ماء عينين (مصطفي محمد)
Ma’ al-Aynayn (Mustafa ibn Mohammad-) - Ma’ al-Aynayn (Mustafa ibn Mohammad-)
مـاء العينيـن (مصطفى بن محمد)
(1246ـ 1328هـ/1830 ـ 1910م)
أبو الأنوار، الملقّب بالشيخ (ماء العينين) مصطفى بن محمد فاضل ابن محمد مامَيْن، الشِّنْقيطي، القَلْقَمي؛ من قبيلة القَلاقمة من عرب (شِنْقيط)؛ وهي البلاد التي تقع جنوبي الصحراء المغربية، والتي سميت بعد استقلالها عام 1960م بجمهورية موريتانيا الإسلامية، وكانت محمية فرنسية عام 1903م، ثم مستعمرة عام 1920م، ثم إقليماً غير متمتّع بالحكم الذاتي[ر]، وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، منذ عام 1945.
وُلد العالم المجاهد (ماء العينين) ببلدة الحوض في جنوب موريتانيا، ونشأ على التبحر في علوم الشرائع كالحديث والتفسير والفقه والسِّيَر وغير ذلك. ولكنه صرف معظم اهتمامه إلى ما يسمى بـ(علم خواص الأسماء والجداول والأوفاق وسرّ الحروف).
كان ماء العينين معروفاً عند المغاربة بالفضل والكرم وكثرة الإنفاق، نافذ الكلمة، رفيع الشأن عند ذوي السلطان، يمدّونه بالمؤن، ويتقربون إليه بالمساعدات، حتى صارت لـه في مَرَّاكُش أملاك طائلة من زوايا ودور وبساتين ومزارع، فقصده الناس، وأقبلوا عليه من أرجاء بلاد شِنقيط يستفيدون منه، ويحضرون مجالسه العلميّة، فاجتمع حوله منهم في وادي (أسمار) ما يقرب من عشرة آلاف شخص ما بين أرملة ومزمن وصحيح البنية وغيرهم من أصناف الناس الذين كانوا يعيشون بين ظهرانَيْه في أرغـد عيـش وأحسن حال، فيكسو الشيخ، ويزوج الشاب، ويدفع المهر، ويجهّز المرأة من مالـه؛ مع حسن معاشرته لهم، لا فرق عنده بين ولده والمحسوب عليه، ولا يمضي يوم إلاّ وقد بعث قافلة تأتيه بالمِيْرة، أو قدمت إليه قافلة، وذلك أن المؤونة كانت ترد إليه من مختلف المناطق التي كان بعضها يبعد عنه ما بين عشرة أيام وشهر كامل، مثل مناطق (أكليميم) و(آدرار) و(سانكال).
وقـد عاصر ماء العينين خمسة من سلاطين الدولة السجلماسيّة العَلَويّة في المغرب. ففي عهد المولى عبد الرحمن بن هشام المتوفّى سنة 1859م رحل الشيخ إلى البلد الحرام لأداء فريضة الحجّ، وفي طريقه وفد على ملوك المغرب، ولقي عندهم الحُظوة والتبجيل.
ثم اتصل بعد ذلك بالسـلطان المولى محمد بن عبد الرحمن الذي خَلَف أباه في الحكم، فكثر في أيامه عدد التجار الفرنسيين الوافدين إلى المغرب، فكان يتساهل معهم، ويمنحهم الامتيازات التي اتخذوها بعد ذلك ذريعة لهم للاستعمار والاحتلال.
وفي سنة 1873م اتصل الشيخ ماء العينين بالمولى الحسن بن محمد الذي كان رئيساً للجيش في عهد والده، فاستطاع أن ينشر الأمن، ويخمد فتن القبائل، إلى أن تُوفِّي سنة 1894م، فبويع لابنه عبد العزيز بن الحسن الذي لم يرض عنه الفرنسيون، فنفوه عن البلاد، وتم لأخيه عبد الحفيظ بن الحسن تسلّم السلطنة. وكان الشيخ قد قدم في جموع كثيرة من (تِزْنِيت)؛ ليحصل لهم على المؤونة والسلاح من السلطان عبد العزيز، فلما وصل إلى نواحي مرّاكش بلغه أن أهل البلاد بايعوا السلطان عبد الحفيظ، وأنهم ناقمون على أخيه السابق، فما أمكنه إلاّ أن يستجيب إلى الأمر الواقع ويبايع السلطان الجديد عبد الحفيظ بن الحسن، فاحتفل به السلطان، وأكرمه؛ إلاّ أنه أمره بمغادرة مدينة فاس التي كانت عاصمة البلاد آنذاك، لأن السلطان كان محتاجاً إلى الاستنجاد بالفرنسيين لإطفاء الفتن الداخلية التي التهمت نارها بلاد المغرب، وهو يعلم أن الفرنسيين يعادون الشيخ ماء العينين وجماعته، ولا تسمح لـه مروءته بأن يتركهم وشأنهم به، كما أنه لا يريد أن يخسر مساعدتهم لـه في مصالحه السياسية والأمنية.
