حمايه اقتصاديه
Protectionism - Protectionnisme
الحماية الاقتصادية
الحماية الاقتصادية أو الحمائية protectionnisme مذهب اقتصادي يرى ضرورة حماية الصناعة الوطنية بفرض تعريفة جمركية فعالة على المواد المشابهة المستوردة لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الخارجية. ويرى أنصار هذا المذهب أن يستمر فرض الحماية ما دامت المصنوعات المستوردة تشكل خطراً على الصناعات الوطنية.
دوافع الحماية الجمركية
ينقسم الاقتصاديون إلى معسكرين فيما يتعلق بموقفهم من نظام الحماية الاقتصادية. يرى بعضهم حاجة الاقتصاد الوطني للحماية، في مرحلة معينة من مراحل نموه، ويقدمون دفاعاً عن ذلك حججاً كثيرة، ويرى آخرون أن نظام الحماية يلحق خسارة صافية بالاقتصاد الوطني من جهة وبالتخصيص الأمثل للموارد على الصعيد العالمي من جهة ثانية. ويرى أنصار تحرير التجارة الخارجية أن الحماية تلحق ضرراً كبيراً بالمستهلكين إذ تلزمهم بدفع أسعار عالية لقاء سلع وخدمات كان يمكن توفيرها لهم بأسعار أدنى لو تم السماح باستيرادها من دون ترتيب رسوم جمركية عليها أو تحديد كميات المستورد منها.
يقدم أنصار الحماية الاقتصادية مجموعة من الحجج التي تشكل دوافع لطرف الحماية الجمركية منها:
ـ حماية الصناعة الناشئة: إذ يجب على البلد، الذي يعتقد أنه يمتلك مزايا نسبية محتملة في صناعة معينة، أن يفرض حماية مؤقتة لصالح هذه الصناعة في أثناء «طفولتها».
ـ حماية الصناعة الهرمة: تقوم هذه الحجة على مبدأ معاكس للحجة السابقة.
ـ الحصيلة الضريبية: تعد الرسوم الجمركية أحد موارد الخزينة الهامة ولهذا يرى أنصار الحماية ضرورة فرض حواجز جمركية لتوفير موارد مهمة للخزينة من الرسوم المستوفاة.
ـ توزيع الدخل: تهدف التعرفة الجمركية عادة لحماية الدخل الذي يحصل عليه عامل الإنتاج النادر في البلد المعني إلى تخفيض دخل عامل الإنتاج الوافر، مما يؤدي إلى تنشيط استخدام عامل الإنتاج النادر داخل الاقتصاد الوطني (مثل تشجيع الاستثمار في البلدان النامية بجعل هامش الربح مرتفعاً). كما من شأن فرض الرسوم الجمركية أن يحمي مكافأة عامل الإنتاج الخاص في القطاع الذي لا يتمتع بميزة نسبية (مثل حماية القطاع الزراعي في الدول المتقدمة أو حماية القطاعات كثيفة العمل في البلدان النامية.
ـ حماية التشغيل: غالباً ما يشار إلى أن التعرفة الجمركية تشكل حماية للعمل المحلي تجاه العمل الأجنبي المستورد يتضمن في جزء من قيمته عملاً أجنبياً ويحل محل قسم من العمل الوطني الذي كان يمكن أن يشتغل في إنتاج السلع الوطنية البديلة.
دوافع تحرير التجارة
يقدم أنصار تحرير التجارة وتقليص الحماية الاقتصادية عدداً من الحجج منها:
1- أن حرية التجارة وتحريرها من كل أشكال الحماية من شأنه أن يوفر تخصيصاً أمثل للموارد المتاحة على مستوى العالم.
2- الخطأ في فهم مضمون المزايا النسبية.
3- إن الأرباح التي تحققها الحماية الاقتصادية لا تغطي قيمة الخسائر التي تتسبب فيها على الصعيد العالمي.
