التكوين
بالرغم من أن المادة المصورة في السينما تقع ضمن ثلاثة أبعاد فإن واحدة من أولى المعضلات التي تواجه المخرج السينمائي هي نفسها التي تواجه الرسام، إذ عليه أن يرتب الأشكال والألوان والأنسجة على سطح مستو متوازي الأضلاع هذا الترتيب يتم عموماً ضمن نوع من الموازنة أو المعادلة ذات الانسجام التوافقي (۲ - ۷) إن الميل إلى الموازنة يشبه توازن الإنسان على قدميه كما يشبه في الواقع كل ما صنعه الإنسان من منشآت تمت موازنتها على سطح الأرض. إننا نفترض وبصورة غريزية بأن التوازن هو القياس في أكثر الخبرات الإنسانية .
غير أن السينما لها استثناءات مهمة من هذه القاعدة. فعندما يريد الفنان البصري أن يؤكد انعدام وجود التوازن أو المعادلة فانه يقوم بكسر العديد من الأعراف القياسية في التكوين عن قصد. المضمون أو السياق الدرامي في السينما هو العامل الحاسم عادة في التكوين. وما نعتبره بصورة سطحية تكويناً رديئاً قد يكون الواقع عظيم التأثير وذلك يعتمد على السياق السايكولوجي. العديد من الأفلام يعنى بالشخصيات العصابية أو الأحداث المفككة في مثل هذه الأحوال يحسن المخرج السينمائي بنسيانه المألوفات في التكوين المنسجم (۲ - ۸) فمثلاً في لقطة كاملة لشخصية معزولة يوضع الجسم عادة في الوسط لكني تكون الصورة حسنة الإطار. ولكن الشخصيات ليست جميعها بالطبع جيدة التناسق وبمجرد وضع الجسم في حافة الإطار فإن باستطاعة المخرج أن يخلخل موازنة التكوين وبالنتيجة يقدم لنا صورة أنسب للسياق الدرامي من الناحية السايكولوجية (٢- ٤ ج/ د). ليست هنالك قواعد موضوعة لأمور من هذا النوع. جون فورد يفضل استخدام التكوينات المتناظرة والمتوازنة بينما يستخدم جان لوك كودار وانطونيوني غالباً التكوينات غير المتناظرة التي تستثمر نوعاً من الفراغ السالب والمساحات الواسعة المتروكة. هنالك العديد من الأساليب في السينما التي تقدم لنا نفس الأفكار والمشاعر. بعض صانعي الأفلام يفضل الأساليب المرئية بينما يفضل آخرون الحوار وهنالك آخرون يفضلون التمثيل أو التقطيع. وفي الختام كلما يؤتي أكله فهو صحيح .
تحاول العين الإنسانية أن تؤلف بشكل آلي العناصر التشكيلية الرئيسية للتكوين في كل موحد ويبدو أن العين يمكنها أن تكتشف أو أن ترى ما يقارب سبعة أو ثمانية عناصر منفصلة التكوين في وقت واحد. وفي أكثر الأحوال لا تتجول العين على سطح الصورة كيفما اتفق وإنما تقاد إلى مساحات معينة بالتتابع ويحقق المخرج ذلك عن طريق استخدام تباين طاغ وعدد من الباينات الثانوية الطاغي أو المسيطر هو المساحة التي تنجذب إليها العين مباشرة لوجود تباين شديد بارز. هذه المساحة تبرز وكأنها منفصلة بشكل ما عن بقية العناصر داخل الصورة
(۲ - ۹) في الأفلام المصورة بالأسود والأبيض يتحقق التباين الطاغي من خلال مجاورة الأضواء للظلال. فعندما يريد المخرج مثلاً أن يشاهد المتفرج يد الممثل أولاً وليس وجهه فإن النور على اليد يكون أقوى منه على الوجه الذي ينار بطريقة أقل توهجاً. في الأفلام الملونة يتحقق الطاغي بواسطة بروز لون واحد عن بقية الألوان. كل العناصر التشكيلية يمكن استخدامها كتباين طاغ كالشكل والخط والنسيج وما إلى ذلك .
وبعد أن يستوعب المشاهد التباين الطاغي تقوم عينه بمسح التباينات الثانوية التي قام الفنان بترتيبها لكي تقوم بدور وسائل الموازنة للطاغي. إن أعيننا نادراً ما تتوقف مع التكوينات المرئية وحتى مع الرسوم أو الصور الفوتوغرافية. إننا ننظر إلى مكان ما أولاً ثم ننظر إلى المساحات ذات الأهمية الأقل. ولا يتم كل ذلك بصورة عفوية إذ إن الفنانين التشكيليين يصوغون صورهم بشكل مقصود حتى يتم اتباع تسلسل زمني معين. الحركة في السينما ليست مقصورة على الأشياء والأشخاص الذين يتحركون فعلاً .
