاية . و لم تنفع معه حتى توسلات ( دورثي ) التي تزوره في السجن و تقول له : ( لا تخلط إرادتك مع إرادة القدير) . و في المحكمة ، يسأله رئيسُها ــ بما معناه ــ إذا كنت تعصي الأوامر في المعسكر ، فلماذا تطوعت للخدمة في الجيش ، فيجيبه : ( لأنه عندما هجم اليابانيون على ميناء بيرل هاربر أخذت الأمر على محمل شخصي ) ، ما يعني أنه التحق بالجيش بدافع وطني ، و هو ما يشيد به رئيس المحكمة.
من لحظة إنتهاء المحاكمة تبدأ الأحداث الجسام التي يخوضها هذا الجندي الباسل الذي عادل كتيبةً كاملةً في جَهده العظيم في معركة شرسة ، تلك التي دخلها في شهر مايو / آيار من العام 1945 بعد أن أن أنتهى الفصل الأول منها ، حين أبيدت فرقة أمريكية قبل شهر ، أي في شهر أبريل .
الفيلم مذهل من حيث التصوير ، بكاميرا الأسترالي " سيمون دوغان " ، و مدهش من حيث براعة المخرج في صناعة مشاهد المعارك التي تبدو كلمة ( شرسة ) ضئيلة أمامها . و قد تفوّق " مِل گبسون " ــ المُقل في إخراجه ــ على جميع من سبقوه في إخراج الأفلام الحربية ، بمن فيهم " ستيڤن سبيلبرگ " في فيلمه ( إنقاذ الجندي رايان ) . فيما كانت الموسيقى التصويرية التي وضعها " روبرت گريگسون ـ وليامز " ساحرة و هي ترافق الأحداث ، خصوصاً في المشاهد الأخيرة . و كم كان " أندرو گارفيلد " باهراً في تمثيله دور ( ديزموند ) ، الشاب المؤمن ، الذي يبدو جباناً بليداً في ظاهره .. ولكن الذكي و الشجاع و المتماسك في دواخله .
ماذا كانت تعني هذه المعركة في الحرب العالمية الثانية ؟ حتى السابع من ديسمبر عام 1941 ، كانت أمريكا على خط المراقبة من أحداث تلك الحرب العالمية ، و لم تـُبدِ رغبة في أن تكون طرفاً فيها ، فيما كانت علاقتها باليابان قد أصبحت على خط الريبة ، و قد قطعت معها معظم خطوط التعاون ، و لم تبق سوى خط إمدادات النفط ، كي لا تثير استفزاز اليابان ، ولكن اليابان كانت تفكر باتجاه آخر ، فقد اتخذت من أمريكا عدواً لها في السر ، و هو ما لم تظهره في العلن إلا قبل ثلاثين دقيقة من اعتدائها على أمريكا . لقد كانت لدى اليابان طموحات في جنوب شرق آسيا ، لغرضٍ اقتصادي يتعلق بالموارد الطبيعية التي يقع النفط في مقدمتها ، و لكي تحقق هدفها في الجموح نحو تلك المنطقة كان عليها أن تزيح العقبة . تلك العقبة كانت متمثلة في القاعدة البحرية الأمريكية القائمة في ميناء ( بيرل هاربر ) في ( جزر هاواي ) ، فأرسلت اليابان ــ على دفعتين ــ 353 طائرة لتدمير الميناء الستراتيجي ، فدمرت تلكما الضربتان 188 طائرة أمريكية و أغرقت أربع بوارج و دمرت أربع بوارج أخرى و أسفرت عن مقتل 2402 شخصاً و جرح 1282 آخرين . تلك الفعلة اليابانية ، كانت تمثل مقتل اليابان عسكرياً على يد الأمريكان ، فعلى أثرها دخلت أمريكا الحرب ، لا للإنتقام من اليابان الغادرة حسب ، بل لتغيير مسارها بشكل عام . فاليابانيون دخلوا الحرب بصورة مباغتة الى جانب آلمانيا و إيطاليا ليتشكل حلف ( المحور ) في مواجهة الحلفاء : بريطانيا و الإتحاد السوفييتي ( سابقاً ) و فرنسا ، و أمريكا لاحقاً . ولكن اليابانيين كانوا أشرس طرف في حلف ( المحور ) ، فالإيطاليون بدوا عاطلين و غير فاعلين ، و الآلمان باتوا رتيبين في معارك تقليدية ، فيما اليابانيون ابتكروا طرقاً شرسة في الحرب تستمد مقوماتها من تاريخهم الشرس في الحروب . فـ ( الساموراي ) يشكل الإرث البطولي الأسمى في وجدان المحاربين اليابانيين ، لذلك فأن المحاربين الذين وجدوا أنفسهم و قد خسروا معركة ( جبل هاكسو ) أقدموا على الإنتحار على طريقة ( الساموراي ) . إنهم لا يستسلمون.
في الحرب العالمية الثانية كان اليابانيون جميعهم ( ساموراي ) ، لذلك فقد تسببت اليابان في تشكيل عقدة عسكرية لدى الحلفاء لإنهاء هذه الحرب العالمية العبثية . فقد كان اليابانيون ـ مثلاً ـ لا يقصف طياروها بوارج قوات الحلفاء البحرية ، بل يضربون تلك البوارج ضربات انتحارية : الطيار و طائرته الحربية يضربون القطعة البحرية . فأسرع ذلك في التفكير الجاد لكسر شوكة اليابان بعد تدمير قوة آلمانيا المتسببة بتلك الحرب العالمية . من هنا وضعت أمريكا خططها لتدمير قوة تلك الدولة الشرسة . فبعد عام كامل من هجوم قوات التحالف ( في يونيو من عام 1944 ) على ساحل ( نورماندي ) و هزيمة آلمانيا و تقهقرها في فرنسا ، باتت علامة نهاية الحرب العالمية مرهونة بهزيمة اليابان ، و تلك هي المهمة التي تولّت أمريكا تنفيذها ، و في مقدمة هدف هذه الخطوة الإنتقامُ من غدرها لأمريكا في عملية ميناء ( بيرل هاربر ) .
بعد عام من عملية ساحل ( نورماندي ) توجه الجيش الأمريكي العاشر لتنفيذ عملية اكتساح الساحل الياباني في جزيرة ( أكيناوا ) التي ابتدأت من حافة جبل هاكسو . معركة ( جبل هاكسو ) التي جسّدها الفيلم فقدَ فيها الجيش الأمريكي 30% من قواته ، فيما قُتل 150 ألفاً من سكان جزيرة ( أكيناوا ) ، و معظم من تبقى أقدم على الإنتحار ـ على طريقة الساموراي ـ خوفاً من الوقوع في قبضة الأمريكان
سينما العالم