علم ادويه جينومي
Pharmacology - Pharmacologie
علم الأدوية الجينومي
في شهر نيسان/إبريل 2003، اكتملت دراسات مشروع الجينوم البشري Human GenomeProject، وتوافرت معلومات لاتقدر بثمن بشأن تسلسل القواعد في الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا DNA) في صبغيات الإنسان التي تشكل نحو 35000 مورثة في خلاياه. وقد أوضح هذا المشروع أن نحو 99.9% من المعلومات المتوافرة في المورثات متماثلة عند جميع الناس، وأن الفروق الصغيرة المتبقية هي المفتاح المميز لشخصية الإنسان ووظائف جسمه. ومع أن هذه الفروق لاتسبب عادة مشكلات تتعلق بنمو الفرد وتطوره، أو بوظائفه الحيوية، إلا أنها قد تؤثر في استعداده للتعرض لمشكلات صحية معينة، وقد تحدد كيفية تفاعل الجسم مع معاملات مختلفة، منها مايتعلق بكيفية استقلابmetabolism الأدوية المختلفة ومدى الاستفادة منها. وكان من جملة فوائد هذا المشروع تطور الدراسات الخاصة بالعلاج الجينومي، التي تبحث في تحديد التداخلات interactions بين المورثات والعقاقير الدوائية. ويؤمل في أنه في بضع سنوات، سيوفِّر التعرف الدقيق إلى الصيغ الوراثية للمرضى فرص معالجتهم بعقاقير دوائية ذات كفاءة وسلامة مرتفعتين، وبمعنى آخر أن يصف الطبيب الجرعة المناسبة من الدواء المناسب للمريض، وهذا تحقيق لمايُدعى الطب «الإفرادي أو الشخصي» personalized medicine.
تتوافر في المراجع العلمية أمثلة عدة حول الارتباط القوي بين التباين الوراثي geneticvariation والاستجابة للدواء. وقد أمكن وصف الأسس الجزيئية لبعض منها، متضمنة أمثلة عن تباين المورثات (الجينات) genes المسؤولة عن امتصاص الدواء واستقلابه، وقد شهدت تسعينيات القرن العشرين ثورة عظيمة في علوم الحياة (البيولوجيا)، ومن المتوقع أن التقانات التي طُوِّرت والاكتشافات التي تحققت بهذا المشروع ستؤدي إلى تغيير كل من مستقبل صناعة الأدوية والممارسات الطبية المعروفة حالياً؛ إذ إن معرفة الأطباء والصيادلة بشأن العلاقة بين النمط الجيني للمريض وكفاءة الدواء الذي يتناوله سوف تزداد، وسوف يؤدي تصنيف المرضى بحسب أنماطهم الجينية إلى انتقاء الأدوية التي تزيد من كفاءة تأثيراتها العلاجية وتُنقِص في الوقت ذاته آثارها الجانبية.
العلاج الجينومي، أو الأدوية الجينومية، علم جديد لم يكن موجوداً قبل منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وهو يجمع بين علوم صيدلانية تقليدية، مثل علوم الكيمياء الحيوية والأدوية، وبين المعلومات الحديثة التي توافرت عن مشروع الجينوم البشري، وأشكال المورثات والطفرات والبروتينات وآثار العوامل البيئية، ومايرتبط بكل ذلك من علوم ومعارف، ويضم هذا العلم الوراثة الدوائية التي تهتم بدراسة الفروق بين الأفراد من حيث الاستجابة للدواء بسبب اختلافات تراكيبهم الوراثية، وتستكشف طرائق استخدام هذه الاختلافات للتنبؤ باستجابة مريض لدواء: هل هي استجابة جيدة، أو رديئة، أو معدومة؟
ليست الاستجابة للدواء محددة بالمورثات وحسب، بل تتأثر أيضاً بالشروط البيئية المحيطة بالمرضى. ومع أنه يمكن تحديد عدد كبير من العوامل البيئية، إلا أن تحديد المورثات المسؤولة عن تلك الاستجابة ليس أمراً يسيراً؛ ولهذا فإن دراسات العلاجات الجينومية تتجه نحو تحديد التباينات الوراثية التي تحدد نوعية الاستجابة للدواء، وفي أحيان كثيرة قد يصف بعض الأطباء عقاراً دوائياً معيناً، فيكتشف المريض أن له آثاراً جانبية رديئةً، أو أنه لم يحقق أي فائدة، ويضطر الطبيب إلى استخدام أدوية أخرى بقصد العثور على علاج مناسب للمرض. ويُتوقع أن يُوفر العلاج الجينومي طرائق تشخيص ومعالجة بديلة أفضل من المعمول بها حالياً، ويؤمل أن يذهب المريض في المستقبل غير البعيد إلى عيادة طبيبه، فيقوم بتشخيص مرضه، ويحلل عينة من الدنا منه، أو يدرسها من شريحة إلكترونية يحملها المريض معه مبينة كل المعلومات عن جينومه، ومن ثم يصف العلاج المناسب له.
