نجح علماءُ أعصابٍ من جامعةِ توبنغن الألمانية (Tübingen) في تنشيطِ خلايا ذاكرة خاملة (Dormant memory cells) لدى الفئران، وذلك عبر تسليطِ نبضاتٍ كهربائيَّةٍ ضعيفةٍ على هذه الخلايا المتواجدة ضمن المنطقة الدماغية المعروفة بالحُصَين (Hippocampus)؛ وهي منطقةٌ مسؤولةٌ عن الذَّاكرة، لدى الإنسان والقوارض على حدٍّ سواء، حيث حفَّزَ الباحثون الخلايا للتعرُّف على المكان الذي سُلِّطت عليه النبضات بشكلٍ دقيق، وبالتّالي التَّعرُّف على المنطقة التي تتمُّ فيها معالجة هذه النبضات الكهربائيّة. وفائدة هذه الدِّراسة أنَّها تُقدم سبيلاً للتَّمعُّن في كيفية تَشكُّل الذكريات داخل أدمغتنا.
تُعتَبَر الذَّاكرة واحدة من أكثر وظائف أدمغتنا أهميَّةً. فهي الحجر الأساس لكثيرٍ من أعمالنا اليومية. إذ تَنشط ذاكرتنا بشكلٍ فوريٍّ ومُنتظمٍ عند كلّ حدثٍ جديدٍ نَمُرُّ بهِ. فعلى سبيل المثال، عندما نُقابل أُناسًا لم نكن نعرفهم من قَبل، نبقى قادرين على تذكُّرِهم بعد ساعاتٍ أو أيَّام. وكذلك، سيكون بمقدورنا عادةً أن نتذكَّر وبشكلٍ جيد، الطَّريق المُؤدِّي إلى باب الخروج في قسمِ العُطور من متجرٍ ما، أو لمكتبٍ خاصّ داخل بناية معينة، ولذلك، فذاكرتُنا لا تبقى مُتأهِّبة باستمرارٍ فحسب، بل وتُشَكِّل ذكرياتٍ جديدةٍ بشكلٍ سريع جدًّا، ويَحدث ذلك غالبًا، عند أوَّل لقاءٍ أو حدثٍ نمرُّ به. ويكمُن السبب في سرعة تشكيل الذَّاكرة لذكرياتِنا حولَ أيّ شخصٍ أو مكانٍ أو حدثٍ ما، في وجودِ خلايا ذاكرة مستقلَّة، ومسئولة عن كلِّ ذِكرى من هذه الذِّكريات على وجهِ التَّحديد.
تُعرف إحدى هذه الخلايا العصبيَّة الثانويَّة اصطلاحًا بالخلايا الحُبَيبيَّة Granule cells(خلايا شبيهة بالحُبيبات)، والتي تقع في الحُصَين المُتَمركِز في الدِّماغ، وتكون بحالة نشطة كلَّما مررنا بتجارب أو تعرَّفنا لمفاهيم معيَّنة، فمثلاً عندما نَدخل غرفة المعيشة ونرى صورة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يَنشط عدد صغير من الخلايا الحُبيبيَّة المُرتبطة والمختصة بذكرياتنا عن المستشارة والغرفة على شكلٍ شحنات كهربائيّة، بينما تبقى الغالبية العظمى من الخلايا العصبيَّة بحالةِ خمولٍ.
حتّى الآن، لم يكن مفهومًا كيف يتمّ تخصيص الخلايا الحبيبيّة لتكون مسئولة عن ذكرياتٍ معيَّنة. وظلَّ التساؤل عمَّا إذا كان من المُمكن تنشيط الخلايا الحبيبيَّة الخاملة تحت ظروفٍ معيَّنة، محلّ اهتمامٍ على وجهِ التَّحديد. وفي سبيلِ فَهم تلك الآلية، فقد عَمَد الباحثون في الجامعة المذكورة آنفًا، إلى افتراض أنَّه من المُمكن تنشيط الخلايا الحُبيبيَّة عن طريق تحفيزها بنبضاتٍ كهربائيَّة، لكي تتحوَّل إلى خلايا ذاكرة. ولغرض تأكيد الفرضيَّة، لجئوا إلى إدخال أقطابٍ كهربائيَّة مُصغَّرة -بسُمك شعرة- داخل جزءٍ من منطقة الحُصّين لدى الفئران (يُسمّى التلفيف المُسَنَّن)، وهو مسئولٌ عن الذكريات الخاصَّة بالمساحات والأماكن، مِمَّا سَمح لهم بإرسال نبضات كهربائيَّة ضعيفة إلى الخلايا الحُبيبيَّة.
