علويون في طبرستان
Alawites - Alaouites
العلويون في طبرستان
(250ـ 316هـ/864 ـ 928م)
ينتمي العلويون في طبرستان، كما هي الحال في ديلمان، وجيلان، إلى الطالبيين بفرعيهما الحسنيين والحسينيين. وهم زيديون، أي من أتباع زيد بن علي بن الحسين الثائر على الأمويين. ومن المعروف بأن الأئمة الزيديين حكموا صعدة، في اليمن، ثم ذهبت فروع منهم من آل الإمام الحسن والإمام الحسين إلى السواحل الجنوبية من بحر الخزر، وهي تحتفظ لنفسها بحق الإمامة.
أول من لجأ من العلويين إلى بلاد الديلم هارباً من الرشيد هو يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ولكن الرشيد استطاع إعادته بعد مواثيق أعطاها له، ومع ذلك فقد حبسه حتى مات، وخرج بعده أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقُتل على يد محمد بن عبد الله بن طاهر الذي كوفئ على عمله هذا باقطاعه منطقة طبرستان وما حولها، فولّى على طبرستان أخاه سليمان بن عبد الله.
حكم الطاهريون الناس بالقوة والعنف مما خلق حالة من التبرم والحقد على الطاهريين. وبعد مقتل أبي الحسين يحيى هرب العديد من زعماء العلويين إلى بلاد الديلم. وفي عام 250هـ/864 م، ظهر الحسن بن زيد ابن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب المقيم بالري: وتلقب بالداعي إلى الحق وهو الداعي الأول فأسلمت على يده أطراف الديلم وكثر أتباعه، واستنجد به أهالي طبرستان، فخرج إليها وملكها، وأخرج منها سليمان بن عبد الله بن طاهر وسائر من معه من أسرته، جزاء على ما فعله الطاهريون مع أبي الحسين يحيى زمن المستعين بالله، وحكم الداعي طبرستان وما حولها مدة عشرين سنة، واستولى على جرجان، ووضع عليها أخاه محمد بن زيد.
ولما حضرت الحسن بن زيد الوفاة وهو بآمل كان أخوه محمد بجرجان، فطلب من صهره أحمد بن محمد بن إبراهيم العَلَوي المكنىّ أبا الحسين مكاتبة محمد بن زيد والمبادرة إليه لتولي منصب الداعي، ولكن أحمد أخفى الأمر وأخذه لنفسه، وتلقب بالقائم بالحق، وعندما وصل الخبر إلى محمد بن زيد سار إليه وانتزع الأمر منه، وتلقبّ بلقب أخيه «الداعي» وكان محمد كريم الخلق سخياً جليل القدر ذا حلم وعلم وشجاعة وتواضع، مما زاد من أعداد الذين أسلموا على يده وكان أول من بنى مشهداً على قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما، بالعزي، والحائر.
