العقوبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العقوبة

    عقوبه

    Punishment - Punition

    العقوبة

    الأصل أن وقوع جريمة ما من شأنه أن يرتب مسؤولية جزائية على عاتق مرتكبها، هذه المسؤولية في حال ثبوتها تجعل مرتكب الجريمة[ر] محلاً للعقوبة، فالعقوبة هي رد الفعل الاجتماعي على الجريمة التي وقعت.
    وقد طرأ تطور كبير على مفهوم العقوبةpunishment وفلسفتها والهدف منها، إذ مرت العقوبة بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. وكان هدف العقوبة إحداث الخوف والفزع حتى لا تتكرر الجريمة، وقد اتسمت العقوبة في هذه العصور بالقسوة والوحشية.
    وفيما بعد ظهرت أفكار حديثة أدت إلى تغيرات جذرية في مفهوم العقوبة والغرض منها، فلم يعد هدف العقوبة هو الانتقام والثأر والردع فحسب بل أصبح لها أغراض أخرى، كإصلاح المجرم ومنعه من العودة إلى الجريمة ومنع الغير من تقليده، وحماية المجتمع وأمنه من الجريمة وما يترتب عليها من آثار، والتكفير عن الخطيئة؛ فالمجرم ارتكب إثماً لابد من أن يعاقب عليه.
    والعقوبة اليوم هي: الجزاء الذي يحدده القانون ويُفرض باسم المجتمع على شخص مسؤول جزائياً عن جريمة، بناءً على حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة.
    وعلى هذا فإن للعقوبة صفات مختلفة أهمهاما يأتي:
    ـ العقوبة جزاء، وجوهر الجزاء الإيلام، ويتحقق هذا الإيلام عن طريق المساس بحق من حقوق من تفرض عليه العقوبة.
    ـ العقوبة مانعة قبل ارتكاب الجريمة رادعة بعدها، بمعنى أن تحديدها من قبل المشرع بصورة واضحة يجعل الأشخاص يمتنعون عن ارتكاب الجرائم إذا عرفوا العقوبات التي ستواجههم، وهي رادعة زاجرة بعد ارتكاب الجريمة.
    ـ العقوبة تفرض باسم المجتمع فهي رد فعل اجتماعي.
    ـ العقوبة قانونية، فلا عقوبة بغير جريمة ولا جريمة بغير نص قانوني.
    ـ العقوبة شخصية، فالعقوبة تفرض على الشخص المسؤول عن الفعل الإجرامي دون غيره، ولا يجوز أن تنال أحد أفراد أسرته أو أقاربه أو أصدقائه.
    ـ العقوبة لا تفرض إلا من قبل محكمة جزائية مختصة.
    وتهدف العقوبة عموماً إلى تحقيق العدالة من جهة وإلى تحقيق الردع العام والردع الخاص من جهة أخرى.
    أنواع العقوبات
    تقسم العقوبات إلى أنواع متعددة بحسب طبيعتها ودرجة جسامتها والرابطة فيما بينها.
    1ـ أنواع العقوبات بحسب طبيعتها
    جوهر العقوبة هو الإيلام المقصود، ويتحقق هذا الإيلام عندما تمس العقوبة حقاً من حقوق الشخص الذي تفرض عليه، وتتعدد حقوق الأشخاص وتتنوع تبعاً لذلك العقوبات بحسب الحق الذي ينال بالعقوبة.
    آ ـ العقوبات البدنية: وهي العقوبات التي تقع على جسم الإنسان، فتنال من حقه في الحياة أو في السلامة الجسدية. وفي القانون السوري لاتوجد سوى عقوبة بدنية واحدة هي عقوبة الإعدام.
    ب ـ العقوبات الماسة بالحرية: وهي العقوبات التي تحرم المحكوم عليه من حريته في اختيار المكان الذي يعيش فيه وفي التنقل من مكان إلى آخر. وهي على نوعين: عقوبات سالبة للحرية وهي الأشغال الشاقة، والاعتقال، والحبس. وعقوبات مقيدة للحرية ومثالها الوحيد في التشريع السوري هو الإقامة الجبرية.
    ج ـ العقوبات الماسة بالحقوق: وهي العقوبات التي تمس الحقوق المدنية للمحكوم عليه فتحرمه منها، ومثالها في التشريع السوري التجريد المدني والمنع من الحقوق المدنية والحجر القانوني.
    د ـ العقوبات المعنوية: وهي العقوبات التي تمس المحكوم عليه في مشاعره وشرفه واعتباره، ومثالها في التشريع السوري إلصاق الحكم في بعض الأماكن مما يؤثر في مكانة المحكوم عليه في مجتمعه، وعقوبة نشر الحكم في الصحف.
    هـ ـ العقوبات المالية: وهي العقوبات التي تمس المحكوم عليه في ذمته المالية، ومثالها في القانون السوري الغرامة والمصادرة .