إجراءات الحماية الاقتصادية
تلجأ الدول إلى أنواع مختلفة من الحماية الاقتصادية وذلك تبعاً للسياسات التجارية التي تتبعها وأوضاعها الاقتصادية من حيث الطاقات الإنتاجية المتاحة ووفرة عوامل الإنتاج في اقتصادياتها الوطنية. كما أن هناك أنواعاً تقليدية من الحماية طبقتها الدول وما تزال منذ القرن السادس عشر وهناك أنواع مستحدثة من الحماية تحت مسميات مختلفة تتذرع بها بعض الدول للالتفاف على اتفاقيات الغات ورقابة منظمة التجارة العالمية من هذه الأنواع:
1- الرسوم الجمركية: وهذا النمط من الحماية هو حماية بوساطة الأسعار يتمثل بفرض رسوم على المستوردات بما يرفع من أسعارها في السوق المحلية ويضعف من منافستها للسلع الوطنية المنتجة محلياً.
2- نظام الحصص (الكوتا): يمثل نظام الحصص أكثر التحديات الكمية انتشاراً في تقليص الواردات ويعني عدم الموافقة من قبل بلد معين على استيراد أكثر من حجم معين من السلعة أو أكثر من قيمة معينة من الواردات من هذه السلعة.
3- التحديد الإرادي لكمية الصادرات: تبدو التحديدات الكمية الإرادية للصادرات نوعاً من أنواع نظام الحصص (الكوتا). فتحديد كمية الصادرات إرادياً عبارة عن حصة (كوتا)، يعتمدها البلد الأجنبي المصدر بدلاً من فرضها من قبل البلد المستورد.
يمكن أن يكون هذا الحل مفروضاً من قبل البلد المستورد (سواء بالإقناع أو خوفاً من التدابير الانتقامية) الذي يرغب في تلافي اللجوء المباشر إلى تدابير تحظرها الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة[ر].
4- الإعانات: تعد الإعانات التي تقدمها الحكومات للإنتاج المحلي حلاً لتلافي اللجوء للتعرفة الجمركية. فكلاهما وسيلة لدعم الإنتاج الوطني وتمكينه من المنافسة. فالتعرفة الجمركية ترفع أسعار المواد المستوردة فتزيد بذلك القدرة التنافسية للسلع الوطنية المماثلة لها وتقديم الإعانات للسلع الوطنية من شأنه أن يؤدي لتخفيض تكاليفها فتزيد قدرتها التنافسية أيضاً.
5- الإغراق[ر]: يعني الإغراق اللجوء إلى بيع منتج ما في الخارج بسعر أدنى من سعر مبيعه في داخل البلد المنتج. وعلى هذا النحو تستطيع الشركات تعويض بعض الخسائر التي تتحملها في عمليات التصدير بسبب المبيع بسعر متدن، على حساب الأسعار الداخلية.
6- تخفيض قيمة النقد: إن اللجوء لتخفيض سعر صرف العملة الوطنية قياساً بالعملات الأخرى وخاصة قياساً بعملات البلدان المستوردة يعد نوعاً من الحماية أيضاً إذ يجعل من حصيلة الصادرات مقاسة بالعملة المحلية وفيرة داعمة بذلك القدرة التنافسية للسلع الوطنية في السوق الدولية بمقدار ما تكون القيمة المضافة المتضمنة فيها مرتفعة.
7- الحماية المقنَّعة: تجد الدول الصناعية المتقدمة من دعاة تحرير التجارة الدولية حرجاً في تطبيق نظام الحماية التقليدية، وهي ضغوط مختلفة تثير موضوع ما تسميه بمنافسة الجنوب غير المشروعة. إذ يرى ممثلو الدول الصناعية أن تدني مستوى الأجور في دول الجنوب إضافة إلى عدم التقيد الشديد بشروط حماية البيئة يجعل المنتجات الصناعية في الدول النامية (دول الجنوب وخاصة دول جنوب شرقي آسيا) تتمتع بشروط منافسة غير مشروعة. ولأن البلدان الصناعية لا ترغب في استعمال كلمة حماية فقد اخترعت تعابير جديدة مثل: التشدد في حماية البيئة أو ضرورة حماية المستهلكين (باستبعاد المنتجات غير المتوافقة مع المواصفات المقررة في الدول الصناعية) أو التقيد بالمعايير المتعلقة بشروط الإنتاج والمواد المنتجة، وسيلة للحماية المقنعة ومنع وصول الإنتاج المنافس في الدول النامية إلى السوق الدولية.
