المتفردة الزمكانية أو الثقالية هي انهيار في النسيج الهندسيّ للمكان والزمان «الزمكان»، وهي مجال للأبحاث الفيزيائية والنقاشات الفلسفية في محاولة لتفسير طبيعتها وأهميتها.
يمكن أن تعتبر المتفردة نهايةً أو حدًّا لنسيج الزمكان الهندسيّ وذلك نظرًا لطبيعتها الهندسيّة. ولكنّ العديد من المشكلات والعوائق تظهر عند محاولة وضع تفسيراتٍ أكثرَ دقّة للمتفردة.
لا تسمح نظرية «النسبية العامّة» الّتي تفسر الزمكان بوجود المتفردة فقط؛ بل إنّها تجعل من وجودها حتميًّا في بعض المواقف الطبيعيّة. ولذا يبدو أنّنا نحتاج لأن نفهم تكوينها بالضبط حتّى نستطيعَ أن نفهم طبيعة المكان والزمان في الكون.
الثقوب السوداء هي مناطق في الزمكان الّتي لا يمكن لأيّ شيءٍ أن يهرب منها ولا حتى الضوء. ويتكون أيّ ثقب أسود نموذجيٍّ نتيجة زيادة الجاذبيّة بدرجة شديدة ما يجعل السرعة اللازمة للابتعاد عن هذا الجذب تفوق سرعة الضوء.
وتحتوي تلك الثقوب السوداء على متفردة زمكانية في مركزها ولذلك لا يمكننا أن نفهم الثقوب السوداء بصورة كاملة ما لم نفهم طبيعة المتفردة.
عند دراسة الثقوب السوداء فيما يخصّ قوّة الجذب فقط فإنّ الثقوب السوداء تعتبر مركزًا للبحث والمحاولات للوصول إلى نظرية كاملة في جاذبية الكم.
المتفردة الزمكانية
يتفق الجميع على أنّ النظرية النسبية العامّة لآينشتاين تسمح بوجود المتفردة، ولكن إذا ما تعلق السؤال بتعريف تلك المتفردة بالضبط، فإنّ هناك الكثير من الخلاف.
إذ تعتبر المتفردة بصورة ما انهيارًا في نسيج الزمكان نفسه، ولكنّ هذا التعريف يسبب مشكلة عند الإشارة للمتفردة كـ«شيء» موجود في موقع محدد فكيف تكون شيئًا ولها موقع في نسيج الزمان والمكان في حين أنّ الزمان والمكان ينهاران عندها؟
ولذلك اقترح بعض الفلاسفة والفيزيائيين ألّا نتحدث عن المتفردة بحد ذاتها بل نتحدث عن «زمكان متفرد». لكننّا سنعتبر أنّ التعبيرين متساويان الآن.
غالبًا ما تُشَبّه المتفردة بصورة تقريبية بشَقٍّ أو تمزقٍ في نسيج الزمكان. لذلك فإنّ أغلب المحاولات لتعريف المتفردة تتمحور حول إحدى الفكرتين:
الفكرة الأولى: هي أنّ الزمكان يحتوي على متفردة فقط حال احتوائه على مسار غير مكتمل، أي لا يمكن أن يتمدد إلى ما لا نهاية بل يتوقف فجأة. وعندها ستظهر أسئلةٌ مثل:
إلى أين يفترض أن يذهب المسار عند دخوله في الشق أو التمزق؟
أو من أين جاء المسار إذا كان منبعثًا من التمزق؟
الفكرة الثانية: هي أنّ الزمكان يعتبر متفردًا فقط في حال وجود بعض النقاط المفقودة في ذلك النسيج. وعندها ستظهر أسئلة مثل:
أين توجد النقاط الّتي كانت موجودة أو يفترض وجودها مكان ذلك التمزق؟
هناك فكرة أخرى مهمّة جدًّا تظهر عند مناقشة الفكرتين الرئيسيتين السابقتين، وتقضي هذه الفكرة بأنّ الحديث إذا كان عن مسارات منقطعة أو نقاط ضائعة فإنّ هيكل المتفردة يجب أن يرتبط بتصرف غير طبيعي في انحناء الزمكان ما سيتسبب في تشوه مجال الجذب.
على سبيل المثال: تزداد شدّة الانحناء في نسيج الزمكان (قوّة مجال الجاذبية) بصورة غير محدودة عند العبور بمسار غير مكتمل.
