عريض (ابراهيم)
Al-Arid (Ibrahim-) - Al-Arid (Ibrahim-)
العريض (إبراهيم ـ)
(1328 ـ 1422هـ/ 1908ـ 2002م)
إبراهيم بن عبد الحسين العريض، أديبٌ شاعرٌ ناقدٌ عربيٌّ من البحرين، وُلِدَ في ضاحية (بونة) في مدينة بومباي بالهند، لأبٍ يعملُ تاجرَ لؤلؤ، توفِّيت أمُّه بحمَّى النفاس بعد ولادته، قدم إلى البحرين عام 1927، واستقرَّ فيها إلى حين وفاته.
عمل في مجال التَّعليم مدرِّساً لمادَّة اللُّغة الإنكليزيَّة، وتولَّى إدارة إحدى المدارس حتَّى عام 1931، ثم أسَّس مدرسةً أهليَّة استمرَّت إلى عام 1934، عُيِّن موظَّفاً في حكومة البحرين حتى 1937، وكان رئيساً لقسم التَّرجمة بشركة امتيازات النفط المحدودة حتى عام 1967. انْتُخِبَ عام 1973 رئيساً للمجلس التَّأسيسي للحكومة، ثم عُيِّن سفيراً متجوِّلاً في ديوان وزارة الخارجيَّة البحرينيَّة عام 1975.
يعدُّ واحداً من أبرز الشُّعراء البحرينييِّن في العصر الحديث، أتقن العربيَّة والفارسيَّة والإنكليزيَّة، ونظم الشِّعر بهذه اللُّغات جميعها، ونظم القصَّة الشِّعريَّة، والملحمة الشِّعريَّة، وكان من مؤسِّسي المسرح الشِّعري في منطقة الخليج العربيِّ، وله مسرحياتٌ شعريَّةٌ تاريخيَّةٌ.
أوَّل شعره ديوان «الذِّكرى» نشره عام 1931، ثمَّ «وامعتصماه» 1934) و« بين الدَّولتين»، وهما مسرحيَّتان شعريَّتان تاريخيَّتان مُثِّلتا على خشبةِ مسرح طلاب مدرسته الخاصَّة، ثمَّ تتابعت مجموعاته الشِّعريَّة، وهي: ديوان «العرائس 1946»، ملحمةٌ شعريَّةٌ بعنوان «أرض الشهداء» 1947، قصَّةٌ شعريَّةٌ بعنوان «قبلتان» 1948، ديوان «شموع 1956»، «رباعيات الخيَّام 1966» وآخرها ديوان «يا أنت» 1998.
كان ناقدا متميِّزاً، وأطروحاته النَّقديَّة في كتبه تنمُّ على ذوق أدبيِّ رفيعٍ، له دراسةٌ معمَّقةٌ تناول فيها شعر المتنبي «المتنبي بعد ألف عامٍ»، وله «اللَّمساتُ الفنيَّة لدى الخيَّام» وهي دراسة مقارنة تتناول ترجماتِ شعر الخيَّام، واهتمَّ بدراسة حركة الحداثة الشِّعريَّة في كتابه «كلمة آن لها أن تقال»، وله مؤلَّفات قيَّمةٌ أخرى في الأدب والنَّقد الأدبيِّ منها: «المختار من الشِّعر الحديث»، و«الشِّعر والفنون الجميلة»، و«الأساليب الشِّعرية»، و«جولة في الشِّعر العربي المعاصر»، و«الشِّعر وقضيته في الشِّعر العربيِّ الحديث».
حصل على جائزة البابطين عام 2002، غير أنَّ المنيَّة وافته قبلَ أن يحضر حفل التَّكريم، وحضر حفلَ تأبينه عددٌ من أعلام الأدب في الوطن العربي.