تجريبيًّا، وضع الباحثون الفئران أمام متاهة بسيطة لاستكشافها، وفي مكانٍ معيَّنٍ ضمن المتاهة حفَّزوا الخلايا الحُبيبية عندها بوساطة نبضاتٍ كهربائيَّة ضعيفة (في نطاق النّانو أمبير) عن طريق أقطابٍ كهربائيَّة مُصغَّرة، والتي أتاحت لهم قياس مستويات النَّشاط المُتعاقبة في الخلايا التي تمَّ تحفيزها. وكانت النتيجة، أنَّ الخلايا الحُبيبيَّة لدى الفئران تبدأ بإطلاق الشحنات بشكلٍ تلقائيّ، كلَّما وصلت الفئران لذلك الموضِع المُحدَّد من المتاهة الذي تمَّ فيه إطلاق الشُّحنات الأصليَّة. إذ تُحفِّز النَّبضات الكهربائيَّة الخَلايا الحُبيبيَّة لتشكيل ذكريات المكان.
وفضلاً عن ذلك، اكتشفَ الدُّكتور بيرغالوسي وفريقه أنَّ المُدَّة والوتيرة الزمنيَّة للنَّبضات تلعب دورًا كبيرًا. في هذا الإطار، فقد شَكَّلت النَّبضات الكهربائيَّة ذكريات أكثر دوامًا عن المكان عِندما اتَّبعوا نَظْمَ-ثيتا الطّبيعيّ للدِّماغ – وهي الزِّيادة الدَّوريّة والانخفاض في الجُهد الكهربائيّ الذي يحدث 4-12 مرَّة في كلِّ ثانية.
وهناك استنتاجٌ آخر توصَّل إليهِ الباحثون، على القدر نفسه من الأهمية، ومفادُه أنَّ الفئران التي استكشفت المتاهة حديثًا، كانت أكثر فطنةً في التَّعامل مع ذاكرة المكان التي تمَّ تحفيزها، مقارنةً بتلك الفئران التي استكشفت المتاهة قبلها، وقبل أن يتمّ تحفيزها عن طريق النَّبضات الكهربائيّة. وعلى ما يبدو، فإنَّ خلايا الذاكرة تَنشط بشكلٍ أكثر سهولةً عندما تُتاح للدِّماغ معلومات حديثة.
إنَّ هذه التَّبصُّرات الجديدة إلى أعماق البنية التَّكوينيّة للذَّاكرة، تُسلِّط الضَّوء على أكثر وظائف الدِّماغ أهمّيّة. وبالرّغم من أنَّه لا يزال هناك الكثير للقيام به قبلَ أن نعتقد بأنَّ هذه الاكتشافات الأساسيّة قد تُقدِّم لنا استراتيجيَّاتٍ جديدة لعلاج أمراض الدِّماغ التي تؤثِّر ببنية الذَّاكرة (مثل الألزهايمر، وداء باركنسون، والخبل)، إلَّا أنَّها تُمثِّل خطوة أولى لا غنًى عنها، تُمهِّد لنا الطَّريق جيِّدًا.
تُعتَبَر الذَّاكرة واحدة من أكثر وظائف أدمغتنا أهميَّةً. فهي الحجر الأساس لكثيرٍ من أعمالنا اليومية. إذ تَنشط ذاكرتنا بشكلٍ فوريٍّ ومُنتظمٍ عند كلّ حدثٍ جديدٍ نَمُرُّ بهِ. فعلى سبيل المثال، عندما نُقابل أُناسًا لم نكن نعرفهم من قَبل، نبقى قادرين على تذكُّرِهم بعد ساعاتٍ أو أيَّام. وكذلك، سيكون بمقدورنا عادةً أن نتذكَّر وبشكلٍ جيد، الطَّريق المُؤدِّي إلى باب الخروج في قسمِ العُطور من متجرٍ ما، أو لمكتبٍ خاصّ داخل بناية معينة، ولذلك، فذاكرتُنا لا تبقى مُتأهِّبة باستمرارٍ فحسب، بل وتُشَكِّل ذكرياتٍ جديدةٍ بشكلٍ سريع جدًّا، ويَحدث ذلك غالبًا، عند أوَّل لقاءٍ أو حدثٍ نمرُّ به. ويكمُن السبب في سرعة تشكيل الذَّاكرة لذكرياتِنا حولَ أيّ شخصٍ أو مكانٍ أو حدثٍ ما، في وجودِ خلايا ذاكرة مستقلَّة، ومسئولة عن كلِّ ذِكرى من هذه الذِّكريات على وجهِ التَّحديد.