    2ـ أنواع العقوبات بحسب درجة جسامتها:
    تقسم العقوبات على أساس جسامتها في التشريع السوري إلى ثلاثة أنواع:
    أ ـ العقوبات الجنائية: وهي حسب أحكام المادتين 37 و38 من قانون العقوبات:
    1ـ العقوبات الجنائية العادية: وهي الإعدام، والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والاعتقال المؤبد والمؤقت.
    2ـ العقوبات الجنائية السياسية: وهي الاعتقال المؤبد والاعتقال المؤقت والإقامة الجبرية والتجريد المدني.
    ب ـ العقوبات الجنحية: وهي حسب أحكام المادتين 39 و40 من قانون العقوبات:
    1ـ العقوبات الجنحية العادية: وهي الحبس مع التشغيل والحبس البسيط والغرامة.
    2ـ العقوبات الجنحية السياسية: وهي الحبس البسيط والإقامة الجبرية والغرامة.
    ج ـ العقوبات التكديرية: وهي الحبس التكديري والغرامة.
    3ـ أنواع العقوبات بحسب الرابطة فيما بينها
    تقسم العقوبات على أساس الرابطة فيما بينها إلى ثلاثة أنواع: أصلية وفرعية وإضافية:
    أ ـ العقوبات الأصلية: وهي الجزاء الأساسي للجريمة، ولا تقع إلا إذا نطق بها القاضي وحدد نوعها ومقدارها، ويجوز أن تفرض وحدها فلا تكون إلى جانبها عقوبة فرعية أو إضافية. والعقوبات الأصلية في قانون العقوبات السوري هي: الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة، والاعتقال المؤبد والمؤقت، والإقامة الجبرية، والتجريد المدني، والحبس، والغرامة.
    ب ـ العقوبات الفرعية: وهي عقوبات تتبع العقوبة الأصلية بحكم القانون، ومن ثم تقع فور صدور الحكم بالعقوبة الأصلية ودون حاجة لأن ينطق بها القاضي، ويطلق عليها في بعض التشريعات العربية كالتشريع المصري، العقوبات التبعية.
    ج ـ العقوبات الإضافية: وهي عقوبات تضاف إلى العقوبة الأصلية، ويجب أن يتضمنها قرار الحكم الذي تضمن العقوبة الأصلية. والعقوبة الإضافية لا تفرض على المحكوم عليه إلا إذا نطق بها القاضي وحدد نوعها ومقدارها، ويطلق عليها في التشريع المصري مصطلح «العقوبات التكميلية»، ومثالها في القانون السوري: المصادرة (م) ونشر الحكم في الجنايات والجنح في الصحف.
    موانع العقاب
    تتكون الجريمة من ركنين أساسيين هما: الركن المادي ويتألف من ثلاثة عناصر: السلوك الإجرامي، والنتيجة الإجرامية، وعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة، والركن المعنوي وله صورتان: القصد (في الجرائم المقصودة) والخطأ (في الجرائم غير المقصودة).
    والقصد الجرمي يقوم على عنصرين أساسيين هما العلم والإرادة، هذه الإرادة حتى يعتد بها القانون يجب أن يتوافر فيها شرطان هما الإدراك وحرية الاختيار، وانتفاء أي منهما يؤدي إلى تخلف الإرادة بوصفها عنصراً من عناصر القصد الجرمي الأمر الذي يؤدي إلى انتفاء المسؤولية الجزائية ومن ثم امتناع العقاب.
    وموانع العقاب التي أخذ بها المشرع السوري لفقدان الإدراك هي: الغلط المادي والقصر والجنون والسكر والتسمم بالمخدرات، وقد نصت عليها المواد (222 ـ 225) و(230 ـ 238).
    أما موانع العقاب التي أخذ بها المشرع السوري لفقدان حرية الاختيار فهي: القوة القاهرة وتتمثل في حالتين: الإكراه وحالة الضرورة وقد نصت عليها المواد (226ـ 229).
    تخفيف العقوبة
    يخفف قانون العقوبات السوري العقوبة في حالتين:
    1ـ الأعذار القانونية. 2ـ الأسباب المخففة.
    1ـ الأعذار القانونية: هي أسباب لتخفيف العقوبة، نص عليها الشارع صراحة على سبيل الحصر، وهي: الأعذار المحلة والأعذار المخففة.