الحماية والنمو الاقتصادي
يرجع مذهب الحماية الاقتصادية في جوهره إلى الدور الاقتصادي الذي يعطيه للحدود السياسية. وكان هذا المذهب في نشأته وتطوره مرتبطاً بنشأة الدول وتطور وجودها.
يرى أنصار الحماية الاقتصادية أن اختلاف مستويات النمو بين الدول وما يترتب عليه من اختلاف في الإنتاجية إلى جانب التفاوت في وفرة العوامل الطبيعية والموارد البشرية يجعل من حرية التجارة الدولية عامل استغلال الدول المتقدمة الغنية للدول الفقيرة المتخلفة مما يكبح نموها ويعرقل تطورها.فالدول التي تتمتع بمزايا نسبية في إنتاج المواد التي يكون الطلب عليها شديداً على الصعيد الدولي تحصل على مكاسب أكثر من عملية التبادل. وبالتالي فإن الدول النامية ولسبب تدني المستوى التكنولوجي وتخلف قوة العمل فيها ستجد نفسها مضطرة، وفقاً لنظرية المزايا النسبية في ظل الانفتاح التجاري، أن تتخصص في إنتاج المواد ذات المستوى التكنولوجي المتخلف مما يدعم استمرار وضعها المتدني في سلم التطور العالمي. واتجاه تطور التجارة العالمية يوضح بجلاء تام ميل الدول المتقدمة للتخصص في إنتاج السلع ذات المستوى التكنولوجي المرتفع وتخصص الدول النامية بإنتاج السلع المبتذلة الملوثة للبيئة والتي ترغب الدول الصناعية في التخلص من مشكلاتها لهذا يتجه الكثير من الاقتصاديين ورجال السياسة في العالم الثالث إلى تطبيق الحماية الاقتصادية من أجل الحفاظ على المصالح الوطنية. الأمر الذي يدفع إلى فرض القيمة على التجارة الخارجية لمجموعتين من الأسباب:
أ - أسباب هيكلية وهي عجز الاقتصاديات النامية عن مسايرة التطور.
ب - أسباب مستوى النمو المتدني قياساً بالدول المتقدمة. مما يجعل الحماية الاقتصادية ضرورية لدفع النمو الاقتصادي في البلدان النامية.
إن الدول الصناعية المتقدمة التي تحاول فرض حرية التجارة على البلدان النامية، بعد أن ضمنت تفوقها في الاقتصاد العالمي، حققت أساساً تقدمها الاقتصادي على أساس من الحماية الجمركية الشديدة غير مبالية بأثر ذلك في الاقتصاد العالمي.
الحماية والاقتصاد العالمي
الاقتصاد الدولي المعاصر اقتصاد عالمي يشمل كل أمم العالم أو يكاد. ويتصف الاقتصاد العالمي بالتخصص والمنافسة وبمعنى آخر فإن امتداد الاقتصاد العالمي عبر الحدود السياسية يسمح بتنظيم تخصيص الموارد على المستوى العالمي من ناحية ويفسح في المجال أمام ظهور منافسة بين المنتجين من مختلف الدول من ناحية أخرى، مما يدفع نحو التقدم التكنولوجي وتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي.
وفي الواقع تتعارض الحماية الاقتصادية جذرياً مع عولمة الاقتصاد إذ تميل الحماية إلى تسوية الاقتصاديات الوطنية ودفعها إلى الانكفاء على الذات مما يقود إلى تقليص المبادلات التجارية الدولية عبر الحدود السياسية للدول. وتؤكد معطيات التجارة الدولية وتطور معدلات النمو الاقتصادي وجود علاقة ارتباط وثيقة بين ازدهار العلاقات التجارية الدولية وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. ففي المدة بين عامي 1949 و1973، المدة التي تعد العصر الذهبي لنمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، عرفت الدول الصناعية المتقدمة أعلى معدلات نمو في تاريخها. كما استفادت الاقتصاديات النامية في أثناء هذه المدة من زيادة الطلب على بعض منتجاتها واستطاعت تحقيق بعض التراكم الرأسمالي مما مكنها من السير في طريق التقدم الاقتصادي.