تُعرف إحدى هذه الخلايا العصبيَّة الثانويَّة اصطلاحًا بالخلايا الحُبَيبيَّة Granule cells(خلايا شبيهة بالحُبيبات)، والتي تقع في الحُصَين المُتَمركِز في الدِّماغ، وتكون بحالة نشطة كلَّما مررنا بتجارب أو تعرَّفنا لمفاهيم معيَّنة، فمثلاً عندما نَدخل غرفة المعيشة ونرى صورة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يَنشط عدد صغير من الخلايا الحُبيبيَّة المُرتبطة والمختصة بذكرياتنا عن المستشارة والغرفة على شكلٍ شحنات كهربائيّة، بينما تبقى الغالبية العظمى من الخلايا العصبيَّة بحالةِ خمولٍ.
حتّى الآن، لم يكن مفهومًا كيف يتمّ تخصيص الخلايا الحبيبيّة لتكون مسئولة عن ذكرياتٍ معيَّنة. وظلَّ التساؤل عمَّا إذا كان من المُمكن تنشيط الخلايا الحبيبيَّة الخاملة تحت ظروفٍ معيَّنة، محلّ اهتمامٍ على وجهِ التَّحديد. وفي سبيلِ فَهم تلك الآلية، فقد عَمَد الباحثون في الجامعة المذكورة آنفًا، إلى افتراض أنَّه من المُمكن تنشيط الخلايا الحُبيبيَّة عن طريق تحفيزها بنبضاتٍ كهربائيَّة، لكي تتحوَّل إلى خلايا ذاكرة. ولغرض تأكيد الفرضيَّة، لجئوا إلى إدخال أقطابٍ كهربائيَّة مُصغَّرة -بسُمك شعرة- داخل جزءٍ من منطقة الحُصّين لدى الفئران (يُسمّى التلفيف المُسَنَّن)، وهو مسئولٌ عن الذكريات الخاصَّة بالمساحات والأماكن، مِمَّا سَمح لهم بإرسال نبضات كهربائيَّة ضعيفة إلى الخلايا الحُبيبيَّة.
تجريبيًّا، وضع الباحثون الفئران أمام متاهة بسيطة لاستكشافها، وفي مكانٍ معيَّنٍ ضمن المتاهة حفَّزوا الخلايا الحُبيبية عندها بوساطة نبضاتٍ كهربائيَّة ضعيفة (في نطاق النّانو أمبير) عن طريق أقطابٍ كهربائيَّة مُصغَّرة، والتي أتاحت لهم قياس مستويات النَّشاط المُتعاقبة في الخلايا التي تمَّ تحفيزها. وكانت النتيجة، أنَّ الخلايا الحُبيبيَّة لدى الفئران تبدأ بإطلاق الشحنات بشكلٍ تلقائيّ، كلَّما وصلت الفئران لذلك الموضِع المُحدَّد من المتاهة الذي تمَّ فيه إطلاق الشُّحنات الأصليَّة. إذ تُحفِّز النَّبضات الكهربائيَّة الخَلايا الحُبيبيَّة لتشكيل ذكريات المكان.
وفضلاً عن ذلك، اكتشفَ الدُّكتور بيرغالوسي وفريقه أنَّ المُدَّة والوتيرة الزمنيَّة للنَّبضات تلعب دورًا كبيرًا. في هذا الإطار، فقد شَكَّلت النَّبضات الكهربائيَّة ذكريات أكثر دوامًا عن المكان عِندما اتَّبعوا نَظْمَ-ثيتا الطّبيعيّ للدِّماغ – وهي الزِّيادة الدَّوريّة والانخفاض في الجُهد الكهربائيّ الذي يحدث 4-12 مرَّة في كلِّ ثانية.
وهناك استنتاجٌ آخر توصَّل إليهِ الباحثون، على القدر نفسه من الأهمية، ومفادُه أنَّ الفئران التي استكشفت المتاهة حديثًا، كانت أكثر فطنةً في التَّعامل مع ذاكرة المكان التي تمَّ تحفيزها، مقارنةً بتلك الفئران التي استكشفت المتاهة قبلها، وقبل أن يتمّ تحفيزها عن طريق النَّبضات الكهربائيّة. وعلى ما يبدو، فإنَّ خلايا الذاكرة تَنشط بشكلٍ أكثر سهولةً عندما تُتاح للدِّماغ معلومات حديثة.
إنَّ هذه التَّبصُّرات الجديدة إلى أعماق البنية التَّكوينيّة للذَّاكرة، تُسلِّط الضَّوء على أكثر وظائف الدِّماغ أهمّيّة. وبالرّغم من أنَّه لا يزال هناك الكثير للقيام به قبلَ أن نعتقد بأنَّ هذه الاكتشافات الأساسيّة قد تُقدِّم لنا استراتيجيَّاتٍ جديدة لعلاج أمراض الدِّماغ التي تؤثِّر ببنية الذَّاكرة (مثل الألزهايمر، وداء باركنسون، والخبل)، إلَّا أنَّها تُمثِّل خطوة أولى لا غنًى عنها، تُمهِّد لنا الطَّريق جيِّدًا.