ما كتبته الشاعرة والناقدة التونسية سونيا عبد اللطيف مشكورة.. وذلك عن قراءتها لتجربتي الفنية والأدبية، والتي نشرت في جريدة الكلمة الحرة العراقية...
تحية محبة وتقدير للسيدة سونيا...
(قراءة في سيرة إنسان)....
سونيا عبد اللطيف - تونس
قد يكون من الصعب جداً أن نقرأ سيرة إنسان متعدد المواهب والتخصصات في وقت قليل وبكلمات محدودة، ذلـك لـحجـم المـنجـز الفـنـي والأدبـي والثقافي، إنسان واكب الحـدث الثـقـافـي والفنـي والأدبـي طـيلة سنين طوال بكل هدوء دون صخب.
وهو الذي عمل في المجال الثقافي كوظيفية قدم خلالها الكثير من المنجزات ذات الأهمية الواضحة.. إنه الإنسان الفنان الشاعر المصمم العراقي د. مهند الشاوي.
من خلال تصفّحي لأعمال الأستاذ مهند الشاوي المختلفة والمتنوّعة بين قصائد نثريّة وومضات متّسمة بالبساطة والدّلالة وأعمال فنيّة تشكيليّة مشبعة إنسانيّة وذوقاً، وتصــاميم لأزيـاء قـد تأثـرت بالتّـراث العـراقـي والحضـارة الإســلاميّة والعربيّة كلّها جمالا وأناقة، عاينت إنساناً يحمل في طيّاته كلّ معاني الإنسانيّة بنقاء روحه وبياض قلبه ومناشدته للخير والسّلام ودعوته للرّحمة والتّحابب...
هذا الإنـسان يبحـث فـي أعمـاقه عـن إنسـانيّة راقية - يبحث في ذاته عن ذاته - يبحث عن أصله وجذوره فتجده يفتّش في القديم وفي التّراث والآثار – في تاريخ الإنسان والأجداد وبالأصحّ في تاريخ أرضه وإرثه العريق...
هذا التّاريخ العريق وهذه الحضارة المجيدة التي شهدت تطوّراً وازدهار وتوسّعا في حقبات كثيرة نجدها اليوم مهدّدة بالإندثار، تكاد تضمحلّ وتتلاشى بسبب عدّة عوامل – بسـبب التّمـزّق الذي تعيشـه الدّول العربيّة والتفكك على كلّ الميادين، فقد شوّهوا الإسـلام لأغـراض سـياسـيّة ولم يبقـوا إلاّ القشـور وبعض الرّموز أو الشّعارات البلهاء المكتوبة بالخـطّ العـربي دون وعي ومن خـلال بعض التّصاميم للدّيكور...
هذه الحضارة الإسلاميّة التي نستشفّ أثر رقيّها وتقدّمها في بعض الآثار العامرة التي قاومت الزمن وتنهداته، فضلاً عن تلك المهدّمة والبنـايات والمعـالم الأثريّة الإسـلامـيّة والمـسـاجـد والمعـابد الهـاويـة والقصـور والقـلاع والأبـراج المهملة ولوحات الفسيفساء الرّخاميّة الـمتـواجـدة علـى الجـدران والأعـمـدة أو السّقوف والإسفلت التي أتلفتها الرّياح والأمطار أو نهبتها الأيادي، ومع ذلـك نـقـول أيـن نحن منها اليوم...
الدكتور مهند الشاوي يبحث عن هويته الإنسانية التي أربكتها الحياة الصعبة بكلّ ثبات من خلال تفحّصه لكلّ ما حوله...
فيقول:
كم أرّقتني رقدتي
وتثاؤبي والنّسيان
كم أثرت بفعل غموضها
وأنستني أنّني إنسان
ويقول أيضاً:
وبعد مسيرة السّنوات ههه
ينتابني شعور بأنّني إنسان
بلا جذر ...
تكسّرت جناحاته
محطّم البنيان
في فاقة ...
ملأ الصّدع أركانه
فانتابه الغثيان
فما عاد يصلح جليُه
وما عاد يصلح البنيان
(1998)
وبرغم الوجـع والتّأثّر والسّخـريـة مـن الحـال الـذي آل إلـيـه الإنسـان – يواصل الشاعر الفنان بحثـه فـي الجـذور والأصـل ويـتـجلّى ذلـك فـي أعمـالـه الـتّشكيليّة والفنيّة والتّصـامـيـم والأزياء التّراثيّة التي يبتكرها فتجده يرسـم القـبـاب والنّجـوم والهـلال والقـمـر ويـشكّل لـوحـاتـه باسـتعـمال الخطوط المنحنية بكثافة والخط العربي الكوفي المتميّز بالحركة والبعد التصـميمي الانيق... وفي إختياره ألواناً زاهية للأشكال الهندسيّة والنباتية، فضلاً عن فضاءات داكنة اللون وكأنّ لسان حاله يقول:
هذا هو عالمنا الزّائف كون يغشّيه ضباب وغموض مستعـملاً له ألواناً غامقة نلاحظها في عدّة أعمال ولـوحـات فـنيّة، كـما نـلاحظ من خلال بعض الرّسوم التّجريديّة وجوها حزينة في خضم الحياة ومشاقـها ومتـاهاتـها، عالَم يكتنفه الإبهام – عالم مقرف) زائف...