العصر الراهن وتحرير التجارة الدولية
بعد الحرب العالمية الثانية اكتشف العالم أن الاعتماد المتبادل هو الطريق الأفضل لتلافي الوقوع في حرب مدمرة جديدة فكانت اتفاقيات بريتون وودز[ر] Breton Woods التي عقدت في نيوهمشاير في الولايات المتحدة عام 4491 الشكل التنظيمي للاقتصاد العالمي. وإذا كان قد تم الاتفاق على إنشاء كل من صندوق النقد الدولي[ر] والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير[ر] بسبب كونهما الأداة التي استخدمت مصلحة الدول المنتصرة في الحرب لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد يضمن لهذه الدول السيطرة والهيمنة على اقتصاد العالم، فإن اختلاف أوضاع هذه الدول الاقتصادية قد حال دون إقرار قيام منظمة التجارة العالمية[ر]. واكتفى بإقرار الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة (الغات)[ر] وسيلة للإسهام في تحرير التجارة الدولية تدريجياً والبدء بمفاوضات شبه مستمرة في إطار الغات لتحقيق هدف التحرير الكامل للتجارة.
منذ عام 1947 عقدت ثماني دورات من المفاوضات في إطار الغات سميت «بمؤتمرات التعرفة الجمركية»، بدأت بدورة جنيف عام 1947 وانتهت بنهاية مفاوضات دورة الأورغواي عام 1994. وفي أثناء هذه المفاوضات الطويلة والصعبة تمت تسوية القسم الأعظم من الخلافات بين الدول الصناعية المتقدمة وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي مما أمكن الاتفاق على قيام منظمة التجارة العالمية بدءاً من الأول من شهر كانون الثاني 1995.
بقيت بعض المسائل المعلقة التي لم يتم الاتفاق عليها وأوكل أمر معالجتها إلى مفاوضات خاصة في إطار منظمة التجارة العالمية. منها المسائل ما يتعلق بالصناعات الجوية والنقل البحري إضافة إلى موضوع الإعانات الحكومية لبعض فروع الإنتاج. كما بقيت معلقة قضايا مثل تحرير النقل الجوي وتحرير الاتصالات، وبمعنى آخر إن جميع المجالات التي لم يتحقق فيها توافق مصالح القوى الاقتصادية العظمى بقيت معلقة على أمل حلها بالمفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية.
من الملاحظ أن هدف المنظمات الاقتصادية الدولية يكمن في تشجيع تعميم اقتصاد السوق في أنحاء الكرة الأرضية وتحرير التجارة الدولية من كل القيود وإقامة نظام اقتصادي عالمي يقوم على التخصص والمنافسة.
لقد لحظت الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة أحكاماً خاصة بأوضاع البلدان النامية لمدة انتقالية بقصد منحها حق حماية اقتصادياتها الوطنية ومساعدتها على إعادة هيكلية هذه الاقتصاديات لتكون مؤهلة للمشاركة في الاقتصاد العالمي. قد تكون المدة الانتقالية غير كافية وقد تكون الأحكام الخاصة غير مواتية وهذه أمور تمكن مناقشتها والتفاوض عليها بما يؤمن تأهيل الاقتصاديات النامية للدخول في الاقتصاد العالمي شركاء وليس تابعين ولكن المهم في كل ذلك هو استعداد البلدان النامية لإعادة النظر في البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يؤهلها لاكتساب صفات العصر الراهن وإتمام مسيرة التقدم والنمو بحيث تستطيع الحصول على نصيبها في كعكة عولمة الاقتصاد التي ما تزال حتى اليوم من نصيب القوى الاقتصادية العظمى التي لابد وأن تفرض تحرير التجارة العالمية وإقامة اقتصاد عالمي قائم على أساس اقتصاد السوق لا يعرف وزناً للحدود السياسية ولا للسيادة القومية فيما يتعلق بالعلاقات التجارية الخارجية. وهذا يتحقق بالتدريج ولكن بسرعة وسوف ينجز عاجلاً أم آجلاً ما لم يعرف العالم الراهن حركة انقلابية كبرى كتلك التي أحدثتها حركة نشوء الدول القومية أو قيام الثورة البلشفية في روسية عام 1917م.