فما كاد يرجع الشيخ عن فاس بأمر السلطان حتى عمد إلى تنظيم جماعته وحضّهم على المقاومة، فاجتمع لديه جيش من تلاميذه ورجاله ومن المتطوعين من القبائل المختلفة، وسلّموه راية الجهاد، فزحف نحو العاصمة فاس لإنقاذها، وكان ذلك في العام الأخير من حياته، وكادت ثورته تعمّ المغرب كله، فلما علم بذلك الفرنسيون أرسلوا إلى السلطان عبد الحفيظ ينذرونه بأنهم يَعدُّون كل من مدَّ يده بالمعونة إلى ماء العينين عدواً لهم. وحشدوا لـه كل قواهم، فطال التناوش بين الطرفين، ووقعت بينهما معارك طاحنة. ولكن العرب المقاتلين أرهقتهم الحرب، ففنيت مواشيهم، وكابدوا كثيراً من الشدائد مع رداءة السلاح الذي في أيديهم، فأخذ بعضهم يهرب إلى الفرنسيين، ويصالحهم، وأبت فلول منهم إلاّ مواصلة الجهاد، حتى تمكّن الفرنسيون من التغلب عليهم واحتلال مدن (آدرار) التي تقع في المرتفعات الشامخة المنيعة. فرجع الشيخ مع من تبقَّى من جماعته متوغّلاً جبال الأطلس إلى أن نزل على رأس الوادي في بلاد السوس، وهناك داهمه المرض، فحطّ رحله في (تزنيت) الواقعة على بعد 95كم جنوبيّ أغادير، وتُوفِّي- رحمه الله - ودفن هناك.
خلَّف الشيخ ماء العينين أكثر من أربعينَ كتاباً طبع معظمها في مدينة فاس في حياته، من بينها: «إبراز اللآلي المكنونات في الأسامي الظاهرات والمضمرات»، و«الإيضاح لبعض الاصطلاح» في اصطلاحات الصوفية، و«دليل الرفاق على شمس الاتفاق» في الفقه المالكي، و«مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع» في الحث على العلم، و«هداية المبتدئين وتفقه المنتهين» في النحو.
محمَّـد كمـال
Ma’ al-Aynayn (Mustafa ibn Mohammad-) - Ma’ al-Aynayn (Mustafa ibn Mohammad-)
مـاء العينيـن (مصطفى بن محمد)
(1246ـ 1328هـ/1830 ـ 1910م)
أبو الأنوار، الملقّب بالشيخ (ماء العينين) مصطفى بن محمد فاضل ابن محمد مامَيْن، الشِّنْقيطي، القَلْقَمي؛ من قبيلة القَلاقمة من عرب (شِنْقيط)؛ وهي البلاد التي تقع جنوبي الصحراء المغربية، والتي سميت بعد استقلالها عام 1960م بجمهورية موريتانيا الإسلامية، وكانت محمية فرنسية عام 1903م، ثم مستعمرة عام 1920م، ثم إقليماً غير متمتّع بالحكم الذاتي[ر]، وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، منذ عام 1945.
وُلد العالم المجاهد (ماء العينين) ببلدة الحوض في جنوب موريتانيا، ونشأ على التبحر في علوم الشرائع كالحديث والتفسير والفقه والسِّيَر وغير ذلك. ولكنه صرف معظم اهتمامه إلى ما يسمى بـ(علم خواص الأسماء والجداول والأوفاق وسرّ الحروف).
كان ماء العينين معروفاً عند المغاربة بالفضل والكرم وكثرة الإنفاق، نافذ الكلمة، رفيع الشأن عند ذوي السلطان، يمدّونه بالمؤن، ويتقربون إليه بالمساعدات، حتى صارت لـه في مَرَّاكُش أملاك طائلة من زوايا ودور وبساتين ومزارع، فقصده الناس، وأقبلوا عليه من أرجاء بلاد شِنقيط يستفيدون منه، ويحضرون مجالسه العلميّة، فاجتمع حوله منهم في وادي (أسمار) ما يقرب من عشرة آلاف شخص ما بين أرملة ومزمن وصحيح البنية وغيرهم من أصناف الناس الذين كانوا يعيشون بين ظهرانَيْه في أرغـد عيـش وأحسن حال، فيكسو الشيخ، ويزوج الشاب، ويدفع المهر، ويجهّز المرأة من مالـه؛ مع حسن معاشرته لهم، لا فرق عنده بين ولده والمحسوب عليه، ولا يمضي يوم إلاّ وقد بعث قافلة تأتيه بالمِيْرة، أو قدمت إليه قافلة، وذلك أن المؤونة كانت ترد إليه من مختلف المناطق التي كان بعضها يبعد عنه ما بين عشرة أيام وشهر كامل، مثل مناطق (أكليميم) و(آدرار) و(سانكال).
