بشار بطرس: السينما السورية ليست منتجاً فنياً … والدراما تعبر عن حال السياسة
الجمعة, 1 ديسمبر 2017 م بشار بطرس
سناك سوري – نجيب الشوفي
دخلت أمسيته الأدبية قبل 3 سنوات متابعاً بفضول قراءاته في مجموعته القصصية، كان يسرد أفكاره الغنية والقريبة من الجمهور ويقول ما أرادوا التعبير عنه ولكن بأسلوبه الخاص، فهو يهوى القصة القصيرة التي تصل بسرعة وسهولة للمتلقي، وربما لهذا اختار الضرب على الآلات الإيقاعية السريعة وأتقنها بشكل لافت.
القاص والسيناريست والمعالج الدرامي “بشار بطرس” الذي كان ضيف سناك سوري في هذا الحوار المطول حول الدراما السورية ودورها كأحد الأوجه الحديثة للهوية الثقافية السورية:
* لماذا نجحت الدراما في كسر قاعدة الإنتاج الدرامي الحكومي بينما فشلت السينما السورية في ذلك؟
* نجح القطاع الخاص في إنتاج الدراما لأنّه أكثر مرونة، ولأنّه أنجح في التّسويق لأعماله، ولا يخضع لروتين الموظّف الحكوميّ، ومتجرّد من رقابة الدّولة؛ أمّا السّينما الخّاصّة، فرأيي الشخصي أنّ المال العامل بها، أجبن من المغامرة، لأنّ السّينما لم تصبح بعد فنّاً جماهيريّاً مثل التلفزيون، لذلك فالمغامرة فيها أصعب.
* قلة المنتج السينمائي السوري هل فتحت الباب أمام المنتج الدرامي السوري ليصل للمستوى الذي وصل له في وقت سابق؟
* لا يمكننا اعتبار السينما السورية منتجاً فنياً فإننا نتحدث عن 4-5 أفلام سنوياً وهي بذلك لا تخرج منتجاً فنياً حقيقياً أما عندما نتحدث عن 30 -40 مسلسل سنوياً وبمعدل 30 حلقة هنا يمكنني أن أعتبر الدراما منتجاً فنياً.
* ما الذي غيّرته الحرب في الواقع الإنتاجي للدراما السورية؟
** هروب شركات الإنتاج والمال الوطني إلى لبنان ومصر وهروب الممثلين والمخرجين معهم، وللأسف فقد انقسمت الدراما بين موالاة ومعارضة بحسب منطقة تصوير العمل الدرامي بين موالي في الداخل ومعارض في الخارج وهذا ما يعني قصر الإنتاج الدرامي على خلفية سياسية ما لا يخدم المشاهد والدراما السورية على السواء، وهذا ما جعل المضمون الدرامي محدد سلفاً وعندما تحدد المضمون سلفاً وتحدد الآليات والتوجه العام فأنت تقوم بإلغاء حزمة الموشور أي تعدد المواضيع المهمة والأشكال الدرامية الجميلة.
* هل هناك عملية استيلاء ثقافي على النصوص؟
* هناك عملية ختان للدراما السورية وخصي للأعمال الدرامية غير المتوافقة مع توجه القناة أو الجهة المنتجة لها سياسياً، فالأعمال غير الموالية لا تعرض في داخل سوريا والعكس صحيح بالنسبة للطرف الآخر وهذا بمعظم الأحوال، فيما فقدت الدراما السورية التصاقها بالناس عندما أصبحت تقوم بتصوير العروض الدرامية خارج سوريا في لبنان ومصر فالعروض الدرامية التي صورت في لبنان ومصر لا تحمل نبض وهم الدراما قبل الأزمة، ولا يمكنني القول بأن الأعمال الدرامية التي تم تصويرها خارج سوريا هي دراما سورية فهي في معظمها لا تحمل سمة وشخصية الدراما السورية حتى أن هناك الكثير من الكتاب كتبوا نصوصاً بالاعتماد على روايات عالمية وهي إذاً لا تعبر عن الهم الفني السوري وبالتالي ليست دراما سورية.
