بالدرجة الأولى اعتماده على النور السائد. على أية حال ليس كل تصوير خارجي حاد الظلال بالضرورة. فقد استطاع كل من اكيرا كوروساوا وجون فورد باستخدام عدسات خاصة ومصابيح إضافية أن يبعث ماضياً رومانسياً ملؤه الحنين من خلال موقع تصوير حقيقي. يميل الواقعيون في اللقطات الخارجية مثلاً إلى تفضيل الصور التي لها مصدر نور واضح - شباك أو مصباح مثلاً ـ وقد يستخدم أحدهم مثلاً إضاءة مخففة ليس فيها ظلال قوية مصطنعة. وباختصار فإن المخرج الواقعي لا يستخدم الإنارة «الممسرحة» إلا إذا كان مصدر النور ممكناً ضمن السياق .
المخرج الانطباعي يستخدم النور بصورة غير حرفية. الذي يقوده هو دلالات النور الرمزية، وهو يقوم بتأكيد هذه المميزات في الأغلب عن طريق التشويه المتعمد للنماذج الضوئية الطبيعية. الوجه الذي يسقط عليه النور من الأسفل مثلا يبدو نذير شؤم حتى وإن كان تعبير الممثل طبيعياً جداً. وبالمثل فإن كل ما يوضع أمام مصدر نور رئيسي يأخذ طابعاً ذا دلالات مرعبة . إن الجمهور يقرن الضوء بالأمان وأية عرقلة للضوء هي بالنتيجة تهديد لهذا الشعور بالإطمئنان
(۱ - ۱۸) إلا أنه من الناحية الثانية نجد في بعض الأطر وخاصة في التصوير الخارجي، أن تأثير الصورة المظللة تماماً يمكن أن يكون ناعما ورومانسياً ربما لأن الفضاء المفتوح يقوم بدور مضاد للشعور بالوقوع في مصيدة والذي يوحيه المنظر الداخلي المغلق.
عندما يضاء الوجه بوضوح من الأعلى، ينتج لدينا تأثير ملائكي ربما بسبب كون مثل هذه الإضاءة توحي بهبوط روعة الرب. والإضاءة الروحانية» من هذا النوع تقترب من حدود القوالب المعروفة. إلا أن كبار فني الإضاءة مثل راوول كوتار مثلاً المصور المفضل لدى كودار استطاع أن يعالج هذا الأسلوب بدقة. عندما يضاء الوجه من المقدمة فقط فإن خطوطه الخارجية التجسيمية تميل إلى أن تتسطح مثل هذه الصور المسطحة يندر وجودها في الأفلام التي يتم تصويرها على مستوى الإحتراف، وهي أقرب إلى التصوير السينمائي الذي يمارسه الهواة الإضاءة من الخلف وهي نوع من التظليل النصفي ناعمة واثيرية وتشعرنا بالأنوثة والتأثير الرومانسي. وهي موحية بشكل خاص عند استخدامها لإبراز شعر المرأة. كان هذا الأسلوب متبعاً في الثلاثينات في هوليود حتى أصبح عالمياً تقريباً بعد أن شاع استخدامه في أفلام أرنست لوبتش وجوزيف فون شتر نبرك .
باستخدام أجهزة الإنارة المركزة يمكن تشكيل صورة ذات تباين قاس في بقع الضوء والظل (۱ - ۱۹) ويبدو سطح مثل هذه الصور ممزقاً ومشوه المعالم. يستخدم المخرج الانطباعي مثل هذا التباين الشديد لأسباب سايكولوجية وحبكوية في المواطن كين يتم الايحاء غالباً بوجود الفساد والإحترام داخل كين عن طريق الأضواء المتباينة الصارخة حيث يبدو وجه كين في بعض الأحيان منقسما إلى نصفين، نصفه الأول مضاء بتوهج والنصف الثاني يغرق في ظلام وفي فلم انكمار بركمان - الكرز البري - يتم الإيحاء بالفرح والبراءة الطفولية عن طريق المناظر المغمورة بالضوء والملابس الفاتحة. أما حالة الوهن التي يسببها عالم الكبار الخالي من الفرح فإنها تصلنا من خلال المناظر الهادئة الضوء والملابس الداكنة د .دبليو كريفيت يرينا في واحدة أقوى مولد أمة - الجثث المختلطة في سلام الحرب» نشاهد الأجساد المنتشرة بصورة غريبة وقد انيرت بتباين قاس إلى درجة أننا نكاد لا نميز ما هو الشيء المصور حتى ندرك والرعب يملؤنا، بأن هذه إنما أجساد آدمية .