مطانيوس حبيب
Protectionism - Protectionnisme
الحماية الاقتصادية
الحماية الاقتصادية أو الحمائية protectionnisme مذهب اقتصادي يرى ضرورة حماية الصناعة الوطنية بفرض تعريفة جمركية فعالة على المواد المشابهة المستوردة لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الخارجية. ويرى أنصار هذا المذهب أن يستمر فرض الحماية ما دامت المصنوعات المستوردة تشكل خطراً على الصناعات الوطنية.
دوافع الحماية الجمركية
ينقسم الاقتصاديون إلى معسكرين فيما يتعلق بموقفهم من نظام الحماية الاقتصادية. يرى بعضهم حاجة الاقتصاد الوطني للحماية، في مرحلة معينة من مراحل نموه، ويقدمون دفاعاً عن ذلك حججاً كثيرة، ويرى آخرون أن نظام الحماية يلحق خسارة صافية بالاقتصاد الوطني من جهة وبالتخصيص الأمثل للموارد على الصعيد العالمي من جهة ثانية. ويرى أنصار تحرير التجارة الخارجية أن الحماية تلحق ضرراً كبيراً بالمستهلكين إذ تلزمهم بدفع أسعار عالية لقاء سلع وخدمات كان يمكن توفيرها لهم بأسعار أدنى لو تم السماح باستيرادها من دون ترتيب رسوم جمركية عليها أو تحديد كميات المستورد منها.
يقدم أنصار الحماية الاقتصادية مجموعة من الحجج التي تشكل دوافع لطرف الحماية الجمركية منها:
ـ حماية الصناعة الناشئة: إذ يجب على البلد، الذي يعتقد أنه يمتلك مزايا نسبية محتملة في صناعة معينة، أن يفرض حماية مؤقتة لصالح هذه الصناعة في أثناء «طفولتها».
ـ حماية الصناعة الهرمة: تقوم هذه الحجة على مبدأ معاكس للحجة السابقة.
ـ الحصيلة الضريبية: تعد الرسوم الجمركية أحد موارد الخزينة الهامة ولهذا يرى أنصار الحماية ضرورة فرض حواجز جمركية لتوفير موارد مهمة للخزينة من الرسوم المستوفاة.
ـ توزيع الدخل: تهدف التعرفة الجمركية عادة لحماية الدخل الذي يحصل عليه عامل الإنتاج النادر في البلد المعني إلى تخفيض دخل عامل الإنتاج الوافر، مما يؤدي إلى تنشيط استخدام عامل الإنتاج النادر داخل الاقتصاد الوطني (مثل تشجيع الاستثمار في البلدان النامية بجعل هامش الربح مرتفعاً). كما من شأن فرض الرسوم الجمركية أن يحمي مكافأة عامل الإنتاج الخاص في القطاع الذي لا يتمتع بميزة نسبية (مثل حماية القطاع الزراعي في الدول المتقدمة أو حماية القطاعات كثيفة العمل في البلدان النامية.
ـ حماية التشغيل: غالباً ما يشار إلى أن التعرفة الجمركية تشكل حماية للعمل المحلي تجاه العمل الأجنبي المستورد يتضمن في جزء من قيمته عملاً أجنبياً ويحل محل قسم من العمل الوطني الذي كان يمكن أن يشتغل في إنتاج السلع الوطنية البديلة.
دوافع تحرير التجارة
يقدم أنصار تحرير التجارة وتقليص الحماية الاقتصادية عدداً من الحجج منها:
1- أن حرية التجارة وتحريرها من كل أشكال الحماية من شأنه أن يوفر تخصيصاً أمثل للموارد المتاحة على مستوى العالم.
2- الخطأ في فهم مضمون المزايا النسبية.
3- إن الأرباح التي تحققها الحماية الاقتصادية لا تغطي قيمة الخسائر التي تتسبب فيها على الصعيد العالمي.
