كودا coda
فيلمٌ للتأمل في ( الخاتمة )
في هذا الفيلم الذي أُنتج عام 2019 يختلف دور الممثل الإنجليزي سير " باتريك ستيوارت " عن جميع أدواره التي مثلها طوال أكثر من نصف قرن في المسرح و السينما و التلفزيون ، إذ اشتهر ــ مثلاً ــ بدور كابتن " جان لوك بيكار " في سلسلة أفلام ( ستار تريك ) ، و بدور البروفسور " تشارلز إكسافيير " في سلسلة أفلام ــ رجال x .
في فيلم ( كودا ) يظهر في شخصية عازف بيانو شهير إسمه سير " هنري كول " ، و مع هذ الدور ننسى كل أدوار " باتريك ستيوارت " ، التي طغى عليها دورُهُ في ( ستارتريك ) مثلاً ، لأن دوره هنا ــ في فيلم ( كودا ) ــ مختلف و هادئ ، يُظهر فيه براعة عالية في التمثيل ، كيف لا و هو الممثل الإنجليزي البارع المتشبع بالمسرح الشكسبيري و الذي يحمل على كاهله ثقل سبعين عاماً من تجربة التمثيل ؟
هذا العازف " هنري كول " يعيش الفترة الأخيرة من رحلته الفنية الطويلة ، و في هذه الفترة يشعر بالوهن و يعيش مرحلة الخذلان الذاتي و هو يراقب ارتجاف أصابعه مع تقدمه في العمر ، ما يضعه في دائرة الإرتباك و القلق في مواجهة الجمهور الذي ينتظر حفلاته ، و هو ــ رغم مبالغات الفلاسفة الألمان ، كما يقول ــ يرى أنه بدون الموسيقى ستكون الحياة خطأً . بل يذهب الى البوح أن ( حياتي بدون الموسيقى ستكون ناقصة بطريقة أساسية ، كما لو لم يكن لدي أصدقاء و لا ذكريات ) . و علينا أن ننتبه الى كلمة ( كودا ) التي هي عنوان الفيلم ، و هي تعني في أحد معانيها ( الخاتمة الموسيقية ) . عليه فثمة ربط بين هذا العنوان و بين ما يمر به عازف البيانو " هنري كول " ، لكن المشكلة الأساسية غير المُعلنة هي تقدمه في العمر و ملاحظاته حول حركاته الجسمانية . ذلك يخلق لديه قلقاً و حيرة و قد غادر مرحلة الكهولة ليحل في مرحلة الشيخوخة ، و هذه هي الـ ( كودا ) التي حلّ فيها ، حتى أنه بات يرفض المقابلات الصحفية . غير أن الناقدة الموسيقية لصحيفة ( نيويوركر ) " هيلـِن موريسون " ( لعبت دورها " كاتي هولمز " ) استطاعت أن تلتقي به و تترك عليه تأثيرها ، ما خفف ــ نوعاً ما ــ من القلق الذي بات عليه بشأن وضعه الصحي ، و بالتالي النفسي ، حين راحت تلتقي به و باصدقائه و تسهر معه ، و تقترح عليه ما من شأنه أن يريحه .
كان العازف " هنري كول " قد وجد نفسه في حالته هذه بعد انقطاع طويل عن النشاط الموسيقي إثر وفاة زوجته ، و إذ عاد الى حفلاته أمام جمهوره المتذوق العريق ، فقد وجد نفسه غير العازف الذي كان عليه ، حين وجد أن أصابعه لا تطاوعه بالليونة و السرعة و المهارة .. حين كانت مطواعة ، ما يبعث في نفسه الرعب .
و قد سعت الناقدة " هيلـِن " لأن تكون بمثابة طوق النجاة . و في هذا السياق تقترح عليه الذهاب الى منتجع ( سيلس ماريا ) في جبال الألب السويسرية ، حيث ثمة شاب موسيقي معالج بالموسيقى ، و هي تعرفه .
في ذلك المنتجع يجد أن لديه فائضاً من الفراغ في الوقت ، فيملؤه بلعب الشطرنج مع مدير الفندق و مع البواب ، غير أنه يجد حَلّهُ في رياضة المشي ، ولكنه بات كثير التوقف و مراقبة ما حوله من مظاهر الوجود كالأشجار و غيرها ، و بالتالي مراقبة نفسه في ما آل اليه و قد تقدم به العمر و وَهَنَ جسدُهُ و باتت أصابع العازف الماهر الشهير تخونه .
نحن أمام فيلم تأملي ، أو لنقل إنه يدعونا الى التأمل . فيلم أتقن " لويس جودبوت " كتابته ، و أبدع " كلود لالوند " في إخراجه .
ملاحظة : ثمة فيلم يحمل عنوان ( كودا ) أيضاً ، أُنتج عام 2020 و نال عدة جوائز ، و موضوعه مختلف ، ولكن هذا الفيلم الذي نتحدث عنه أعمق منه بكثير .