* إذاً أنت ترى أن الدراما دخلت دوامة الأزمة؟
** نعم، دخلت الدراما دوّامة الأزمة، مثلها مثل كلّ الفنون، ونواحي الحياة الأخرى، ومالت نحو تقسيم تعسّفي إلى دراما معارضة، ودراما موالية، فلم تستطع استشراف الأزمة، لأنّها وقعت في الانفعاليّ الآنيّ، الّذي لا يعبّر عن العامّ، ما يعني أنّها تسرّعت في رؤيتها لما يجري، فسبقتها الحياة، بينما كانت سبّاقة في الإدهاش، لا بل هاجر كثير من كوادرها إلى خارج سورية، ولم يعد يعنيهم الهمّ السّوريّ، هنا يجب التريّث في الحكم على الجميع، لأنّ الأزمة مخاض، لا يعرف أحد ماذا سيجلب لنا، أسوق هذا، كي لا أجرّم أحداً، ولا أخوّن أحداً، فالزّمن هو الكفيل بكلّ ذلك.
* تعرضت أعمالك الدرامية لانتقادات في الوسط الفني، ماهو السبب برأيك؟
** رأى الكثير من المجتمع والنقاد بأن أعمالي سوداوية وغير ملامسة للواقع السوري ومنها “الخبز الحرام” و “العشق الحرام” ولكن بعد فترة من عرضها واجهت الكثيرين ممن انتقدوا الأعمال بأن الواقع السوري كان وما يزال أكثر سوءاً مما صورته في أعمالي.
في أعمالي هناك طيف كبير من علاقات الحب ولست أتحدث فقط عن علاقات الحب بين ذكر وأنثى فهناك علاقات جميلة أخرى حاولت إظهارها في عملي منها علاقة بين شخصيتي “سالم ويزن” ببعضهما والتي أخذت بعداً إنسانياً.
وأرفض أن يتم اعتبار هذه الأعمال قائمة على قصص الخيانات الزوجية أو على قصة حب بين متبني ومتبناة لقيطة، ومنذ قديم الأزل هذه القصص معروفة وكتبت في روايات وملاحم تاريخية مثل مسرحية “أوديب ملكاً”.
في الكتابة الأدبية أنت بحاجة للمواد غير المطروقة أو المطروقة قليلاً وهذا ما سيساعد بتسويق العمل الفني وسيظهر لك فئات اجتماعية تبحث عن إظهارها للعيان مثل مسلسل “ليس سراباً” الذي أعدت كتابته كاملاً وشهد انتقاداً كبيراً من قبل كارهي أفكار العلمانية والتحرر التي طرحها العمل فليس هناك فن ترضى عنه كل فئات المجتمع.
* كيف ترى مستقبل الدراما السورية وهل هي قادرة على إعادة بناء المشتركات والتكامل بين المجتمع السوري وكيف؟
** ـ الفنّ ـ بشكل عام ـ هو إنشاء واقع ذهنيّ يجابه الواقع الحقيقيّ، من أجل المتعة، أو من أجل البسمة والسّخرية وحتّى من أجل البكاء! أيّ فنّ غير جميل، هو فنّ يفشل في ذلك؛ أعتقد بأنّ هنالك تحدٍّ مهمّ سيقع على عاتق الدّراما حين تستطيع التّعامل مع منتجات الأزمة السوريّة في المستقبل، لتعيد ترميم أحاسيس المواطن السوريّ، فقد قلت في مقابلة سابقة، بأنّ الفنّانين، يرمّمون ما يخرّبه السياسيّون، عسى أن تستطيع الدّراما فعل ذلك.