إجراءات الحماية الاقتصادية
تلجأ الدول إلى أنواع مختلفة من الحماية الاقتصادية وذلك تبعاً للسياسات التجارية التي تتبعها وأوضاعها الاقتصادية من حيث الطاقات الإنتاجية المتاحة ووفرة عوامل الإنتاج في اقتصادياتها الوطنية. كما أن هناك أنواعاً تقليدية من الحماية طبقتها الدول وما تزال منذ القرن السادس عشر وهناك أنواع مستحدثة من الحماية تحت مسميات مختلفة تتذرع بها بعض الدول للالتفاف على اتفاقيات الغات ورقابة منظمة التجارة العالمية من هذه الأنواع:
1- الرسوم الجمركية: وهذا النمط من الحماية هو حماية بوساطة الأسعار يتمثل بفرض رسوم على المستوردات بما يرفع من أسعارها في السوق المحلية ويضعف من منافستها للسلع الوطنية المنتجة محلياً.
2- نظام الحصص (الكوتا): يمثل نظام الحصص أكثر التحديات الكمية انتشاراً في تقليص الواردات ويعني عدم الموافقة من قبل بلد معين على استيراد أكثر من حجم معين من السلعة أو أكثر من قيمة معينة من الواردات من هذه السلعة.
3- التحديد الإرادي لكمية الصادرات: تبدو التحديدات الكمية الإرادية للصادرات نوعاً من أنواع نظام الحصص (الكوتا). فتحديد كمية الصادرات إرادياً عبارة عن حصة (كوتا)، يعتمدها البلد الأجنبي المصدر بدلاً من فرضها من قبل البلد المستورد.
يمكن أن يكون هذا الحل مفروضاً من قبل البلد المستورد (سواء بالإقناع أو خوفاً من التدابير الانتقامية) الذي يرغب في تلافي اللجوء المباشر إلى تدابير تحظرها الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة[ر].
4- الإعانات: تعد الإعانات التي تقدمها الحكومات للإنتاج المحلي حلاً لتلافي اللجوء للتعرفة الجمركية. فكلاهما وسيلة لدعم الإنتاج الوطني وتمكينه من المنافسة. فالتعرفة الجمركية ترفع أسعار المواد المستوردة فتزيد بذلك القدرة التنافسية للسلع الوطنية المماثلة لها وتقديم الإعانات للسلع الوطنية من شأنه أن يؤدي لتخفيض تكاليفها فتزيد قدرتها التنافسية أيضاً.
5- الإغراق[ر]: يعني الإغراق اللجوء إلى بيع منتج ما في الخارج بسعر أدنى من سعر مبيعه في داخل البلد المنتج. وعلى هذا النحو تستطيع الشركات تعويض بعض الخسائر التي تتحملها في عمليات التصدير بسبب المبيع بسعر متدن، على حساب الأسعار الداخلية.
6- تخفيض قيمة النقد: إن اللجوء لتخفيض سعر صرف العملة الوطنية قياساً بالعملات الأخرى وخاصة قياساً بعملات البلدان المستوردة يعد نوعاً من الحماية أيضاً إذ يجعل من حصيلة الصادرات مقاسة بالعملة المحلية وفيرة داعمة بذلك القدرة التنافسية للسلع الوطنية في السوق الدولية بمقدار ما تكون القيمة المضافة المتضمنة فيها مرتفعة.
7- الحماية المقنَّعة: تجد الدول الصناعية المتقدمة من دعاة تحرير التجارة الدولية حرجاً في تطبيق نظام الحماية التقليدية، وهي ضغوط مختلفة تثير موضوع ما تسميه بمنافسة الجنوب غير المشروعة. إذ يرى ممثلو الدول الصناعية أن تدني مستوى الأجور في دول الجنوب إضافة إلى عدم التقيد الشديد بشروط حماية البيئة يجعل المنتجات الصناعية في الدول النامية (دول الجنوب وخاصة دول جنوب شرقي آسيا) تتمتع بشروط منافسة غير مشروعة. ولأن البلدان الصناعية لا ترغب في استعمال كلمة حماية فقد اخترعت تعابير جديدة مثل: التشدد في حماية البيئة أو ضرورة حماية المستهلكين (باستبعاد المنتجات غير المتوافقة مع المواصفات المقررة في الدول الصناعية) أو التقيد بالمعايير المتعلقة بشروط الإنتاج والمواد المنتجة، وسيلة للحماية المقنعة ومنع وصول الإنتاج المنافس في الدول النامية إلى السوق الدولية.