    أ ـ الأعذار المحلة: وهي الأعذار التي تعفي الجاني من كل عقاب إذا توافرت شروطها فيه، لكنها لاتؤثر في قيام الجريمة ولا تنفي المسؤولية الجزائية، ومثالها في القانون السوري: المادة (548) التي منحت عذراً محلاً مَنْ فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
    ب ـ الأعذار المخففة: وتخفف العقوبة على الجاني الذي تتوافر فيه، وهي نوعان:
    1ـ الأعذار المخففة العامة: ويتسع نطاقها لجميع الجرائم، بمعنى أنه يستفيد منها الجاني إذا توافرت فيه مهما كانت جريمته، وهي في القانون السوري: الدافع الشريف، العته، التسمم بالمسكرات أو المخدرات الناتج من قوة قاهرة أو حدث طارئ والإثارة أي ثورة الغضب الشديد، والقُصّر (الأحداث الذين أتموا السابعة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم).
    2ـ الأعذار المخففة الخاصة: وهي الأعذار التي يستفيد منها الجاني إذا توافرت شروطها فيه ونص القانون عليها صراحة، ومثالها في القانون السوري: العذر المخفف الذي يُمنح للمرأة التي تقدم على قتل وليدها الذي حملت به سفاحاً اتقاءً للعار.
    3ـ الأسباب المخففة: ليست الأعذار القانونية المخففة التي نص عليها القانون صراحة السبيل الوحيد لتخفيف العقوبة، بل هنالك الأسباب المخففة التقديرية القضائية أيضاً؛ ويُقصد بها أن المشرع منح القاضي الحق في تخفيف العقوبة في الأحوال التي يرى فيها لزوم ذلك، وغرض المشرع من منح القاضي هذه الأسباب هو تحقيق أكبر قدر من العدالة وتمكين القاضي من الملاءَمة بين قواعد القانون المجردة والظروف الواقعية المتنوعة التي ترتكب فيها الجرائم.
    والمشرع السوري لم يحدد أنواع الأسباب المخففة، بل ترك حرية تقديرها للقاضي في كل حالة على انفراد.
    تشديد العقوبة
    يشدد القانون السوري العقوبة إذا اقترنت بالجريمة ظروف معينة سمّاها (الأسباب المشددة)، وأسباب التشديد في القانون السوري متعددة، وهي إما مادية أو شخصية وإما عامة أو خاصة.
    ويقصد بالأسباب المشددة المادية الأسباب المتعلقة بالركن المادي للجريمة سواء الفعل أو النتيجة، ومثالها: ظروف الليل والكسر في جريمة السرقة. أفعال التعذيب والشراسة نحو الأشخاص في جريمة القتل، إصابة المجني عليه في جرائم الاعتداء على العرض بمرض زهري نتيجة هذا الاعتداء.
    ويقصد بالأسباب المشددة الشخصية الأسباب المتعلقة بشخص الجاني؛ فالمشرع يرى أن توافر صفة معينة في شخص الجاني يستلزم تشديد العقوبة، ومثالها: البنوة في جريمة القتل، وصفة الطبيب في جريمة الإجهاض.
    ويقصد بالأسباب المشددة العامة الأسباب التي يتسع نطاقها لجميع الجرائم أو أغلبها، وهي في القانون السوري، التكرار (العَوُدْ)، وهو عودة المجرم المحكوم عليه بعقوبة جزائية إلى اقتراف جريمة أو أكثر في مدة زمنية معينة، واعتياد الإجرام، واجتماع الجرائم والدافع الشائن ودافع الكسب.
    ويقصد بالأسباب المشددة الخاصة، الأسباب التي تشدد العقوبة إذا اقترنت بجريمة معينة ذاتها دون سواها، ومثالها، العمد (سبق الإصرار) في الجرائم الواقعة على الأشخاص.
    لابد من الإشارة إلى أن العقوبة ليست هي الرد الوحيد على الجريمة فحسب، بل يوجد أيضاً التدبير؛ والتدبير هو إجراء، الهدف منه إصلاح المجرم وعلاجه من جهة، وحماية المجتمع من خطره من جهة أخرى. ولا يتضمن التدبير معنى الجزاء والإيلام نهائياً، فهو مجرد رد فعل مناسب لحالة المجرم.
    وقد أخذ القانون السوري بالتدبير، ونص على مجموعة من التدابير الاحترازية والإصلاحية، فعند الكبار أخذ المشرع السوري بنظرية الجمع بين العقوبة والتدبير الاحترازي، وأعطى القاضي الحق في فرض العقوبة وحدها عندما لا تكون هنالك ضرورة لفرض التدبير الاحترازي معها، أو فرض التدبير الاحترازي وحده عندما لا تكون هنالك فائدة من فرض العقوبة أو فرض العقوبة والتدبير الاحترازي معاً في الحالات التي تستدعي ذلك، إذ تنفذ العقوبة أولاً والتدبير الاحترازي بعدها.
    وفيما يخص الأحداث فقد أخذ المشرع السوري بنظرية الاقتصار على التدبير الإصلاحي وحده، وقد نص قانون الأحداث الجانحين على مجموعة كبيرة من التدابير الإصلاحية التي من شأنها إصلاح الحدث وتأهيله وإعادته إلى المجتمع.
    منال منجد
يعمل...
X