يستطيع المخرج أن يزيد تعريض الصورة عن طريق السماح للضوء بدخول فتحة آلة التصوير - من خلال العدسة - بكمية أكبر مما يجب، حيث ينتج انتشار ضوئي أبيض يغرق سطح الصورة بكامله. زيادة التعريض تستخدم بشكل فعال في مشاهد الخيال والكوابيس. في فلم فلليني ٨١/٢ مثلا نرى البطل يستعيد ذكرى طفولته بخبرتها الساحقة بواسطة صور زيد تعريضها. ويمكن لهذا الأسلوب في بعض الأحيان أن مرعبة. هناك احساس بالمبالغة العاطفية في مشهد من فلم بركمان - المكنسة والبريق نجد مثلاً استخدام زيادة التعريض بغية تأكيد جزع الشخصية بسبب إهانة في مكان عام .
تم أنه رغم أن اللون في الأفلام لم ينتشر تجارياً حتى الأربعينات إلا إن كثيراً من التجارب عرفتها السينما قبل هذه الفترة. بعض أفلام ميلييه مثلاً صبغها باليد وبطريق تشبه خط التجميع حيث يقوم كل رسام بصبغ مساحة دقيقة من شريط الفلم النسخة الأصلية من فلم - مولد أمة (١٩١٥) طبعت على مواد ملونة مختلفة اللون للإيحاء باجواء مختلفة. فقد صبغ حرق اطلنطا بالأحمر والمشاهد الليلية بالأزرق، ومشاهد الحب الخارجية بالأصفر الشاحب اللون الفلمي المقبول نسبياً تم تطويره في الثلاثينات، غير لأسباب عدة كان يواجه مشكلة كبرى هي أنه يقوم بتجميل كل شيء. وإذا ما قام اللون بزيادة الإحساس بالجمال في الأفلام الموسيقية مثلا، أو أفلام الغرب أو الأفلام التاريخية الضخمة - فإن هذا التأثير كان في الأغلب مناسباً. وهكذا صارت أجود الأفلام الروائية في سني اللون الأولى هي الأفلام ذات المناظر المصطنعة والغريبة. كانت طرق التحميض اللوني الأولى تميل إلى جعل الألوان صارخة وكان من المألوف دعوة مشاورين مختصين لكي يقوموا بعملية موازنة الخارطة اللونية للملابس والماكياج والمناظر أضف إلى كل هذا أن كل طريقة لونية كانت تختص بلون أساس أحمر أو أزرق أو أصفر مثلاً في حين تظهر ألوان الطيف الشمسي الأخرى مشوهة بعض الشيء. لم يكتمل حل هذه المشاكل حتى حلول الستينات. وبالمقارنة مع ادراك .
العين الإنسانية الدقيق للون ورغم الدقة الظاهرة لأكثر الطرق اللونية المعاصرة، فإن اللون السينمائي لا يزال أمراً مقارباً بصورة بدائية نسبياً. عند نهاية الستينات اصبحت كل الأفلام الروائية الطويلة تصور بالألوان بصورة آلية والاستثناء لهذه القاعدة كان فلم بوكدانوفتش مثلا - القمر الورقي والإستعراض الأخير حيث صور بالأسود والأبيض لأسباب تتعلق بالحنين للماضي، وللإيحاء بأجواء الخمسينات والثلاثينات على التوالي، أو لنقل بعبارة أدق أجواء أفلام الخمسينات والثلاثينات إذ إن بوكدانوفتش كان ناقداً للأفلام إضافة لكونه مخرجاً، وإن هذين العملين هما نوع من التكريم للسينما الأمريكية في تلك الفترات .
