وقعة حطيـن Battle of Hattin قرية عربية في فلسطين تقع إلى الغرب من مدينة طبرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقعة حطيـن Battle of Hattin قرية عربية في فلسطين تقع إلى الغرب من مدينة طبرية

    حطين (وقعه)

    Battle of Hattin - Bataille de Hattin

    حطين (وقعة -)

    حطيـن قرية عربية في فلسطين تقع إلى الغرب من مدينة طبرية، يتصل سهل حطين بسهل طبرية عبر فتحة طبيعية شديدة الانحدار. وكان السهلان معبرين طبيعيين للقوافل التجارية والجيوش على مر العصور ويخترقهما طريقان رئيسيان. وكان عدد سكان القرية عام 1945 نحو 1190 نسمة وكانت لهم وقفة مشرفة في وجه الغزو الصهيوني عام 1948 إلا أنهم غلبوا على أمرهم لتفوق القوى المعادية، فدمرت القرية وأقيمت فوق أراضيها مستعمرات «كفار زيتيم» و«أحوزات نفتالي» و«كفار حيتيم».
    وفي سهل حطين دارت رحى المعركة الفاصلة التي قادها صلاح الدين الأيوبي في مواجهة الجيوش الصليبية في 25 ربيع الآخر سنة 583هـ/5 تموز سنة 1187م، ودمر بها القوة الحربية للوجود الفرنجي في المشرق.
    موقعة حطين
    بعد مضي نحو ربع قرن على الحملة الصليبية الثانية (542-544هـ/1147-1149م) وإثر وفاة نور الدين محمود بن زنكي (569هـ/1174م) ووفاة عموري ملك مملكة بيت المقدس في السنة نفسها غدا صلاح الدين الأيوبي القوة الرئيسية التي تواجه دويلات الفرنجة في المشرق، وقد تركزت جهوده على توحيد القوى في مصر والشام لمواجهة العدو المشترك وإضعافه تمهيداً للقضاء على الوجود الصليبي في المنطقة، ونجح صلاح الدين في دمج أصقاع كاملة من بلاد الشام والجزيرة وغيرها إضافة إلى مصر واليمن تحت سلطته الكاملة. في حين شهد المعسكر الصليبي انهياراً سريعاً لسلطة الملك بلدوين الرابع لصغر سنه ومرضه، وتنازع كبار المملكة على خلافته، وتسبب زواج شقيقته سيبيل عام 1180 من غاي لوزنيان، الذي كان قد قدم حديثا من الغرب، في زيادة الشقاق بين البارونات، وانقسم هؤلاء إلى حزب ممالئ للبلاط يساند الملكة الأم أغنيس وشقيقها وغاي لوزنيان، وحزب آخر يضم البارونات القدامى المحليين، ومن أبرزهم أسرة إبلين ورينالد صاحب صيدا وريموند الثالث كونت طرابلس الوصي على العرش، وكانت زوجته تملك طبرية. وفي ذلك الحين كانت المملكة تزداد انعزالاً إلى درجة لم تعهدها من قبل، فتوجه زعماؤها بالاستغاثة إلى الغرب ثانية ، وتمخضت جهود البابا ألكسندر الثالث عن بعض النجاح في هذا الصدد.
    توفي بلدوين الرابع عام 1185 تاركاً ريموند الثالث وصياً على العرش بناء على اتفاق سابق. وتوفي خليفته بلدوين الخامس في السنة التي تلت، وتغلب حزب البلاط على بقية البارونات متجاوزاً ترتيبات الوراثة المتفق عليها وتوجت سيبيل ملكة، وتولت هي تتويج زوجها غاي لوزنيان ملكاً على مملكة بيت المقدس.
