في وقتٍ سابق من هذه السنة، وبعد حوالي القرن من البحث عنها، تمكن فريقٌ لباحثين دوليين من التقاط إشارات لوجود موجات الجاذبيَّة لأوَّل مرة في التاريخ، ويعود الفضل في ذلك إلى تصادم ثقبين أسودين، وكان ذلك دعمًا قويًّا للنظرية النسبية العامة لآينشتاين.
لا حاجة للشك في ذلك، كان أمرًا عظيمًا، لكن ذلك طرح سؤالين في غاية الأهميَّة : من أين أتى الثقبين الأسودين المتصادمين المُحدثَين لتموجات في نسيج الزمكان، وكيف حصلت على تلك الكتلة الضخمة للغاية؟
تتكون الثقوب السوداء عندما ينفذ مخزون نجمٍ ما من الوقود، و ينهار على نفسه.
لكن لكي تصل الثقوب السوداء إلى تلك الضخامة مثل الثقبين الأسودين المتصادمين ــ كانت كتلة كل منهما أكبر من الشمس من 29 إلى 36 مرَّة ــ من المؤكد أن نجمين أكبر من ذلك قد وجدا يومًا ما، وعند إنهيار النجمين على نفسيهما، كانا قد فقدا معظم كتلتيهما.
ويعتبر ذلك مشكلًا، لأننا لا نعتقد بقدرة النجوم على جمع ذلك القدر من الكتلة من أجل خلق ثقوب سوداء ضخمة كتلك.
المعضلة هي أنَّ النجوم التي تصل أحجام كبيرة لدرجة خلق ثقبٍ أسود أسطوري، تقوم بإنتاج طاقة كبيرة لتقوم الرياح النجميَّة بنسفِ معظم كتلتها بعيدًا لتضيع في الكون.
ويُبقي ذلك النجم بنصف الكتلة التي كان عليها مسبقًا ــ وهذا لن يكون قريبًا ولو قليلًا من الكتلة اللازمة من أجل خلق ثقبٍ أسود ضخم بالحجم الذي تم التقاطه في بيانات الموجة الثقالية.
إذن، كيف تمكن النجمين من الحصول على الكتلة اللازمة من أجل خلق الثقبين الأسودين الضخمين؟ نجد كتفسيرٍ لذلك فكرة تقول أنهما لم يحتويا على أيّ عناصر في نواتهم أثقل من الهيليوم.
العناصر الأثقل من الكربون، الأكسجين و الحديد يتمُّ طردها بعيدًا من طرف تلك الرياح النجميَّة و غالبًا ما تضيع في الفضاء. إذن بإمكان النجم الذي لا يحتوي تقريبًا على أي عناصر معدنية من الوصول إلى تلك الأحجام الضخمة التي نتحدث عنها ــ لكن هل هذا هو الشرط الوحيد؟
فريق دولي من العلماء يقترح فكرة أخرى : المجالات المغناطيسيَّة.
وجد الفريق الذي يقوده فيرونيك بوتي (Véronique Petit) من معهد فلوريدا للتكنولوجيا، دليلًا على قدرة النجم في الاحتفاظ بالكتلة اللازمة من أجل خلق الثقوب السوداء، إذا ما حافظ على حقل مغناطيسي ضخم يفوق الذي تملكه الشمس بـحوالي 10.000 مرَّة.
الفكرة العامة هنا، أنَّ تلك الحقول المغناطيسية القوية تقوم بالإحاطة بالنجم الضخم لتساعده على التقاط معظم كتلته التي يخسرها نحو الفضاء لتغذي بها النجم من جديد، محافظة على كتلتها من إنهيارٍ محتمل. في تلك الحالة، بإمكان الثقب الأسود المنبثق عن تلك النجوم الوصول إلى أحجامٍ كبيرة كتلك المكتشفة في بيانات الموجة الثقاليَّة.
حيث يكتب الفريق : “الحقول المغناطيسيَّة القوية للسطح توفر كذلك آلية قويَّة من أجل تغيير خسارة الكتلة و دوران النجوم الضخمة”.
من أجل اختبار هذه الفرضية، قاموا بصنع سلسلة محاكاة حاسوبيَّة من أجل الوقوف على طريقة تغير كتلة النجوم الضخمة بمرور الوقت، إذا ما توفر لديها مجال مغناطيسي قوي.
في النهاية اكتشفوا أنَّهم إذا أخذوا نجمًا بكتلة تصل إلى 80 كتلة شمسيَّة، مُغطًّى بمجالات مغناطيسية قوية، وانتظروا حتى انهياره المحتمل، ستكون الكتلة المتبقية في نهاية حياة النجم أكبر بكثير مقارنة بتلك التي ستتبقى إذا لم يتوفر مجال مغناطيسي. وكانت الكتلة المتبقية حوالي 20 كتلة شمسيَّة.
بالإعتماد على ذلك، يقول الفريق أنَّه علينا اعتبار إمكانية اعتماد الثقوب السوداء الهائلة على نشوء نجوم ذات قوى مغناطيسيَّة قوية، وذلك مع التحذير أنَّه وبتأكيد هذه الفرضية، سيكون أمر مراقبة هذه الأحداث وهي تحصل في الكون صعبًا للغاية.
وفي ذات السياق تقول فيكي كالوغيرا (Vicky Kalogera) عالمة الفيزياء الفضائيَّة من جامعة نورث-ويسترن : “هذه فرضيَّة بديلة مثيرة لكيفية احتفاظ النجوم في النهاية لكتلة أكبر، لكي تتمكن من خلق ثقوب سوداء ضخمة. لكن الآليات هي مدعاةٌ للشك بطريقة ما.” ولم تكن فيكي جزءًا من البحث.
لكن الأخبار الجيدة هي أنَّ الفرضية الجديدة لفريق البحث تعتبر كخطوة للأمام دون شك نحو الوجهة الصحيحة، إذا ما أردنا فهم تشكل الكون بشكلٍ كامل، وكيفيَّة استمراره بالعمل. ولدينا الآن نوعٌ جديد من النجوم لننظر إليه كمصدرٍ لهذه الثقوب السوداء الضخمة.