Fareed Zaffour
10 مايو 2022 م
=AZUjZITARBwERn7ZDTbh5GD8uaFtUWMxtloAEWI2cbeiXoK1_ 7OnTAKvnfBg5myFZmNqqHEJSPXL1QAiYrmYETEeCGdv8zoUCk5 1qMwciFeUzMXvgXic5YJgGmOZEoQ80AODXbTbEzHOnZdpDkeme R58lAPbCnvFM5Gg1LqKjAkQU1wPXGZg8tHJkeNqPahRDMo&__t n__=EH-y-R]
Saad Alkassem
10 مايو 2022 ·
قبضايات العلاف
سعد القاسم
يشغل كتاب (دمشق في مطلع القرن العشرين) لمؤلفه أحمد حلمي العلاف، ومعده علي جميل نعيسة، مكانة مرموقة بين الكتب التي تحدثت عن دمشق في تلك المرحلة، بحكم أن مؤلفه كان معاصراً لها، فدون مشاهداته الشخصية على نحو ما فعل (البديري الحلاق) في كتاب (حوادث دمشق اليومية)، غير أنه بخلاف الحلاق لم يدون الحوادث اليومية، وإنما وثق واقع المدينة الجغرافي والسكاني والاجتماعي والاقتصادي، بما جعل من كتابه مرجعاً موثوقاً عن المدينة ومحيطها..
ثمة سبب إضافي يمنح الكتاب أهميته الاستثنائية، وهو المنهج العلمي الذي اعتمده المؤلف، أيضاَ بحكم اختلاف حالته الاجتماعية والمعرفية عن البديري، فقد أتيح للعلاف وهو المولود عام 1898 (كما يرجح معد الكتاب) أن يتحرر من مشايخ الكتاتيب ليلتحق بالمدارس الحديثة، ومن ثم بالمدارس العسكرية ليصبح وكيل ضابط بالجيش العثماني، ومن ثم ضابطاً في الجيش العربي الوليد إلى أن تم تسريحه بعد معركة ميسلون واحتلال الفرنسيين لسورية، فانتقل للدراسة في معهد الحقوق، والتحق بعد تخرجه منه بالقضاء متنقلاً بعدة وظائف، كان في آخرها معاوناً لمدير العدلية العسكرية حتى وفاته عام 1959.
قسَم العلاف كتابه إلى فصول واضحة، لكن الموت عاجله قبل أن ينجز كتابتها جميعاً تاركاً لنا فهرساً أشبه ما يكون بمخطط بحث، وجد طريقه إلى (مركز الوثائق التاريخية) بدمشق كمخطوطة من تسع وسبعين صفحة من القطع الكبير (33×31سم) كتبها المؤلف بخط يده قبل وفاته بفترة قصيرة، حيث يقول المعد: «يبدو من كتابتها، وما شطب المؤلف عليه من بعض عباراتها، ثم كتابه بعض صفحاتها بقلم الرصاص، أن هذه المخطوطة مسًودة لكتاب لم يتح للمؤلف إتمامه، فقد جاء في آخر فصولها عنوان لفصل لم يتكلم عنه، ثم أثبت في الفهرس الذي ألحقه في آخر الكتاب عناوين لأبحاث لم ترد في النص، وكأن هذا الفهرس الذي وضعه العلاف مخطط للكتاب بشكله الكامل. »..
وعن عمله في إعداد الكتاب يقول علي جميل نعيسة: « قمت بانتساخ المخطوطة وإعدادها للطبع من إثبات علامات الترقيم، وقيًدت من الكلمات والشعر والأمثال والعبارات والمصطلحات بالشكل ما يحتاج إلى ذلك، ثم شرحت المصطلحات والكلمات العامية الواردة في الكتاب، وأثبت الشروح والتعليقات في الهامش، وذيّلت الكتاب بكشافين، الأول يشتمل على التعريف بالمواضيع، والثاني على التعريف بالأعلام، ثم ضممت إليهما فهرساً للمصطلحات والكلمات العامية مع ذكر ما يقابلهما في الفصحى، وفهرساً آخر لعناوين الأبحاث، وأخيراً ألحقت بهما ثبتاً بالمراجع والمصادر». وعن هذه الكلمات العامية يقول نعيسة في مكان آخر: «رغم أنني لست دمشقي المولد.. ورغم الصعوبات التي لقيتها في بعض التعابير والكلمات واستعمال بعض المصطلحات وبعض العادات، فإنني اكتسبت الفائدة في معرفتها والتعرف عليها، سواء من بطون الكتب، أم من بعض الأصدقاء.. ورغم كل الصعاب والمتاعب فإنني أعود لأقول بأن عملي هذا هو جزء من دين عليً لمدينة عشت فيها فترة من عمر شبابي، والتي أحب ونحبها جميعاً»..