الفوائد المرتقبة للأدوية الجينومية
أوضحت دراسة علمية في عام 1998 نُشِرَتْ في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية JAMA أن التفاعلات الدوائية المضادة أدت إلى حدوث أكثر من 2.2 مليون إصابة خطيرة، فضلاً عن وفاة أكثر من مئة ألف مريض في المستشفيات الأمريكية، وهذا مايجعل التفاعلات المذكورة من الأسباب الرئيسة للوفيات في تلك البلاد. وفي الوقت الحاضر، لاتتوافر طرائق سهلة للتنبؤ بإمكان حدوث استجابات جيدة للعقاقير الدوائية أو مضادة لها، أو عدم حدوث أي استجابة. ولازالت شركات صناعة الأدوية تستخدم حتى اليوم نظام «قياس واحد يناسب الجميع»، اعتماداً على متوسط استجابة المرضى للدواء، على الرغم من أن ذلك قد يسبب إصابات مرضية أو وفيات كثيرة. وستوفر دراسات العلاج الجينومي الحل الناجع لهذه المشكلات. وسيكون لها فوائد تطبيقية مهمة، منها مايأتي:
ـ كشف طفرات وراثية جديدة كثيرة، ومعلومات مهمة تتعلق بالتداخلات بين الوراثة والبيئة، وتحديد أنماط جينية وشذوذات صبغية مرتبطة بأمراض مختلفة.
ـ إضافة التشخيص الجينومي للأمراض إلى التشخيصات الطبية الأخرى، وذلك لتحريّها في وقت مبكر.
ـ تمكين شركات صناعة الأدوية من صنع عقاقير دوائية مستندة إلى البروتينات والإنزيمات وجزيئات الحمض الريبي النووي (الرنا RNA) المرتبط بالمورثات والأمراض. وإنتاج علاجات موجهة نحو أمراض معينة بدقة بالغة. وسيحقق ذلك زيادات كبيرة في الآثار العلاجية للدواء وإنقاص الإضرار بالخلايا السليمة.
ـ إنتاج لقاحات vaccines مصنوعة من مادة وراثية (دنا أو رنا) قادرة على تنشيط الجهاز المناعي، وستكون أكثر أماناً وأرخص كلفة وأسهل تخزيناً، إضافة إلى إمكان هندستها وراثياً لتؤثر في سلالات عدة من العامل الممرض في آن معاً.
ـ إنقاص طول المدة اللازمة لصنع دواء جديد، وصولاً إلى طرحه في الأسواق الصيدلانية، (في أمريكا مثلاً: من 15 سنة حالياً إلى نحو سنتين)، وتخفيض تكاليف إنتاجه كثيراً.
العلاج الجينومي حالياً
تُصنَّع الأدوية حالياً وفق أسس جماعية، ولكن المريض هو مَنْ يجب الاهتمام به، فمثلاً: لايستجيب حتى 35% من المرضى لحاصرات بيتاß blockers ، ولايستجيب حتى 50% منهم لمضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات tricyclicantidepressants، مما يجعل استفادة هؤلاء المرضى منها معدومة، أو أنها قد تؤدي إلى نتائج ضارة. وإن كمية معينة من الأدوية المسكنة للآلام، مثل الكوديين codeine، قد تنتج الأثر المرغوب في بعض الأفراد، ولكنها قد تكون عديمة التأثير في أناس آخرين، بل قد تنتج آثاراً سيئة، وقد تهدد حياة بعضهم. وفي بعض الأمراض، قد ينتظر المريض فترة طويلة قبل أن يكتشف إذا ما كان العلاج الذي يستخدمه مفيداً بشكل مقبول أم لا، وقد يضطر إلى تكرار ذلك بتجربة علاجات أخرى، ويُؤمل في أن توفر العلاجات الجينومية السبل اللازمة ليقول الطبيب للمريض: «هذا هو الدواء لمرضك، وهذه هي الجرعات المناسبة منه».
