متلمس (جرير عبد عزي)
Al-Mutlamis (Djarir ibn Abdul Izza-) - Al-Mutlamis (Djarir ibn Abdul Izza-)
المتلمس (جرير بن عبد العُزَّى)
(عاش في القرن السادس الميلادي)
شاعر من شعراء الجاهلية أبيّ النفس كاره للظلم والاستبداد وأهله، ولذلك كان سليط اللسان، وكانت حياته شديدة القلق. غلب لقبه المتلمس على اسمه فوقع اختلاف فيه، ولكن معظم النسابين يقولون إنه جرير بن عبد المسيح، وفي عدد من المصادر أنه جرير بن عبد العزى، ولعل السبب أن أباه ولد وثنياً سماه أهله عبد العزى ثم تنصر فغير اسمه إلى عبد المسيح غير أن ابنه المتلمس لم يـتأثر بالنصرانية إذ يقسم بـ(اللات) وبـ(الأنصاب) في شعره، وحين يهرب من عمرو بن هند يتجه إلى مكة حاجاً ثم يستقر في بصرى الشام، ومن الممكن أن يكون المتلمس نفسه تنصر بعد إقامته في بصرى، فكره أن يقال له جرير بن عبد العزى فغيَّر اسم أبيه إلى عبد المسيح، ولهذا أشباه في التاريخ.
ولا خلاف في أنه من بني ضبيعة ابن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وغلب عليه لقب المتلمس لقوله يذكر وادي العِرض باليمامة:
تكاد أخبار أسرته تكون مفقودة لولا ما ذُكر من أن أمه من بني يشكر من بطون بكر بن وائل وقد فخر بها، وأن له ولداً اسمه عبد المَدان أو عبد المنَّان كان شاعراً أدرك الإسلام ولا عقب له، وذُكرت قصة مشكوك فيها عن زوجة له اسمها أمامة غاب عنها زمناً حتى فُقد الأمل في عودته فأكرهها أهلها على الزواج، فعاد ليلة زواجها، فخلى الرجل الذي خطبها سبيلها.
ويذكر أن المتلمس خال طرفة بن العبد ولكن ذلك لا يصح؛ لأن أم طرفة هي وردة بنت قتادة بن منشوء بن عمرو ابن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل، وكأن ورود اسم (ضبيعة) في نسبها ونسب المتلمس وصداقة طرفة للمتلمس وراء هذا الغلط، إلا أن تكون بين المتلمس وأم طرفة قرابة من جهة الأمهات، فقيل إنه خاله على التوسع.
وكانت ولادة المتلمس في ديار أخواله بني يشكر في النصف الأول من القرن السادس الميلادي وربما كان أبوه مجاوراً فيهم فزوجوه، وكاد بنو يشكر يغلبون على نسب ابن أختهم، ثم إن عمرو بن هند ملك الحيرة سأل الحارث بن التوءم اليشكري عن نسبه فقال: «أواناً يزعم أنه من بني يشكر، وأواناً من بني ضبيعة بن ربيعة»، فقال ابن هند: «ما أراه إلا (كالساقط بين الفراشين)» وهو مثل يضرب لمن يتردد في أمرين وليس هو في أحد منهما، فبلغ ذلك المتلمس ففارق أخواله ولحق بقومه، وكان ذلك بعد أن نبغ في الشعر. ارتحل إلى الحيرة فألزمه عمرو بن هند أخاه وولي عهده قابوس بن هند مع قوم من العرب والشعراء فيهم طرفة بن العبد، وكان قابوس مترفاً مستبداً كأخيه فكان يخرج بهؤلاء إلى الصيد ثم يعود فيوقفهم ببابه ويدخل من شاء والباقون قيام إلى الليل، فهجا المتلمس وطرفة عمراً وقابوس، فأراد عمرو قتلهما، ولكنه راعى بني بكر قوم طرفة وأخوال المتلمس، فإنهم كانوا جنده، فكتمها في نفسه، ثم أطمعهما في بره وعطائه، فكتب لهما كتابين إلى عامله على البحرين وأمره أن يقتلهما، فلما همَّا بركوب الفرات شك المتلمس في الأمر، فعرض الكتاب على من قرأه له، فنبه طرفة على الشر المراد بهما، فاستكبر طرفة وادعى أن عمراً لا يجترئ عليه لمكانة قومه، فألقى المتلمس الصحيفة في الماء وفر فحج البيت الحرام ثم ذهب إلى الشام فاستقر في بصرى. ومضى طرفة إلى البحرين فقتل، فجعل المتلمس يحرض بني بكر على الطلب بدم طرفة وبلغ عمراً لحوقه بالشام، وفيها أعداؤه من غسان، وهم قاتِلو أبيه، فشق عليه ذلك وما يقوله من الشعر في تحريض بكر، وكُلِّم في العفو عنه فحلف ألا يدخل العراق ولا يذوق حبَّه حتى يموت، وكتب إلى عماله على نواحي الريف أن يأخذوا المتلمس إن قدروا عليه وهو يمتار الطعام، ثم تنقطع أخباره بعد ذلك، وكانت وفاته في الثلث الأخير من القرن السادس الميلادي.