وكما أنّ هناك خلاف حول تعريف المتفردة، فإنّ هناك خلاف حول مدى أهمية المتفردة.
فبينما يعتبر بعض الفيزيائيين المهمّين تنبؤ النسبية العامّة عن وجود المتفردة هو دليل على ضعفٍ وخطأٍ في النظرية، يعتبر البعض الآخر المتفردة أفقًا جديدًا مثيرًا للفيزيائيين من أجل البحث واكتشاف الكون من خلاله.
المسارات غير المكتملة
المسار هو أيّ سلسلة متصلة من الأحداث خلال الزمكان. وتستخدم هذه المسارات في أهمّ نظريات المتفردة لتعبر عن مسارات الأجسام والمتابعين لها. تتكون تلك المسارات الّتي يطلق عليها «خطوط العالم» من الأحداث الّتي يمر بها جسم ما خلال فترة حياته.
ويطلق على المسار أنّه غير مكتمل وغير قابل للتمدد إذا كان الجسم أو المراقب لمسار الجسم يخرج من الكون بعد فترة محددة من الزمن، وكأنّه يخرج من تمزق في نسيج الزمكان ويختفي تمامًا. أو بالعكس عندما يظهر جسم فجأة من ثقب أو تمزق في الزمكان.
فإن لم يكن هناك أيّ تفسير آخر لظهور أو اختفاء هذا الجسم المفاجئ إلّا التفرد في الزمكان؛ فسيكون من الصعب تفسير ذلك بشكل مختلف. ولكن في نفس الوقت لم يوفر العمل العظيم المتنبئ بوجود تلك المسارات المتطرفة أيَّ اتفاق على ما يمكن اعتباره شروط تحقق المتفردة طبقًا لتلك المقاييس، ولذلك لا يوجد تعريف واضح للمتفردة.
وضع حدود المتفردة
يمكن توضيح المتفردة بأنّها تحتوي على نقاط مفقودة حال احتوائها على مسارات غير مكتملة ولا يمكن تمديدها، ثمّ نقوم باستخدام تلك المسارات المقطوعة بطريقة ما لرسم حدود المنطقة من النقاط المفقودة في الزمكان.
ولو أُضيفت هذه النقاط إلى نسيج الزمكان ستكتمل تلك المسارات. وستصبح تلك النقاط المضافة مرشحةً لتكون نقاطًا متفردة.
ويطلق على جميع النقاط الّتي تنتهي عندها المسارات المقطوعة «نقاط المحيط».
بينما يبدو أنّ هذا التعريف والتعريف السابق متقاربين جدًّا إلّا أنّ هناك فرقًا مهمًّا جدًّا بينهما، فبينما يَعتبر التعريف الأول المساراتِ غيرَ المكتملة في حدّ ذاتها دليلًا على وجود كيان متفرد فإنّها هذا التعريف يعتبرها مؤشرًا على وجود كيان متفرد في صورة نقاط ناقصة، فسبب عدم اكتمال المسار غير المكتمل هو أنّه سقط في فجوة نسيج الزمكان والّتي إن مُلئت ببعض النقاط سيستمر المسار بصورة طبيعية.
ولكن في الوقت الحالي أصبح استخدام تعريف النقاط المفقودة أقلّ قبولًا في حين كان من الواجب استخدامه في تعريف الكيانات المتفردة، وبدلًا من ذلك أصبحت المسارات غير المكتملة تستخدم في تعريفات المتفردة الزمكانية.
تطرف منحنى الزمكان
بينما تُعبّر فكرة المسارات غير المكتملة عن خاصّية هامّة للمتفردة إلّا أنّها تتجاهل مفهومًا آخرَ مهمًّا ومرتبطًا بالمتفردة وهو تطرف منحنى الزمكان. إذا كانت هناك مسارات غير مكتملة في الزمكان فيجب أن يكون هناك سبب وراء ذلك.
وأكثر ما رُشِّح ليكون السبب الحقيقي وراء ذلك هو أنّ شيئًا ما خاطئًا موجودٌ في نسيج الزمكان، أي في انحناء الزمكان بمعنًى أدقّ.
يدعم هذا الاعتقاد حقيقة أنّ قياس انحناء الزمكان يعطي نتائج قوية جدًّا كلما اقتربنا من متفردة موجودة في ثقب أسود نموذجيّ أو عند متفردة الانفجار العظيم.
