الأنثروبولوجي ادوارد تي هال في دراساته للأبعاد المخفية واللغة الصامتة. لقد اكتشف هال بأن الأنماط التجاورية أي العلاقة بين مخلوقين ضمن فضاء معلوم يمكن أن يتأثر باعتبارات خارجية إن شدة الضوضاء ودرجة الإضاءة يمكن لها جميعاً أن تغير الفضاء بين الأفراد كان الناس في الحضارات الانكلوساكسونية وحضارات شمال أوربا يميلون إلى استخدام فضاء أكبر مما كان يستخدمه سكان المناطق ذات المناخ الأكثر دفئاً. فالضوضاء الكثيرة والخطر والظلام يميل إلى جعل الناس يقتربون من بعضهم. وبعد اخذ هذه الاختلافات الحضارية والخارجية بنظر الاعتبار يقسم هال الطرق التي يستخدم الناس الفضاء بموجبها إلى أربع أنماط تجاورية كبرى: الحميم والشخصي والإجتماعي والعمومي ويسميها بالمسافات .
ويعرف هال المسافة الحميمة على أنها المسافة التي تمتد من التماس الحقيقي للبشرة إلى بعد ۱۸ عقدة. هذه مسافة الالتحام الفيزيائي للحب والراحة والرقة بين الأفراد مثل هذه المسافات تعتبر دخيلة مع الغرباء. إن رد فعل أكثر الناس سيكون بالريبة والعداء إذا ما غزا أحد الغرباء الفراغ الخاص والمسافة الحميمة هذه تعتبر في كثير من الحضارات غير مناسبة ومعيبة في الأماكن العامة .
أما المسافة الشخصية فهي تمتد تقريباً من مسافة قدم ونصف من الشخص إلى مسافة أربعة أقدام ويمكن للأفراد أن يلامسوا بعضهم إذا ما كان ذلك ضرورياً طالما كانوا على بعد ذراع من بعضهم. هذه المسافات تحفظ للأصدقاء والمعارف أكثر منها للمحبين أو أعضاء العائلة الواحدة. المسافات الشخصية تحافظ على الخصوصية بين الأفراد ومع هذا فإن هذه المديات لا توحي بالضرورة بالطرد أو الإبعاد كما توحي بذلك المسافات الحميمة دائما تقريباً .
المسافات الإجتماعية تمتد من أربعة أقدام لغاية ١٢ قدماً تقريباً. هذه المسافات المعدة عادة للأعمال غير الشخصية والتجمعات الإجتماعية العابرة . إنه مدى الصداقة في أغلب الحالات ولكنه ذلك أكثر تعبيراً عن الرسميات من المسافة الشخصية. في الأحوال الطبيعية تكون المسافات الإجتماعية ضرورية عند وجود أكثر من ثلاثة أعضاء من مجموعة في بعض الحالات تعتبر المحافظة على مسافة حميمة أو شخصية بين فردين أمراً فضاً ضمن المواقف الإجتماعية. وقد يفسر مثل هذا السلوك على أنه شاذ أو خاص جداً.
ويفسر هال المسافة «العمومية» على أنها تمتد من إثني عشر قدماً إلى خمسة وعشرين قدماً فأكثر . هذه المديات تكون عادة رسمية وغالباً ما تكون محايدة منفصلة. عرض المشاعر يعتبر عموماً في هذه المديات قلة ذوق. الشخصيات المهمة عادة تشاهد في المديات العمومية وبسبب الكمية الكبيرة من الفضاء المتعلقة بذلك في هذه المديات فإن الناس يبالغون عموماً بإيماءاتهم ويرفعون من أصواتهم لكي يفهموا بوضوح.