وشهدت البلاد في عهده حالة من الاستقرار، وتصدى لمحاولات إسماعيل ابن أحمد الساماني صاحب خراسان السيطرة على طبرستان، ولكنه قُتِلَ في إحدى حروبه سنة 287هـ/900م ودفن على باب جرجان، ويعرف الموقع حتى اليوم «بقبر الداعي»، وفرّ زعيم الطالبيين، الناصر ـ وهو الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي ابن عمر بن علي بن الحسن بن علي ابن أبي طالب ـ الذي كان قد رافق محمد بن زيد حتى مقتله بجرجان، إلى الديلم مستجيراً عند ملكها ابن المَرْزُبَان، ولم ينتحل الإمامة، ولكنه أخذ دور المعلّم والمرشد، لأنه كان عالما شاعراً، وكَثُرَ الذين أسلموا على يده، وتجاوز الديلم إلى بلاد الجيل (والجيل هم أهل جيلان) فلحق به الناس هرباً من ظلم حكامهم ومحبة له وإيماناً منهم به ودعوه إلى الإمامة، فأجابهم وتلقبّ بالناصر للحقّ، ولبس القلنسوة على طريقة من سبقه، ولما عاد إلى بلاد الديلم وجد الناس في ضيق، ومال إليه الناس، وبايعه حاكمها، ثم سار ومن معه إلى طبرستان، ودارت معارك عنيفة بينه وبين السامانيين بقيادة محمد بن صعلوك المكنىّ أبا الوفاء، وكان صاحب جيش الناصر الحسن بن القاسم بن الحسين الحسني المعروف بالداعي سنة 300هـ/912م، وانتصر جيش الناصر نصراً مؤزراً ودخل آمل، واستولى على جميع أعمال طبرستان، واستخرج الأموال ووزعها على الجند وأصحاب الحاجات، ثم انقطع بعد ذلك إلى العبادة والزهد وفوّ ض أمر تدبير الأعمال وقيادة الجند إلى الحسن بن القاسم الذي انفرد بالحكم دون الرجوع إلى الناصر، ولم يكتف بذلك فقد قبض على الناصر وسجنه في جبل ـ لارجان ـ فاستنكر أهل الديلم والجيلان، فعلته وجاؤوا إليه وذكَّروه بيعتهم للناصر وطالبوه بردّه إلى موضعه، ووثب عليه ليلي بن النعمان، وأخوه زينور، وهدداه بالقتل، إن لم يفرج عن الناصر وتمّ لهم ذلك ولم يبق مع الحسن بن القاسم أحد، فهرب إلى الجيلان، وأوكل الناصر إمارة الجند إلى ليلي بن النعمان وجعل لـه الولاية على البلاد التي يفتحها، وخاف الناس مغبة هذا الخلاف والانشقاق، فأصلحوا بين ابن القاسم والناصر الذي عهد إلى ابن القاسم مجدداً بقيادة الجيش وزوَّجه ابنة ولده أبي الحسين أحمد، وآثره بالعهد على أولاده أبي الحسن علي وأبي القاسم جعفر وأبي الحسين أحمد مع العلم أنهم من النجباء الأفاضل. توفي الناصر في شعبان سنة 304هـ/916م.
تقلَّد الداعي المنصب وأخرج أبا القاسم جعفراً، وأحمد بن الناصر إلى جرجان، وضمّ إليهما الجيوش لقتال الخراسانية، ولم تأت النتائج كما كان متوقعاً، على الرغم من بعض الانتصارات، وعادا خاسرين ثم دبّ الشقاق بينهما وبين الداعي، وخلعا طاعته وحدثت بينهما حروب لم تحسم لصالح أي فريق، ولم يطل العمر بابني الناصر فأدركتهما الوفاة، واتفَّق القوم على أن ينصبوا أبا علي محمد بن أبي الحسين بن الناصر إماماً، وتلقَّب بلقب جده وبايعه الناس بآمل، ولم يطل به العمر أيضاً فتوفي إثر سقوطه عن دابته، وكاتب أهالي آمل الحسن بن القاسم مجدداً يستدعونه من جيلان فسار إلى جرجان واستولى عليها، ثم تابع إلى الري، ولبث بجرجان مدة، ولم تكن ثقته كبيرة بأهلها بعد أن نصروا ولدي الناصر عليه فدبّر اغتيال بعض زعمائهم، مما دعاهم إلى طلب النجدة من صاحب خراسان نصر بن أحمد الساماني، وعقدوا الرئاسة عليهم لإسفار بن شيرويه، ودخلوا في طاعة صاحب خراسان، وسوَّدوا أعلامهم، وعندما وصل الداعي إلى طبرستان تقدم إلى آمل لملاقاة أسفار ولم يجد النصرة التي كان يأملها، وأصيب في المعركة بجراح بليغة، ودخل دار ابنته فأحاطوا بها ودخلوها وأجهزوا عليه وهو يصلّي، وبموته انتهت فترة حكم العلويين في طبرستان.
