عطار (انور)
Al-Attar (Anwar-) - Al-Attar (Anwar-)
العطـار (أنـور ـ)
(1326ـ 1392هـ/1908ـ 1972م)
أنور بن سعيد بن أنيس العطار. شاعر رقيق، من أدباء المدرّسين.
ولد في دمشق، ونشأ يتيماً فقيراً فكفله أخوه الأكبر. تلقى بعضاً من تعليمه الابتدائي في بعلبك، ثم أتمّه في مدرسة «البحصة» بدمشق، وفي دمشق تابع دراسته الثانوية ثم العالية في «مدرسة الآداب العليا» التي أحدثت يومئذ في الجامعة السورية.
كان في مطلع حياته ولوعاً بالرياضيات، وبدأ عمله في التعليم بعد أن أنهى دراسته الثانوية 1929م، إذ عُيّن مديراً لمدرسة قرية «منين» الابتدائية (قضاء دوما) ثم انتقل إلى التعليم في مدارس دمشق.
استدعته وزارة المعارف العراقية وصديقه علي الطنطاوي عام 1936م للتدريس في ثانوياتها ومعاهدها، فعمل في بغداد، ثم عمل مدة قصيرة في الموصل، ومنحته بلدية الموصل لقب «مواطن موصلي».
ثم عاد من العراق إلى سورية لمتابعة التدريس وعيّنته وزارة المعارف السورية (وزارة التربية اليوم) عام 1940م، مدرّساً للأدب العربي في ثانويات حلب، وبعد عامين نقل إلى العمل في دمشق، وتقلّب في الآفاق عاملاً نحو أربعين سنة في مختلف المراحل التعليمية، في سورية والعراق والسعودية.
شغل أيضاً وظائف إدارية في وزارة المعارف بدمشق، إذ عُيّن فيها رئيساً لديوان الإنشاء، ثم ختم حياته الوظيفية ببعض الوظائف الإدارية في الوزارة المذكورة قبيل إحالته على التقاعد.
كان يميل في حياته إلى العزلة والانطواء على نفسه وعدم مخالطة الناس إلا بقدر، مكتفياً بثلة منهم ومبتعداً عن الأحزاب السياسية كلها. ولعل سبب ذلك يعود إلى ما عاناه منذ صغره من يتم وفقر، يضاف إلى ذلك جو الحرب العالمية البغيض الذي خيّم عليه، فلم يُتح له في طفولته أن يمرح مرح الأطفال، وأن يلهو لهوهم.
على أنه ـ مع ذلك ـ شارك في تأسيس «المجمع الأدبي» الذي كان يضمّ نخبة مختارة من أدباء دمشق وشعرائها، وبقي عضواً في لجنته الإدارية.
كما أنه اتصل بمحمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم). وكان من أصدقائه الخُلّص أديب الشام علي الطنطاوي، ومعروف الأرناؤوط صاحب رواية «سيد قريش»، وجريدة «فتى العرب»، وكان من أشد المعجبين بأمير الشعراء أحمد شوقي، فأكثر من قراءة شعره وحفظ جملة من قصائده، وكذلك كان معجباً بأحمد حسن الزيات؛ الذي عُرف بأسلوبه الشاعريّ الأنيق، والزيات صاحب مجلة «الرسالة» ومترجم رواية «آلام فرتر» وغيرها.
وظل الأدب والشعر هواية العطار المفضلة حتى آخر حياته التي انتهت إثر عملية جراحية أجريت له.
أما شعر أنور العطار فهو كثير، وكان قد بدأ نظم الشعر فتى يافعاً في التاسعة عشرة من عمره. وذلك بقصيدة «الشاعر»، ومطلعها:
خلّياه يَنُحْ على عذَباتِهْ
ويصُغْ من دموعه آياتِـهْ
ويرتّـلْ آياتِه بخشوعٍ
مستمدّاً من العلا نفحاتِـهْ
وقد بلغ عدد أبياتها ستة وخمسين بيتاً، وصف فيها الشاعرَ وصوّر مشاعره وخلجاته. وتوالت القصائد بعد ذلك، ينشرها في الصحف والمجلات العربية كمجلتي «الرسالة» و«الزهراء» المصريّتين، و«الأديب» اللبنانية، منذ تخرجه في «مدرسة الآداب العليا» وبدأ اسمه يلمع في دنيا الأدب والشعر، وترافق ذلك مع ظهور الشاعرين الشابين يومئذ: زكي المحاسني وجميل سلطان، إذ أقام لهم المجمع العلمي العربي حفل تكريم مشترك، تشجيعاً لهم وتقديراً لنبوغهم، وحثاً لهم على مواصلة العطاء.