كل هذه النماذج والطرز التجاورية إنما هي تقريبية ويؤكد هال اختلافها من حضارة إلى أخرى فالذي يعتبر مسافة شخصية في الجزائر يحتمل أن يعتبر مسافة حميمة في السويد أو انكلترا. اضف إلى ذلك أن أكثر الناس يتكيف بصورة غريزية للطرز التجاورية. نحن لا نخبر أنفسنا بأن هذا الشخص قد غزا فضاءنا الحميم عندما يصادف أن يقف غريب ما على بعد ثماني عشر عقدة منا ولكن ما لم نكن في جو قتالي فإن المرجح أننا نبتعد آلياً في مثل هذه الظروف. وبديهي إن الإطار الإجتماعي هو أيضاً عامل حاسم في النماذج التجاورية. فمثلاً عندما نكون في عربة مكتظة تحت الأرض فإن الجميع تقريباً . ضمن المدى الحميم ومع ذلك فإننا نحافظ على موقف «عمومي» إذ لا نتكلم مع الشخص الذي يلامس جسمه جسمنا هم حرفياً.
النماذج التجاورية واضحة لكل من عني بملاحظة الطريقة التي يطيع الناس بموجبها أعرافاً فراغية معينة في الحياة العملية. ولكن في السينما تطبق هذه النماذج على اللقطات ومديات أبعادها». ورغم أن اللقطة لا تعرف لزوماً بالفراغ الحرفي بين آلة التصوير والشيء المصور، فإننا نجد أنها من ناحية تأثيرها السايكولوجي توحي بالمسافات الفيزيائية رجال السياسة الذين يظهرون في التلفزيون يكونون في الأغلب أعداء أنفسهم لأنهم غير قادرين على التكيف للنماذج التجاورية المختلفة. رجال السياسة القدماء يظهرون على شاشة التلفزيون متعالين لأنهم اعتادوا التحدث إلى جماهير ضخمة هي ضمن المديات التجاورية العمومية. في حين أن آلة التصوير التلفزيونية تقترب إلى المدى الشخصي لذا فإن الإيماءات الكبيرة والصوت العالي لهؤلاء السياسيين قد تبدو خطابية تفتقد الصدق حتى بالنسبة للمشاهدين الذين يتعاطفون مع ذلك السياسي. ومن الناحية الأخرى فإن السياسيين الشباب أكثر استيعاباً للتأثيرات المختلفة للمديات التجاورية المختلفة. ولذا فإن ظهورهم في الندوات السياسية على شاشة التلفزيون يبدو أكثر سلاسة وتشذيباً وصدقاً حتى لخصومهم.
إن أمام المخرج السينمائي عادة عدداً . من الإختيارات بشأن نوع التي عليه أن يستخدمها ليوصل الفعل الدرامي للمشهد. إن الذي يقرر اختياره هذا - علما بأن ذلك يتم عادة بصورة غريزية لا واعية - هو الوقع العاطفي أو الذهني للمديات التجاورية المختلفة. إن لكل نموذج تجاوري لقطة تقريبية مساوية له. المسافة الحميمة مثلاً يمكن أن تشبه بمدى اللقطة الكبيرة أو الكبيرة جداً، والمسافة الشخصية تشبه بمدى اللقطة المتوسطة تقريباً. والمسافات الإجتماعية تطابق مديات اللقطة المتوسطة واللقطة الكاملة. والمسافات العمومية هي تقريباً ضمن مديات اللقطة البعيدة والبعيدة جداً. وبما أن أعيننا تقترن بعدسة آلة التصوير فإننا في الواقع نقع ضمن المديات المختلفة في مقابلة مادة الموضوع فعندما تعرض علينا لقطة كبيرة للشخصية مثلاً فإننا نشعر وكأننا في علاقة حميمة مع الشخصية. في بعض الأحوال يجعلنا هذا الأسلوب نتقيد به ويجبرنا على الإهتمام به وأن نأخذ عنه مشاكله . فإذا ما كانت الشخصية هي شخصية الشرير فإن اللقطة الكبيرة تحدث فينا رفضاً انفعالياً إذ إنه في الحقيقة يغزو فضاءنا. يستخدم المخرج سرجيو ليونه هذا الأسلوب بصورة فعالة في العديد من اللقطات الكبيرة لشخصياته الشريرة في فلمه حدث ذات مرة في الغرب.