هنالك بعض المصورين اللامعين ممن انتج أفلاماً واقعية نسبياً بالألوان، من بين هؤلاء لوسيان بالارد في فلم المجموعة المتوحشة وسفين نكفيست في فلم مشاهد من زواج وراوول كوتارد في فلم نهاية الأسبوع وفيلموس زیكموند في فلم مكاب والسيدة بيللر غير أنه على وجه العموم تميل أكثر الأفلام الملونة شهرة إلى أن تكون انطباعية التأكيد والموقف النموذجي هو لمايكل انجيلو انطونيوني حيث يقول: من الضروري أن نتدخل في الفلم الملون من أجل إبعاد الواقع المعتاد وإحلال واقع اللحظة الراهنة مكانه. في فلم الصحراء الحمراء الذي صوره كارلو ديبالما قام انطونيوني بطلاء المواقع الطبيعية من أجل التأكيد على الحالات السايكولوجية الباطنية. كما تم طلاء الفضلات الصناعية وملوثات الأنهار والمستنقعات وامتدادات واسعة من الأرض باللون الرمادي للإيحاء بقباحة المجتمع الصناعي المعاصر وبوجود البطلة المهدور والممل. وكلما ظهر اللون الأحمر في الفلم فانه بالعاطفة هذا فإن اللون الأحمر - كالجنس بدون حب - إنما هو غطاء مؤلم ومع يموه بلا جدوى اللون الرمادي الغالب. يوحي الجنسية اللون يميل إلى أن يكون من الناحية السايكولوجية عنصراً لا واعياً في الفلم فهو قوي العاطفة في مفعوله وهو معبر وخالق للأجواء أكثر منه عنصراً ذكياً واعياً. وقد اكتشف علماء النفس بأنه بينما يحاول أكثر الناس تفسير خطوط التكوين بفاعلية فإنهم يميلون إلى قبول اللون بلا فاعلية
تاركين له الإيحاء بالأجواء (moods) وليس الموجودات الملموسة. الخطوط ترتبط بالأسماء والألوان بالصفات. ويعتبر الخط أحياناً مذكراً واللون مؤنثاً. والخطوط والألوان توحي مجتمعة بالمعنى ولكن بطرق مختلفة بعض الشيء.
لقد استخدم الفنان اللون منذ زمن بعيد لأغراض رمزيه وربما اكتسب اللون رمزيته حضارياً رغم أن دلالاته الرمزية تتشابه بصورة تدعو للدهشة في حضارات مختلفة أصلاً. الألوان الباردة عموماً (الأزرق - الأخضر - البنفسجي) تميل إلى الإيحاء بالسكينة والإستعلاء والهدوء. والألوان الباردة تميل إلى التراجع في الصورة الألوان الحارة (الأحمر - الأصفر - البرتقالي) توحي بالعدوان والعنف والتحفيز وهي تميل إلى التقدم إلى أمام في أكثر الصور. وقد استغل كثير من المخرجين هذه المضامين السايكولوجية والرمزية في فلم . عمل ساعاتي برتقالي مثلاً استخدم ستانلي كوبريك اللونين الأزرق والبرتقالي كمضامين دالة .
النصف العنيف جداً الأول من الفلم يعالج الاعتداءات الجنسية والإجتماعية للبطل مالكولم ماكداول ويفضل الألوان الحارة تقريباً - البرتقالي والأحمر والوردي أما النصف الثاني البكائي - المأساوي فإنه يرينا البطل كضحية. وأكثر هذه المشاهد تستعرض الألوان الباردة وخاصة الأزرق والرمادي اللون البرتقالي يرمز للإنسانية، أما اللون الأزرق المكمل فانه يرمز للمكننة. هذا التلاحم القدري للإنساني والميكانيكي هو موضوع فلم كوبريك، وهو الذي يوحي به العنوان المأخوذ عن رواية انطوني بيركيز وهي المصدر الأصلي للفلم .