تناول في شعره القضايا الوطنيَّة والقوميَّة، ولاسيَّما قضيَّة فلسطين، إضافة إلى شعره في التَّأمل والغزل والطَّبيعة والإخوانيَّات والرثاء، ومن ديوانه «أرض الشهداء» قوله يصف معاناة الشعب الفلسطيني:
كم ربيعٍ مرَّ لم يَعْرُجْ عليهم بهناءِ
فاستمرَّ العودُ عوداً ما به أدنى رُواءِ
وشتاءٍ طال حتَّى مُلَّ من فَرْطِ البلاء
وتمادى الظُّلم فيها لِغُزاةٍ أدعياءِ
فكأنَّ اللَّيلَ شيءٌ ما له معنى انتهاءِ
ثمَّ جاء الفجرُ يسعى بتباشيرِ الضِّياءِ
فإذا البعثُ له ألفُ لسانٍ في الفضاءِ
غنَّتِ البيدِ بها ثانيةً لحنَ السَّماء
هذه أرضُكِ يا دَعْدُ وأرضُ الشُّهداءِ
نظمَ جُلَّ شعره على الأوزان الخليليَّة، وإنْ خرج عن ذلك، فجرى على نهج الحداثة الشِّعرية في ديوانه الأخير «يا أنت»، ويُلاحَظ أن تجربته الشِّعريَّة غنيَّةٌ من حيث البناءُ الفنيُّ والإيحاءُ الدلاليُّ، ما خلا ديوانَه الأوَّل «الذِّكرى»، وتمتح شاعريَّته من مَعِين ثقافته الأدبيَّة الواسعة، ولغته التَّعبيريَّة ذات طاقاتٍ إيحائيَّةٍ كبيرة، يتميَّز برقَّةِ التَّعبير، ورهافة الحسِّ، تشغله التَّفصيلات في بناء الصُّورة الشِّعريَّة، كما في قصيدته «التمثال الحيّ» إذ يعنى الشَّاعر بتصوير عمل النحَّات الذي يشكِّلُ تمثالَ حسناء موغلاً في رسم الجزئيَّات الدَّقيقة للصُّور، وموغلاً في رصد جيشان الانفعالات النفسيَّة للنحَّات وهو يجسِّد الحجرَ إلى أن أضحى الغادةَ التي افتقدها في واقعه المعيش، فاشتكى إلى حسنائه أحزانه، وسألَها فلم تُجِبْهُ، وازدادت لوعةُ الفَقْدِ لدى الفنَّان حين ظلَّت حسناؤه ماثلةً أمامَهُ جسداً من غير روح:
فانحنى بين يديها باكياً سوءَ مآلِهْ
وطوى حاشيةَ الثَّوبِ عليها في اعتلالِهْ
أنا أدعوكِ، وهل يسمعُ ميْتٌ صوتَ والِهْ؟!
أنا أفديكِ، وهل يجديكِ شَيبي في ابتهالِهْ؟!
ثمَّ ألقى نظرةً حائرةً نحو مثالِهْ
فرآه يحدقُ الطَّرفَ ولا يرثي لحالِهْ
فأتى في اليأس أمراً لم يكن قطُّ ببالِهْ
إذ رمى قطعةَ صَلْدٍ شَوَّهَتْ بعضَ جمالِهْ
ومضى يَعْثرُ بالشَّيء ويَهْذي في اختبالِهْ
علي أبو زيد
Al-Arid (Ibrahim-) - Al-Arid (Ibrahim-)
العريض (إبراهيم ـ)
(1328 ـ 1422هـ/ 1908ـ 2002م)
إبراهيم بن عبد الحسين العريض، أديبٌ شاعرٌ ناقدٌ عربيٌّ من البحرين، وُلِدَ في ضاحية (بونة) في مدينة بومباي بالهند، لأبٍ يعملُ تاجرَ لؤلؤ، توفِّيت أمُّه بحمَّى النفاس بعد ولادته، قدم إلى البحرين عام 1927، واستقرَّ فيها إلى حين وفاته.
عمل في مجال التَّعليم مدرِّساً لمادَّة اللُّغة الإنكليزيَّة، وتولَّى إدارة إحدى المدارس حتَّى عام 1931، ثم أسَّس مدرسةً أهليَّة استمرَّت إلى عام 1934، عُيِّن موظَّفاً في حكومة البحرين حتى 1937، وكان رئيساً لقسم التَّرجمة بشركة امتيازات النفط المحدودة حتى عام 1967. انْتُخِبَ عام 1973 رئيساً للمجلس التَّأسيسي للحكومة، ثم عُيِّن سفيراً متجوِّلاً في ديوان وزارة الخارجيَّة البحرينيَّة عام 1975.
يعدُّ واحداً من أبرز الشُّعراء البحرينييِّن في العصر الحديث، أتقن العربيَّة والفارسيَّة والإنكليزيَّة، ونظم الشِّعر بهذه اللُّغات جميعها، ونظم القصَّة الشِّعريَّة، والملحمة الشِّعريَّة، وكان من مؤسِّسي المسرح الشِّعري في منطقة الخليج العربيِّ، وله مسرحياتٌ شعريَّةٌ تاريخيَّةٌ.
أوَّل شعره ديوان «الذِّكرى» نشره عام 1931، ثمَّ «وامعتصماه» 1934) و« بين الدَّولتين»، وهما مسرحيَّتان شعريَّتان تاريخيَّتان مُثِّلتا على خشبةِ مسرح طلاب مدرسته الخاصَّة، ثمَّ تتابعت مجموعاته الشِّعريَّة، وهي: ديوان «العرائس 1946»، ملحمةٌ شعريَّةٌ بعنوان «أرض الشهداء» 1947، قصَّةٌ شعريَّةٌ بعنوان «قبلتان» 1948، ديوان «شموع 1956»، «رباعيات الخيَّام 1966» وآخرها ديوان «يا أنت» 1998.
