سعد الله ونوس” في ذكرى ميلاده.. “الجوع إلى الحوار” مثّل رؤيته الأخيرة للعالم!
ونوس”.. حرب الخليج أصابته بالسرطان وغزو لبنان دفعه للصوم!
الأربعاء, 27 مارس 2019 م
سناك سوري _محمد العمر
صرخ “سعد الله ونوس” صرخته الأولى في 27 آذار 1941 ليبدأ منذ تلك اللحظة مسيرة الصراخ الطويلة ضد الظلم والقبح والحرمان ويفتتح مبارزته مع الدنيا بمواجهة الهزيمة والخيبة بالفن والمسرح والجمال.
الطفل القادم من قرية “حصين البحر” في محافظة “طرطوس” عايش كل ظروف الفقر والحرمان في بيئة ريفية مهمشة بفعل الاستغلال خرج من رحمها حاملاً همومها وقضاياها.
يحكى أن “ونوس” واجه مشكلة في مادة التعبير أثناء دراسته الابتدائية فاتجه إلى المطالعة ليعثر على كتاب “دمعة وابتسامة” لـ”جبران خليل جبران” كفاتحة مشواره في القراءة توسّع بعده ليشمل كبار الكتّاب العرب حينها.
التحق “ونوس” بعدها بثانويات مدينة “طرطوس” وحصل بعد الشهادة الثانوية على منحة لدراسة الصحافة في جامعة “القاهرة” حيث شهد في العاصمة أولى الهزائم الوطنية المؤثرة في عاطفته الوطنية حين تمّ إعلان الانفصال بين “سوريا” و”مصر”.
اقرأ أيضاً: في الذكرى 21 لرحيل سعد الله ونوس.. حكم علينا بالأمل ومضى
دافع الألم من خيبة الانفصال أخذه نحو كتابة أولى مسرحياته عام 1961 بعنوان “الحياة أبداً” التي لم ينشرها طوال حياته، لكنه لم يخسرها حتى اللحظات الأخيرة من عمره حين اختتمها بملاحظات نهائية وأوصى بنشرها بعد وفاته كوصيّة مثاليّة تشبه نظرة الشاب العشريني البريئة والعاطفية للعالم.
في الوقت الذي دفعته نكسة حزيران 1967 لكتابة واحدة من أشهر مسرحياته “دعوة سمر من أجل الخامس من حزيران” التي مثّلت مدى الخيبة التي أصابت أعماق العرب بعد الهزيمة وأثّرت في مجرى حياة وفكر “ونوس” بشكل واضح.
بقيت الأحداث السياسية تلعب دورها في مسار حياته حيث اعتزل الكتابة بعد غزو العدو الإسرائيلي لـ”لبنان” عام 1982 وبقي صائماً عن الكتابة قرابة عشر سنوات.
مطلع التسعينيات عاد للكتابة إلا أنه اكتشف إصابته بالسرطان، وكانت السياسة حاضرة أيضاً في قدره الشخصي حيث ذكر في إحدى مقابلاته أنه يشكّ بأن “حرب الخليج” هي السبب المباشر لإصابته بالسرطان وأنه لا يعتقد بأن من المصادفة أن يشعر بالإصابة بالورم أثناء القصف الأمريكي على العراق.
إرث “ونوس” المسرحي والنقدي والأدبي لا يتسع في مقالة صحفية إضافة إلى المناصب التي تولّاها في عالم المسرح والجوائز التي تلقّاها عن إبداعاته عدا عن وصوله إلى العالمية بترجمة أعماله المسرحية إلى عدة لغات عالمية.
تظهر جملة “ونوس” الشهيرة “نحن محكومون بالأمل” في كل مرة يأتي فيها ذكر اسمه، و هي الجملة التي اختتم بها رسالة يوم المسرح العالمي عام 1996 بتكليف من “اليونيسكو”، وتظهر في الرسالة رؤية “ونوس” التي استشرفت الواقع الحالي بشكل ملفت حين دعا إلى عنونة الاحتفال بـ”الجوع إلى الحوار” الحوار بكافة أشكاله وذكر خلالها أنه يشعر بالحاجة إلى هذا الحوار وضرورته وأنه دائماً يتخيل أن هذا الحوار يبدأ من المسرح !.
رحل “ونوس” عام 1997 وفيّاً للمسرح مؤمناً بقدرة الفن على خلق فعل المقاومة للاستغلال والظلم والعدوان مؤمناً بحاجة هذه الأمة للحوار وتسييس المسرح ليكون أداة تغيير في بنية المجتمعات المهزومة.