كثير من الأفلام تنتظم حول مثل هذه الأقطاب الرمزية للون. فلم بركمان - عاطفة آنا - يتناول موضوع العقم بإزاء العاطفة أو العزلة بإزاء الإلتزام الشخصي للآخرين. هذا الاستقطاب في المضامين، يرمز له باللون الأبيض إزاء الأحمر وخلال الفلم يستخدم الثلج والجدران الجرداء للإيحاء بعالم الأنانية والعزل الذاتي والعالم هنا مذكر في جوهره. النار والدم يرتبطان بعالم العاطفة والحب والعنف الممكن وهو مؤنث في جوهره. فلم بركمان - صرخات و همسات - يشبه بعض الشيء في تركيبه ما تقدم : الأحمر يوحي بالعاطفة والعنف والنضج والأبيض يرمز للبراءة والطفولة وفي بعض السياقات هو العقم.
بعض المخرجين يستغلون عن عمد ميل اللون الطبيعي لكي يكون صارخاً. فلم فلليني - جولييت الأرواح - يستعرض انواعاً مختلفة بلا نظام من الأزياء والمناظر ليوحي بعالم السيرك الرخيص والذي هو رغم ذلك ذو سحر أخاذ ومثل تلك الألوان البراقة لفلم كودار نهاية الأسبوع فهو يقدم لنا المادية الضحلة لحياة المدينة بدقة وفلم بوب فوس - كاباريه - تدور حوادثه في المانيا ويرينا بداية نشوء الحزب النازي والألوان عصابية» بشكل مناسب مع التأكيد على بعض الألوان المفضلة في الثلاثينات كاللون البنفسجي الغامق والأخضر الحاد والبنفسجي والألوان المركبة بشكل صارخ كالذهبي والأسود
والوردي .
ويشكو المخرجون غالباً من كيفية هروب» اللون أو غلبة اللون على الصورة بطريقة لم تقصد هتشكوك يتخلص من هذه المشكلة بكبت اللون قدر الإمكان. حتى أنه يستخدم في بعض أفلامه غياب اللون كتعليق رمزي مناسب على نضوب الحياة في المجتمع الشيوعي. توباز يستعرض لنا في مشهد العناوين عرضاً عسكرياً سوفيتيياً تم تصوير كل شيء فيه حتى الناس باللون الأزرق الرمادي الغالب النجوم الحمراء فقط على الراية الضخمة وقبعات الجنود «تحيي» هذه الصور - وهو مثل نموذجي لذكاء هتشكوك .
في فلم - الستارة الممزقة - نرى دوقة سابقة من اللاجئين وهي ترتدي وشاحاً فرحاً ملوناً لا إطلاقاً وبشكل واضح جداً البيئة التي تحيط بها وهي بيئة ينقصها هذا البريق - هي إحدى الجمهوريات في أوربا الشرقية. ونسمعها تقول: «أنا لست شيوعية تقولها مصرحة باستعلاء، ولكن برنة غير بعيدة عن الرثاء الذي يبدو أنه يميز الناس الذين يشعرون بالغربة في الزمان . التصوير بالأسود والأبيض يستخدم عادة في الفلم الملون لأغراض رمزية. بعض المخرجين يستبدلون أحداثاً كاملة صورت بالأسود والأبيض بوحدة كاملة من التصوير الملون المعضلة في مثل هذا الأسلوب هو هذه الرمزية المجانية. إذ تبدو الوحدة المصورة بالأسود والأبيض مقصورة اللون تصفع المشاهد بشدة وبرمزية بالغة الوضوح بإعطاء المعاني والتنويع المؤثر لنفس هذا الأسلوب وببساطة هو بعدم استخدام الألوان بإفراط وبجعل الغلبة للأسود والأبيض في فلم توني رتشارد سون - توم جونز نجد الألوان الخضراء الفخمة الريف تصطدم بتباين درامي مع أحد الأحياء الفقيرة في لندن القرن الثامن عشر - أحياء أفرغت من كل لون إلا القهوائية الممسوحة والزرقة الرمادية والبياضات المصفرة. والألوان المفرغة تستخدم للإيحاء بالإختلافات الزمنية. وفي فلم ديسيكا - حدائق فنزي كونتينيز التي جرت أحداثها في ايطاليا الفاشية نجد المقاطع الأولى من الفلم غنية بالألوان الحمراء الذهبية المشعة وبكل أنواع اللون الأخضر وعندما يستفحل الظلم النازي ويزداد وحشية تبدأ هذه الألوان بالإختفاء خلسة حتى تصبح الصور عند نهاية الفلم وقد طغت عليها البياضات والألوان الزرقاء الرمادية والقهوائي الباهت.