على العموم كلما اتسعت المسافة بين آلة التصوير والموضوع كلما بقينا محايدين عاطفياً إذ إن هذا المدى التجاوري العمومي يميل إلى تشجيعنا على استقلال ذهني معين وعلى العكس من ذلك كلما اقتربنا من الشخصية كلما شعرنا أننا بجواره ولذا يزداد تلاحمنا العاطفي (٢ - ٢٤). وعندما نكون قريبين جداً من الفعل - من شخص يتزحلق على قشرة موز مثلاً ـ فإن الفعل نادراً ما يكون مضحكاً ونكون معنيين بسلامة الشخص. وإذا ما نظرنا إلى نفس الحدث من مسافة أكبر فإن ذلك يؤثر فينا بشكل كوميدي. ولهذا السبب بالذات استخدم شارلي شابلن اللقطات الكبيرة بتقشف. وحين يبقى شارلي في اللقطات البعيدة نستمتع نحن بتحفياته ومآزقه المضحكة. ولكن في المشاهد ذات الزخم العاطفي الكبير حيث نرى شابلن في لقطات كبيرة يكون لهذه اللقطات الكبيرة تأثير عنيف على الجمهور إذ ندرك فجأة بأن الموقف الذي ضحكنا منه لم يعد مضحكاً. ونشعر بأننا أقرب إلى شارلي ونتبنى مشاعره .
يتقرر اختيار اللقطة عادة بواسطة اعتبارات عملية معينة يختار المخرج عادة اللقطة التي تعبر عن الفعل الدرامي للمشهد على أفضل وجه. إذا ما وجد تناقض بين التأثير العاطفي لبعض المديات التجاورية والوضوح المطلوب لإيصال ما يجري إلى المشاهد فإن أغلب المخرجين سوف يختار الوضوح ويحصل على التأثير العاطفي بوسائل أخرى فعل ذلك المخرج جان لوك كودار في مشهد من فلم نهاية الأسبوع حيث ضحى بالأداء الوظيفي من أجل الشكل وينجم عن ذلك دائما الارتباك في جانب الجمهور. وخلال جزء كبير من الفلم يبقي كودار بطليه الخبيثين في لقطات طويلة ليمنع الجمهور من أي منهم. وحتى مشاهد الفسق تنفذ بهذه المديات والنتيجة أن الوقائع الوحشية تصدمنا غالباً بكونها كوميدية مضحكة - وهذا هو هدف كودار المقصود غير أنه في أحد المشاهد نجد تبادل السجناء في ساحة حقل في الريف. ويتم تنفيذ الفعل بلقطة طويلة جداً وبدون قطع لذا فإننا لا نستطيع تشخيص السجناء بسبب المسافة بين آلة التصوير والشخصيات . وبسبب عدم رغبة كودار بتقديم لقطة أكبر لتوضيح الموقف فإنه يحافظ على إحساس معين بالابتعاد الذهني، لكنه لسوء الحظ أيضاً يتجاوز على الاعتيادي المعروف ومبدأ أساسي في الوضوح، النتيجة هي أن المشهد يفقد تأثيره.
إلا إن هنالك الكثير من المواقف لا يتقرر اختيار اللقطة فيها بالضرورة بواسطة مثل هذه الاعتبارات الوظيفية . فإذا ما تطلب أحد المشاهد مثلاً لقطة لرجل يطالع على طاولة لوحده فإن أمام المخرج عدداً من الاختيارات يمكنه تفضيل أحدها واختياره من المحتمل أن يتقرر على الأقل في جزء منه في ضوء اعتبارات تجاورية (٢ - ٢٥) .
مخرج طرازي وظيفي مثل هوارد هوكز يحتمل أن يصور المشهد في لقطة متوسطة يظهر فيها الجزء الأعلى من جسم الرجل وسطح المنضدة. واقعي كوميدي مثل شارلي شابلن ربما كان سيستخدم لقطة كاملة أو طويلة ليمنع الجمهور من تشخيص نفسه كثيراً مع الشخصية وليفسح لنا المجال كي نری خلفيته الإجتماعية مخرج مثل هتشكوك تطغى على أعماله الانطباعية يريد عادة من الجمهور أن يتشخص مع البطل وربما يقدم لنا عدداً اللقطات الكبيرة لوجه الرجل والأشياء التي على المائدة ليؤكد سلسلة الأفكار العاطفية المعينة. وربما صور المشهد مخرج مثل انطونيوني في لقطة بعيدة جداً ليوحي بوحدة الرجل وتغربه. وهكذا وكما في كل أسلوب سينمائي آخر تقريباً فإن السياق الدرامي هو الذي يقرر اختيار اللقطة واختيار المؤثرات التجاورية الملازمة لها .