ولم يكتفِ العطار بنشر قصائده في الصحف والمجلات، بل كان يلقي شعره أحياناً في بعض المناسبات الثقافية، كمشاركته في مهرجان الشعر الثاني الذي أقامه بدمشق سنة 1960 المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، أيام الوحدة بين سورية ومصر، وألقى في هذا المهرجان شعراء من شتى أقطار العروبة قصائدهم.
يغلب على موضوعات شعره الاهتمام بالطبيعة من حوله، ووصف الأزهار والحدائق، لأنه كان مغرماً بها ومحباً لها، فتجد في شعره مجالي الطبيعة كلها، وعناية بالمدن والأماكن التي عرفت بطبيعتها الفتانة، وأنهارها الجميلة، كدمشق وغوطتها وبرداها وخريفها وربيعها، ولبنان وجباله ووهاده، وسمائه وبحره، ومصايفه البديعة، وبغداد ودجلتها وليلها المهيب الرهيب، والبصرة وما إليها، ونظم في كل ذلك شعراً جيداً.
كما أكثر في أشعاره من التعبير عن خوالجه النفسية، وأحزانه التي رافقته دائماً وعن تأملاته في الحياة والكون، إلى جانب بعض الموضوعات الوطنية والقومية من حديث عن الشهيد، وتمجيد للبطولة العربية في أسمى معانيها، وهو في ذلك كله طويل النفَس، بادي الرويّة.
وهذا يدل على صحة ما أطلق عليه من أنه شاعر رومانسي يعزف على أوتار الشعر الغنائي الذاتي، ويغني أعذب الشعر وهو يعنى بالفكرة إلى جانب عنايته بالكلمة والجملة. وقد تطغى عنايته بسحر الكلمة على جمال الفكرة، وأسلوبه في شعره يتصف بالجزالة والأناقة والإشراق وفيه عذوبة ولين، وتدفق ومضاء، وهو ذو إيقاع موسيقي واضح، وكل ذلك يدل على أن العطار ذو شاعرية قوية، وقريحة فياضة، ولا غرو، فقد أسعفته موهبته الشعرية، وذائقته الفنية، وما حفظه في مطلع حياته من شعر كثير زاد على عشرة آلاف بيت، من جيّد أشعار العربَ فانصهر ذلك كله في شعرٍ رقيق الديباجة، رقراق كالماء الصافي.
وصف معروف الأرناؤوط شعره بقوله: «أنور العطار هو ـ كما يقول ألفريد دي موسيه ـ شاعر الحياة التي نعرفها في الآلام والمسرات، في الحظوظ اللامعة والحظوظ الكابية، بل هو كما يقول لورد بيرون ـ قيثارة، بعض أوتارها للغناء، وبعضها للبكاء».
ووصف أحمد حسن الزيات أدب العطار بأنه «مثل صادق للأدب السوري الحديث، وأكثر الصفات البلاغية انطباقاً عليه: الجزالة والسلاسة والوضوح، فلم يخفّ خفّة الأدب في مصر، ولم يَمِعْ ميعةَ الأدب في لبنان، وإنما ظل محافظاً كأهله، يُسفر ولا يَغيم، ويجدد ولا يشتطّ، ويستقيم ولا ينحرف».
لم يطبع من دواوينه الشعرية سوى ديوان واحد هو «ظلال الأيام» سنة 1948م، قدّم له علي الطنطاوي صديق الشاعر.
أما سائر شعر العطار فلايزال مخطوطاً وهو كثير جداً وقد ضمّتْه سبعة دواوين وهي: وادي الأحلام، أشواق، البواكير، الليل المسحور، منعطف النهر، علّمتني الحياة، ربيع بلا أحبة.
وله من المؤلفات النثرية غير المطبوعة أيضاً كتاب «الوصف والتزويق عند البحتري»، «أسرة الغزل في العصر الأموي»، ودراسة كاملة لنثر أحمد شوقي ولكتابه «أسواق الذهب» وأخرى عن خير الدين الزركلي.
وشارك في تأليف بعض الكتب المدرسية المطبوعة مثل: «الزّاد في الأدب العربي»، «أغاني الديار»، «الخلاصة الأدبية».
وله أيضاً بعض المختارات الشعرية المخطوطة انتقاها من روائع الشعر العربي، ومنها: «شوقيات لم تنشرها الشوقيات»، «ألف بيت وبيت».