* ما الذي يجعل الدراما السورية أحد أوجه الهوية الثقافية السورية؟
** كلّ مُنتج فنّيّ، يحمل بالضّرورة هويّة منتجِه، وبالتّالي هويّة الإنسان العالميّة، ما يعني أنّ الذاتيّ الخاصّ، يعبّر عن الهمّ العالميّ العامّ؛ الدّراما السوريّة منتج فنّيّ صيغ وقدّم من قبل أشخاص سوريّين، يحملون رؤية فنيّة، لما يقومون به، وبالتّالي فهي ـ الدّراما ـ تحمل رؤية للعالم والإنسان.
* هل تحمل درامانا روح الهوية الثقافية السورية؟
** لا شكّ أنّها تشبهنا، لأنّها تتحدّث بالصّورة وبالفعل، عن علاقة إنساننا بنفسه وبالعالم المحيط به، لقد تناولت الدّراما السوريّة ما هو خاصّ بالإنسان السّوريّ (الحبّ، الكره، الخيانة، حبّ الوطن، الفقر، الجوع، التشرّد)، وعمّمت كلّ ذلك، على ما يتشابه سكّان الأرض فيه معنا.
* ما هي البصمة التي وضعتها الدراما السورية على المستوى الفني الخاص بالهوية السورية؟
** أحدثت الدراما السورية انقلاباً مهماً على مستوى الشكل عندما اعتمد التصوير التلفزيوني على الكاميرا الواحدة وذلك على يد المخرج السوري “هيثم حقي” ما أعطاها مرونة كبيرة في الدخول إلى جميع كوادر التصوير الممكنة وترافق ذلك مع ظهور كتاب نصوص سوريين ملتصقين بالواقع مما جعلها أكثر حميمية وقرباً لقلب وعقل المشاهد بالإضافة لتنوع مواضيعها وتعدد أبطالها في العمل الواحد ما يميزها عن باقي الدراما العربية وخصوصاً المصرية.
* كيف يمكن أن تقدم لنا الدراما السورية مشاركتها في صياغة الهوية الثقافية السورية؟
** المستقبل هو مستقبل أيّ صناعة وطنيّة، رأيي أنّه لدينا تقاليد جنينيّة لهذا الفنّ، لكنّ الحرب أخّرتها في الاكتمال، لذلك ستعود الدّراما، مثلما سيعود كلّ شيء، إلى حالة لا يمكن التّنبّؤ بها، ما يعني أنّها ستعود إلى الإنتاج، لكن على أيّ وجه؟ هذا ما ستحدّده السّياسة، طالما أنّ الفنّ نتاج ذهنيّ للسّياسة في نهاية المطاف.
* ما هي هوية بشار بطرس؟
** هذا سؤال صعب وكبير بالنسبة لي سأتكلّم عن نفسي: أنا مهندس مدنيّ، درست في جامعة دمشق بالمجّان تقريباً، وقرأت كتب الهندسة مترجمة إلى الّلغة العربيّة، الّتي تدخل فيها لغات عدّة: سريانيّة، وآراميّة، وأشوريّة، وفارسيّة…إلخ؛ أكتب بالعربيّة، وآكل طعاماً شاركت في ابتكاره أمم الأرض كلّها ـ تقريباً ـ الّتي غزت هذه البلاد، أحسّ بأنّني مواطن عالميّ، لأنّني منحدر من حضارة عريقة، اعترف “ول ديورانت” في آخر كتابه “قصّة الحضارة” بأنّ الحضارة جاءت منها، ليس لديّ شكّ بهويّتي، ولا يعذّبني ذلك، ومن يريد الانتماء إلى هويّة ثانية، فلن يستطيع، لأنّ هويّتنا هي نحن، ولا يستطيع أحد بسهولة أن يغيّر جلده، لم أسافر، مثلما لم يسافر غيري، لأنّني لا أستطيع العيش بعيداً عن أسوار دمشق، فهويّتي من هويّتها، أمّا عمر هذه الهويّة، فهي عمر من جاء إلى هذه الأرض، وشرب من مائها، وأكل من زرعها؛ للأسف هو غير موجود شخصيّاً لكي تسأله لكن لحسن حظّك، فهو موجود في كلّ شخص فينا.