للمتلمس ديوان مطبوع برواية الأثرم عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي عمرو الشيباني، ومعظم ما بقي من شعره مرتبط بخبره وخبر طرفة مع ابن هند وأمر الصحيفة ومقتل طرفة وفرار المتلمس وتحريضه بني بكر، إلى جانب قليل من القصائد والمقطعات في فخره بأمه وقومه وعتاب الحارث بن التوءم اليشكري ومدح قيس بن معد كرب الكندي ورثائه لنفسه، ويتخلل ذلك كله قليل من الغزل والوصف وكثير من الحكمة والاعتبار والتفكر في حياة الناس وأخبارهم وعلاقاتهم وأخبار السابقين.
يعدّ المتلمس من الشعراء الفحول وإن كان ما بقي من شعره قليلاً، ولذلك وضعه ابن سلام الجمحي في الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية، وذكر أن ما أخَّر شعراء هذه الطبقة هو قلة أشعارهم، والأصمعي يعده رأس فحول ربيعة بن نزار، وأبو عبيدة يذكر اتفاق العلماء على أنه أحد أشعر المقلين في الجاهلية، وأبو عمرو بن العلاء يقول إن العرب كانت تتوضأ (أي تتطهر) إذا أرادت إنشاد قصيدته في الفخر بأمه وقومه، وهي أول قصيدة في ديوانه، منها أبيات سائرة، ومطلعها:
ومنها:
يعني أن دماء قومه لكرمهم لو خُلطت بدماء غيرِهم لما امتزجت بها.
ومن شعره المختار قصيدة سينية يحرِّض فيها بني بكر قوم طرفة:
وقوله:
محمد شفيق البيطار
Al-Mutlamis (Djarir ibn Abdul Izza-) - Al-Mutlamis (Djarir ibn Abdul Izza-)
المتلمس (جرير بن عبد العُزَّى)
(عاش في القرن السادس الميلادي)
شاعر من شعراء الجاهلية أبيّ النفس كاره للظلم والاستبداد وأهله، ولذلك كان سليط اللسان، وكانت حياته شديدة القلق. غلب لقبه المتلمس على اسمه فوقع اختلاف فيه، ولكن معظم النسابين يقولون إنه جرير بن عبد المسيح، وفي عدد من المصادر أنه جرير بن عبد العزى، ولعل السبب أن أباه ولد وثنياً سماه أهله عبد العزى ثم تنصر فغير اسمه إلى عبد المسيح غير أن ابنه المتلمس لم يـتأثر بالنصرانية إذ يقسم بـ(اللات) وبـ(الأنصاب) في شعره، وحين يهرب من عمرو بن هند يتجه إلى مكة حاجاً ثم يستقر في بصرى الشام، ومن الممكن أن يكون المتلمس نفسه تنصر بعد إقامته في بصرى، فكره أن يقال له جرير بن عبد العزى فغيَّر اسم أبيه إلى عبد المسيح، ولهذا أشباه في التاريخ.
ولا خلاف في أنه من بني ضبيعة ابن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وغلب عليه لقب المتلمس لقوله يذكر وادي العِرض باليمامة:
وهذا أوان العِرض جُنَّ ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس |
ويذكر أن المتلمس خال طرفة بن العبد ولكن ذلك لا يصح؛ لأن أم طرفة هي وردة بنت قتادة بن منشوء بن عمرو ابن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل، وكأن ورود اسم (ضبيعة) في نسبها ونسب المتلمس وصداقة طرفة للمتلمس وراء هذا الغلط، إلا أن تكون بين المتلمس وأم طرفة قرابة من جهة الأمهات، فقيل إنه خاله على التوسع.