ويعرف هال المسافة الحميمة على أنها المسافة التي تمتد من التماس الحقيقي للبشرة إلى بعد ۱۸ عقدة. هذه مسافة الالتحام الفيزيائي للحب والراحة والرقة بين الأفراد مثل هذه المسافات تعتبر دخيلة مع الغرباء. إن رد فعل أكثر الناس سيكون بالريبة والعداء إذا ما غزا أحد الغرباء الفراغ الخاص والمسافة الحميمة هذه تعتبر في كثير من الحضارات غير مناسبة ومعيبة في الأماكن العامة .
أما المسافة الشخصية فهي تمتد تقريباً من مسافة قدم ونصف من الشخص إلى مسافة أربعة أقدام ويمكن للأفراد أن يلامسوا بعضهم إذا ما كان ذلك ضرورياً طالما كانوا على بعد ذراع من بعضهم. هذه المسافات تحفظ للأصدقاء والمعارف أكثر منها للمحبين أو أعضاء العائلة الواحدة. المسافات الشخصية تحافظ على الخصوصية بين الأفراد ومع هذا فإن هذه المديات لا توحي بالضرورة بالطرد أو الإبعاد كما توحي بذلك المسافات الحميمة دائما تقريباً .
المسافات الإجتماعية تمتد من أربعة أقدام لغاية ١٢ قدماً تقريباً. هذه المسافات المعدة عادة للأعمال غير الشخصية والتجمعات الإجتماعية العابرة . إنه مدى الصداقة في أغلب الحالات ولكنه ذلك أكثر تعبيراً عن الرسميات من المسافة الشخصية. في الأحوال الطبيعية تكون المسافات الإجتماعية ضرورية عند وجود أكثر من ثلاثة أعضاء من مجموعة في بعض الحالات تعتبر المحافظة على مسافة حميمة أو شخصية بين فردين أمراً فضاً ضمن المواقف الإجتماعية. وقد يفسر مثل هذا السلوك على أنه شاذ أو خاص جداً.
ويفسر هال المسافة «العمومية» على أنها تمتد من إثني عشر قدماً إلى خمسة وعشرين قدماً فأكثر . هذه المديات تكون عادة رسمية وغالباً ما تكون محايدة منفصلة. عرض المشاعر يعتبر عموماً في هذه المديات قلة ذوق. الشخصيات المهمة عادة تشاهد في المديات العمومية وبسبب الكمية الكبيرة من الفضاء المتعلقة بذلك في هذه المديات فإن الناس يبالغون عموماً بإيماءاتهم ويرفعون من أصواتهم لكي يفهموا بوضوح.
كل هذه النماذج والطرز التجاورية إنما هي تقريبية ويؤكد هال اختلافها من حضارة إلى أخرى فالذي يعتبر مسافة شخصية في الجزائر يحتمل أن يعتبر مسافة حميمة في السويد أو انكلترا. اضف إلى ذلك أن أكثر الناس يتكيف بصورة غريزية للطرز التجاورية. نحن لا نخبر أنفسنا بأن هذا الشخص قد غزا فضاءنا الحميم عندما يصادف أن يقف غريب ما على بعد ثماني عشر عقدة منا ولكن ما لم نكن في جو قتالي فإن المرجح أننا نبتعد آلياً في مثل هذه الظروف. وبديهي إن الإطار الإجتماعي هو أيضاً عامل حاسم في النماذج التجاورية. فمثلاً عندما نكون في عربة مكتظة تحت الأرض فإن الجميع تقريباً . ضمن المدى الحميم ومع ذلك فإننا نحافظ على موقف «عمومي» إذ لا نتكلم مع الشخص الذي يلامس جسمه جسمنا هم حرفياً.