الفنان مهند الشاوي يتجول في كتاباته ولوحاته بين فضاء أزرق جميل وآمال وأحلام وبين عالم قاس يغشيه السّواد، عالم يعشق لون الدّماء فتراه يبحث عن خلاص عن باب الانفراج كي يدخل منه النور والضّياء فيمـزج الألـوان القاتمة بشيء من البياض – بـيـاض ممتـقـع كـما نـراه يـلـفّ ويـدور فـي خـطّ دائريّ كالحلزون الذي يخرج من قوقعته ليـعـود إلـى قـوقـعته تعبيرا عن مخاوفه ممّا يحصل من حوله من ظلم وإرهاب واستبداد وخوفه من ضياع الإنسانية...
فيقول:
لأنّنا نعيش الكذب في أقوى حالاته
وكأنه الحقيقة...
لنعلن يوما للصدق بدلاً عنه
إذ لم نعد بحاجة إليه لنحتفل وهو بيننا
ويقول في قصيد "لا"
عن أيّ إناء تبحثون
والجوع في النّاس قد أكل الإناء
لا ليس يكفينا الرّثاء
لا...
و ما عاد يكفينا الرّجاء
الشّاعـر مـهنـد الشـاوي يـرى أنّ الجـمـال هو جمال خـلق الله في الكون والطبيعة والعباد.. الجمال هو جمال الرّوح وجـمال نـقائها وجـمال معـدن الإنسان الحقيقي وهذا الجمال نجده بالعودة إلى تراثنا وجذورنا وأصـالـتـنا وديـننا الإسلامي فجسّد ذلك في عدّة أعمال فنيّة إبداعيّة وابتكر تصاميم سواء في الأزياء أو في الهندسة المعماريّة وصمم لها زخرفة عربية إسلاميّة أصيلة وألوانا منشرحة جميلة وخطّا عربيّا أنيقا ليقول للجمـيع إنّنـا لـن نـرتـقي ولـن نـزدهر إلا بالـرّجـوع إلى اصالتنا وتراثنا، وما النّخلة التي جسّدها في إحدى لوحـاتـه بحـرف الألـف الذي يتحد مع النخلة بشكل انيق إلا دليل على الصّمود والشّموخ والعلوّ.. فيقول:
وكأنّني من ألف عام أنتظر
وكأنّني مثل الرّذاذ
أضيع أحيانا
وحينا أنتشر
وكما الورود تخبو عطاياها
ثم تعود ... فتزهر
أختم فأقـول إنّ الأسـتاذ مهنـد الشـاوي يصـرّ مـن خلال أعمالـه الفـنيّة الإبـداعيّة وتصـامـيمه المقـتبسة من التّـراث علـى أنّ الإنـسان لا كـرامـة ولا شـخصيّة ولا إنسـانيّة لـه إن لـم يحـافـظ على إنتـماءه الوطني والإنساني، وان يتشبّث بتراثه وأصالته وان ينهل ويتشبّع بالقيم الأخلاقيّة المثلى فما المال والجاه والمناصب والمظاهر إلاّ أشياء لا أهميّة لها في عالم سينتهي وغير دائم...
يقول في إحدى نصوصه:
أن نجبر كسر أجسادنا
فهذا ممكن
ولكن...
من يجبر كسر أرواحنا
وكسيرة مختصرة للدكتور الفنان الشاعر مهند الشاوي:
- اقام 16 معارضا شخصيا وعروضا للأزياء التراثية داخل وخارج العراق.
- اقام 3 معارض للخط العرابي والزخرفة.
- اقام معرضين للتصوير الفوتوغرافي داخل وخارج العراق ويستعد للثالث.
- شارك بالعديد من الأصبوحات والأمسيات الشعرية.
- شارك بالعديد من المعارض الجماعية للفن التشكيلي والخط العربي والزخرفة والتصوير الفوتوغرافي.
- اقام عدد من الورش الفنية والمحاضرات الثقافية.
- حصل على عدد من التكريمات وشهادات التقدير داخل وخارج العراق.
- له مجموعة شعرية تحت عنوان "رسائل الى امرأة ".
- له مجموعة شعرية تحت عنوان "عندما يحترق الثلج".
- له مجموعة شعرية تحت عنوان "وتسبقني المسافات".
- له مجموعة شعرية تحت عنوان "بُعدُها الرابع"
- ويستعد لإصدار مجموعة جديدة...
اتمنى أن اكون قد وفقت في تقديم الإنسان الفنان الشاعر في هذه الكلمات وهي لن تكفي ما دام العطاء متواصلاً...