ليس اختبار التباينات الوراثية بين البشر أمراً سهلاً أو رخيصاً، ولكنه سيصبح كذلك بتقدم البحوث وتطور التقانات والإمكانات. وسيؤدي ذلك في المستقبل إلى تحقيق وفر كبير، انطلاقاً من نواحٍ اقتصادية مثل: التكاليف المرتفعة نتيجة إخفاق الدواء الذي لايحقق أي فائدة علاجية، ولو كان ذلك لعدد صغير من المرضى، أو كالدواء الذي يسبب زيادة تكاليف الرعاية الصحية، أو تكاليف علاج المرضى الذين أصيبوا بسمية دوائية أو بآثار جانبية سيئة أخرى، أو تكاليف زياراتهم المتكررة لعيادات الأطباء أو المستشفيات.
ويضع الباحثون نصب أعينهم أن كفاءة الدواء مرهونة بقبوله للامتصاص، وأن يكون استقلابه صحيحاً، وأن يرتبط بهدفه، وليس بمكونات أخرى في جسم المريض، وأن تطرح بقايا استقلابه فلا تتراكم في الجسم. إن أي اختلافات وراثية في أي من هذه الوظائف قد يؤدي إلى اختلافات كبيرة أو صغيرة في الاستجابة للدواء. ومن أفضل الأمثلة على ذلك المورثات التي تُرمِّز لإنتاج إنزيمات استقلاب العقاقير الدوائية، مثل مجموعة إنزيمات السيتوكروم P450 (cytochrome P450 CYP450) المسؤولة عن استقلاب مجموعة كبيرة من الأدوية البشرية، ويختلف الأفراد في سرعة استقلاب الدواء وفقاً لنوعية الإنزيمات التي يمتلكونها، إذ إن الأشخاص الممتلكين لاستقلاب بطيء يتعرضون إلى المواد الفعالة في الدواء مدة أطول، ويتعرضون للمُستقلَبَات metabolites على نحو أقل من الممتلكين للآليلات المسببة لزيادة سرعة الاستقلاب، والإنزيم CYP2D6 مسؤول عن استقلاب عدد كبير من أدوية القلب، بما فيها حاصرات بيتا. ويتصف الأفراد بطيئو الاستقلاب بتركيز دوائي في أمصالهم يبلغ الضعفين أو الثلاثة أضعاف، فيسبب ذلك دواراً وقد يؤدي إلى آثار جانبية ضارة، وقد أمكن توصيف عدد كبير من هذه الإنزيمات، لأنها مرتبطة بالنماذج الاستقلابية المختلفة للأدوية، وتوفر اختبارات لتحديد الصيغة الوراثية لعدد من هذه الإنزيمات، كما يجري إعداد عدد آخر من هذه الاختبارات.
يتوفر حالياً اختبار لقياس قدرة الفرد على إنتاج الإنزيم thiopurine S-methyltransferase(TPMT) الضروري لاستقلاب الأدوية الثيوبورينية المستخدمة في علاج الابيضاض اللمفاوي الحادacute lymphoblastic leukemia (ALL)، وهو أكثر سرطانات الأطفال شيوعاً. ويوفر الاختبار فرصة للأطباء لتصنيف المرضى حسب أنماطهم الجينية الخاصة بإنتاج هذا الإنزيم، ويساعدهم على تحديد الجرعة الدوائية المناسبة لكل منهم، فمثلاً إذا وُجِدَ أن المريض ضعيف القدرة على إنتاج الإنزيم (ومن ثم أقل تحملاً للأدوية الثيوبورينية)؛ فإن جرعته الدوائية تُنقص كثيراً.
ومن جهة أخرى، لازالت أسئلة كثيرة متعلقة بالأطر القانونية والأخلاقية والتنظيمية لهذه الدراسات تنتظر الإجابة. ولاشك في أن من الضروري تنفيذ حملات تثقيفية واسعة لكل من المرضى والأطباء والصيادلة مرافقة للتوسع في تنفيذ هذه الدراسات الجديدة وتطبيقها.