النماذج التجاورية واضحة لكل من عني بملاحظة الطريقة التي يطيع الناس بموجبها أعرافاً فراغية معينة في الحياة العملية. ولكن في السينما تطبق هذه النماذج على اللقطات ومديات أبعادها». ورغم أن اللقطة لا تعرف لزوماً بالفراغ الحرفي بين آلة التصوير والشيء المصور، فإننا نجد أنها من ناحية تأثيرها السايكولوجي توحي بالمسافات الفيزيائية رجال السياسة الذين يظهرون في التلفزيون يكونون في الأغلب أعداء أنفسهم لأنهم غير قادرين على التكيف للنماذج التجاورية المختلفة. رجال السياسة القدماء يظهرون على شاشة التلفزيون متعالين لأنهم اعتادوا التحدث إلى جماهير ضخمة هي ضمن المديات التجاورية العمومية. في حين أن آلة التصوير التلفزيونية تقترب إلى المدى الشخصي لذا فإن الإيماءات الكبيرة والصوت العالي لهؤلاء السياسيين قد تبدو خطابية تفتقد الصدق حتى بالنسبة للمشاهدين الذين يتعاطفون مع ذلك السياسي. ومن الناحية الأخرى فإن السياسيين الشباب أكثر استيعاباً للتأثيرات المختلفة للمديات التجاورية المختلفة. ولذا فإن ظهورهم في الندوات السياسية على شاشة التلفزيون يبدو أكثر سلاسة وتشذيباً وصدقاً حتى لخصومهم.
إن أمام المخرج السينمائي عادة عدداً . من الإختيارات بشأن نوع التي عليه أن يستخدمها ليوصل الفعل الدرامي للمشهد. إن الذي يقرر اختياره هذا - علما بأن ذلك يتم عادة بصورة غريزية لا واعية - هو الوقع العاطفي أو الذهني للمديات التجاورية المختلفة. إن لكل نموذج تجاوري لقطة تقريبية مساوية له. المسافة الحميمة مثلاً يمكن أن تشبه بمدى اللقطة الكبيرة أو الكبيرة جداً، والمسافة الشخصية تشبه بمدى اللقطة المتوسطة تقريباً. والمسافات الإجتماعية تطابق مديات اللقطة المتوسطة واللقطة الكاملة. والمسافات العمومية هي تقريباً ضمن مديات اللقطة البعيدة والبعيدة جداً. وبما أن أعيننا تقترن بعدسة آلة التصوير فإننا في الواقع نقع ضمن المديات المختلفة في مقابلة مادة الموضوع فعندما تعرض علينا لقطة كبيرة للشخصية مثلاً فإننا نشعر وكأننا في علاقة حميمة مع الشخصية. في بعض الأحوال يجعلنا هذا الأسلوب نتقيد به ويجبرنا على الإهتمام به وأن نأخذ عنه مشاكله . فإذا ما كانت الشخصية هي شخصية الشرير فإن اللقطة الكبيرة تحدث فينا رفضاً انفعالياً إذ إنه في الحقيقة يغزو فضاءنا. يستخدم المخرج سرجيو ليونه هذا الأسلوب بصورة فعالة في العديد من اللقطات الكبيرة لشخصياته الشريرة في فلمه حدث ذات مرة في الغرب.
