اتشيلو (باولو دي دونو ، ملقب)
Uccello (Paolo di Dono-) - Uccello (Paolo di Dono-)
أتشيلو (باولو دي دونو، الملقب ـ)
(1397 -1475)
مصور إيطالي اسمه الأصلي باولو دي دونو Paolo Di Dono، أما أتشيلو Uccello، أي العصفور، فلقب عرف به لولعه الشديد بالطيور.
ولد أتشيلو في براتوفيتشيو قرب فلورنسة. ويذكر عنه أنه كان في العاشرة من عمره حين بدأ يعمل في مشغل المعمار والنحات المعروف لورنزو غيبرتي L. Ghiberti [ر] الذي أنجز أبواب معمدانية فلورنسة. وفي عام 1414 انضم أتشيلو إلى جمعية المصورين المعروفة باسم «جمعية القديس لوقا». وفي السنة التي تلتها غدا عضواً في جمعية «مديتشي وسبيزيالي الفنية» التي كان ينتمي إليها مصورو فلورنسة. ولا تذكر المراجع إلا القليل عن إعداده المبكر وتدريبه الفني.
رحل أتشيلو إلى البندقية في عام 1425 وظل فيها نحو ست سنوات يعمل في فسيفساء (موزاييك) كاتدرائية القديس مرقص San Marco. ثم عاد إلى فلورنسة وصور فيما بين 1440و1445 في دير سان منيانو San Miniano «مشاهد من حياة الرهبنة»، كما صور في كنيسة سانتا ماريا نوفيلا Santa Maria Novella «مشاهد من قصة الخلق». وله في كاتدرائية فلورنسة لوحة جصية من لون واحد للسير جون هوكوود Sir John Hawkwood على جواده، وهو قائد قوات فلورنسة في أواخر القرن الرابع عشر. وقد أنجز في عام 1443 عمله «رؤوس الأنبياء الأربعة» حول ساعة حائط ضخمة في الكاتدرائية وشارك في تصميم وتنفيذ نافذتين من الزجاج في قبة الكاتدرائية. وفي عام 1447 قام برحلة قصيرة إلى بادوا Padova بدعوة من صديقه النحات المشهور دوناتيلو Donatello [ر] عاد بعدها إلى فلورنسة حيث أنجز رائعته «الطوفان» في كنيسة سانتا ماريا نوفيلا. ومن أهم أعماله، بعد هذه الحقبة، «معركة سان رومانو» التي أنجزها في عام 1450، وهي تمثل انتصار القوات الفلورنسية بقيادة نيكولو دي تولينتينو Nicollo Di Tolentino على قوات سيينا Siena في عام 1432، وقد صورت المعركة على ثلاثة ألواح لتزين قصر آل مديتشي Medici، وهذا العمل موزع اليوم بين المتحف الوطني في لندن [ر]، ومتحف اللوفر [ر] ومتحف أوفيزي Uffizi [ر] في فلورنسة. ومن أهم أعماله كذلك «أسطورة هوستي» أو «أسطورة القربان» واللوحة موجودة اليوم في متحف أوربينو.
يعد أتشيلو أحد أوائل المصورين الفلورنسيين الذين أبدوا اهتماماً كبيراًَ بثورة المنظور التي جاء بها كل من مازاتشيو Masaccio [ر] ودوناتيلو. ففي عام 1425 عندما كان أتشيلو يعمل في البندقية، وحين شارك، فيما بعد، أندريا دل كاستانيو Andrea Del Castanio، ظهر لديه اهتمام بمعالجة الأشكال الحديثة لعصر النهضة في مقاطعة توسكانية، وكان آنئذ من أصحاب نظرية المنظور المتحمسين لها. وكان في جملة ما قيل عنه من الناقدين فيما بعد: إنه استطاع تشكيل الفراغ بمعالجته المنظور بنقاط معقدة وفي أقسام متعددة من اللوحة، وإن ألوانه جاءت تسبق الحقيقة فكانت رائعة ومتناغمة ونادرة، وخير مثال على ذلك ثلاثيته «أسطورة القربان» وفيها الألوان الترابية على الخشب، وهي غنية بالغموض الدرامي.
