عذري (احمد عمر)
Al-Udhari (Ahmad ibn Omar-) - Al-Udhari (Ahmad ibn Omar-)
العذري (أحمد بن عمر ـ)
(393ـ 478هـ/1003ـ 1085م)
العذري جغرافي عربي مسلم، وُلِدَ في بلدة دلاية القريبة من مدينة ألمرية التي تقع على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الأندلسية (الإيبيرية). وبعد اشتداد عوده رحل مع أبويه إلى مكة سنة 407هـ، ومكث فيها حتى سنة 416هـ، استمع فيها كثيراً لأبي العباس الرازي وأبي الحسين بن جهضم وأبي بكر محمد بن نوح الأصبهاني وجماعة من أهل العراق وخراسان والشام، وصحب الشيخ أبا ذرٍّ الهروي وسمع منه صحيح البخاري. وبعد أن عاد إلى الأندلس سمع على عدد من علمائها وسمعوا منه، ومن هؤلاء أبو عمر يوسف بن عبد البر الحافظ وأبو محمد بن حزم، وهما من علماء قرطبة وسكَّانها، وكان الثلاثة من أقطاب علم الحديث والأخبار في الأندلس، يحج إليهم طلاب العلم من أقاصي الأندلس، وتخرّج على أيديهم نفر من جلة العلماء.
وإلى جانب اهتمام العلماء الثلاثة الكبير بعلوم الدين؛ كان لهم بعض الاهتمام بالعلوم المتصلة بعلم الجغرافية، فقد وضع ابن حزم كتاباً في أنساب القبائل العربية وأصولها سماه «جمهرة أنساب العرب»، ووضع ابن عبد البّرِّ كتاب «القصد والأمم في التعريف بأصول العرب والعجم»، أما العذري فكان كتابه أكثر التصاقاً بالجغرافية الإقليمية، استند فيه إلى تراث نما في شبه الجزيرة الأندلسية على يد أحمد بن محمد الرازي (274ـ 344هـ) الذي عدَّه حسين مؤنس أبا الجغرافية والتاريخ معاً في الأندلس، ثم تابع المسيرة محمد بن يوسف الوراق (292ـ 363هـ) حتى اكتملت قواعده وأسسه في القرن الخامس الهجري على يد العذري وتلميذه البكري[ر].
ومما يلفت النظر في اتجاه العذري وصحبه، أن الجغرافية لم تكن تلقى العناية الكافية من بعض رجال الدين الذين جعلوها من باب «علم لا ينفع وجهل لا يضر». ولعل دافع العذري للاشتغال بهذا العلم هو اعتقاده بإمكانية الاستفادة منه في العلوم الأخرى، ولاسيما علم الحديث.
وقد كان توافر العذري على الإقراء والرواية أكبر من اهتمامه بالتأليف والكتابة، وفي نظرة عجلى في كتب التراجم الأندلسية يوقف على عشرات من العلماء الذين عاشوا في القرن الخامس الهجري قد قرؤوا على العذري، وتشير بعض التراجم إلى إقرائه صحيحي البخاري ومسلم.
أما عن تأليفه، فقد ذكر له ابن خير الإشبيلي كتابين، هما «فهرسة شيوخه» و«افتضاض أبكار أوائل الأخبار»، وذكر له ياقوت الحموي كتاب «أعلام النبوة» أو «دلائل النبوة» وسماه صاحب شذرات الذهب، وذكر ياقوت أن له كتاباً في الجغرافيا سماه «نظام المرجان في المسالك والممالك» وقام بتحقيق الجزء الخاص بالأندلس منها، عبد العزيز الأهواني، ونشره تحت اسم «نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار»، و«البستان في غرائب البلدان»، و«المسالك إلى جميع الممالك».
والنصوص المتبقية من كتاب العذري، تتمثل في قطعة كبيرة، تمّ العثور عليها في مكتبة البديري الخاصة بالقدس. ويحتوي الجزء الأكبر من هذه المخطوطة على نصوص جغرافية وتاريخية من الأندلس، قام عبد العزيز الأهواني بتحقيق تلك النصوص ونشرها.
ويُذكّرُ كتاب «ترصيع الأخبار»: أو «المسالك والممالك» بتلك الموسوعات الجغرافية التي سادت المشرق في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وتتمثل في كتابات ابن خرداذبة واليعقوبي وابن الفقيه والجيهاني وغيرهم.
إن النصوص المتعلقة بالعجائب سواء عند العذري أم عند غيره من الجغرافيين العرب كثيراً ما يكون لها دلالتها العلمية، فالعجب كما ذكر القزويني «حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء، أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه».
اعتمد العذري كثيراً على مسألة الناس عن بلادهم، وكذلك مخالطة التجار وأصحاب الحرف المختلفة ومعرفة ما يحملونه من سلع إلى البلاد المختلفة.
إن المعلومات الجغرافية التي أوردها العذري في كتابه ذات قيمة كبيرة في معرفة الجغرافية التاريخية للأندلس وبلاد غربي أوربا وجزر البحر المتوسط في القرن الخامس الهجري.
ومن المؤسف أن ما وصل من كتاب العذري لم يكن إلا جزءاً من الأصل، سواء تلك القطعة التي نشرها الأهواني، أو تلك النقول التي أوردها القزويني والزهري وغيرهما، ومن الواجب تجميع نصوص العذري المتفرقة في المصادر المختلفة من أجل معرفة حدود معرفته الجغرافية، وبيان إضافاته إلى هذا العلم، وحتى يمكن وضعه في المكان الصحيح بين أقطاب المدرسة الجغرافية في الأندلس.