كان ناقدا متميِّزاً، وأطروحاته النَّقديَّة في كتبه تنمُّ على ذوق أدبيِّ رفيعٍ، له دراسةٌ معمَّقةٌ تناول فيها شعر المتنبي «المتنبي بعد ألف عامٍ»، وله «اللَّمساتُ الفنيَّة لدى الخيَّام» وهي دراسة مقارنة تتناول ترجماتِ شعر الخيَّام، واهتمَّ بدراسة حركة الحداثة الشِّعريَّة في كتابه «كلمة آن لها أن تقال»، وله مؤلَّفات قيَّمةٌ أخرى في الأدب والنَّقد الأدبيِّ منها: «المختار من الشِّعر الحديث»، و«الشِّعر والفنون الجميلة»، و«الأساليب الشِّعرية»، و«جولة في الشِّعر العربي المعاصر»، و«الشِّعر وقضيته في الشِّعر العربيِّ الحديث».
حصل على جائزة البابطين عام 2002، غير أنَّ المنيَّة وافته قبلَ أن يحضر حفل التَّكريم، وحضر حفلَ تأبينه عددٌ من أعلام الأدب في الوطن العربي.
تناول في شعره القضايا الوطنيَّة والقوميَّة، ولاسيَّما قضيَّة فلسطين، إضافة إلى شعره في التَّأمل والغزل والطَّبيعة والإخوانيَّات والرثاء، ومن ديوانه «أرض الشهداء» قوله يصف معاناة الشعب الفلسطيني:
كم ربيعٍ مرَّ لم يَعْرُجْ عليهم بهناءِ
فاستمرَّ العودُ عوداً ما به أدنى رُواءِ
وشتاءٍ طال حتَّى مُلَّ من فَرْطِ البلاء
وتمادى الظُّلم فيها لِغُزاةٍ أدعياءِ
فكأنَّ اللَّيلَ شيءٌ ما له معنى انتهاءِ
ثمَّ جاء الفجرُ يسعى بتباشيرِ الضِّياءِ
فإذا البعثُ له ألفُ لسانٍ في الفضاءِ
غنَّتِ البيدِ بها ثانيةً لحنَ السَّماء
هذه أرضُكِ يا دَعْدُ وأرضُ الشُّهداءِ
نظمَ جُلَّ شعره على الأوزان الخليليَّة، وإنْ خرج عن ذلك، فجرى على نهج الحداثة الشِّعرية في ديوانه الأخير «يا أنت»، ويُلاحَظ أن تجربته الشِّعريَّة غنيَّةٌ من حيث البناءُ الفنيُّ والإيحاءُ الدلاليُّ، ما خلا ديوانَه الأوَّل «الذِّكرى»، وتمتح شاعريَّته من مَعِين ثقافته الأدبيَّة الواسعة، ولغته التَّعبيريَّة ذات طاقاتٍ إيحائيَّةٍ كبيرة، يتميَّز برقَّةِ التَّعبير، ورهافة الحسِّ، تشغله التَّفصيلات في بناء الصُّورة الشِّعريَّة، كما في قصيدته «التمثال الحيّ» إذ يعنى الشَّاعر بتصوير عمل النحَّات الذي يشكِّلُ تمثالَ حسناء موغلاً في رسم الجزئيَّات الدَّقيقة للصُّور، وموغلاً في رصد جيشان الانفعالات النفسيَّة للنحَّات وهو يجسِّد الحجرَ إلى أن أضحى الغادةَ التي افتقدها في واقعه المعيش، فاشتكى إلى حسنائه أحزانه، وسألَها فلم تُجِبْهُ، وازدادت لوعةُ الفَقْدِ لدى الفنَّان حين ظلَّت حسناؤه ماثلةً أمامَهُ جسداً من غير روح:
فانحنى بين يديها باكياً سوءَ مآلِهْ
وطوى حاشيةَ الثَّوبِ عليها في اعتلالِهْ
أنا أدعوكِ، وهل يسمعُ ميْتٌ صوتَ والِهْ؟!
أنا أفديكِ، وهل يجديكِ شَيبي في ابتهالِهْ؟!
ثمَّ ألقى نظرةً حائرةً نحو مثالِهْ
فرآه يحدقُ الطَّرفَ ولا يرثي لحالِهْ
فأتى في اليأس أمراً لم يكن قطُّ ببالِهْ
إذ رمى قطعةَ صَلْدٍ شَوَّهَتْ بعضَ جمالِهْ
ومضى يَعْثرُ بالشَّيء ويَهْذي في اختبالِهْ
علي أبو زيد