عبد الكريم العلي
Alawites - Alaouites
العلويون في طبرستان
(250ـ 316هـ/864 ـ 928م)
ينتمي العلويون في طبرستان، كما هي الحال في ديلمان، وجيلان، إلى الطالبيين بفرعيهما الحسنيين والحسينيين. وهم زيديون، أي من أتباع زيد بن علي بن الحسين الثائر على الأمويين. ومن المعروف بأن الأئمة الزيديين حكموا صعدة، في اليمن، ثم ذهبت فروع منهم من آل الإمام الحسن والإمام الحسين إلى السواحل الجنوبية من بحر الخزر، وهي تحتفظ لنفسها بحق الإمامة.
أول من لجأ من العلويين إلى بلاد الديلم هارباً من الرشيد هو يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ولكن الرشيد استطاع إعادته بعد مواثيق أعطاها له، ومع ذلك فقد حبسه حتى مات، وخرج بعده أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقُتل على يد محمد بن عبد الله بن طاهر الذي كوفئ على عمله هذا باقطاعه منطقة طبرستان وما حولها، فولّى على طبرستان أخاه سليمان بن عبد الله.
حكم الطاهريون الناس بالقوة والعنف مما خلق حالة من التبرم والحقد على الطاهريين. وبعد مقتل أبي الحسين يحيى هرب العديد من زعماء العلويين إلى بلاد الديلم. وفي عام 250هـ/864 م، ظهر الحسن بن زيد ابن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب المقيم بالري: وتلقب بالداعي إلى الحق وهو الداعي الأول فأسلمت على يده أطراف الديلم وكثر أتباعه، واستنجد به أهالي طبرستان، فخرج إليها وملكها، وأخرج منها سليمان بن عبد الله بن طاهر وسائر من معه من أسرته، جزاء على ما فعله الطاهريون مع أبي الحسين يحيى زمن المستعين بالله، وحكم الداعي طبرستان وما حولها مدة عشرين سنة، واستولى على جرجان، ووضع عليها أخاه محمد بن زيد.
ولما حضرت الحسن بن زيد الوفاة وهو بآمل كان أخوه محمد بجرجان، فطلب من صهره أحمد بن محمد بن إبراهيم العَلَوي المكنىّ أبا الحسين مكاتبة محمد بن زيد والمبادرة إليه لتولي منصب الداعي، ولكن أحمد أخفى الأمر وأخذه لنفسه، وتلقب بالقائم بالحق، وعندما وصل الخبر إلى محمد بن زيد سار إليه وانتزع الأمر منه، وتلقبّ بلقب أخيه «الداعي» وكان محمد كريم الخلق سخياً جليل القدر ذا حلم وعلم وشجاعة وتواضع، مما زاد من أعداد الذين أسلموا على يده وكان أول من بنى مشهداً على قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما، بالعزي، والحائر.