الجمعة, 1 ديسمبر 2017 م بشار بطرس
سناك سوري – نجيب الشوفي
دخلت أمسيته الأدبية قبل 3 سنوات متابعاً بفضول قراءاته في مجموعته القصصية، كان يسرد أفكاره الغنية والقريبة من الجمهور ويقول ما أرادوا التعبير عنه ولكن بأسلوبه الخاص، فهو يهوى القصة القصيرة التي تصل بسرعة وسهولة للمتلقي، وربما لهذا اختار الضرب على الآلات الإيقاعية السريعة وأتقنها بشكل لافت.
القاص والسيناريست والمعالج الدرامي “بشار بطرس” الذي كان ضيف سناك سوري في هذا الحوار المطول حول الدراما السورية ودورها كأحد الأوجه الحديثة للهوية الثقافية السورية:
* لماذا نجحت الدراما في كسر قاعدة الإنتاج الدرامي الحكومي بينما فشلت السينما السورية في ذلك؟
* نجح القطاع الخاص في إنتاج الدراما لأنّه أكثر مرونة، ولأنّه أنجح في التّسويق لأعماله، ولا يخضع لروتين الموظّف الحكوميّ، ومتجرّد من رقابة الدّولة؛ أمّا السّينما الخّاصّة، فرأيي الشخصي أنّ المال العامل بها، أجبن من المغامرة، لأنّ السّينما لم تصبح بعد فنّاً جماهيريّاً مثل التلفزيون، لذلك فالمغامرة فيها أصعب.
* قلة المنتج السينمائي السوري هل فتحت الباب أمام المنتج الدرامي السوري ليصل للمستوى الذي وصل له في وقت سابق؟
* لا يمكننا اعتبار السينما السورية منتجاً فنياً فإننا نتحدث عن 4-5 أفلام سنوياً وهي بذلك لا تخرج منتجاً فنياً حقيقياً أما عندما نتحدث عن 30 -40 مسلسل سنوياً وبمعدل 30 حلقة هنا يمكنني أن أعتبر الدراما منتجاً فنياً.
* ما الذي غيّرته الحرب في الواقع الإنتاجي للدراما السورية؟
** هروب شركات الإنتاج والمال الوطني إلى لبنان ومصر وهروب الممثلين والمخرجين معهم، وللأسف فقد انقسمت الدراما بين موالاة ومعارضة بحسب منطقة تصوير العمل الدرامي بين موالي في الداخل ومعارض في الخارج وهذا ما يعني قصر الإنتاج الدرامي على خلفية سياسية ما لا يخدم المشاهد والدراما السورية على السواء، وهذا ما جعل المضمون الدرامي محدد سلفاً وعندما تحدد المضمون سلفاً وتحدد الآليات والتوجه العام فأنت تقوم بإلغاء حزمة الموشور أي تعدد المواضيع المهمة والأشكال الدرامية الجميلة.
* هل هناك عملية استيلاء ثقافي على النصوص؟
* هناك عملية ختان للدراما السورية وخصي للأعمال الدرامية غير المتوافقة مع توجه القناة أو الجهة المنتجة لها سياسياً، فالأعمال غير الموالية لا تعرض في داخل سوريا والعكس صحيح بالنسبة للطرف الآخر وهذا بمعظم الأحوال، فيما فقدت الدراما السورية التصاقها بالناس عندما أصبحت تقوم بتصوير العروض الدرامية خارج سوريا في لبنان ومصر فالعروض الدرامية التي صورت في لبنان ومصر لا تحمل نبض وهم الدراما قبل الأزمة، ولا يمكنني القول بأن الأعمال الدرامية التي تم تصويرها خارج سوريا هي دراما سورية فهي في معظمها لا تحمل سمة وشخصية الدراما السورية حتى أن هناك الكثير من الكتاب كتبوا نصوصاً بالاعتماد على روايات عالمية وهي إذاً لا تعبر عن الهم الفني السوري وبالتالي ليست دراما سورية.
