أظهر بحث أجراه باحثون من جامعة هارفرد الأميركية نتائج مثيرة حول آليات الشيخوخة، فقد اكتشفوا خلال دراستهم للديدان المعروفة اصطلاحًا بالربداء الرشيقة (Caenorhabditis elegans) كيف يؤثّر تنوّع العوامل الوراثية والبيئية على مدّة الحياة لديها وفق انتظامٍ إحصائي مذهل.
وطبقًا لنتائج الدراسة، تنتج الشيخوخة عن عملية شاملة تتكوّن من العديد من العناصر ضمن منظومةٍ بيولوجية معقّدة، وليست نتيجة لمسبّبٍ جزيئي معيّن بحدّ ذاته.
فما أن يتأثّر ركنٌ في المنظومة؛ يختل النظام كله.
تعتبر الشيخوخة من أكثر العمليات غموضًا في مجال علم الأحياء، وكعلماء فإننا نجهل ماهيّة هذه العملية بالضبط.
صحيح أننا نعرف أنها تنتهي بالموت، ولكن ما يزيد الأمر غموضا هو توقيت الموت، فهو -وفي كثيرٍ من الحالات- يتحدّد وفقًا لعوامل عشوائية من الناحية الإحصائية.
وفي هذا البحث، فقد استطاع الباحثون الكشف عن وجود أشكال محددة (ذات انتظام من ناحية الشكل) ضمن هذه العشوائية، وتمهّد هذه النتائج الطريق نحو معرفة الأساس البيولوجي للشيخوخة.
يعلّق محرّر الدراسة، الباحث ستروسترب (Stroustrup) حول أسباب الشيخوخة بالقول: «هناك العديد من التغيّرات الجزيئية التي تحدث بمرور الزمن، ولكن ليس من المنطقي أن نعرّفها على أنها جميعها مسبّباتٍ للشيخوخة بحدّ ذاتها».
ولأجل دراسة ديناميكية فترة الحياة على مستوى المجموعات الحيّة؛ أنشأ ستروسترب آلة خاصة لهذا الغرض. تتكون هذه الآلة من 50 ماسح ضوئي مسطّح جاهز، وقد أُعيدَ تصميم كل ماسح من هذه الماسحات، لتسجّل بياناتٍ عن هذه الديدان، بمعدل 16 طبق بتري* في كل ساعة، وبمجموع 800 طبق، و30000 دودة.
وتبلغ الدّقة التصويرية للماسح الواحد حوالي 3200 نقطة ضوئية لكل بوصة، وتعتبر هذه الدقة عالية بشكلٍ كافٍ لالتقاط الحركة ضمن نطاق (8مايكرومتر) أو 12 % من العرض لدودة متوسطة الحجم.
بعد ذلك، قام الباحثون بتعريض الديدان لعوامل متنوّعة كإحداث تغيير في درجة الحرارة، وتغيير مقدار الضغط التأكسدي، بالإضافة إلى تغييرات النظام الغذائي أو التلاعب بالحمض النووي.
ونتج عن هذه التغييرات، حدوث تبدّل في إشارة مُعامِل زيادة الإنسولين.
وسجّلت الآلة بياناتٍ عن المدّة التي استغرقتها الديدان للوصول للموت تحت كل ظرف أو عامل من العوامل المذكورة، ومن ثم جمع الباحثون البيانات، وحدّدوا أنماطًا (على شكل منحنيات) لتوزيع فترات الحياة حسب كل عامل من هذه العوامل، وبعد ذلك قاموا بمقارنة النتائج.
وأسهمت أنماط التوزيع هذه في تزويد الباحثين بمعلومات هامّة أكثر من مجرّد كونها معلومات عن التغيّرات في متوسط العمُر، إذ استطاع الباحثون قياس المتغيّرات لدى الأفراد المتطابقة ظاهريًا من هذه الديدان، وتحديد أعداد الديدان التي تموت في فترة شبابها بالمقارنة مع أعداد تلك الميتة في مرحلة كهولة تحت كل ظرف من الظروف المُشار إليها آنفًا.
عندما نمعن النظر في البحث، فإننا لا نجد في نتائجه ما هو مفاجئ، فالظروف المختلفة تنتج اختلافًا في مدة الحياة للكائن الحي، فزيادة الحرارة يؤدي إلى موت الديدان بشكلٍ أسرع، وكلما تعاظمت الحرارة أكثر؛ كلما ارتفع معدّل موت هذه الديدان.
ولكن ما هو مفاجئ في الأمر أن نمط التوزيع يتخذ مظهرًا أو شكلًا معيّنًا حسب الظروف، إذا يتّخذ هذا التوزيع شكل (جرس) وقد يختلف هذا الشكل ليتخذ مظهرًا أكثر سماكة، أو يزداد علوّ قمة الجرس أو ينحرف أو يزداد طولًا حسب الظرف الذي تخضع له الديدان.