أسامة عارف العوا
Pharmacology - Pharmacologie
علم الأدوية الجينومي
في شهر نيسان/إبريل 2003، اكتملت دراسات مشروع الجينوم البشري Human GenomeProject، وتوافرت معلومات لاتقدر بثمن بشأن تسلسل القواعد في الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا DNA) في صبغيات الإنسان التي تشكل نحو 35000 مورثة في خلاياه. وقد أوضح هذا المشروع أن نحو 99.9% من المعلومات المتوافرة في المورثات متماثلة عند جميع الناس، وأن الفروق الصغيرة المتبقية هي المفتاح المميز لشخصية الإنسان ووظائف جسمه. ومع أن هذه الفروق لاتسبب عادة مشكلات تتعلق بنمو الفرد وتطوره، أو بوظائفه الحيوية، إلا أنها قد تؤثر في استعداده للتعرض لمشكلات صحية معينة، وقد تحدد كيفية تفاعل الجسم مع معاملات مختلفة، منها مايتعلق بكيفية استقلابmetabolism الأدوية المختلفة ومدى الاستفادة منها. وكان من جملة فوائد هذا المشروع تطور الدراسات الخاصة بالعلاج الجينومي، التي تبحث في تحديد التداخلات interactions بين المورثات والعقاقير الدوائية. ويؤمل في أنه في بضع سنوات، سيوفِّر التعرف الدقيق إلى الصيغ الوراثية للمرضى فرص معالجتهم بعقاقير دوائية ذات كفاءة وسلامة مرتفعتين، وبمعنى آخر أن يصف الطبيب الجرعة المناسبة من الدواء المناسب للمريض، وهذا تحقيق لمايُدعى الطب «الإفرادي أو الشخصي» personalized medicine.
تتوافر في المراجع العلمية أمثلة عدة حول الارتباط القوي بين التباين الوراثي geneticvariation والاستجابة للدواء. وقد أمكن وصف الأسس الجزيئية لبعض منها، متضمنة أمثلة عن تباين المورثات (الجينات) genes المسؤولة عن امتصاص الدواء واستقلابه، وقد شهدت تسعينيات القرن العشرين ثورة عظيمة في علوم الحياة (البيولوجيا)، ومن المتوقع أن التقانات التي طُوِّرت والاكتشافات التي تحققت بهذا المشروع ستؤدي إلى تغيير كل من مستقبل صناعة الأدوية والممارسات الطبية المعروفة حالياً؛ إذ إن معرفة الأطباء والصيادلة بشأن العلاقة بين النمط الجيني للمريض وكفاءة الدواء الذي يتناوله سوف تزداد، وسوف يؤدي تصنيف المرضى بحسب أنماطهم الجينية إلى انتقاء الأدوية التي تزيد من كفاءة تأثيراتها العلاجية وتُنقِص في الوقت ذاته آثارها الجانبية.
العلاج الجينومي، أو الأدوية الجينومية، علم جديد لم يكن موجوداً قبل منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وهو يجمع بين علوم صيدلانية تقليدية، مثل علوم الكيمياء الحيوية والأدوية، وبين المعلومات الحديثة التي توافرت عن مشروع الجينوم البشري، وأشكال المورثات والطفرات والبروتينات وآثار العوامل البيئية، ومايرتبط بكل ذلك من علوم ومعارف، ويضم هذا العلم الوراثة الدوائية التي تهتم بدراسة الفروق بين الأفراد من حيث الاستجابة للدواء بسبب اختلافات تراكيبهم الوراثية، وتستكشف طرائق استخدام هذه الاختلافات للتنبؤ باستجابة مريض لدواء: هل هي استجابة جيدة، أو رديئة، أو معدومة؟
ليست الاستجابة للدواء محددة بالمورثات وحسب، بل تتأثر أيضاً بالشروط البيئية المحيطة بالمرضى. ومع أنه يمكن تحديد عدد كبير من العوامل البيئية، إلا أن تحديد المورثات المسؤولة عن تلك الاستجابة ليس أمراً يسيراً؛ ولهذا فإن دراسات العلاجات الجينومية تتجه نحو تحديد التباينات الوراثية التي تحدد نوعية الاستجابة للدواء، وفي أحيان كثيرة قد يصف بعض الأطباء عقاراً دوائياً معيناً، فيكتشف المريض أن له آثاراً جانبية رديئةً، أو أنه لم يحقق أي فائدة، ويضطر الطبيب إلى استخدام أدوية أخرى بقصد العثور على علاج مناسب للمرض. ويُتوقع أن يُوفر العلاج الجينومي طرائق تشخيص ومعالجة بديلة أفضل من المعمول بها حالياً، ويؤمل أن يذهب المريض في المستقبل غير البعيد إلى عيادة طبيبه، فيقوم بتشخيص مرضه، ويحلل عينة من الدنا منه، أو يدرسها من شريحة إلكترونية يحملها المريض معه مبينة كل المعلومات عن جينومه، ومن ثم يصف العلاج المناسب له.