للتعبير عن منحنى الزمكان بدقّة سنستخدم فكرة قوى المدّ.
تنتج قوى المدّ بسبب الفرق في شدة مجال الجاذبية المؤثّر على نقطتين متجاورتين في الزمكان، وتعتبر تلك القوة تمثيلًا مباشرًا لانحناء الزمكان ولذلك يمكننا قياس انحناء الزمكان بمجرد قياس قوّة الجاذبية.
ومن المهمّ معرفة أنّ قوة المدّ تزداد بلا حدود في المناطق ذات الانحناءات المتطرفة في منحنى الزمكان.
أهمية المتفردة
عندما نتحدث عن عواقب المتفردة الزمكانية يجب أن نأخذ في الحسبان أنّ لدينا أسبابًا قوية تدفعنا للاعتقاد بأنّ الزمكان في كوننا هذا يحتوي على متفردات. في أواخر ستينيّات القرن العشرين أثبت كلٌّ من هوكينج وبينروز وجيروش عددًا من النظريات عن المتفردة باستخدام تعريف المسارات غير المكتملة.
توضح تلك النظريات أنّه في حال تحقُّق بعض الشروط في بعض الظروف يصبح وجود المتفردة أكيدًا.
أحد تلك الشروط على سبيل المثال هو «شرط الطاقة الموجبة» أي عدم وجود أي طاقة سالبة. تنصّ تلك النظريات على أنّ الكون بدأ بمتفردة ابتدائية وانفجار كبير منذ 13.7 مليار سنة.
وتشير تلك النظريات أيضًا إلى أنّ المادة المنهارة ستكون ثقبًا أسودَ وفي مركزه متفردة مركزية وذلك تحت شروط معينة.
ولكنّ تلك النتائج لم تكن مقنعة لبعض الفيزيائيين والفلاسفة. فيجادل البعض بأنّ المتفردة أغرب من أن تكون حقيقية. بينما يجادل البعض الآخر بأنّ المتفردة في بداية الكون أو في مركز الثقب الأسود هي خارج مجال تطبيق نظرية النسبية العامّة.
بينما يلتزم الآخرون بالنسبية العامّة حرفيًّا ويتقبلون وجود المتفردة كجزء مفاجئ ولكنّه متسق تمامًا مع هندسة كوننا.
انهيار النسبية العامّة
مع كل تلك المفاهيم والظواهر العجيبة الّتي ترتبط بالمتفردة الزمكانية، هل يمكن أن لا يكون الخطأ في نسيج زمكان العالم الحقيقي بل في التوصيف النظري للزمكان؟ أي هل يمكن أن تكون النسبية العامّة ليست دقيقة تمامًا في وصف العالم فيما يتعلق بالتكوينات المتفردة؟
في أغلب المجالات العلمية يعتبر السلوك المتفرد دليلًا على خطأ النظرية المستعملة. ولذلك من الشائع أن يعتبر البعض تنبؤَ النسبية العامّة عن المتفردة هو تنبؤٌ بفشل النظرية، وبأنّ الوصف الكلاسيكي للزمان والمكان ينهار عند وصف المتفردة في الثقب الأسود أو الانفجار العظيم.
يعتبر هذا الرأي أنّ المتفردة ليست خاصية حقيقية للكون بل هي خطأ في نظرياتنا الفيزيائية الحالية. وستكون النظرية الأساسية العامّة -الّتي من المفترض أن تكون نظرية جاذبية الكم- خالية من ذلك السلوك المتفرد.
وبالفعل توجد فرضيات علمية في نطاق جاذبية الكم تقترح أنّ الانفجار العظيم والثقوب السوداء لا يحتوي أيٌّ منها على متفردة زمكانية.
وفي هذا الإطار سيزول كل القلق بخصوص المتفردة. فإن لم توجد المتفردة فلا يوجد سبب للتساؤل حول تعريفها. بل يصبح السؤال الجديد هو حدود نطاق استعمال النسبية العامّة.
المتفردة العارية وفرضية الرقابة الكونية
يقترح الفيزيائيّون أنّ معظم المتفردات الزمكانية مخبأة خلف أفق الحدث للثقب الأسود. ولا يمكن لتلك المنفردات أن تؤثّر علينا ما لم نقفز داخل الثقب الأسود. في المقابل نجد المتفردة «العارية» ليست مخبأة بداخل الثقب الأسود.