وبرغم وجود هذه الاختلافات الواضحة، فقد وجد الباحثون وجود تطابق غير متوقّع بين هذه المنحنيات، فقد رصدوا ما يطلق عليه الإحصائيون بـ (الارتباط الزمني)؛ فلو أخذنا عيّنة منحنيات التي تتخذ شكل الجرس، وقمنا بتمديدها أو حشرها في محاور سينية أفقية، فسيصبح من المُتعذر تمييزها إحصائيًا.
ولو ضغطنا الجرس ذو الشكل الممدود؛ فسينتج شكل الجرس، ولكن تصبح قمة هذا الجرس أعلى ومستدقّة أكثر، والعكس بالعكس.
وأظهرت النتائج كذلك أن تعريض الديدان لهذه الظروف المختلفة قد نتج عنه إحداث تأثير في مدة الحياة لدى جميع الأفراد في نفس المجموعة بشكلٍ متماثل، بغض النظر عمّا إذا كانت عوامل الصدفة أو العشوائية قد ساهمت في تمتّع هذه الديدان بفترة حياة أطول.
وقد ظهر أن جميع مسبّبات الموت الجزيئية قد تأثرّت بشكلٍ فوري وإلى حدٍ معيّن، بغض النظر عن العمليات الجينية أو العوامل البيئية التي استهدفها الباحثون.
قال والتر فونتانا (Walter Fontana) بروفيسور الأنظمة الحيوية في كلية هارفرد الطبيّة: «الحياة خاصيّة من خواصّ الكائن الحي، ومن الصعوبة بمكان دراستها وقت حدوثها على المستوى الجزيئي.
وباكتشاف هذا النمط الانتظام الإحصائي المتعلّق بالنقطة التي تنتهي عندها الشيخوخة؛ فقد اكتسبنا بعض المعرفة عن عملية الشيخوخة التي تحدّد نقطة النهاية هذه.
وما هو أكثر أهمية من ذلك، فإن هذا الانتظام يفيد بوجود ارتباط عميق في فسيولوجيا الكائن الحي، وأن التغييرات التي تصيب إحدى الجوانب الفسيولوجية فيه تؤثر على الجوانب الأخرى بحيث تنهي فترة الحياة».
* طبق بتري: Petri dish وعاء مسطّح دائري الشكل وشفاف مع غطاء، يصنع من الزجاج أو من اللدائن، ويستعمل من قبل علماء الأحياء لزراعةالخلايا، ويستعمله علماء الكيمياء لحفظ بعض المركبات ووزنها.
وطبقًا لنتائج الدراسة، تنتج الشيخوخة عن عملية شاملة تتكوّن من العديد من العناصر ضمن منظومةٍ بيولوجية معقّدة، وليست نتيجة لمسبّبٍ جزيئي معيّن بحدّ ذاته.
فما أن يتأثّر ركنٌ في المنظومة؛ يختل النظام كله.
تعتبر الشيخوخة من أكثر العمليات غموضًا في مجال علم الأحياء، وكعلماء فإننا نجهل ماهيّة هذه العملية بالضبط.
صحيح أننا نعرف أنها تنتهي بالموت، ولكن ما يزيد الأمر غموضا هو توقيت الموت، فهو -وفي كثيرٍ من الحالات- يتحدّد وفقًا لعوامل عشوائية من الناحية الإحصائية.
وفي هذا البحث، فقد استطاع الباحثون الكشف عن وجود أشكال محددة (ذات انتظام من ناحية الشكل) ضمن هذه العشوائية، وتمهّد هذه النتائج الطريق نحو معرفة الأساس البيولوجي للشيخوخة.
يعلّق محرّر الدراسة، الباحث ستروسترب (Stroustrup) حول أسباب الشيخوخة بالقول: «هناك العديد من التغيّرات الجزيئية التي تحدث بمرور الزمن، ولكن ليس من المنطقي أن نعرّفها على أنها جميعها مسبّباتٍ للشيخوخة بحدّ ذاتها».
ولأجل دراسة ديناميكية فترة الحياة على مستوى المجموعات الحيّة؛ أنشأ ستروسترب آلة خاصة لهذا الغرض. تتكون هذه الآلة من 50 ماسح ضوئي مسطّح جاهز، وقد أُعيدَ تصميم كل ماسح من هذه الماسحات، لتسجّل بياناتٍ عن هذه الديدان، بمعدل 16 طبق بتري* في كل ساعة، وبمجموع 800 طبق، و30000 دودة.
وتبلغ الدّقة التصويرية للماسح الواحد حوالي 3200 نقطة ضوئية لكل بوصة، وتعتبر هذه الدقة عالية بشكلٍ كافٍ لالتقاط الحركة ضمن نطاق (8مايكرومتر) أو 12 % من العرض لدودة متوسطة الحجم.