الأهمية الصورية للتباين الطاغي ترتبط بالأهمية الدرامية للصورة في أغلب الأحوال. ولكن بما أن الفلم السينمائي يمتلك سياقاً زمانياً بالإضافة إلى المضمون الدرامي فإن التباين الطاغي قد يكون في بعض الأحيان هو الحركة نفسها أو هو ما يدعوه بعض علماء الجمال الأهمية الضمنية وهي تعني ببساطة أن الجمهور يدرك من خلال سياق القصة بإن الشيء أكثر أهمية من الناحية الدرامية مما قد يبدو صورياً. ولهذا فإنه بالرغم من أن اللعبة التي قد تشغل جزءاً صغيراً من سطح الصورة فإنها سوف تسيطر في الصورة نفسها رغم حاجتها للتأكيد الصوري إذا ما علمنا بان لهذه اللعبة أهمية درامية، حيث أنه في سياق ما قد تأخذ المعاني الدرامية زمام التفوق على المعاني الصورية. في فلم صاحب الرهون مثلاً أراد سدني لوميه أن يرينا اللامبالاة النسبية لسكان المدينة بصدد جريمة قتل أخيرة. فأظهر لنا جثمان صبي مطروح وهو ينزف على الرصيف بينما يمر الناس بلا مبالاة أو يبحلقون بلا تأثر. وفي عدد من اللقطات لا يرى المتفرج جسم الصبي، ولكن بسبب الأهمية الضمنية فان التباين الطاغي في هذه الصور هو جسم الصبي (٢ - ١٠).
إن مخرجاً من الدرجة الثالثة يستطيع أن يقود عين المشاهد بواسطة استخدام الحركة. فالحركة هي دائما وعلى وجه التقريب تباين طاغ آلي. ولهذا السبب يعمد أغلب المخرجين الذين يعوزهم الخيال إلى الحركة ويهملون الإمكانية الثرية لصورهم فهم يعتمدون فقط على الحركة كوسيلة للسيطرة على اهتمام المشاهد. أما المخرج الكبير فإنه ينوع في تبايناته الطاغية، فهو يؤكد أحياناً على الحركة وأحياناً أخرى يجعل الحركة تبايناً ثانوياً. وتختلف أهمية الحركة عموماً وفقاً لنوع اللقطة المستخدمة تميل الحركة إلى أن تكون أقل تشتيتاً في اللقطات الطويلة وشديدة البروز في المديات القريبة .
وما لم يتسع الوقت للمشاهد كي يتفحص سطح الصورة على مهل فإن النتيجة تكون تشويشاً صورياً ينجم عن وجود أكثر من ثمانية أو تسعة عناصر .
بالرغم من أن المادة المصورة في السينما تقع ضمن ثلاثة أبعاد فإن واحدة من أولى المعضلات التي تواجه المخرج السينمائي هي نفسها التي تواجه الرسام، إذ عليه أن يرتب الأشكال والألوان والأنسجة على سطح مستو متوازي الأضلاع هذا الترتيب يتم عموماً ضمن نوع من الموازنة أو المعادلة ذات الانسجام التوافقي (۲ - ۷) إن الميل إلى الموازنة يشبه توازن الإنسان على قدميه كما يشبه في الواقع كل ما صنعه الإنسان من منشآت تمت موازنتها على سطح الأرض. إننا نفترض وبصورة غريزية بأن التوازن هو القياس في أكثر الخبرات الإنسانية .
غير أن السينما لها استثناءات مهمة من هذه القاعدة. فعندما يريد الفنان البصري أن يؤكد انعدام وجود التوازن أو المعادلة فانه يقوم بكسر العديد من الأعراف القياسية في التكوين عن قصد. المضمون أو السياق الدرامي في السينما هو العامل الحاسم عادة في التكوين. وما نعتبره بصورة سطحية تكويناً رديئاً قد يكون الواقع عظيم التأثير وذلك يعتمد على السياق السايكولوجي. العديد من الأفلام يعنى بالشخصيات العصابية أو الأحداث المفككة في مثل هذه الأحوال يحسن المخرج السينمائي بنسيانه المألوفات في التكوين المنسجم (۲ - ۸) فمثلاً في لقطة كاملة لشخصية معزولة يوضع الجسم عادة في الوسط لكني تكون الصورة حسنة الإطار. ولكن الشخصيات ليست جميعها بالطبع جيدة التناسق وبمجرد وضع الجسم في حافة الإطار فإن باستطاعة المخرج أن يخلخل موازنة التكوين وبالنتيجة يقدم لنا صورة أنسب للسياق الدرامي من الناحية السايكولوجية (٢- ٤ ج/ د). ليست هنالك قواعد موضوعة لأمور من هذا النوع. جون فورد يفضل استخدام التكوينات المتناظرة والمتوازنة بينما يستخدم جان لوك كودار وانطونيوني غالباً التكوينات غير المتناظرة التي تستثمر نوعاً من الفراغ السالب والمساحات الواسعة المتروكة. هنالك العديد من الأساليب في السينما التي تقدم لنا نفس الأفكار والمشاعر. بعض صانعي الأفلام يفضل الأساليب المرئية بينما يفضل آخرون الحوار وهنالك آخرون يفضلون التمثيل أو التقطيع. وفي الختام كلما يؤتي أكله فهو صحيح .