تلك المتفردات تبدو أنّها أكثر تهديدًا فهي ليست محدودة ويمكن أن تتواجد في أيّ مكان في الزمكان. السبب الأهمّ للقلق هو أنّ المتفردة الزمكانية تعتبر انهيارًا في النسيج الأساسي للزمكان لدرجة أنّها قد تسبب في فوضًى عنيفةٍ في أيّ مكان تتواجد فيه من الكون.
«الثقب الأبيض» هو أحد الصور الّتي قد تتخذها المتفردة العارية وهو ما يبدو شبيهًا بثقب أسود معكوس. تخيل أن تسجل فيلمًا لتكوّن الثقب الأسود ووهناك الكثير من المواد ورواد الفضاء والصواريخ وأشياء أخرى تسقط داخل الثقب الأسود.
ثمّ تخيل أن تعرض هذا الفيلم بصورة معكوسة، هذا هو الثقب الأبيض وهو ما قد ينشأ عن متفردة عارية.
قد يخرج من الثقب الأبيض أيُّ شيء ممكن من بشر أو تحف أو حتى نجوم جديدة. إنّ أيَّ شيء يسقط داخل الثقب الأسود لن يترك أيّ أثر في المستقبل وكذلك الثقب الأبيض لن يوجد أيّ أثر أو دليل يساعد على التنبؤ بما سوف يخرج منه.
ولأنّ الزمن في النسبية العامّة ليس له اتجاهٌ محددٌ فإنّ الثقب الأسود سيتكون إذا سمحت قوانين الكون بذلك، وكذلك الثقب الأبيض سيتكون حسب نفس القوانين.
يقترح روجر بينروز أنّه بالرغم من توافق الثقوب البيضاء مع النسبية العامّة إلّا أّنّ المتفردة العارية لا يمكن أن تتكون في المواقف الفيزيائية الحقيقية، وذلك لأنّ أيّ عملية يمكن أن تتسبب في تكوّن متفردة سوف تخبأها بأمانٍ خلف أفق الحدث.
ويطلق على تلك الفرضية «فرضية الرقابة الكونية». تمتعت تلك الفرضية بنجاح وقبول كبيرين ولكنّها تواجه بعض المشاكل أيضًا. فمعادلات بينروز الأصلية تعتمد على الثقوب السوداء، لأنّ أيّ متفردة زمكانية معتادة ستكون داخل ثقب أسود.
يمكن أن تعتبر المتفردة نهايةً أو حدًّا لنسيج الزمكان الهندسيّ وذلك نظرًا لطبيعتها الهندسيّة. ولكنّ العديد من المشكلات والعوائق تظهر عند محاولة وضع تفسيراتٍ أكثرَ دقّة للمتفردة.
لا تسمح نظرية «النسبية العامّة» الّتي تفسر الزمكان بوجود المتفردة فقط؛ بل إنّها تجعل من وجودها حتميًّا في بعض المواقف الطبيعيّة. ولذا يبدو أنّنا نحتاج لأن نفهم تكوينها بالضبط حتّى نستطيعَ أن نفهم طبيعة المكان والزمان في الكون.
الثقوب السوداء هي مناطق في الزمكان الّتي لا يمكن لأيّ شيءٍ أن يهرب منها ولا حتى الضوء. ويتكون أيّ ثقب أسود نموذجيٍّ نتيجة زيادة الجاذبيّة بدرجة شديدة ما يجعل السرعة اللازمة للابتعاد عن هذا الجذب تفوق سرعة الضوء.
وتحتوي تلك الثقوب السوداء على متفردة زمكانية في مركزها ولذلك لا يمكننا أن نفهم الثقوب السوداء بصورة كاملة ما لم نفهم طبيعة المتفردة.
عند دراسة الثقوب السوداء فيما يخصّ قوّة الجذب فقط فإنّ الثقوب السوداء تعتبر مركزًا للبحث والمحاولات للوصول إلى نظرية كاملة في جاذبية الكم.
المتفردة الزمكانية
يتفق الجميع على أنّ النظرية النسبية العامّة لآينشتاين تسمح بوجود المتفردة، ولكن إذا ما تعلق السؤال بتعريف تلك المتفردة بالضبط، فإنّ هناك الكثير من الخلاف.