إن قوانين المنظور الذي أغرم به أتشيلو مع عدد من معاصريه، جاءت في وقت كان فيه فن التصوير يحاول تجاوز القوانين الهندسية؛ لأن على الفن أن يتخطى المستويات العلمية ويعلو عليها. ولعل أتشيلو أراد باتجاهه هذا نحو الاستغراق في المنظور أن يشحن أعماله بالغرابة كما يتضح في ثلاثيته «معركة سان رومانو» التي استخدم فيها المنظور الذي أخذ به ديلا فرنشيسكا Piero Della Francesca ولكنه اتجه فيه اتجاه مازاتشيو إذ كان ديلا فرنشيسكا يرى أن المنظور يجب ألا يحدد العمل ويجمده في الفراغ، وكان يضفي على أعماله النصبية ثقة أخلاقية ويؤمن بخلود التاريخ، وهذا ما لم يشأ أتشيلو الأخذ به. وكان أتشيلو متطرفاً باستخدام المنظور ويعده عملية حركية عجيبة وخفية تتفاعل مع البشر والخيول التي تسقط ميتة أو جريحة، كأن هناك قانوناً مفروضاً على الطرفين يلصقهما بسطح اللوحة. ويعتمد أتشيلو كل الإمكانات الرياضية التي يمنحه إياها سطح اللوحة ولا يأخذ بالحسبان التجربة الخُلقية أو التاريخية أو الإحساس الدقيق بالطبيعة. وقد نظر بعض النقاد إلى أرض معركته وخيوله على أنها رؤى مدهشة تذكر بالخيول الخشبية تدور وعلى ظهورها الأطفال في الأعياد، ويبدو الفرسان في «منظورهم الجريء» كأنهم يقفزون من اللوحة، وقد عالج موضوع الطبيعة بإيقاع متزايد النظام ولكنه أغفل العاطفة الإنسانية في وجوه شخوصه.
جاء في دراسة عن أتشيلو للمؤرخ فازاري Vasari: أنه كان بمقدور أتشيلو أن يكون معلماً كبيراً لو تخلى عن عد المنظور الحل النهائي أو الهدف في إنجاز عمله، وأن أعماله غريبة وتتسم بالإفراط لأنه لم يعد المنظور وسيطاً لبلوغ الهدف، وأن في لوحته «معركة سان رومانو» مثالاً على ذلك. إلا أن من العدل القول: إن ثورة أتشيلو هي نتيجة مباشرة لزوال عقائد العصور الوسطى التي كانت تصور الدنيا غلالة من الدموع، وترى أن الآخرة هي الحقيقة. فقد اتجه الإنسان في القرن الخامس عشر نحو وقائع الحياة وعد نفسه وارثاً للأرض وظهر ذلك في إنتاجه الفني، في العمارة والنحت والتصوير، وحين يظهر أن فناناً ما لم يتخل عن الأساطير القديمة مادة لأعماله، كما هو الأمر عند بوتيتشلي Botticelli في لوحته «ولادة فينوس»، يبدو آخرون متجهين نحو الواقعية في كلاسيكية علمية، كما يتبين ذلك في تفصيل الرأس البرونزي المسمى «غاتاميلانا» من أعمال دوناتيلو.
ويرى المؤرخ الناقد ألبرتي Alberti أن فن التصوير لا يتجاوز كونه تمثيلاً للأشياء المرئية، ويرى تشينيني Chennini أن التصوير المهم هو لأشياء تراها العين. أما رؤية أتشيلو فهي كشف بنية الفراغ الذي لا تراه العين وهو بذلك يربط بين نظرة ألبرتي ونظرة تشينيني. ومما يرى عند أتشيلو أنه يتجه، في كثير من الأحيان، نحو إضاءة ليلية إذ تبدو الألوان مشعة، لا بسبب النور، ولكن بسبب من الإتقان والدقة في استخدام المادة، وأن منظوره في العمل ليس حذلقة، أو إلماماً بالنظرية كمعرفة رياضية، بل إنه -أي منظوره - تقنية كانت في حينها اختراعاً شائعاً. لقد أراد ألبرتي من الرؤية أن تبقى بعيدة عن المادة أو متعالية عليها حتى حدود ما وراء الطبيعة (الميتافيزيق) metaphysic لأن ذلك من طبيعة الفن أصلاً، ورأى أن اللون ذاته يستطيع، في معالجته الحكيمة، اختزان جمال ميتافيزيقي مادة طبيعية محافظة على كل القيم اللونية الدقيقة بعون من المنظور الذي وزن الشكل والمادة في آن واحد وقومهما، وأن تلك المادة يمكن أن تحمل في طبيعتها كل أنواع المفارقات. أما منظور أتشيلو فليس عامل رؤى، ولا بناء فراغ، بل هو تحولات تسمح لفكره ببناء الشكل وبقيم مطلقة متسلطة ذات محمول ميتافيزيقي، لا لأنه يمثل مسألة دينية، بل لكونه يحمل في أعماقه تماسكاً ولديه شخصية قادرة على البناء ولأنه اخترع عالماً مستحيلاً قذف في الفراغ وفي زمن غير حقيقي.
فاتح المدرس