علي بن عباس المجوسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي بن عباس المجوسي

    علي عباس مجوسي

    Ali ibn Abbas al-Majousi - Ali ibn Abbas al-Majousi


    علي بن عباس المجوسي

    (…ـ 383هـ/… ـ 993م)



    علي بن عباس الشهير بالمجوسي لأن الزرداشتية كانت ديانة جده، أما هو وأبوه فقد كانا مسلمين، طبيب جراح، أخذ الطب عن موسى بن يوسف بن سيار (ت372هـ/983م) وصار من أبرز أطباء عصره، كما درس النباتات ومنافعها، وصناعة العقاقير منها.

    ولد في مدينة الأحواز بالقرب من مدينة جنديسابور الطبية بفارس، لم تذكر المراجع تاريخ ولادته. عاش في عصر الطبيب أبا بكر الرازي (ت313هـ/925م).

    انتقل إلى بغداد وتوفى فيها بعد أن دخل في خدمة عضد الدولة فنا خسرو ابن ركن الدولة البويهي الديلمي، وأصبح طبيبه الخاص. أعطته منجزاته في صناعة الطب مقامه الأول بين أطباء عصره ومن سبقه ومن جاء بعده سواء أطباء الشرق أو الغرب. فهو يُعد من أوائل الأطباء ـ إن لم يكن الأول ـ الذين اعتمدوا الدقة العلمية في أبحاثهم، التي تجلت في التركيز خلال الفحوص السريرية على المرضى، وقد أوصى العاملين في مهنة الطب بالتدريب الدائم، والتأني في استخلاص العلة، والاستفادة ممن سبقهم من الأطباء.

    وقد عَرّفَ النبض تعريفاً علمياً في غاية من الدقة والتشبيه الذي يدل على حاسة أدبية ومعرفة مرهفة بالتصوير البديعي، فقال: «إن النبض رسول لا يكذب ومناد أخرس يُخبر عن أشياء خفية بحركاته الظاهرة». ثم يقرر معلومة رائعة من الناحية العلمية غير مسبوقة فيقول: «والقلب والعروق الضوارب تتحرك كلها حركة واحدة على مثال واحد، في زمان واحد. يعني أن حركة كل واحد منها مساوية لحركة الآخر لا يخالف بعضها بعضاً في جميع حالاتها حتى إنه يمكن أن يقاس على جميعها ولذلك صرنا نتعرف حال حركة القلب من حركة الشريان».

    وسبق المجوسي ابن النفيس (ت678هـ/1288م) في وصف الدورة الدموية في حديثه عن وظيفيتي الانقباض والانبساط ـ الشهيق والزفير ـ في كتابه «الملكي كامل الصناعة الطبية» وهذه مقولة قابلة للبحث والمداولة.

    يُعد المجوسي من أوائل الأطباء القدامى القائلين بوجود شبكة شعرية بين العروق النابضة ـ أي الشرايين ـ وغير النابضة ـ أي الأوردة ـ وقد سبق بهذا الإنجاز الطبي الطبيب الإنكليزي هارڤي (1578ـ 1658م) بوصفه الدورة الدموية في الأوعية الشعرية.

    يُعد المجوسي من الجراحين القدامى الأوائل الذين عالجوا ما يسمى بالورم (الأنوريسما) بالعمل الجراحي، ووصف ذلك بقوله: «ينبغي أن تشق الجلد شقاً بالطول وتُخرج ما في الموضع من الدم وتكشف عن الشريان وتعريه من الأجسام التي حوله وتعلق الشريان بصنارة. ثم إنك تأخذ إبرة قد نُظم فيها خيط من إبريسم وتدخله تحت أحد طرفي الشريان وتعقده وتقطع الخيط وتفعل ذلك من الجنب الآخر وتُنشف الموضع من الدم وتضع على الموضع خرقاً مبلولة بشراب ساعة ثم تذر عليه الذرور المُلحم ثم المراهم المنبتة للحم».

    كما وصف استئصال الأورام التي تلحق بالرحم والإصابة في التهاب عنقه. وأكد الاستئصال الجراحي للوزتين إذا عظم وطالت مدته وعسر على صاحبه البلع، ولم تنجح بشفائه الأدوية والغرائر وما في قوتها. وقد ظهرت براعته في الجراحة أيضاً في معالجة الكسور والخلوع وتجبيرها. ووضع وصفاً دقيقاً في معالجة الفك السفلي إذا أصابه كسر.

    تنبّه على صعوبة شفاء الرئة المصابة بالسل، وقال بصدد ذلك: «إن السبب الذي من أجله لا يُشفى السل الرئوي هو أن الرئة دائمة الحركة لا تلتحم لكثرة حركتها وهزها وإزعاج السعال لها، لأن العضو المْتقَرح يحتاج إلى أن يكون هادئاً ساكناً حتى تلتحم قرحته»، وقد كان الرائد الأول في وصف عملية «خمص الرئة» التي انتشر استعمالها في معالجة السل من مطلع القرن العشرين قبل اكتشاف المضادات الحيوية.

    ابتكر القثاطر التي كان يستعملها لاستخراج البول من مثانة المريض المصاب بعسر البول، وكان من الرواد الأوائل في معالجة التهاب الغدد اللمفاوية الرقبية الدرني، وذلك باستئصالها جراحياً وتنظيفها بدقة وانتباه وحذر.