إذ تعتبر المتفردة بصورة ما انهيارًا في نسيج الزمكان نفسه، ولكنّ هذا التعريف يسبب مشكلة عند الإشارة للمتفردة كـ«شيء» موجود في موقع محدد فكيف تكون شيئًا ولها موقع في نسيج الزمان والمكان في حين أنّ الزمان والمكان ينهاران عندها؟
ولذلك اقترح بعض الفلاسفة والفيزيائيين ألّا نتحدث عن المتفردة بحد ذاتها بل نتحدث عن «زمكان متفرد». لكننّا سنعتبر أنّ التعبيرين متساويان الآن.
غالبًا ما تُشَبّه المتفردة بصورة تقريبية بشَقٍّ أو تمزقٍ في نسيج الزمكان. لذلك فإنّ أغلب المحاولات لتعريف المتفردة تتمحور حول إحدى الفكرتين:
الفكرة الأولى: هي أنّ الزمكان يحتوي على متفردة فقط حال احتوائه على مسار غير مكتمل، أي لا يمكن أن يتمدد إلى ما لا نهاية بل يتوقف فجأة. وعندها ستظهر أسئلةٌ مثل:
إلى أين يفترض أن يذهب المسار عند دخوله في الشق أو التمزق؟
أو من أين جاء المسار إذا كان منبعثًا من التمزق؟
الفكرة الثانية: هي أنّ الزمكان يعتبر متفردًا فقط في حال وجود بعض النقاط المفقودة في ذلك النسيج. وعندها ستظهر أسئلة مثل:
أين توجد النقاط الّتي كانت موجودة أو يفترض وجودها مكان ذلك التمزق؟
هناك فكرة أخرى مهمّة جدًّا تظهر عند مناقشة الفكرتين الرئيسيتين السابقتين، وتقضي هذه الفكرة بأنّ الحديث إذا كان عن مسارات منقطعة أو نقاط ضائعة فإنّ هيكل المتفردة يجب أن يرتبط بتصرف غير طبيعي في انحناء الزمكان ما سيتسبب في تشوه مجال الجذب.
على سبيل المثال: تزداد شدّة الانحناء في نسيج الزمكان (قوّة مجال الجاذبية) بصورة غير محدودة عند العبور بمسار غير مكتمل.
وكما أنّ هناك خلاف حول تعريف المتفردة، فإنّ هناك خلاف حول مدى أهمية المتفردة.
فبينما يعتبر بعض الفيزيائيين المهمّين تنبؤ النسبية العامّة عن وجود المتفردة هو دليل على ضعفٍ وخطأٍ في النظرية، يعتبر البعض الآخر المتفردة أفقًا جديدًا مثيرًا للفيزيائيين من أجل البحث واكتشاف الكون من خلاله.
المسارات غير المكتملة
المسار هو أيّ سلسلة متصلة من الأحداث خلال الزمكان. وتستخدم هذه المسارات في أهمّ نظريات المتفردة لتعبر عن مسارات الأجسام والمتابعين لها. تتكون تلك المسارات الّتي يطلق عليها «خطوط العالم» من الأحداث الّتي يمر بها جسم ما خلال فترة حياته.
ويطلق على المسار أنّه غير مكتمل وغير قابل للتمدد إذا كان الجسم أو المراقب لمسار الجسم يخرج من الكون بعد فترة محددة من الزمن، وكأنّه يخرج من تمزق في نسيج الزمكان ويختفي تمامًا. أو بالعكس عندما يظهر جسم فجأة من ثقب أو تمزق في الزمكان.
فإن لم يكن هناك أيّ تفسير آخر لظهور أو اختفاء هذا الجسم المفاجئ إلّا التفرد في الزمكان؛ فسيكون من الصعب تفسير ذلك بشكل مختلف. ولكن في نفس الوقت لم يوفر العمل العظيم المتنبئ بوجود تلك المسارات المتطرفة أيَّ اتفاق على ما يمكن اعتباره شروط تحقق المتفردة طبقًا لتلك المقاييس، ولذلك لا يوجد تعريف واضح للمتفردة.
وضع حدود المتفردة
يمكن توضيح المتفردة بأنّها تحتوي على نقاط مفقودة حال احتوائها على مسارات غير مكتملة ولا يمكن تمديدها، ثمّ نقوم باستخدام تلك المسارات المقطوعة بطريقة ما لرسم حدود المنطقة من النقاط المفقودة في الزمكان.
ولو أُضيفت هذه النقاط إلى نسيج الزمكان ستكتمل تلك المسارات. وستصبح تلك النقاط المضافة مرشحةً لتكون نقاطًا متفردة.