المخرج الانطباعي يستخدم النور بصورة غير حرفية. الذي يقوده هو دلالات النور الرمزية، وهو يقوم بتأكيد هذه المميزات في الأغلب عن طريق التشويه المتعمد للنماذج الضوئية الطبيعية. الوجه الذي يسقط عليه النور من الأسفل مثلا يبدو نذير شؤم حتى وإن كان تعبير الممثل طبيعياً جداً. وبالمثل فإن كل ما يوضع أمام مصدر نور رئيسي يأخذ طابعاً ذا دلالات مرعبة . إن الجمهور يقرن الضوء بالأمان وأية عرقلة للضوء هي بالنتيجة تهديد لهذا الشعور بالإطمئنان
(۱ - ۱۸) إلا أنه من الناحية الثانية نجد في بعض الأطر وخاصة في التصوير الخارجي، أن تأثير الصورة المظللة تماماً يمكن أن يكون ناعما ورومانسياً ربما لأن الفضاء المفتوح يقوم بدور مضاد للشعور بالوقوع في مصيدة والذي يوحيه المنظر الداخلي المغلق.
عندما يضاء الوجه بوضوح من الأعلى، ينتج لدينا تأثير ملائكي ربما بسبب كون مثل هذه الإضاءة توحي بهبوط روعة الرب. والإضاءة الروحانية» من هذا النوع تقترب من حدود القوالب المعروفة. إلا أن كبار فني الإضاءة مثل راوول كوتار مثلاً المصور المفضل لدى كودار استطاع أن يعالج هذا الأسلوب بدقة. عندما يضاء الوجه من المقدمة فقط فإن خطوطه الخارجية التجسيمية تميل إلى أن تتسطح مثل هذه الصور المسطحة يندر وجودها في الأفلام التي يتم تصويرها على مستوى الإحتراف، وهي أقرب إلى التصوير السينمائي الذي يمارسه الهواة الإضاءة من الخلف وهي نوع من التظليل النصفي ناعمة واثيرية وتشعرنا بالأنوثة والتأثير الرومانسي. وهي موحية بشكل خاص عند استخدامها لإبراز شعر المرأة. كان هذا الأسلوب متبعاً في الثلاثينات في هوليود حتى أصبح عالمياً تقريباً بعد أن شاع استخدامه في أفلام أرنست لوبتش وجوزيف فون شتر نبرك .
باستخدام أجهزة الإنارة المركزة يمكن تشكيل صورة ذات تباين قاس في بقع الضوء والظل (۱ - ۱۹) ويبدو سطح مثل هذه الصور ممزقاً ومشوه المعالم. يستخدم المخرج الانطباعي مثل هذا التباين الشديد لأسباب سايكولوجية وحبكوية في المواطن كين يتم الايحاء غالباً بوجود الفساد والإحترام داخل كين عن طريق الأضواء المتباينة الصارخة حيث يبدو وجه كين في بعض الأحيان منقسما إلى نصفين، نصفه الأول مضاء بتوهج والنصف الثاني يغرق في ظلام وفي فلم انكمار بركمان - الكرز البري - يتم الإيحاء بالفرح والبراءة الطفولية عن طريق المناظر المغمورة بالضوء والملابس الفاتحة. أما حالة الوهن التي يسببها عالم الكبار الخالي من الفرح فإنها تصلنا من خلال المناظر الهادئة الضوء والملابس الداكنة د .دبليو كريفيت يرينا في واحدة أقوى مولد أمة - الجثث المختلطة في سلام الحرب» نشاهد الأجساد المنتشرة بصورة غريبة وقد انيرت بتباين قاس إلى درجة أننا نكاد لا نميز ما هو الشيء المصور حتى ندرك والرعب يملؤنا، بأن هذه إنما أجساد آدمية .