وكانت ولادة المتلمس في ديار أخواله بني يشكر في النصف الأول من القرن السادس الميلادي وربما كان أبوه مجاوراً فيهم فزوجوه، وكاد بنو يشكر يغلبون على نسب ابن أختهم، ثم إن عمرو بن هند ملك الحيرة سأل الحارث بن التوءم اليشكري عن نسبه فقال: «أواناً يزعم أنه من بني يشكر، وأواناً من بني ضبيعة بن ربيعة»، فقال ابن هند: «ما أراه إلا (كالساقط بين الفراشين)» وهو مثل يضرب لمن يتردد في أمرين وليس هو في أحد منهما، فبلغ ذلك المتلمس ففارق أخواله ولحق بقومه، وكان ذلك بعد أن نبغ في الشعر. ارتحل إلى الحيرة فألزمه عمرو بن هند أخاه وولي عهده قابوس بن هند مع قوم من العرب والشعراء فيهم طرفة بن العبد، وكان قابوس مترفاً مستبداً كأخيه فكان يخرج بهؤلاء إلى الصيد ثم يعود فيوقفهم ببابه ويدخل من شاء والباقون قيام إلى الليل، فهجا المتلمس وطرفة عمراً وقابوس، فأراد عمرو قتلهما، ولكنه راعى بني بكر قوم طرفة وأخوال المتلمس، فإنهم كانوا جنده، فكتمها في نفسه، ثم أطمعهما في بره وعطائه، فكتب لهما كتابين إلى عامله على البحرين وأمره أن يقتلهما، فلما همَّا بركوب الفرات شك المتلمس في الأمر، فعرض الكتاب على من قرأه له، فنبه طرفة على الشر المراد بهما، فاستكبر طرفة وادعى أن عمراً لا يجترئ عليه لمكانة قومه، فألقى المتلمس الصحيفة في الماء وفر فحج البيت الحرام ثم ذهب إلى الشام فاستقر في بصرى. ومضى طرفة إلى البحرين فقتل، فجعل المتلمس يحرض بني بكر على الطلب بدم طرفة وبلغ عمراً لحوقه بالشام، وفيها أعداؤه من غسان، وهم قاتِلو أبيه، فشق عليه ذلك وما يقوله من الشعر في تحريض بكر، وكُلِّم في العفو عنه فحلف ألا يدخل العراق ولا يذوق حبَّه حتى يموت، وكتب إلى عماله على نواحي الريف أن يأخذوا المتلمس إن قدروا عليه وهو يمتار الطعام، ثم تنقطع أخباره بعد ذلك، وكانت وفاته في الثلث الأخير من القرن السادس الميلادي.
للمتلمس ديوان مطبوع برواية الأثرم عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي عمرو الشيباني، ومعظم ما بقي من شعره مرتبط بخبره وخبر طرفة مع ابن هند وأمر الصحيفة ومقتل طرفة وفرار المتلمس وتحريضه بني بكر، إلى جانب قليل من القصائد والمقطعات في فخره بأمه وقومه وعتاب الحارث بن التوءم اليشكري ومدح قيس بن معد كرب الكندي ورثائه لنفسه، ويتخلل ذلك كله قليل من الغزل والوصف وكثير من الحكمة والاعتبار والتفكر في حياة الناس وأخبارهم وعلاقاتهم وأخبار السابقين.
يعدّ المتلمس من الشعراء الفحول وإن كان ما بقي من شعره قليلاً، ولذلك وضعه ابن سلام الجمحي في الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية، وذكر أن ما أخَّر شعراء هذه الطبقة هو قلة أشعارهم، والأصمعي يعده رأس فحول ربيعة بن نزار، وأبو عبيدة يذكر اتفاق العلماء على أنه أحد أشعر المقلين في الجاهلية، وأبو عمرو بن العلاء يقول إن العرب كانت تتوضأ (أي تتطهر) إذا أرادت إنشاد قصيدته في الفخر بأمه وقومه، وهي أول قصيدة في ديوانه، منها أبيات سائرة، ومطلعها:
يعيِّرني أمي رجال ولا أرى أخا كرم إلا بأن يتكــرَّما |
أحارثُ إنا لو تُسـاط دماؤنا تَزَيَّلْن حتى لا يَمّس دَم دما |
وكنا إذا الجبــــار صعَّر خده أقمنـا له من ميلـــه فتقوَّما لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ومـا عُلِّم الإنســان إلا ليعلما |
يا آل بكر ألا لله أمُّكـــــم طال الثَّـــواء وثوب العجز ملبوس أغنيت شأني فأغنوا اليوم شأنكم واستحمقوا في مراس الحرب أو كِيسوا |
أعاذل إن المرء رهن مصيبة صريع لعافي الطير أو سوف يرمس فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتـة وموتـن بهـــا حراً وجلدك أملس فما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا وما العجـز إلا أن يضاموا فيجلسوا |