محمود فاخوري
Al-Attar (Anwar-) - Al-Attar (Anwar-)
العطـار (أنـور ـ)
(1326ـ 1392هـ/1908ـ 1972م)
أنور بن سعيد بن أنيس العطار. شاعر رقيق، من أدباء المدرّسين.
ولد في دمشق، ونشأ يتيماً فقيراً فكفله أخوه الأكبر. تلقى بعضاً من تعليمه الابتدائي في بعلبك، ثم أتمّه في مدرسة «البحصة» بدمشق، وفي دمشق تابع دراسته الثانوية ثم العالية في «مدرسة الآداب العليا» التي أحدثت يومئذ في الجامعة السورية.
كان في مطلع حياته ولوعاً بالرياضيات، وبدأ عمله في التعليم بعد أن أنهى دراسته الثانوية 1929م، إذ عُيّن مديراً لمدرسة قرية «منين» الابتدائية (قضاء دوما) ثم انتقل إلى التعليم في مدارس دمشق.
استدعته وزارة المعارف العراقية وصديقه علي الطنطاوي عام 1936م للتدريس في ثانوياتها ومعاهدها، فعمل في بغداد، ثم عمل مدة قصيرة في الموصل، ومنحته بلدية الموصل لقب «مواطن موصلي».
ثم عاد من العراق إلى سورية لمتابعة التدريس وعيّنته وزارة المعارف السورية (وزارة التربية اليوم) عام 1940م، مدرّساً للأدب العربي في ثانويات حلب، وبعد عامين نقل إلى العمل في دمشق، وتقلّب في الآفاق عاملاً نحو أربعين سنة في مختلف المراحل التعليمية، في سورية والعراق والسعودية.
شغل أيضاً وظائف إدارية في وزارة المعارف بدمشق، إذ عُيّن فيها رئيساً لديوان الإنشاء، ثم ختم حياته الوظيفية ببعض الوظائف الإدارية في الوزارة المذكورة قبيل إحالته على التقاعد.
كان يميل في حياته إلى العزلة والانطواء على نفسه وعدم مخالطة الناس إلا بقدر، مكتفياً بثلة منهم ومبتعداً عن الأحزاب السياسية كلها. ولعل سبب ذلك يعود إلى ما عاناه منذ صغره من يتم وفقر، يضاف إلى ذلك جو الحرب العالمية البغيض الذي خيّم عليه، فلم يُتح له في طفولته أن يمرح مرح الأطفال، وأن يلهو لهوهم.
على أنه ـ مع ذلك ـ شارك في تأسيس «المجمع الأدبي» الذي كان يضمّ نخبة مختارة من أدباء دمشق وشعرائها، وبقي عضواً في لجنته الإدارية.
كما أنه اتصل بمحمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم). وكان من أصدقائه الخُلّص أديب الشام علي الطنطاوي، ومعروف الأرناؤوط صاحب رواية «سيد قريش»، وجريدة «فتى العرب»، وكان من أشد المعجبين بأمير الشعراء أحمد شوقي، فأكثر من قراءة شعره وحفظ جملة من قصائده، وكذلك كان معجباً بأحمد حسن الزيات؛ الذي عُرف بأسلوبه الشاعريّ الأنيق، والزيات صاحب مجلة «الرسالة» ومترجم رواية «آلام فرتر» وغيرها.
وظل الأدب والشعر هواية العطار المفضلة حتى آخر حياته التي انتهت إثر عملية جراحية أجريت له.
أما شعر أنور العطار فهو كثير، وكان قد بدأ نظم الشعر فتى يافعاً في التاسعة عشرة من عمره. وذلك بقصيدة «الشاعر»، ومطلعها:
خلّياه يَنُحْ على عذَباتِهْ
ويصُغْ من دموعه آياتِـهْ
ويرتّـلْ آياتِه بخشوعٍ
مستمدّاً من العلا نفحاتِـهْ
وقد بلغ عدد أبياتها ستة وخمسين بيتاً، وصف فيها الشاعرَ وصوّر مشاعره وخلجاته. وتوالت القصائد بعد ذلك، ينشرها في الصحف والمجلات العربية كمجلتي «الرسالة» و«الزهراء» المصريّتين، و«الأديب» اللبنانية، منذ تخرجه في «مدرسة الآداب العليا» وبدأ اسمه يلمع في دنيا الأدب والشعر، وترافق ذلك مع ظهور الشاعرين الشابين يومئذ: زكي المحاسني وجميل سلطان، إذ أقام لهم المجمع العلمي العربي حفل تكريم مشترك، تشجيعاً لهم وتقديراً لنبوغهم، وحثاً لهم على مواصلة العطاء.