يستطيع المخرج أن يزيد تعريض الصورة عن طريق السماح للضوء بدخول فتحة آلة التصوير - من خلال العدسة - بكمية أكبر مما يجب، حيث ينتج انتشار ضوئي أبيض يغرق سطح الصورة بكامله. زيادة التعريض تستخدم بشكل فعال في مشاهد الخيال والكوابيس. في فلم فلليني ٨١/٢ مثلا نرى البطل يستعيد ذكرى طفولته بخبرتها الساحقة بواسطة صور زيد تعريضها. ويمكن لهذا الأسلوب في بعض الأحيان أن مرعبة. هناك احساس بالمبالغة العاطفية في مشهد من فلم بركمان - المكنسة والبريق نجد مثلاً استخدام زيادة التعريض بغية تأكيد جزع الشخصية بسبب إهانة في مكان عام .
تم أنه رغم أن اللون في الأفلام لم ينتشر تجارياً حتى الأربعينات إلا إن كثيراً من التجارب عرفتها السينما قبل هذه الفترة. بعض أفلام ميلييه مثلاً صبغها باليد وبطريق تشبه خط التجميع حيث يقوم كل رسام بصبغ مساحة دقيقة من شريط الفلم النسخة الأصلية من فلم - مولد أمة (١٩١٥) طبعت على مواد ملونة مختلفة اللون للإيحاء باجواء مختلفة. فقد صبغ حرق اطلنطا بالأحمر والمشاهد الليلية بالأزرق، ومشاهد الحب الخارجية بالأصفر الشاحب اللون الفلمي المقبول نسبياً تم تطويره في الثلاثينات، غير لأسباب عدة كان يواجه مشكلة كبرى هي أنه يقوم بتجميل كل شيء. وإذا ما قام اللون بزيادة الإحساس بالجمال في الأفلام الموسيقية مثلا، أو أفلام الغرب أو الأفلام التاريخية الضخمة - فإن هذا التأثير كان في الأغلب مناسباً. وهكذا صارت أجود الأفلام الروائية في سني اللون الأولى هي الأفلام ذات المناظر المصطنعة والغريبة. كانت طرق التحميض اللوني الأولى تميل إلى جعل الألوان صارخة وكان من المألوف دعوة مشاورين مختصين لكي يقوموا بعملية موازنة الخارطة اللونية للملابس والماكياج والمناظر أضف إلى كل هذا أن كل طريقة لونية كانت تختص بلون أساس أحمر أو أزرق أو أصفر مثلاً في حين تظهر ألوان الطيف الشمسي الأخرى مشوهة بعض الشيء. لم يكتمل حل هذه المشاكل حتى حلول الستينات. وبالمقارنة مع ادراك .
العين الإنسانية الدقيق للون ورغم الدقة الظاهرة لأكثر الطرق اللونية المعاصرة، فإن اللون السينمائي لا يزال أمراً مقارباً بصورة بدائية نسبياً. عند نهاية الستينات اصبحت كل الأفلام الروائية الطويلة تصور بالألوان بصورة آلية والاستثناء لهذه القاعدة كان فلم بوكدانوفتش مثلا - القمر الورقي والإستعراض الأخير حيث صور بالأسود والأبيض لأسباب تتعلق بالحنين للماضي، وللإيحاء بأجواء الخمسينات والثلاثينات على التوالي، أو لنقل بعبارة أدق أجواء أفلام الخمسينات والثلاثينات إذ إن بوكدانوفتش كان ناقداً للأفلام إضافة لكونه مخرجاً، وإن هذين العملين هما نوع من التكريم للسينما الأمريكية في تلك الفترات .