سينما العالم
فيلمٌ للتأمل في ( الخاتمة )
في هذا الفيلم الذي أُنتج عام 2019 يختلف دور الممثل الإنجليزي سير " باتريك ستيوارت " عن جميع أدواره التي مثلها طوال أكثر من نصف قرن في المسرح و السينما و التلفزيون ، إذ اشتهر ــ مثلاً ــ بدور كابتن " جان لوك بيكار " في سلسلة أفلام ( ستار تريك ) ، و بدور البروفسور " تشارلز إكسافيير " في سلسلة أفلام ــ رجال x .
في فيلم ( كودا ) يظهر في شخصية عازف بيانو شهير إسمه سير " هنري كول " ، و مع هذ الدور ننسى كل أدوار " باتريك ستيوارت " ، التي طغى عليها دورُهُ في ( ستارتريك ) مثلاً ، لأن دوره هنا ــ في فيلم ( كودا ) ــ مختلف و هادئ ، يُظهر فيه براعة عالية في التمثيل ، كيف لا و هو الممثل الإنجليزي البارع المتشبع بالمسرح الشكسبيري و الذي يحمل على كاهله ثقل سبعين عاماً من تجربة التمثيل ؟
هذا العازف " هنري كول " يعيش الفترة الأخيرة من رحلته الفنية الطويلة ، و في هذه الفترة يشعر بالوهن و يعيش مرحلة الخذلان الذاتي و هو يراقب ارتجاف أصابعه مع تقدمه في العمر ، ما يضعه في دائرة الإرتباك و القلق في مواجهة الجمهور الذي ينتظر حفلاته ، و هو ــ رغم مبالغات الفلاسفة الألمان ، كما يقول ــ يرى أنه بدون الموسيقى ستكون الحياة خطأً . بل يذهب الى البوح أن ( حياتي بدون الموسيقى ستكون ناقصة بطريقة أساسية ، كما لو لم يكن لدي أصدقاء و لا ذكريات ) . و علينا أن ننتبه الى كلمة ( كودا ) التي هي عنوان الفيلم ، و هي تعني في أحد معانيها ( الخاتمة الموسيقية ) . عليه فثمة ربط بين هذا العنوان و بين ما يمر به عازف البيانو " هنري كول " ، لكن المشكلة الأساسية غير المُعلنة هي تقدمه في العمر و ملاحظاته حول حركاته الجسمانية . ذلك يخلق لديه قلقاً و حيرة و قد غادر مرحلة الكهولة ليحل في مرحلة الشيخوخة ، و هذه هي الـ ( كودا ) التي حلّ فيها ، حتى أنه بات يرفض المقابلات الصحفية . غير أن الناقدة الموسيقية لصحيفة ( نيويوركر ) " هيلـِن موريسون " ( لعبت دورها " كاتي هولمز " ) استطاعت أن تلتقي به و تترك عليه تأثيرها ، ما خفف ــ نوعاً ما ــ من القلق الذي بات عليه بشأن وضعه الصحي ، و بالتالي النفسي ، حين راحت تلتقي به و باصدقائه و تسهر معه ، و تقترح عليه ما من شأنه أن يريحه .
كان العازف " هنري كول " قد وجد نفسه في حالته هذه بعد انقطاع طويل عن النشاط الموسيقي إثر وفاة زوجته ، و إذ عاد الى حفلاته أمام جمهوره المتذوق العريق ، فقد وجد نفسه غير العازف الذي كان عليه ، حين وجد أن أصابعه لا تطاوعه بالليونة و السرعة و المهارة .. حين كانت مطواعة ، ما يبعث في نفسه الرعب .
و قد سعت الناقدة " هيلـِن " لأن تكون بمثابة طوق النجاة . و في هذا السياق تقترح عليه الذهاب الى منتجع ( سيلس ماريا ) في جبال الألب السويسرية ، حيث ثمة شاب موسيقي معالج بالموسيقى ، و هي تعرفه .
في ذلك المنتجع يجد أن لديه فائضاً من الفراغ في الوقت ، فيملؤه بلعب الشطرنج مع مدير الفندق و مع البواب ، غير أنه يجد حَلّهُ في رياضة المشي ، ولكنه بات كثير التوقف و مراقبة ما حوله من مظاهر الوجود كالأشجار و غيرها ، و بالتالي مراقبة نفسه في ما آل اليه و قد تقدم به العمر و وَهَنَ جسدُهُ و باتت أصابع العازف الماهر الشهير تخونه .
نحن أمام فيلم تأملي ، أو لنقل إنه يدعونا الى التأمل . فيلم أتقن " لويس جودبوت " كتابته ، و أبدع " كلود لالوند " في إخراجه .
ملاحظة : ثمة فيلم يحمل عنوان ( كودا ) أيضاً ، أُنتج عام 2020 و نال عدة جوائز ، و موضوعه مختلف ، ولكن هذا الفيلم الذي نتحدث عنه أعمق منه بكثير .
سينما العالم