صفوح خير
Al-Udhari (Ahmad ibn Omar-) - Al-Udhari (Ahmad ibn Omar-)
العذري (أحمد بن عمر ـ)
(393ـ 478هـ/1003ـ 1085م)
العذري جغرافي عربي مسلم، وُلِدَ في بلدة دلاية القريبة من مدينة ألمرية التي تقع على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الأندلسية (الإيبيرية). وبعد اشتداد عوده رحل مع أبويه إلى مكة سنة 407هـ، ومكث فيها حتى سنة 416هـ، استمع فيها كثيراً لأبي العباس الرازي وأبي الحسين بن جهضم وأبي بكر محمد بن نوح الأصبهاني وجماعة من أهل العراق وخراسان والشام، وصحب الشيخ أبا ذرٍّ الهروي وسمع منه صحيح البخاري. وبعد أن عاد إلى الأندلس سمع على عدد من علمائها وسمعوا منه، ومن هؤلاء أبو عمر يوسف بن عبد البر الحافظ وأبو محمد بن حزم، وهما من علماء قرطبة وسكَّانها، وكان الثلاثة من أقطاب علم الحديث والأخبار في الأندلس، يحج إليهم طلاب العلم من أقاصي الأندلس، وتخرّج على أيديهم نفر من جلة العلماء.
وإلى جانب اهتمام العلماء الثلاثة الكبير بعلوم الدين؛ كان لهم بعض الاهتمام بالعلوم المتصلة بعلم الجغرافية، فقد وضع ابن حزم كتاباً في أنساب القبائل العربية وأصولها سماه «جمهرة أنساب العرب»، ووضع ابن عبد البّرِّ كتاب «القصد والأمم في التعريف بأصول العرب والعجم»، أما العذري فكان كتابه أكثر التصاقاً بالجغرافية الإقليمية، استند فيه إلى تراث نما في شبه الجزيرة الأندلسية على يد أحمد بن محمد الرازي (274ـ 344هـ) الذي عدَّه حسين مؤنس أبا الجغرافية والتاريخ معاً في الأندلس، ثم تابع المسيرة محمد بن يوسف الوراق (292ـ 363هـ) حتى اكتملت قواعده وأسسه في القرن الخامس الهجري على يد العذري وتلميذه البكري[ر].
ومما يلفت النظر في اتجاه العذري وصحبه، أن الجغرافية لم تكن تلقى العناية الكافية من بعض رجال الدين الذين جعلوها من باب «علم لا ينفع وجهل لا يضر». ولعل دافع العذري للاشتغال بهذا العلم هو اعتقاده بإمكانية الاستفادة منه في العلوم الأخرى، ولاسيما علم الحديث.
وقد كان توافر العذري على الإقراء والرواية أكبر من اهتمامه بالتأليف والكتابة، وفي نظرة عجلى في كتب التراجم الأندلسية يوقف على عشرات من العلماء الذين عاشوا في القرن الخامس الهجري قد قرؤوا على العذري، وتشير بعض التراجم إلى إقرائه صحيحي البخاري ومسلم.
أما عن تأليفه، فقد ذكر له ابن خير الإشبيلي كتابين، هما «فهرسة شيوخه» و«افتضاض أبكار أوائل الأخبار»، وذكر له ياقوت الحموي كتاب «أعلام النبوة» أو «دلائل النبوة» وسماه صاحب شذرات الذهب، وذكر ياقوت أن له كتاباً في الجغرافيا سماه «نظام المرجان في المسالك والممالك» وقام بتحقيق الجزء الخاص بالأندلس منها، عبد العزيز الأهواني، ونشره تحت اسم «نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار»، و«البستان في غرائب البلدان»، و«المسالك إلى جميع الممالك».
والنصوص المتبقية من كتاب العذري، تتمثل في قطعة كبيرة، تمّ العثور عليها في مكتبة البديري الخاصة بالقدس. ويحتوي الجزء الأكبر من هذه المخطوطة على نصوص جغرافية وتاريخية من الأندلس، قام عبد العزيز الأهواني بتحقيق تلك النصوص ونشرها.
ويُذكّرُ كتاب «ترصيع الأخبار»: أو «المسالك والممالك» بتلك الموسوعات الجغرافية التي سادت المشرق في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وتتمثل في كتابات ابن خرداذبة واليعقوبي وابن الفقيه والجيهاني وغيرهم.
إن النصوص المتعلقة بالعجائب سواء عند العذري أم عند غيره من الجغرافيين العرب كثيراً ما يكون لها دلالتها العلمية، فالعجب كما ذكر القزويني «حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء، أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه».
اعتمد العذري كثيراً على مسألة الناس عن بلادهم، وكذلك مخالطة التجار وأصحاب الحرف المختلفة ومعرفة ما يحملونه من سلع إلى البلاد المختلفة.
إن المعلومات الجغرافية التي أوردها العذري في كتابه ذات قيمة كبيرة في معرفة الجغرافية التاريخية للأندلس وبلاد غربي أوربا وجزر البحر المتوسط في القرن الخامس الهجري.
ومن المؤسف أن ما وصل من كتاب العذري لم يكن إلا جزءاً من الأصل، سواء تلك القطعة التي نشرها الأهواني، أو تلك النقول التي أوردها القزويني والزهري وغيرهما، ومن الواجب تجميع نصوص العذري المتفرقة في المصادر المختلفة من أجل معرفة حدود معرفته الجغرافية، وبيان إضافاته إلى هذا العلم، وحتى يمكن وضعه في المكان الصحيح بين أقطاب المدرسة الجغرافية في الأندلس.
صفوح خير