تحاول العين الإنسانية أن تؤلف بشكل آلي العناصر التشكيلية الرئيسية للتكوين في كل موحد ويبدو أن العين يمكنها أن تكتشف أو أن ترى ما يقارب سبعة أو ثمانية عناصر منفصلة التكوين في وقت واحد. وفي أكثر الأحوال لا تتجول العين على سطح الصورة كيفما اتفق وإنما تقاد إلى مساحات معينة بالتتابع ويحقق المخرج ذلك عن طريق استخدام تباين طاغ وعدد من الباينات الثانوية الطاغي أو المسيطر هو المساحة التي تنجذب إليها العين مباشرة لوجود تباين شديد بارز. هذه المساحة تبرز وكأنها منفصلة بشكل ما عن بقية العناصر داخل الصورة
(۲ - ۹) في الأفلام المصورة بالأسود والأبيض يتحقق التباين الطاغي من خلال مجاورة الأضواء للظلال. فعندما يريد المخرج مثلاً أن يشاهد المتفرج يد الممثل أولاً وليس وجهه فإن النور على اليد يكون أقوى منه على الوجه الذي ينار بطريقة أقل توهجاً. في الأفلام الملونة يتحقق الطاغي بواسطة بروز لون واحد عن بقية الألوان. كل العناصر التشكيلية يمكن استخدامها كتباين طاغ كالشكل والخط والنسيج وما إلى ذلك .
وبعد أن يستوعب المشاهد التباين الطاغي تقوم عينه بمسح التباينات الثانوية التي قام الفنان بترتيبها لكي تقوم بدور وسائل الموازنة للطاغي. إن أعيننا نادراً ما تتوقف مع التكوينات المرئية وحتى مع الرسوم أو الصور الفوتوغرافية. إننا ننظر إلى مكان ما أولاً ثم ننظر إلى المساحات ذات الأهمية الأقل. ولا يتم كل ذلك بصورة عفوية إذ إن الفنانين التشكيليين يصوغون صورهم بشكل مقصود حتى يتم اتباع تسلسل زمني معين. الحركة في السينما ليست مقصورة على الأشياء والأشخاص الذين يتحركون فعلاً .
الأهمية الصورية للتباين الطاغي ترتبط بالأهمية الدرامية للصورة في أغلب الأحوال. ولكن بما أن الفلم السينمائي يمتلك سياقاً زمانياً بالإضافة إلى المضمون الدرامي فإن التباين الطاغي قد يكون في بعض الأحيان هو الحركة نفسها أو هو ما يدعوه بعض علماء الجمال الأهمية الضمنية وهي تعني ببساطة أن الجمهور يدرك من خلال سياق القصة بإن الشيء أكثر أهمية من الناحية الدرامية مما قد يبدو صورياً. ولهذا فإنه بالرغم من أن اللعبة التي قد تشغل جزءاً صغيراً من سطح الصورة فإنها سوف تسيطر في الصورة نفسها رغم حاجتها للتأكيد الصوري إذا ما علمنا بان لهذه اللعبة أهمية درامية، حيث أنه في سياق ما قد تأخذ المعاني الدرامية زمام التفوق على المعاني الصورية. في فلم صاحب الرهون مثلاً أراد سدني لوميه أن يرينا اللامبالاة النسبية لسكان المدينة بصدد جريمة قتل أخيرة. فأظهر لنا جثمان صبي مطروح وهو ينزف على الرصيف بينما يمر الناس بلا مبالاة أو يبحلقون بلا تأثر. وفي عدد من اللقطات لا يرى المتفرج جسم الصبي، ولكن بسبب الأهمية الضمنية فان التباين الطاغي في هذه الصور هو جسم الصبي (٢ - ١٠).
إن مخرجاً من الدرجة الثالثة يستطيع أن يقود عين المشاهد بواسطة استخدام الحركة. فالحركة هي دائما وعلى وجه التقريب تباين طاغ آلي. ولهذا السبب يعمد أغلب المخرجين الذين يعوزهم الخيال إلى الحركة ويهملون الإمكانية الثرية لصورهم فهم يعتمدون فقط على الحركة كوسيلة للسيطرة على اهتمام المشاهد. أما المخرج الكبير فإنه ينوع في تبايناته الطاغية، فهو يؤكد أحياناً على الحركة وأحياناً أخرى يجعل الحركة تبايناً ثانوياً. وتختلف أهمية الحركة عموماً وفقاً لنوع اللقطة المستخدمة تميل الحركة إلى أن تكون أقل تشتيتاً في اللقطات الطويلة وشديدة البروز في المديات القريبة .
وما لم يتسع الوقت للمشاهد كي يتفحص سطح الصورة على مهل فإن النتيجة تكون تشويشاً صورياً ينجم عن وجود أكثر من ثمانية أو تسعة عناصر .
تعليق