الفوائد المرتقبة للأدوية الجينومية
أوضحت دراسة علمية في عام 1998 نُشِرَتْ في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية JAMA أن التفاعلات الدوائية المضادة أدت إلى حدوث أكثر من 2.2 مليون إصابة خطيرة، فضلاً عن وفاة أكثر من مئة ألف مريض في المستشفيات الأمريكية، وهذا مايجعل التفاعلات المذكورة من الأسباب الرئيسة للوفيات في تلك البلاد. وفي الوقت الحاضر، لاتتوافر طرائق سهلة للتنبؤ بإمكان حدوث استجابات جيدة للعقاقير الدوائية أو مضادة لها، أو عدم حدوث أي استجابة. ولازالت شركات صناعة الأدوية تستخدم حتى اليوم نظام «قياس واحد يناسب الجميع»، اعتماداً على متوسط استجابة المرضى للدواء، على الرغم من أن ذلك قد يسبب إصابات مرضية أو وفيات كثيرة. وستوفر دراسات العلاج الجينومي الحل الناجع لهذه المشكلات. وسيكون لها فوائد تطبيقية مهمة، منها مايأتي:
ـ كشف طفرات وراثية جديدة كثيرة، ومعلومات مهمة تتعلق بالتداخلات بين الوراثة والبيئة، وتحديد أنماط جينية وشذوذات صبغية مرتبطة بأمراض مختلفة.
ـ إضافة التشخيص الجينومي للأمراض إلى التشخيصات الطبية الأخرى، وذلك لتحريّها في وقت مبكر.
ـ تمكين شركات صناعة الأدوية من صنع عقاقير دوائية مستندة إلى البروتينات والإنزيمات وجزيئات الحمض الريبي النووي (الرنا RNA) المرتبط بالمورثات والأمراض. وإنتاج علاجات موجهة نحو أمراض معينة بدقة بالغة. وسيحقق ذلك زيادات كبيرة في الآثار العلاجية للدواء وإنقاص الإضرار بالخلايا السليمة.
ـ إنتاج لقاحات vaccines مصنوعة من مادة وراثية (دنا أو رنا) قادرة على تنشيط الجهاز المناعي، وستكون أكثر أماناً وأرخص كلفة وأسهل تخزيناً، إضافة إلى إمكان هندستها وراثياً لتؤثر في سلالات عدة من العامل الممرض في آن معاً.
ـ إنقاص طول المدة اللازمة لصنع دواء جديد، وصولاً إلى طرحه في الأسواق الصيدلانية، (في أمريكا مثلاً: من 15 سنة حالياً إلى نحو سنتين)، وتخفيض تكاليف إنتاجه كثيراً.
العلاج الجينومي حالياً
تُصنَّع الأدوية حالياً وفق أسس جماعية، ولكن المريض هو مَنْ يجب الاهتمام به، فمثلاً: لايستجيب حتى 35% من المرضى لحاصرات بيتاß blockers ، ولايستجيب حتى 50% منهم لمضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات tricyclicantidepressants، مما يجعل استفادة هؤلاء المرضى منها معدومة، أو أنها قد تؤدي إلى نتائج ضارة. وإن كمية معينة من الأدوية المسكنة للآلام، مثل الكوديين codeine، قد تنتج الأثر المرغوب في بعض الأفراد، ولكنها قد تكون عديمة التأثير في أناس آخرين، بل قد تنتج آثاراً سيئة، وقد تهدد حياة بعضهم. وفي بعض الأمراض، قد ينتظر المريض فترة طويلة قبل أن يكتشف إذا ما كان العلاج الذي يستخدمه مفيداً بشكل مقبول أم لا، وقد يضطر إلى تكرار ذلك بتجربة علاجات أخرى، ويُؤمل في أن توفر العلاجات الجينومية السبل اللازمة ليقول الطبيب للمريض: «هذا هو الدواء لمرضك، وهذه هي الجرعات المناسبة منه».