ويطلق على جميع النقاط الّتي تنتهي عندها المسارات المقطوعة «نقاط المحيط».
بينما يبدو أنّ هذا التعريف والتعريف السابق متقاربين جدًّا إلّا أنّ هناك فرقًا مهمًّا جدًّا بينهما، فبينما يَعتبر التعريف الأول المساراتِ غيرَ المكتملة في حدّ ذاتها دليلًا على وجود كيان متفرد فإنّها هذا التعريف يعتبرها مؤشرًا على وجود كيان متفرد في صورة نقاط ناقصة، فسبب عدم اكتمال المسار غير المكتمل هو أنّه سقط في فجوة نسيج الزمكان والّتي إن مُلئت ببعض النقاط سيستمر المسار بصورة طبيعية.
ولكن في الوقت الحالي أصبح استخدام تعريف النقاط المفقودة أقلّ قبولًا في حين كان من الواجب استخدامه في تعريف الكيانات المتفردة، وبدلًا من ذلك أصبحت المسارات غير المكتملة تستخدم في تعريفات المتفردة الزمكانية.
تطرف منحنى الزمكان
بينما تُعبّر فكرة المسارات غير المكتملة عن خاصّية هامّة للمتفردة إلّا أنّها تتجاهل مفهومًا آخرَ مهمًّا ومرتبطًا بالمتفردة وهو تطرف منحنى الزمكان. إذا كانت هناك مسارات غير مكتملة في الزمكان فيجب أن يكون هناك سبب وراء ذلك.
وأكثر ما رُشِّح ليكون السبب الحقيقي وراء ذلك هو أنّ شيئًا ما خاطئًا موجودٌ في نسيج الزمكان، أي في انحناء الزمكان بمعنًى أدقّ.
يدعم هذا الاعتقاد حقيقة أنّ قياس انحناء الزمكان يعطي نتائج قوية جدًّا كلما اقتربنا من متفردة موجودة في ثقب أسود نموذجيّ أو عند متفردة الانفجار العظيم.
للتعبير عن منحنى الزمكان بدقّة سنستخدم فكرة قوى المدّ.
تنتج قوى المدّ بسبب الفرق في شدة مجال الجاذبية المؤثّر على نقطتين متجاورتين في الزمكان، وتعتبر تلك القوة تمثيلًا مباشرًا لانحناء الزمكان ولذلك يمكننا قياس انحناء الزمكان بمجرد قياس قوّة الجاذبية.
ومن المهمّ معرفة أنّ قوة المدّ تزداد بلا حدود في المناطق ذات الانحناءات المتطرفة في منحنى الزمكان.
أهمية المتفردة
عندما نتحدث عن عواقب المتفردة الزمكانية يجب أن نأخذ في الحسبان أنّ لدينا أسبابًا قوية تدفعنا للاعتقاد بأنّ الزمكان في كوننا هذا يحتوي على متفردات. في أواخر ستينيّات القرن العشرين أثبت كلٌّ من هوكينج وبينروز وجيروش عددًا من النظريات عن المتفردة باستخدام تعريف المسارات غير المكتملة.
توضح تلك النظريات أنّه في حال تحقُّق بعض الشروط في بعض الظروف يصبح وجود المتفردة أكيدًا.
أحد تلك الشروط على سبيل المثال هو «شرط الطاقة الموجبة» أي عدم وجود أي طاقة سالبة. تنصّ تلك النظريات على أنّ الكون بدأ بمتفردة ابتدائية وانفجار كبير منذ 13.7 مليار سنة.
وتشير تلك النظريات أيضًا إلى أنّ المادة المنهارة ستكون ثقبًا أسودَ وفي مركزه متفردة مركزية وذلك تحت شروط معينة.
ولكنّ تلك النتائج لم تكن مقنعة لبعض الفيزيائيين والفلاسفة. فيجادل البعض بأنّ المتفردة أغرب من أن تكون حقيقية. بينما يجادل البعض الآخر بأنّ المتفردة في بداية الكون أو في مركز الثقب الأسود هي خارج مجال تطبيق نظرية النسبية العامّة.
بينما يلتزم الآخرون بالنسبية العامّة حرفيًّا ويتقبلون وجود المتفردة كجزء مفاجئ ولكنّه متسق تمامًا مع هندسة كوننا.