هنالك بعض المصورين اللامعين ممن انتج أفلاماً واقعية نسبياً بالألوان، من بين هؤلاء لوسيان بالارد في فلم المجموعة المتوحشة وسفين نكفيست في فلم مشاهد من زواج وراوول كوتارد في فلم نهاية الأسبوع وفيلموس زیكموند في فلم مكاب والسيدة بيللر غير أنه على وجه العموم تميل أكثر الأفلام الملونة شهرة إلى أن تكون انطباعية التأكيد والموقف النموذجي هو لمايكل انجيلو انطونيوني حيث يقول: من الضروري أن نتدخل في الفلم الملون من أجل إبعاد الواقع المعتاد وإحلال واقع اللحظة الراهنة مكانه. في فلم الصحراء الحمراء الذي صوره كارلو ديبالما قام انطونيوني بطلاء المواقع الطبيعية من أجل التأكيد على الحالات السايكولوجية الباطنية. كما تم طلاء الفضلات الصناعية وملوثات الأنهار والمستنقعات وامتدادات واسعة من الأرض باللون الرمادي للإيحاء بقباحة المجتمع الصناعي المعاصر وبوجود البطلة المهدور والممل. وكلما ظهر اللون الأحمر في الفلم فانه بالعاطفة هذا فإن اللون الأحمر - كالجنس بدون حب - إنما هو غطاء مؤلم ومع يموه بلا جدوى اللون الرمادي الغالب. يوحي الجنسية اللون يميل إلى أن يكون من الناحية السايكولوجية عنصراً لا واعياً في الفلم فهو قوي العاطفة في مفعوله وهو معبر وخالق للأجواء أكثر منه عنصراً ذكياً واعياً. وقد اكتشف علماء النفس بأنه بينما يحاول أكثر الناس تفسير خطوط التكوين بفاعلية فإنهم يميلون إلى قبول اللون بلا فاعلية
تاركين له الإيحاء بالأجواء (moods) وليس الموجودات الملموسة. الخطوط ترتبط بالأسماء والألوان بالصفات. ويعتبر الخط أحياناً مذكراً واللون مؤنثاً. والخطوط والألوان توحي مجتمعة بالمعنى ولكن بطرق مختلفة بعض الشيء.
لقد استخدم الفنان اللون منذ زمن بعيد لأغراض رمزيه وربما اكتسب اللون رمزيته حضارياً رغم أن دلالاته الرمزية تتشابه بصورة تدعو للدهشة في حضارات مختلفة أصلاً. الألوان الباردة عموماً (الأزرق - الأخضر - البنفسجي) تميل إلى الإيحاء بالسكينة والإستعلاء والهدوء. والألوان الباردة تميل إلى التراجع في الصورة الألوان الحارة (الأحمر - الأصفر - البرتقالي) توحي بالعدوان والعنف والتحفيز وهي تميل إلى التقدم إلى أمام في أكثر الصور. وقد استغل كثير من المخرجين هذه المضامين السايكولوجية والرمزية في فلم . عمل ساعاتي برتقالي مثلاً استخدم ستانلي كوبريك اللونين الأزرق والبرتقالي كمضامين دالة .
النصف العنيف جداً الأول من الفلم يعالج الاعتداءات الجنسية والإجتماعية للبطل مالكولم ماكداول ويفضل الألوان الحارة تقريباً - البرتقالي والأحمر والوردي أما النصف الثاني البكائي - المأساوي فإنه يرينا البطل كضحية. وأكثر هذه المشاهد تستعرض الألوان الباردة وخاصة الأزرق والرمادي اللون البرتقالي يرمز للإنسانية، أما اللون الأزرق المكمل فانه يرمز للمكننة. هذا التلاحم القدري للإنساني والميكانيكي هو موضوع فلم كوبريك، وهو الذي يوحي به العنوان المأخوذ عن رواية انطوني بيركيز وهي المصدر الأصلي للفلم .
كثير من الأفلام تنتظم حول مثل هذه الأقطاب الرمزية للون. فلم بركمان - عاطفة آنا - يتناول موضوع العقم بإزاء العاطفة أو العزلة بإزاء الإلتزام الشخصي للآخرين. هذا الاستقطاب في المضامين، يرمز له باللون الأبيض إزاء الأحمر وخلال الفلم يستخدم الثلج والجدران الجرداء للإيحاء بعالم الأنانية والعزل الذاتي والعالم هنا مذكر في جوهره. النار والدم يرتبطان بعالم العاطفة والحب والعنف الممكن وهو مؤنث في جوهره. فلم بركمان - صرخات و همسات - يشبه بعض الشيء في تركيبه ما تقدم : الأحمر يوحي بالعاطفة والعنف والنضج والأبيض يرمز للبراءة والطفولة وفي بعض السياقات هو العقم.