الحماية والنمو الاقتصادي
يرجع مذهب الحماية الاقتصادية في جوهره إلى الدور الاقتصادي الذي يعطيه للحدود السياسية. وكان هذا المذهب في نشأته وتطوره مرتبطاً بنشأة الدول وتطور وجودها.
يرى أنصار الحماية الاقتصادية أن اختلاف مستويات النمو بين الدول وما يترتب عليه من اختلاف في الإنتاجية إلى جانب التفاوت في وفرة العوامل الطبيعية والموارد البشرية يجعل من حرية التجارة الدولية عامل استغلال الدول المتقدمة الغنية للدول الفقيرة المتخلفة مما يكبح نموها ويعرقل تطورها.فالدول التي تتمتع بمزايا نسبية في إنتاج المواد التي يكون الطلب عليها شديداً على الصعيد الدولي تحصل على مكاسب أكثر من عملية التبادل. وبالتالي فإن الدول النامية ولسبب تدني المستوى التكنولوجي وتخلف قوة العمل فيها ستجد نفسها مضطرة، وفقاً لنظرية المزايا النسبية في ظل الانفتاح التجاري، أن تتخصص في إنتاج المواد ذات المستوى التكنولوجي المتخلف مما يدعم استمرار وضعها المتدني في سلم التطور العالمي. واتجاه تطور التجارة العالمية يوضح بجلاء تام ميل الدول المتقدمة للتخصص في إنتاج السلع ذات المستوى التكنولوجي المرتفع وتخصص الدول النامية بإنتاج السلع المبتذلة الملوثة للبيئة والتي ترغب الدول الصناعية في التخلص من مشكلاتها لهذا يتجه الكثير من الاقتصاديين ورجال السياسة في العالم الثالث إلى تطبيق الحماية الاقتصادية من أجل الحفاظ على المصالح الوطنية. الأمر الذي يدفع إلى فرض القيمة على التجارة الخارجية لمجموعتين من الأسباب:
أ - أسباب هيكلية وهي عجز الاقتصاديات النامية عن مسايرة التطور.
ب - أسباب مستوى النمو المتدني قياساً بالدول المتقدمة. مما يجعل الحماية الاقتصادية ضرورية لدفع النمو الاقتصادي في البلدان النامية.
إن الدول الصناعية المتقدمة التي تحاول فرض حرية التجارة على البلدان النامية، بعد أن ضمنت تفوقها في الاقتصاد العالمي، حققت أساساً تقدمها الاقتصادي على أساس من الحماية الجمركية الشديدة غير مبالية بأثر ذلك في الاقتصاد العالمي.
الحماية والاقتصاد العالمي
الاقتصاد الدولي المعاصر اقتصاد عالمي يشمل كل أمم العالم أو يكاد. ويتصف الاقتصاد العالمي بالتخصص والمنافسة وبمعنى آخر فإن امتداد الاقتصاد العالمي عبر الحدود السياسية يسمح بتنظيم تخصيص الموارد على المستوى العالمي من ناحية ويفسح في المجال أمام ظهور منافسة بين المنتجين من مختلف الدول من ناحية أخرى، مما يدفع نحو التقدم التكنولوجي وتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي.
وفي الواقع تتعارض الحماية الاقتصادية جذرياً مع عولمة الاقتصاد إذ تميل الحماية إلى تسوية الاقتصاديات الوطنية ودفعها إلى الانكفاء على الذات مما يقود إلى تقليص المبادلات التجارية الدولية عبر الحدود السياسية للدول. وتؤكد معطيات التجارة الدولية وتطور معدلات النمو الاقتصادي وجود علاقة ارتباط وثيقة بين ازدهار العلاقات التجارية الدولية وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. ففي المدة بين عامي 1949 و1973، المدة التي تعد العصر الذهبي لنمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، عرفت الدول الصناعية المتقدمة أعلى معدلات نمو في تاريخها. كما استفادت الاقتصاديات النامية في أثناء هذه المدة من زيادة الطلب على بعض منتجاتها واستطاعت تحقيق بعض التراكم الرأسمالي مما مكنها من السير في طريق التقدم الاقتصادي.