على العموم كلما اتسعت المسافة بين آلة التصوير والموضوع كلما بقينا محايدين عاطفياً إذ إن هذا المدى التجاوري العمومي يميل إلى تشجيعنا على استقلال ذهني معين وعلى العكس من ذلك كلما اقتربنا من الشخصية كلما شعرنا أننا بجواره ولذا يزداد تلاحمنا العاطفي (٢ - ٢٤). وعندما نكون قريبين جداً من الفعل - من شخص يتزحلق على قشرة موز مثلاً ـ فإن الفعل نادراً ما يكون مضحكاً ونكون معنيين بسلامة الشخص. وإذا ما نظرنا إلى نفس الحدث من مسافة أكبر فإن ذلك يؤثر فينا بشكل كوميدي. ولهذا السبب بالذات استخدم شارلي شابلن اللقطات الكبيرة بتقشف. وحين يبقى شارلي في اللقطات البعيدة نستمتع نحن بتحفياته ومآزقه المضحكة. ولكن في المشاهد ذات الزخم العاطفي الكبير حيث نرى شابلن في لقطات كبيرة يكون لهذه اللقطات الكبيرة تأثير عنيف على الجمهور إذ ندرك فجأة بأن الموقف الذي ضحكنا منه لم يعد مضحكاً. ونشعر بأننا أقرب إلى شارلي ونتبنى مشاعره .
يتقرر اختيار اللقطة عادة بواسطة اعتبارات عملية معينة يختار المخرج عادة اللقطة التي تعبر عن الفعل الدرامي للمشهد على أفضل وجه. إذا ما وجد تناقض بين التأثير العاطفي لبعض المديات التجاورية والوضوح المطلوب لإيصال ما يجري إلى المشاهد فإن أغلب المخرجين سوف يختار الوضوح ويحصل على التأثير العاطفي بوسائل أخرى فعل ذلك المخرج جان لوك كودار في مشهد من فلم نهاية الأسبوع حيث ضحى بالأداء الوظيفي من أجل الشكل وينجم عن ذلك دائما الارتباك في جانب الجمهور. وخلال جزء كبير من الفلم يبقي كودار بطليه الخبيثين في لقطات طويلة ليمنع الجمهور من أي منهم. وحتى مشاهد الفسق تنفذ بهذه المديات والنتيجة أن الوقائع الوحشية تصدمنا غالباً بكونها كوميدية مضحكة - وهذا هو هدف كودار المقصود غير أنه في أحد المشاهد نجد تبادل السجناء في ساحة حقل في الريف. ويتم تنفيذ الفعل بلقطة طويلة جداً وبدون قطع لذا فإننا لا نستطيع تشخيص السجناء بسبب المسافة بين آلة التصوير والشخصيات . وبسبب عدم رغبة كودار بتقديم لقطة أكبر لتوضيح الموقف فإنه يحافظ على إحساس معين بالابتعاد الذهني، لكنه لسوء الحظ أيضاً يتجاوز على الاعتيادي المعروف ومبدأ أساسي في الوضوح، النتيجة هي أن المشهد يفقد تأثيره.
إلا إن هنالك الكثير من المواقف لا يتقرر اختيار اللقطة فيها بالضرورة بواسطة مثل هذه الاعتبارات الوظيفية . فإذا ما تطلب أحد المشاهد مثلاً لقطة لرجل يطالع على طاولة لوحده فإن أمام المخرج عدداً من الاختيارات يمكنه تفضيل أحدها واختياره من المحتمل أن يتقرر على الأقل في جزء منه في ضوء اعتبارات تجاورية (٢ - ٢٥) .
مخرج طرازي وظيفي مثل هوارد هوكز يحتمل أن يصور المشهد في لقطة متوسطة يظهر فيها الجزء الأعلى من جسم الرجل وسطح المنضدة. واقعي كوميدي مثل شارلي شابلن ربما كان سيستخدم لقطة كاملة أو طويلة ليمنع الجمهور من تشخيص نفسه كثيراً مع الشخصية وليفسح لنا المجال كي نری خلفيته الإجتماعية مخرج مثل هتشكوك تطغى على أعماله الانطباعية يريد عادة من الجمهور أن يتشخص مع البطل وربما يقدم لنا عدداً اللقطات الكبيرة لوجه الرجل والأشياء التي على المائدة ليؤكد سلسلة الأفكار العاطفية المعينة. وربما صور المشهد مخرج مثل انطونيوني في لقطة بعيدة جداً ليوحي بوحدة الرجل وتغربه. وهكذا وكما في كل أسلوب سينمائي آخر تقريباً فإن السياق الدرامي هو الذي يقرر اختيار اللقطة واختيار المؤثرات التجاورية الملازمة لها .
تعليق