صدر الكتاب لأول مرة عن وزار ة الثقافة عام 1976 بغلاف أنيق من تصميم الفنان سعيد نصري، وأعيد نشره مع مطلع القرن الجديد بواسطة دار دمشق للنشر والطباعة والتوزيع. وفي صفحاته الأربعمئة وخمسين، عدد كبير من العناوين التي تقدم - كما أشير سابقاَ- صورة شاملة عن حياة المدينة وواقعها الجغرافي وتقاليدها الاجتماعية، وكذلك عن أحوالها في مطلع القرن الماضي. ورغم جدّية الكتاب (والكاتب) الفائقة، فهو لا يعدم بعض الحكايات الطريفة، وإن كانت من نوع (شر البلية ما يضحك) كما هو الحال في حكاية رجل أُرسل من (الآستانة) ليكون كبير مهندسي مرفأ طرابلس، واضطر ليكشف حقيقة أميته ل(القائمقام) الذي لامه على قبوله بوظيفة فنية وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ولم يفعل مثله بالسعي لوظيفة إدارية يستطيع إخفاء جهله فيها!!..
هذه الحكاية قدمها الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي في إحدى لوحاتهما الكوميدية التلفزيونية المبكّرة. وقد استعان غيرهم من الدراميين بالكتاب، وخاصة كتّاب ما بات يعرف بدراما البيئة الشامية. غير أن ما يثير الانتباه، والاستهجان أيضاَ، أن (القبضايات) هم أكثر من شغل اهتمام صنّاع (الدراما الشامية)، في حين أنهم لم يشغلوا في كتاب العلاف سوى أربع صفحات من أصل أربعمئة وأربع وخمسين صفحة، هي مجموع صفحات المخطوطة الأصلية بعد أن ضمها الكتاب..
وهذا سبب آخر يجعل تلك الدراما بعيدة للغاية عن واقع مدينة ثرية بناسها وتراثها وتقاليدها وحرفييها المهرة..
https://thawra.sy/?p=362400
10 مايو 2022 م
=AZUjZITARBwERn7ZDTbh5GD8uaFtUWMxtloAEWI2cbeiXoK1_ 7OnTAKvnfBg5myFZmNqqHEJSPXL1QAiYrmYETEeCGdv8zoUCk5 1qMwciFeUzMXvgXic5YJgGmOZEoQ80AODXbTbEzHOnZdpDkeme R58lAPbCnvFM5Gg1LqKjAkQU1wPXGZg8tHJkeNqPahRDMo&__t n__=EH-y-R]
Saad Alkassem
10 مايو 2022 ·
قبضايات العلاف
سعد القاسم
يشغل كتاب (دمشق في مطلع القرن العشرين) لمؤلفه أحمد حلمي العلاف، ومعده علي جميل نعيسة، مكانة مرموقة بين الكتب التي تحدثت عن دمشق في تلك المرحلة، بحكم أن مؤلفه كان معاصراً لها، فدون مشاهداته الشخصية على نحو ما فعل (البديري الحلاق) في كتاب (حوادث دمشق اليومية)، غير أنه بخلاف الحلاق لم يدون الحوادث اليومية، وإنما وثق واقع المدينة الجغرافي والسكاني والاجتماعي والاقتصادي، بما جعل من كتابه مرجعاً موثوقاً عن المدينة ومحيطها..
ثمة سبب إضافي يمنح الكتاب أهميته الاستثنائية، وهو المنهج العلمي الذي اعتمده المؤلف، أيضاَ بحكم اختلاف حالته الاجتماعية والمعرفية عن البديري، فقد أتيح للعلاف وهو المولود عام 1898 (كما يرجح معد الكتاب) أن يتحرر من مشايخ الكتاتيب ليلتحق بالمدارس الحديثة، ومن ثم بالمدارس العسكرية ليصبح وكيل ضابط بالجيش العثماني، ومن ثم ضابطاً في الجيش العربي الوليد إلى أن تم تسريحه بعد معركة ميسلون واحتلال الفرنسيين لسورية، فانتقل للدراسة في معهد الحقوق، والتحق بعد تخرجه منه بالقضاء متنقلاً بعدة وظائف، كان في آخرها معاوناً لمدير العدلية العسكرية حتى وفاته عام 1959.