ولم يكتفِ العطار بنشر قصائده في الصحف والمجلات، بل كان يلقي شعره أحياناً في بعض المناسبات الثقافية، كمشاركته في مهرجان الشعر الثاني الذي أقامه بدمشق سنة 1960 المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، أيام الوحدة بين سورية ومصر، وألقى في هذا المهرجان شعراء من شتى أقطار العروبة قصائدهم.
يغلب على موضوعات شعره الاهتمام بالطبيعة من حوله، ووصف الأزهار والحدائق، لأنه كان مغرماً بها ومحباً لها، فتجد في شعره مجالي الطبيعة كلها، وعناية بالمدن والأماكن التي عرفت بطبيعتها الفتانة، وأنهارها الجميلة، كدمشق وغوطتها وبرداها وخريفها وربيعها، ولبنان وجباله ووهاده، وسمائه وبحره، ومصايفه البديعة، وبغداد ودجلتها وليلها المهيب الرهيب، والبصرة وما إليها، ونظم في كل ذلك شعراً جيداً.
كما أكثر في أشعاره من التعبير عن خوالجه النفسية، وأحزانه التي رافقته دائماً وعن تأملاته في الحياة والكون، إلى جانب بعض الموضوعات الوطنية والقومية من حديث عن الشهيد، وتمجيد للبطولة العربية في أسمى معانيها، وهو في ذلك كله طويل النفَس، بادي الرويّة.
وهذا يدل على صحة ما أطلق عليه من أنه شاعر رومانسي يعزف على أوتار الشعر الغنائي الذاتي، ويغني أعذب الشعر وهو يعنى بالفكرة إلى جانب عنايته بالكلمة والجملة. وقد تطغى عنايته بسحر الكلمة على جمال الفكرة، وأسلوبه في شعره يتصف بالجزالة والأناقة والإشراق وفيه عذوبة ولين، وتدفق ومضاء، وهو ذو إيقاع موسيقي واضح، وكل ذلك يدل على أن العطار ذو شاعرية قوية، وقريحة فياضة، ولا غرو، فقد أسعفته موهبته الشعرية، وذائقته الفنية، وما حفظه في مطلع حياته من شعر كثير زاد على عشرة آلاف بيت، من جيّد أشعار العربَ فانصهر ذلك كله في شعرٍ رقيق الديباجة، رقراق كالماء الصافي.
وصف معروف الأرناؤوط شعره بقوله: «أنور العطار هو ـ كما يقول ألفريد دي موسيه ـ شاعر الحياة التي نعرفها في الآلام والمسرات، في الحظوظ اللامعة والحظوظ الكابية، بل هو كما يقول لورد بيرون ـ قيثارة، بعض أوتارها للغناء، وبعضها للبكاء».
ووصف أحمد حسن الزيات أدب العطار بأنه «مثل صادق للأدب السوري الحديث، وأكثر الصفات البلاغية انطباقاً عليه: الجزالة والسلاسة والوضوح، فلم يخفّ خفّة الأدب في مصر، ولم يَمِعْ ميعةَ الأدب في لبنان، وإنما ظل محافظاً كأهله، يُسفر ولا يَغيم، ويجدد ولا يشتطّ، ويستقيم ولا ينحرف».
لم يطبع من دواوينه الشعرية سوى ديوان واحد هو «ظلال الأيام» سنة 1948م، قدّم له علي الطنطاوي صديق الشاعر.
أما سائر شعر العطار فلايزال مخطوطاً وهو كثير جداً وقد ضمّتْه سبعة دواوين وهي: وادي الأحلام، أشواق، البواكير، الليل المسحور، منعطف النهر، علّمتني الحياة، ربيع بلا أحبة.
وله من المؤلفات النثرية غير المطبوعة أيضاً كتاب «الوصف والتزويق عند البحتري»، «أسرة الغزل في العصر الأموي»، ودراسة كاملة لنثر أحمد شوقي ولكتابه «أسواق الذهب» وأخرى عن خير الدين الزركلي.
وشارك في تأليف بعض الكتب المدرسية المطبوعة مثل: «الزّاد في الأدب العربي»، «أغاني الديار»، «الخلاصة الأدبية».
وله أيضاً بعض المختارات الشعرية المخطوطة انتقاها من روائع الشعر العربي، ومنها: «شوقيات لم تنشرها الشوقيات»، «ألف بيت وبيت».
محمود فاخوري