العصر الراهن وتحرير التجارة الدولية
بعد الحرب العالمية الثانية اكتشف العالم أن الاعتماد المتبادل هو الطريق الأفضل لتلافي الوقوع في حرب مدمرة جديدة فكانت اتفاقيات بريتون وودز[ر] Breton Woods التي عقدت في نيوهمشاير في الولايات المتحدة عام 4491 الشكل التنظيمي للاقتصاد العالمي. وإذا كان قد تم الاتفاق على إنشاء كل من صندوق النقد الدولي[ر] والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير[ر] بسبب كونهما الأداة التي استخدمت مصلحة الدول المنتصرة في الحرب لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد يضمن لهذه الدول السيطرة والهيمنة على اقتصاد العالم، فإن اختلاف أوضاع هذه الدول الاقتصادية قد حال دون إقرار قيام منظمة التجارة العالمية[ر]. واكتفى بإقرار الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة (الغات)[ر] وسيلة للإسهام في تحرير التجارة الدولية تدريجياً والبدء بمفاوضات شبه مستمرة في إطار الغات لتحقيق هدف التحرير الكامل للتجارة.
منذ عام 1947 عقدت ثماني دورات من المفاوضات في إطار الغات سميت «بمؤتمرات التعرفة الجمركية»، بدأت بدورة جنيف عام 1947 وانتهت بنهاية مفاوضات دورة الأورغواي عام 1994. وفي أثناء هذه المفاوضات الطويلة والصعبة تمت تسوية القسم الأعظم من الخلافات بين الدول الصناعية المتقدمة وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي مما أمكن الاتفاق على قيام منظمة التجارة العالمية بدءاً من الأول من شهر كانون الثاني 1995.
بقيت بعض المسائل المعلقة التي لم يتم الاتفاق عليها وأوكل أمر معالجتها إلى مفاوضات خاصة في إطار منظمة التجارة العالمية. منها المسائل ما يتعلق بالصناعات الجوية والنقل البحري إضافة إلى موضوع الإعانات الحكومية لبعض فروع الإنتاج. كما بقيت معلقة قضايا مثل تحرير النقل الجوي وتحرير الاتصالات، وبمعنى آخر إن جميع المجالات التي لم يتحقق فيها توافق مصالح القوى الاقتصادية العظمى بقيت معلقة على أمل حلها بالمفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية.
من الملاحظ أن هدف المنظمات الاقتصادية الدولية يكمن في تشجيع تعميم اقتصاد السوق في أنحاء الكرة الأرضية وتحرير التجارة الدولية من كل القيود وإقامة نظام اقتصادي عالمي يقوم على التخصص والمنافسة.
لقد لحظت الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة أحكاماً خاصة بأوضاع البلدان النامية لمدة انتقالية بقصد منحها حق حماية اقتصادياتها الوطنية ومساعدتها على إعادة هيكلية هذه الاقتصاديات لتكون مؤهلة للمشاركة في الاقتصاد العالمي. قد تكون المدة الانتقالية غير كافية وقد تكون الأحكام الخاصة غير مواتية وهذه أمور تمكن مناقشتها والتفاوض عليها بما يؤمن تأهيل الاقتصاديات النامية للدخول في الاقتصاد العالمي شركاء وليس تابعين ولكن المهم في كل ذلك هو استعداد البلدان النامية لإعادة النظر في البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يؤهلها لاكتساب صفات العصر الراهن وإتمام مسيرة التقدم والنمو بحيث تستطيع الحصول على نصيبها في كعكة عولمة الاقتصاد التي ما تزال حتى اليوم من نصيب القوى الاقتصادية العظمى التي لابد وأن تفرض تحرير التجارة العالمية وإقامة اقتصاد عالمي قائم على أساس اقتصاد السوق لا يعرف وزناً للحدود السياسية ولا للسيادة القومية فيما يتعلق بالعلاقات التجارية الخارجية. وهذا يتحقق بالتدريج ولكن بسرعة وسوف ينجز عاجلاً أم آجلاً ما لم يعرف العالم الراهن حركة انقلابية كبرى كتلك التي أحدثتها حركة نشوء الدول القومية أو قيام الثورة البلشفية في روسية عام 1917م.
مطانيوس حبيب