وشهدت البلاد في عهده حالة من الاستقرار، وتصدى لمحاولات إسماعيل ابن أحمد الساماني صاحب خراسان السيطرة على طبرستان، ولكنه قُتِلَ في إحدى حروبه سنة 287هـ/900م ودفن على باب جرجان، ويعرف الموقع حتى اليوم «بقبر الداعي»، وفرّ زعيم الطالبيين، الناصر ـ وهو الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي ابن عمر بن علي بن الحسن بن علي ابن أبي طالب ـ الذي كان قد رافق محمد بن زيد حتى مقتله بجرجان، إلى الديلم مستجيراً عند ملكها ابن المَرْزُبَان، ولم ينتحل الإمامة، ولكنه أخذ دور المعلّم والمرشد، لأنه كان عالما شاعراً، وكَثُرَ الذين أسلموا على يده، وتجاوز الديلم إلى بلاد الجيل (والجيل هم أهل جيلان) فلحق به الناس هرباً من ظلم حكامهم ومحبة له وإيماناً منهم به ودعوه إلى الإمامة، فأجابهم وتلقبّ بالناصر للحقّ، ولبس القلنسوة على طريقة من سبقه، ولما عاد إلى بلاد الديلم وجد الناس في ضيق، ومال إليه الناس، وبايعه حاكمها، ثم سار ومن معه إلى طبرستان، ودارت معارك عنيفة بينه وبين السامانيين بقيادة محمد بن صعلوك المكنىّ أبا الوفاء، وكان صاحب جيش الناصر الحسن بن القاسم بن الحسين الحسني المعروف بالداعي سنة 300هـ/912م، وانتصر جيش الناصر نصراً مؤزراً ودخل آمل، واستولى على جميع أعمال طبرستان، واستخرج الأموال ووزعها على الجند وأصحاب الحاجات، ثم انقطع بعد ذلك إلى العبادة والزهد وفوّ ض أمر تدبير الأعمال وقيادة الجند إلى الحسن بن القاسم الذي انفرد بالحكم دون الرجوع إلى الناصر، ولم يكتف بذلك فقد قبض على الناصر وسجنه في جبل ـ لارجان ـ فاستنكر أهل الديلم والجيلان، فعلته وجاؤوا إليه وذكَّروه بيعتهم للناصر وطالبوه بردّه إلى موضعه، ووثب عليه ليلي بن النعمان، وأخوه زينور، وهدداه بالقتل، إن لم يفرج عن الناصر وتمّ لهم ذلك ولم يبق مع الحسن بن القاسم أحد، فهرب إلى الجيلان، وأوكل الناصر إمارة الجند إلى ليلي بن النعمان وجعل لـه الولاية على البلاد التي يفتحها، وخاف الناس مغبة هذا الخلاف والانشقاق، فأصلحوا بين ابن القاسم والناصر الذي عهد إلى ابن القاسم مجدداً بقيادة الجيش وزوَّجه ابنة ولده أبي الحسين أحمد، وآثره بالعهد على أولاده أبي الحسن علي وأبي القاسم جعفر وأبي الحسين أحمد مع العلم أنهم من النجباء الأفاضل. توفي الناصر في شعبان سنة 304هـ/916م.
تقلَّد الداعي المنصب وأخرج أبا القاسم جعفراً، وأحمد بن الناصر إلى جرجان، وضمّ إليهما الجيوش لقتال الخراسانية، ولم تأت النتائج كما كان متوقعاً، على الرغم من بعض الانتصارات، وعادا خاسرين ثم دبّ الشقاق بينهما وبين الداعي، وخلعا طاعته وحدثت بينهما حروب لم تحسم لصالح أي فريق، ولم يطل العمر بابني الناصر فأدركتهما الوفاة، واتفَّق القوم على أن ينصبوا أبا علي محمد بن أبي الحسين بن الناصر إماماً، وتلقَّب بلقب جده وبايعه الناس بآمل، ولم يطل به العمر أيضاً فتوفي إثر سقوطه عن دابته، وكاتب أهالي آمل الحسن بن القاسم مجدداً يستدعونه من جيلان فسار إلى جرجان واستولى عليها، ثم تابع إلى الري، ولبث بجرجان مدة، ولم تكن ثقته كبيرة بأهلها بعد أن نصروا ولدي الناصر عليه فدبّر اغتيال بعض زعمائهم، مما دعاهم إلى طلب النجدة من صاحب خراسان نصر بن أحمد الساماني، وعقدوا الرئاسة عليهم لإسفار بن شيرويه، ودخلوا في طاعة صاحب خراسان، وسوَّدوا أعلامهم، وعندما وصل الداعي إلى طبرستان تقدم إلى آمل لملاقاة أسفار ولم يجد النصرة التي كان يأملها، وأصيب في المعركة بجراح بليغة، ودخل دار ابنته فأحاطوا بها ودخلوها وأجهزوا عليه وهو يصلّي، وبموته انتهت فترة حكم العلويين في طبرستان.
عبد الكريم العلي