* إذاً أنت ترى أن الدراما دخلت دوامة الأزمة؟
** نعم، دخلت الدراما دوّامة الأزمة، مثلها مثل كلّ الفنون، ونواحي الحياة الأخرى، ومالت نحو تقسيم تعسّفي إلى دراما معارضة، ودراما موالية، فلم تستطع استشراف الأزمة، لأنّها وقعت في الانفعاليّ الآنيّ، الّذي لا يعبّر عن العامّ، ما يعني أنّها تسرّعت في رؤيتها لما يجري، فسبقتها الحياة، بينما كانت سبّاقة في الإدهاش، لا بل هاجر كثير من كوادرها إلى خارج سورية، ولم يعد يعنيهم الهمّ السّوريّ، هنا يجب التريّث في الحكم على الجميع، لأنّ الأزمة مخاض، لا يعرف أحد ماذا سيجلب لنا، أسوق هذا، كي لا أجرّم أحداً، ولا أخوّن أحداً، فالزّمن هو الكفيل بكلّ ذلك.
* تعرضت أعمالك الدرامية لانتقادات في الوسط الفني، ماهو السبب برأيك؟
** رأى الكثير من المجتمع والنقاد بأن أعمالي سوداوية وغير ملامسة للواقع السوري ومنها “الخبز الحرام” و “العشق الحرام” ولكن بعد فترة من عرضها واجهت الكثيرين ممن انتقدوا الأعمال بأن الواقع السوري كان وما يزال أكثر سوءاً مما صورته في أعمالي.
في أعمالي هناك طيف كبير من علاقات الحب ولست أتحدث فقط عن علاقات الحب بين ذكر وأنثى فهناك علاقات جميلة أخرى حاولت إظهارها في عملي منها علاقة بين شخصيتي “سالم ويزن” ببعضهما والتي أخذت بعداً إنسانياً.
وأرفض أن يتم اعتبار هذه الأعمال قائمة على قصص الخيانات الزوجية أو على قصة حب بين متبني ومتبناة لقيطة، ومنذ قديم الأزل هذه القصص معروفة وكتبت في روايات وملاحم تاريخية مثل مسرحية “أوديب ملكاً”.
في الكتابة الأدبية أنت بحاجة للمواد غير المطروقة أو المطروقة قليلاً وهذا ما سيساعد بتسويق العمل الفني وسيظهر لك فئات اجتماعية تبحث عن إظهارها للعيان مثل مسلسل “ليس سراباً” الذي أعدت كتابته كاملاً وشهد انتقاداً كبيراً من قبل كارهي أفكار العلمانية والتحرر التي طرحها العمل فليس هناك فن ترضى عنه كل فئات المجتمع.
* كيف ترى مستقبل الدراما السورية وهل هي قادرة على إعادة بناء المشتركات والتكامل بين المجتمع السوري وكيف؟
** ـ الفنّ ـ بشكل عام ـ هو إنشاء واقع ذهنيّ يجابه الواقع الحقيقيّ، من أجل المتعة، أو من أجل البسمة والسّخرية وحتّى من أجل البكاء! أيّ فنّ غير جميل، هو فنّ يفشل في ذلك؛ أعتقد بأنّ هنالك تحدٍّ مهمّ سيقع على عاتق الدّراما حين تستطيع التّعامل مع منتجات الأزمة السوريّة في المستقبل، لتعيد ترميم أحاسيس المواطن السوريّ، فقد قلت في مقابلة سابقة، بأنّ الفنّانين، يرمّمون ما يخرّبه السياسيّون، عسى أن تستطيع الدّراما فعل ذلك.