ليس اختبار التباينات الوراثية بين البشر أمراً سهلاً أو رخيصاً، ولكنه سيصبح كذلك بتقدم البحوث وتطور التقانات والإمكانات. وسيؤدي ذلك في المستقبل إلى تحقيق وفر كبير، انطلاقاً من نواحٍ اقتصادية مثل: التكاليف المرتفعة نتيجة إخفاق الدواء الذي لايحقق أي فائدة علاجية، ولو كان ذلك لعدد صغير من المرضى، أو كالدواء الذي يسبب زيادة تكاليف الرعاية الصحية، أو تكاليف علاج المرضى الذين أصيبوا بسمية دوائية أو بآثار جانبية سيئة أخرى، أو تكاليف زياراتهم المتكررة لعيادات الأطباء أو المستشفيات.
ويضع الباحثون نصب أعينهم أن كفاءة الدواء مرهونة بقبوله للامتصاص، وأن يكون استقلابه صحيحاً، وأن يرتبط بهدفه، وليس بمكونات أخرى في جسم المريض، وأن تطرح بقايا استقلابه فلا تتراكم في الجسم. إن أي اختلافات وراثية في أي من هذه الوظائف قد يؤدي إلى اختلافات كبيرة أو صغيرة في الاستجابة للدواء. ومن أفضل الأمثلة على ذلك المورثات التي تُرمِّز لإنتاج إنزيمات استقلاب العقاقير الدوائية، مثل مجموعة إنزيمات السيتوكروم P450 (cytochrome P450 CYP450) المسؤولة عن استقلاب مجموعة كبيرة من الأدوية البشرية، ويختلف الأفراد في سرعة استقلاب الدواء وفقاً لنوعية الإنزيمات التي يمتلكونها، إذ إن الأشخاص الممتلكين لاستقلاب بطيء يتعرضون إلى المواد الفعالة في الدواء مدة أطول، ويتعرضون للمُستقلَبَات metabolites على نحو أقل من الممتلكين للآليلات المسببة لزيادة سرعة الاستقلاب، والإنزيم CYP2D6 مسؤول عن استقلاب عدد كبير من أدوية القلب، بما فيها حاصرات بيتا. ويتصف الأفراد بطيئو الاستقلاب بتركيز دوائي في أمصالهم يبلغ الضعفين أو الثلاثة أضعاف، فيسبب ذلك دواراً وقد يؤدي إلى آثار جانبية ضارة، وقد أمكن توصيف عدد كبير من هذه الإنزيمات، لأنها مرتبطة بالنماذج الاستقلابية المختلفة للأدوية، وتوفر اختبارات لتحديد الصيغة الوراثية لعدد من هذه الإنزيمات، كما يجري إعداد عدد آخر من هذه الاختبارات.
يتوفر حالياً اختبار لقياس قدرة الفرد على إنتاج الإنزيم thiopurine S-methyltransferase(TPMT) الضروري لاستقلاب الأدوية الثيوبورينية المستخدمة في علاج الابيضاض اللمفاوي الحادacute lymphoblastic leukemia (ALL)، وهو أكثر سرطانات الأطفال شيوعاً. ويوفر الاختبار فرصة للأطباء لتصنيف المرضى حسب أنماطهم الجينية الخاصة بإنتاج هذا الإنزيم، ويساعدهم على تحديد الجرعة الدوائية المناسبة لكل منهم، فمثلاً إذا وُجِدَ أن المريض ضعيف القدرة على إنتاج الإنزيم (ومن ثم أقل تحملاً للأدوية الثيوبورينية)؛ فإن جرعته الدوائية تُنقص كثيراً.
ومن جهة أخرى، لازالت أسئلة كثيرة متعلقة بالأطر القانونية والأخلاقية والتنظيمية لهذه الدراسات تنتظر الإجابة. ولاشك في أن من الضروري تنفيذ حملات تثقيفية واسعة لكل من المرضى والأطباء والصيادلة مرافقة للتوسع في تنفيذ هذه الدراسات الجديدة وتطبيقها.
أسامة عارف العوا