بعض المخرجين يستغلون عن عمد ميل اللون الطبيعي لكي يكون صارخاً. فلم فلليني - جولييت الأرواح - يستعرض انواعاً مختلفة بلا نظام من الأزياء والمناظر ليوحي بعالم السيرك الرخيص والذي هو رغم ذلك ذو سحر أخاذ ومثل تلك الألوان البراقة لفلم كودار نهاية الأسبوع فهو يقدم لنا المادية الضحلة لحياة المدينة بدقة وفلم بوب فوس - كاباريه - تدور حوادثه في المانيا ويرينا بداية نشوء الحزب النازي والألوان عصابية» بشكل مناسب مع التأكيد على بعض الألوان المفضلة في الثلاثينات كاللون البنفسجي الغامق والأخضر الحاد والبنفسجي والألوان المركبة بشكل صارخ كالذهبي والأسود
والوردي .
ويشكو المخرجون غالباً من كيفية هروب» اللون أو غلبة اللون على الصورة بطريقة لم تقصد هتشكوك يتخلص من هذه المشكلة بكبت اللون قدر الإمكان. حتى أنه يستخدم في بعض أفلامه غياب اللون كتعليق رمزي مناسب على نضوب الحياة في المجتمع الشيوعي. توباز يستعرض لنا في مشهد العناوين عرضاً عسكرياً سوفيتيياً تم تصوير كل شيء فيه حتى الناس باللون الأزرق الرمادي الغالب النجوم الحمراء فقط على الراية الضخمة وقبعات الجنود «تحيي» هذه الصور - وهو مثل نموذجي لذكاء هتشكوك .
في فلم - الستارة الممزقة - نرى دوقة سابقة من اللاجئين وهي ترتدي وشاحاً فرحاً ملوناً لا إطلاقاً وبشكل واضح جداً البيئة التي تحيط بها وهي بيئة ينقصها هذا البريق - هي إحدى الجمهوريات في أوربا الشرقية. ونسمعها تقول: «أنا لست شيوعية تقولها مصرحة باستعلاء، ولكن برنة غير بعيدة عن الرثاء الذي يبدو أنه يميز الناس الذين يشعرون بالغربة في الزمان . التصوير بالأسود والأبيض يستخدم عادة في الفلم الملون لأغراض رمزية. بعض المخرجين يستبدلون أحداثاً كاملة صورت بالأسود والأبيض بوحدة كاملة من التصوير الملون المعضلة في مثل هذا الأسلوب هو هذه الرمزية المجانية. إذ تبدو الوحدة المصورة بالأسود والأبيض مقصورة اللون تصفع المشاهد بشدة وبرمزية بالغة الوضوح بإعطاء المعاني والتنويع المؤثر لنفس هذا الأسلوب وببساطة هو بعدم استخدام الألوان بإفراط وبجعل الغلبة للأسود والأبيض في فلم توني رتشارد سون - توم جونز نجد الألوان الخضراء الفخمة الريف تصطدم بتباين درامي مع أحد الأحياء الفقيرة في لندن القرن الثامن عشر - أحياء أفرغت من كل لون إلا القهوائية الممسوحة والزرقة الرمادية والبياضات المصفرة. والألوان المفرغة تستخدم للإيحاء بالإختلافات الزمنية. وفي فلم ديسيكا - حدائق فنزي كونتينيز التي جرت أحداثها في ايطاليا الفاشية نجد المقاطع الأولى من الفلم غنية بالألوان الحمراء الذهبية المشعة وبكل أنواع اللون الأخضر وعندما يستفحل الظلم النازي ويزداد وحشية تبدأ هذه الألوان بالإختفاء خلسة حتى تصبح الصور عند نهاية الفلم وقد طغت عليها البياضات والألوان الزرقاء الرمادية والقهوائي الباهت.
تعليق