    من مؤلفاته «كتاب في الطب»، نسخته الخطية في مكتبة كوتنجن، و«رسالة في الفصد» في المغرب ـ الرباط ـ، ومنتخب من كتاب له في أدوية وأشربة نافعة، لم يذكر المجوسي اسمه، و«كامل الصناعة الطبية» أو «الكتاب الملكي» أو «القانون العضدي في الطب»، نسبة إلى عضد الدولة إذ صنفه له، وأهداه إلى مكتبته، والكتاب موسوعة شاملة كاملة لصناعة، رتبها في جزأين:

    الجزء الأول: يتألف من عشر مقالات في الطب النظري.

    الجزء الثاني: يتألف من عشر مقالات وهي في الطب العملي الذي يَشمل الجراحة والعمل باليد أو بالحديد والأدوات التي كان يستخدمها الأطباء الجراحون في عملياتهم الجراحية، وقد تضمنت هذه المقالات ذكراً للنباتات الطبية وأبحاثاً في طب العين ومعالجتها وأدويتها وخاصة ما يصيب الأطفال من علل في عيونهم. وقد ذكر القفطي في كتابه «تاريخ الحكماء»: «إن الملكي في العمل أبلغ والقانون ـ لابن سينا ـ في العلم أثبت».

    ذكر المجوسي الأسباب التي دعته إلى تأليف «الملكي» بقوله: إنه لم يجد لأَبُقراط وجالينوس ويوحنا بن سرابيون وماسويه والرازي كتاباً واحداً يرجع إليه الباحثون في الطب لمعرفة تشخيص الأمراض على اختلافها وتدبير العلل ومعالجتها.

    ثم سرد واجبات الطبيب وصفاته التي يجب أن يتحلى بها وكيفية تنمية قدراته الطبيبة ليكون أهلاً لثقة المرضى به، والحذق بمعرفة الدواء وقوى الأدوية المفردة ومنافعها ويقول في صدد ذلك: «ولذلك نحن ذاكرون أولاً في صدد كلٍ منها في الأدوية المفردة الطرق التي يمتحن بها قواها، وهي:

    ـ الطريقة المأخوذة من تجربة الدواء على الأبدان والعلل.

    ـ الطريقة المأخوذة من سرعة استحالة الدواء.

    ـ الطريقة المأخوذة من سرعة جمود الدواء وعسر جمده.

    ـ الطريقة المأخوذة من طعمه .

    ـ الطريقة المأخوذة من رائحته.

    ـ الطريقة المأخوذة من لونه.

    كما ينصح الطبيب بقوله: «إن أمكنك أن تعالج العليل بالغذاء فلا تعطه شيئاً من الأدوية، وإن أمكنك أن تعالج بدواء خفيف مفرد فلا تعالج بدواء أقوى ولا دواء مركب ولا تستعمل الأدوية المجهولة»، وهذا قول مماثل لما كان يقوله أبو بكر الرازي بصدد استخدام الدواء لمعالجة المرضى.

    ـ وللمجوسي تشبيه أو تمثيل رائع للعلاقة بين الأمراض والمريض والدواء؛ فيقول: «فكما أن المسافر يُعِد من الزاد ما يحتاج إليه إلى وقت وصوله إلى الموضع المقصود، فإنه إذا عدم الزاد قبل الوصول إلى الموضع هلك»، ثم يقول في موضع آخر: «قالوا إن الطبيب والمريض والمرض ثلاثة، فمتى كان المريض يقبل من الطبيب، ما يصف له ويتوقى ما ينهاه عنه، كان الطبيب والمريض محاربين للمرض، واثنان على واحد يغلبانه ويهزمانه. وإن كان المريض لايقبل من الطبيب ما يصفه له ويتبع شهواته كان المرض والمريض محاربين للطبيب، وواحد لايقوى على محاربة اثنين».

    اكتسب «الملكي» أهمية علمية ولاسيما في أوربة الذي عُرف عند أطبائهم باسم HALYABBAS، واستمر يُدرس في كليات الطب فيها إلى جانب كتاب «القانون» لابن سينا و«الحاوي» للرازي و«التيسير» لابن زهر و«التصريف» لأبي القاسم الزاهروي، حتى القرن السادس عشر الميلادي، ولقي رواجاً واهتماماً عند طلاب الطب لوضوح تعابيره وأسلوبه وترك استخدام التوضيح الممل المربك أحياناً. وذلك بعدما قام بترجمته «قسطنطين الإفريقي»(ت1087) إلى اللاتينية في مدرسة (مونتي كاسينو) وقد نشره وانتحله لنفسه واتضح انتحاله حينما ترجم «الملكي» اسطفانوس الأنطاكي السوري كاملاً وطبعه باسم علي بن عباس المجوسي باللاتينية. وفي أواخر القرن الخامس عشر الميلادي طُبع في البندقية بإيطالية سنة 1492 وفي ليون سنة 1523 بالعربية ثم طُبع في لاهور سنة 1283هـ/1866م على الحجر وطُبعت المقالة التاسعة منه في لكناو في الهند عام 1906 ثم طبع في بولاق بالقاهرة سنة1294هـ/1877م وبهامشه «مختصر تذكرة السويدي في الطب».

    ويُروى أن الفرنجة حينما كانوا في سورية نقلوه إلى أوربا، ونشر Pde .Koning القسم الثاني والثالث مع الترجمة الفرنسية في ليدن سنة 1903. وللملكي 22 نسخة خطية تتوازعها المكتبات العربية والعالمية.

    حقق كتاب «الملكي» ظافر الوفائي، محمد رواس قلعجي سنة 1997م.

    زهير حميدان
يعمل...
X