وقـد عاصر ماء العينين خمسة من سلاطين الدولة السجلماسيّة العَلَويّة في المغرب. ففي عهد المولى عبد الرحمن بن هشام المتوفّى سنة 1859م رحل الشيخ إلى البلد الحرام لأداء فريضة الحجّ، وفي طريقه وفد على ملوك المغرب، ولقي عندهم الحُظوة والتبجيل.
ثم اتصل بعد ذلك بالسـلطان المولى محمد بن عبد الرحمن الذي خَلَف أباه في الحكم، فكثر في أيامه عدد التجار الفرنسيين الوافدين إلى المغرب، فكان يتساهل معهم، ويمنحهم الامتيازات التي اتخذوها بعد ذلك ذريعة لهم للاستعمار والاحتلال.
وفي سنة 1873م اتصل الشيخ ماء العينين بالمولى الحسن بن محمد الذي كان رئيساً للجيش في عهد والده، فاستطاع أن ينشر الأمن، ويخمد فتن القبائل، إلى أن تُوفِّي سنة 1894م، فبويع لابنه عبد العزيز بن الحسن الذي لم يرض عنه الفرنسيون، فنفوه عن البلاد، وتم لأخيه عبد الحفيظ بن الحسن تسلّم السلطنة. وكان الشيخ قد قدم في جموع كثيرة من (تِزْنِيت)؛ ليحصل لهم على المؤونة والسلاح من السلطان عبد العزيز، فلما وصل إلى نواحي مرّاكش بلغه أن أهل البلاد بايعوا السلطان عبد الحفيظ، وأنهم ناقمون على أخيه السابق، فما أمكنه إلاّ أن يستجيب إلى الأمر الواقع ويبايع السلطان الجديد عبد الحفيظ بن الحسن، فاحتفل به السلطان، وأكرمه؛ إلاّ أنه أمره بمغادرة مدينة فاس التي كانت عاصمة البلاد آنذاك، لأن السلطان كان محتاجاً إلى الاستنجاد بالفرنسيين لإطفاء الفتن الداخلية التي التهمت نارها بلاد المغرب، وهو يعلم أن الفرنسيين يعادون الشيخ ماء العينين وجماعته، ولا تسمح لـه مروءته بأن يتركهم وشأنهم به، كما أنه لا يريد أن يخسر مساعدتهم لـه في مصالحه السياسية والأمنية.
فما كاد يرجع الشيخ عن فاس بأمر السلطان حتى عمد إلى تنظيم جماعته وحضّهم على المقاومة، فاجتمع لديه جيش من تلاميذه ورجاله ومن المتطوعين من القبائل المختلفة، وسلّموه راية الجهاد، فزحف نحو العاصمة فاس لإنقاذها، وكان ذلك في العام الأخير من حياته، وكادت ثورته تعمّ المغرب كله، فلما علم بذلك الفرنسيون أرسلوا إلى السلطان عبد الحفيظ ينذرونه بأنهم يَعدُّون كل من مدَّ يده بالمعونة إلى ماء العينين عدواً لهم. وحشدوا لـه كل قواهم، فطال التناوش بين الطرفين، ووقعت بينهما معارك طاحنة. ولكن العرب المقاتلين أرهقتهم الحرب، ففنيت مواشيهم، وكابدوا كثيراً من الشدائد مع رداءة السلاح الذي في أيديهم، فأخذ بعضهم يهرب إلى الفرنسيين، ويصالحهم، وأبت فلول منهم إلاّ مواصلة الجهاد، حتى تمكّن الفرنسيون من التغلب عليهم واحتلال مدن (آدرار) التي تقع في المرتفعات الشامخة المنيعة. فرجع الشيخ مع من تبقَّى من جماعته متوغّلاً جبال الأطلس إلى أن نزل على رأس الوادي في بلاد السوس، وهناك داهمه المرض، فحطّ رحله في (تزنيت) الواقعة على بعد 95كم جنوبيّ أغادير، وتُوفِّي- رحمه الله - ودفن هناك.
خلَّف الشيخ ماء العينين أكثر من أربعينَ كتاباً طبع معظمها في مدينة فاس في حياته، من بينها: «إبراز اللآلي المكنونات في الأسامي الظاهرات والمضمرات»، و«الإيضاح لبعض الاصطلاح» في اصطلاحات الصوفية، و«دليل الرفاق على شمس الاتفاق» في الفقه المالكي، و«مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع» في الحث على العلم، و«هداية المبتدئين وتفقه المنتهين» في النحو.
محمَّـد كمـال