بعد ذلك، قام الباحثون بتعريض الديدان لعوامل متنوّعة كإحداث تغيير في درجة الحرارة، وتغيير مقدار الضغط التأكسدي، بالإضافة إلى تغييرات النظام الغذائي أو التلاعب بالحمض النووي.
ونتج عن هذه التغييرات، حدوث تبدّل في إشارة مُعامِل زيادة الإنسولين.
وسجّلت الآلة بياناتٍ عن المدّة التي استغرقتها الديدان للوصول للموت تحت كل ظرف أو عامل من العوامل المذكورة، ومن ثم جمع الباحثون البيانات، وحدّدوا أنماطًا (على شكل منحنيات) لتوزيع فترات الحياة حسب كل عامل من هذه العوامل، وبعد ذلك قاموا بمقارنة النتائج.
وأسهمت أنماط التوزيع هذه في تزويد الباحثين بمعلومات هامّة أكثر من مجرّد كونها معلومات عن التغيّرات في متوسط العمُر، إذ استطاع الباحثون قياس المتغيّرات لدى الأفراد المتطابقة ظاهريًا من هذه الديدان، وتحديد أعداد الديدان التي تموت في فترة شبابها بالمقارنة مع أعداد تلك الميتة في مرحلة كهولة تحت كل ظرف من الظروف المُشار إليها آنفًا.
عندما نمعن النظر في البحث، فإننا لا نجد في نتائجه ما هو مفاجئ، فالظروف المختلفة تنتج اختلافًا في مدة الحياة للكائن الحي، فزيادة الحرارة يؤدي إلى موت الديدان بشكلٍ أسرع، وكلما تعاظمت الحرارة أكثر؛ كلما ارتفع معدّل موت هذه الديدان.
ولكن ما هو مفاجئ في الأمر أن نمط التوزيع يتخذ مظهرًا أو شكلًا معيّنًا حسب الظروف، إذا يتّخذ هذا التوزيع شكل (جرس) وقد يختلف هذا الشكل ليتخذ مظهرًا أكثر سماكة، أو يزداد علوّ قمة الجرس أو ينحرف أو يزداد طولًا حسب الظرف الذي تخضع له الديدان.
وبرغم وجود هذه الاختلافات الواضحة، فقد وجد الباحثون وجود تطابق غير متوقّع بين هذه المنحنيات، فقد رصدوا ما يطلق عليه الإحصائيون بـ (الارتباط الزمني)؛ فلو أخذنا عيّنة منحنيات التي تتخذ شكل الجرس، وقمنا بتمديدها أو حشرها في محاور سينية أفقية، فسيصبح من المُتعذر تمييزها إحصائيًا.
ولو ضغطنا الجرس ذو الشكل الممدود؛ فسينتج شكل الجرس، ولكن تصبح قمة هذا الجرس أعلى ومستدقّة أكثر، والعكس بالعكس.
وأظهرت النتائج كذلك أن تعريض الديدان لهذه الظروف المختلفة قد نتج عنه إحداث تأثير في مدة الحياة لدى جميع الأفراد في نفس المجموعة بشكلٍ متماثل، بغض النظر عمّا إذا كانت عوامل الصدفة أو العشوائية قد ساهمت في تمتّع هذه الديدان بفترة حياة أطول.
وقد ظهر أن جميع مسبّبات الموت الجزيئية قد تأثرّت بشكلٍ فوري وإلى حدٍ معيّن، بغض النظر عن العمليات الجينية أو العوامل البيئية التي استهدفها الباحثون.
قال والتر فونتانا (Walter Fontana) بروفيسور الأنظمة الحيوية في كلية هارفرد الطبيّة: «الحياة خاصيّة من خواصّ الكائن الحي، ومن الصعوبة بمكان دراستها وقت حدوثها على المستوى الجزيئي.
وباكتشاف هذا النمط الانتظام الإحصائي المتعلّق بالنقطة التي تنتهي عندها الشيخوخة؛ فقد اكتسبنا بعض المعرفة عن عملية الشيخوخة التي تحدّد نقطة النهاية هذه.
وما هو أكثر أهمية من ذلك، فإن هذا الانتظام يفيد بوجود ارتباط عميق في فسيولوجيا الكائن الحي، وأن التغييرات التي تصيب إحدى الجوانب الفسيولوجية فيه تؤثر على الجوانب الأخرى بحيث تنهي فترة الحياة».
* طبق بتري: Petri dish وعاء مسطّح دائري الشكل وشفاف مع غطاء، يصنع من الزجاج أو من اللدائن، ويستعمل من قبل علماء الأحياء لزراعةالخلايا، ويستعمله علماء الكيمياء لحفظ بعض المركبات ووزنها.