* ما الذي يجعل الدراما السورية أحد أوجه الهوية الثقافية السورية؟
** كلّ مُنتج فنّيّ، يحمل بالضّرورة هويّة منتجِه، وبالتّالي هويّة الإنسان العالميّة، ما يعني أنّ الذاتيّ الخاصّ، يعبّر عن الهمّ العالميّ العامّ؛ الدّراما السوريّة منتج فنّيّ صيغ وقدّم من قبل أشخاص سوريّين، يحملون رؤية فنيّة، لما يقومون به، وبالتّالي فهي ـ الدّراما ـ تحمل رؤية للعالم والإنسان.
* هل تحمل درامانا روح الهوية الثقافية السورية؟
** لا شكّ أنّها تشبهنا، لأنّها تتحدّث بالصّورة وبالفعل، عن علاقة إنساننا بنفسه وبالعالم المحيط به، لقد تناولت الدّراما السوريّة ما هو خاصّ بالإنسان السّوريّ (الحبّ، الكره، الخيانة، حبّ الوطن، الفقر، الجوع، التشرّد)، وعمّمت كلّ ذلك، على ما يتشابه سكّان الأرض فيه معنا.
* ما هي البصمة التي وضعتها الدراما السورية على المستوى الفني الخاص بالهوية السورية؟
** أحدثت الدراما السورية انقلاباً مهماً على مستوى الشكل عندما اعتمد التصوير التلفزيوني على الكاميرا الواحدة وذلك على يد المخرج السوري “هيثم حقي” ما أعطاها مرونة كبيرة في الدخول إلى جميع كوادر التصوير الممكنة وترافق ذلك مع ظهور كتاب نصوص سوريين ملتصقين بالواقع مما جعلها أكثر حميمية وقرباً لقلب وعقل المشاهد بالإضافة لتنوع مواضيعها وتعدد أبطالها في العمل الواحد ما يميزها عن باقي الدراما العربية وخصوصاً المصرية.
* كيف يمكن أن تقدم لنا الدراما السورية مشاركتها في صياغة الهوية الثقافية السورية؟
** المستقبل هو مستقبل أيّ صناعة وطنيّة، رأيي أنّه لدينا تقاليد جنينيّة لهذا الفنّ، لكنّ الحرب أخّرتها في الاكتمال، لذلك ستعود الدّراما، مثلما سيعود كلّ شيء، إلى حالة لا يمكن التّنبّؤ بها، ما يعني أنّها ستعود إلى الإنتاج، لكن على أيّ وجه؟ هذا ما ستحدّده السّياسة، طالما أنّ الفنّ نتاج ذهنيّ للسّياسة في نهاية المطاف.
* ما هي هوية بشار بطرس؟
** هذا سؤال صعب وكبير بالنسبة لي سأتكلّم عن نفسي: أنا مهندس مدنيّ، درست في جامعة دمشق بالمجّان تقريباً، وقرأت كتب الهندسة مترجمة إلى الّلغة العربيّة، الّتي تدخل فيها لغات عدّة: سريانيّة، وآراميّة، وأشوريّة، وفارسيّة…إلخ؛ أكتب بالعربيّة، وآكل طعاماً شاركت في ابتكاره أمم الأرض كلّها ـ تقريباً ـ الّتي غزت هذه البلاد، أحسّ بأنّني مواطن عالميّ، لأنّني منحدر من حضارة عريقة، اعترف “ول ديورانت” في آخر كتابه “قصّة الحضارة” بأنّ الحضارة جاءت منها، ليس لديّ شكّ بهويّتي، ولا يعذّبني ذلك، ومن يريد الانتماء إلى هويّة ثانية، فلن يستطيع، لأنّ هويّتنا هي نحن، ولا يستطيع أحد بسهولة أن يغيّر جلده، لم أسافر، مثلما لم يسافر غيري، لأنّني لا أستطيع العيش بعيداً عن أسوار دمشق، فهويّتي من هويّتها، أمّا عمر هذه الهويّة، فهي عمر من جاء إلى هذه الأرض، وشرب من مائها، وأكل من زرعها؛ للأسف هو غير موجود شخصيّاً لكي تسأله لكن لحسن حظّك، فهو موجود في كلّ شخص فينا.