انهيار النسبية العامّة
مع كل تلك المفاهيم والظواهر العجيبة الّتي ترتبط بالمتفردة الزمكانية، هل يمكن أن لا يكون الخطأ في نسيج زمكان العالم الحقيقي بل في التوصيف النظري للزمكان؟ أي هل يمكن أن تكون النسبية العامّة ليست دقيقة تمامًا في وصف العالم فيما يتعلق بالتكوينات المتفردة؟
في أغلب المجالات العلمية يعتبر السلوك المتفرد دليلًا على خطأ النظرية المستعملة. ولذلك من الشائع أن يعتبر البعض تنبؤَ النسبية العامّة عن المتفردة هو تنبؤٌ بفشل النظرية، وبأنّ الوصف الكلاسيكي للزمان والمكان ينهار عند وصف المتفردة في الثقب الأسود أو الانفجار العظيم.
يعتبر هذا الرأي أنّ المتفردة ليست خاصية حقيقية للكون بل هي خطأ في نظرياتنا الفيزيائية الحالية. وستكون النظرية الأساسية العامّة -الّتي من المفترض أن تكون نظرية جاذبية الكم- خالية من ذلك السلوك المتفرد.
وبالفعل توجد فرضيات علمية في نطاق جاذبية الكم تقترح أنّ الانفجار العظيم والثقوب السوداء لا يحتوي أيٌّ منها على متفردة زمكانية.
وفي هذا الإطار سيزول كل القلق بخصوص المتفردة. فإن لم توجد المتفردة فلا يوجد سبب للتساؤل حول تعريفها. بل يصبح السؤال الجديد هو حدود نطاق استعمال النسبية العامّة.
المتفردة العارية وفرضية الرقابة الكونية
يقترح الفيزيائيّون أنّ معظم المتفردات الزمكانية مخبأة خلف أفق الحدث للثقب الأسود. ولا يمكن لتلك المنفردات أن تؤثّر علينا ما لم نقفز داخل الثقب الأسود. في المقابل نجد المتفردة «العارية» ليست مخبأة بداخل الثقب الأسود.
تلك المتفردات تبدو أنّها أكثر تهديدًا فهي ليست محدودة ويمكن أن تتواجد في أيّ مكان في الزمكان. السبب الأهمّ للقلق هو أنّ المتفردة الزمكانية تعتبر انهيارًا في النسيج الأساسي للزمكان لدرجة أنّها قد تسبب في فوضًى عنيفةٍ في أيّ مكان تتواجد فيه من الكون.
«الثقب الأبيض» هو أحد الصور الّتي قد تتخذها المتفردة العارية وهو ما يبدو شبيهًا بثقب أسود معكوس. تخيل أن تسجل فيلمًا لتكوّن الثقب الأسود ووهناك الكثير من المواد ورواد الفضاء والصواريخ وأشياء أخرى تسقط داخل الثقب الأسود.
ثمّ تخيل أن تعرض هذا الفيلم بصورة معكوسة، هذا هو الثقب الأبيض وهو ما قد ينشأ عن متفردة عارية.
قد يخرج من الثقب الأبيض أيُّ شيء ممكن من بشر أو تحف أو حتى نجوم جديدة. إنّ أيَّ شيء يسقط داخل الثقب الأسود لن يترك أيّ أثر في المستقبل وكذلك الثقب الأبيض لن يوجد أيّ أثر أو دليل يساعد على التنبؤ بما سوف يخرج منه.
ولأنّ الزمن في النسبية العامّة ليس له اتجاهٌ محددٌ فإنّ الثقب الأسود سيتكون إذا سمحت قوانين الكون بذلك، وكذلك الثقب الأبيض سيتكون حسب نفس القوانين.
يقترح روجر بينروز أنّه بالرغم من توافق الثقوب البيضاء مع النسبية العامّة إلّا أّنّ المتفردة العارية لا يمكن أن تتكون في المواقف الفيزيائية الحقيقية، وذلك لأنّ أيّ عملية يمكن أن تتسبب في تكوّن متفردة سوف تخبأها بأمانٍ خلف أفق الحدث.
ويطلق على تلك الفرضية «فرضية الرقابة الكونية». تمتعت تلك الفرضية بنجاح وقبول كبيرين ولكنّها تواجه بعض المشاكل أيضًا. فمعادلات بينروز الأصلية تعتمد على الثقوب السوداء، لأنّ أيّ متفردة زمكانية معتادة ستكون داخل ثقب أسود.