قسَم العلاف كتابه إلى فصول واضحة، لكن الموت عاجله قبل أن ينجز كتابتها جميعاً تاركاً لنا فهرساً أشبه ما يكون بمخطط بحث، وجد طريقه إلى (مركز الوثائق التاريخية) بدمشق كمخطوطة من تسع وسبعين صفحة من القطع الكبير (33×31سم) كتبها المؤلف بخط يده قبل وفاته بفترة قصيرة، حيث يقول المعد: «يبدو من كتابتها، وما شطب المؤلف عليه من بعض عباراتها، ثم كتابه بعض صفحاتها بقلم الرصاص، أن هذه المخطوطة مسًودة لكتاب لم يتح للمؤلف إتمامه، فقد جاء في آخر فصولها عنوان لفصل لم يتكلم عنه، ثم أثبت في الفهرس الذي ألحقه في آخر الكتاب عناوين لأبحاث لم ترد في النص، وكأن هذا الفهرس الذي وضعه العلاف مخطط للكتاب بشكله الكامل. »..
وعن عمله في إعداد الكتاب يقول علي جميل نعيسة: « قمت بانتساخ المخطوطة وإعدادها للطبع من إثبات علامات الترقيم، وقيًدت من الكلمات والشعر والأمثال والعبارات والمصطلحات بالشكل ما يحتاج إلى ذلك، ثم شرحت المصطلحات والكلمات العامية الواردة في الكتاب، وأثبت الشروح والتعليقات في الهامش، وذيّلت الكتاب بكشافين، الأول يشتمل على التعريف بالمواضيع، والثاني على التعريف بالأعلام، ثم ضممت إليهما فهرساً للمصطلحات والكلمات العامية مع ذكر ما يقابلهما في الفصحى، وفهرساً آخر لعناوين الأبحاث، وأخيراً ألحقت بهما ثبتاً بالمراجع والمصادر». وعن هذه الكلمات العامية يقول نعيسة في مكان آخر: «رغم أنني لست دمشقي المولد.. ورغم الصعوبات التي لقيتها في بعض التعابير والكلمات واستعمال بعض المصطلحات وبعض العادات، فإنني اكتسبت الفائدة في معرفتها والتعرف عليها، سواء من بطون الكتب، أم من بعض الأصدقاء.. ورغم كل الصعاب والمتاعب فإنني أعود لأقول بأن عملي هذا هو جزء من دين عليً لمدينة عشت فيها فترة من عمر شبابي، والتي أحب ونحبها جميعاً»..
صدر الكتاب لأول مرة عن وزار ة الثقافة عام 1976 بغلاف أنيق من تصميم الفنان سعيد نصري، وأعيد نشره مع مطلع القرن الجديد بواسطة دار دمشق للنشر والطباعة والتوزيع. وفي صفحاته الأربعمئة وخمسين، عدد كبير من العناوين التي تقدم - كما أشير سابقاَ- صورة شاملة عن حياة المدينة وواقعها الجغرافي وتقاليدها الاجتماعية، وكذلك عن أحوالها في مطلع القرن الماضي. ورغم جدّية الكتاب (والكاتب) الفائقة، فهو لا يعدم بعض الحكايات الطريفة، وإن كانت من نوع (شر البلية ما يضحك) كما هو الحال في حكاية رجل أُرسل من (الآستانة) ليكون كبير مهندسي مرفأ طرابلس، واضطر ليكشف حقيقة أميته ل(القائمقام) الذي لامه على قبوله بوظيفة فنية وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ولم يفعل مثله بالسعي لوظيفة إدارية يستطيع إخفاء جهله فيها!!..
هذه الحكاية قدمها الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي في إحدى لوحاتهما الكوميدية التلفزيونية المبكّرة. وقد استعان غيرهم من الدراميين بالكتاب، وخاصة كتّاب ما بات يعرف بدراما البيئة الشامية. غير أن ما يثير الانتباه، والاستهجان أيضاَ، أن (القبضايات) هم أكثر من شغل اهتمام صنّاع (الدراما الشامية)، في حين أنهم لم يشغلوا في كتاب العلاف سوى أربع صفحات من أصل أربعمئة وأربع وخمسين صفحة، هي مجموع صفحات المخطوطة الأصلية بعد أن ضمها الكتاب..
وهذا سبب آخر يجعل تلك الدراما بعيدة للغاية عن واقع مدينة ثرية بناسها وتراثها وتقاليدها وحرفييها المهرة..
https://thawra.sy/?p=362400