    وفي خضم شبح الحرب الأهلية الذي خيم على مملكة اللاتين كان أرناط (رينو دي شاتيون) صاحب الكرك والشوبك قد دأب على الغدر بالمسلمين والاعتداء على قوافلهم وخرق الهدنة التي كانت معقودة مع صلاح الدين، وفي أواخر عام 582هـ/1186م غدر أرناط بقافلة عظيمة غزيرة الأموال واستولى عليها واسترق من كان يرافقها، وأرسل صلاح الدين إليه يتوعده إن لم يطلق الأسرى ويعيد الأموال، فلم يجب، ووجد صلاح الدين في هذا العمل فرصة لتحقيق هدفه الأسمى بإعلان الجهاد على مملكة اللاتين فاستدعى جنده من مختلف المناطق، وغادر دمشق في المحرم 583هـ/ آذار1187م على رأس قوة كبيرة، وأوعز إلى ابنه الملك الأفضل أن يقيم عند تل عشترا (إلى الجنوب من بلدة نوى شرقي بحيرة طبرية) غير بعيد عن الضفة الشرقية لنهر الأردن بانتظار وصول النجدات، وإلى الملك المظفر صاحب حماة بالدخول إلى أراضي العدو والعيث فيها بعسكره وعسكر حلب قبل التوجه إلى عشترا، وانتقل هو بعساكره إلى بصرى مترقباً وصول قافلة الحج إلى مأمنها خوفاً من غدر أرناط، ثم سار إلى الكرك فنازلها وقطع أشجارها وفعل بالشوبك مثل ذلك، وانضمت إليه هناك عساكر مصر، وعاد إلى عشترا في أوائل شهر ربيع الآخر من ذلك العام.
    وبالمقابل كان الفرنجة قد عبؤوا كل ما يمكن أن يجمعوه من القوات وحشدوها قرب الصفورية، وتقاطرت عليهم النجدات من أنطاكية وطرابلس وغيرها، حتى بلغ تعداد جيشهم 20000 رجل، فيهم 1200 فارس مدرع ثقيل التسليح من البارونات وكبار رجال الإقطاع ورؤوس الداوية (فرسان الهيكل) والاسبتارية (فرسان القديس يوحنا) ونحو ثلاثة أضعاف ذلك العدد من الفرسان الداوية والاسبتارية والتركبولية (أجناد مرتزقة من السكان المحليين وخاصة الترك الذين يجيدون الرماية من على ظهور الخيل) والسرجندية وأكثر من عشرة آلاف جندي من المشاة إضافة إلى المتطوعة وعلى رأسهم أسقف كنيسة القبر المقدس حاملاً صليب الصلبوت رمز المملكة وموضع تقديسها ( وهو صليب يزعم أنه من الخشب الذي صلب عليه المسيح). وفي رقعة مناسبة تماماً لإمداد الجيش بما يحتاجه من ماء وزاد وعتاد وقف الصليبيون ينتظرون أن يبادرهم صلاح الدين القتال.
    أتم صلاح الدين حشد قواته التي قارب تعدادها ما حشده الفرنجة واستعرضها، ثم توجه بها بعد صلاة الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 583هـ /حزيران 1187م إلى ناحية خسفين واجتاز نهر الأردن عند جسر الصنبرة جنوب بحيرة طبرية وعسكر في الأقحوانة قرب النهر، وكان على رأس ميمنته ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر صاحب حماة، وعلى رأس الميسرة الأمير مظفر الدين كوكبري صاحب حران، أما القلب فكان بقيادة صلاح الدين نفسه. ومن هذا الموقع بث صلاح الدين طلائعه في عدة اتجاهات في محاولة منه لاقتلاع الفرنجة من مواقعهم واجتذابهم إلى أرض مكشوفة، لكن محاولاته لم تنجح وظل الصليبيون متمسكين في مواقعهم عند الصفورية. عندئذ قرر صلاح الدين مهاجمة مدينة طبرية، وفيها زوجة الكونت ريموند، على أمل أن يحفز هذا الهجوم الفرنجة لنجدتها، وتمكن في انقضاض مفاجئ على رأس قوة صغيرة ليلة الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر /الثاني من تموز من احتلال المدينة واستعصت عليه قلعتها. جاء تقدير صلاح الدين للموقف صحيحاً هذه المرة فأجمع الفرنجة أمرهم على التحرك لنجدة القلعة وعارضهم في ذلك صاحبها ريموند ليقينه بأن هذا ما أراده صلاح الدين.
    في يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر/الثالث من تموز تحرك جيش الفرنجة بمسير نهاري من الصفورية على الطريق الشمالية قاصداً طبرية وعلى مقدمته الكونت ريموند وفي القلب الملك غاي، وتولى قيادة المؤخرة باليان إبلين ومعه فرسان الداوية، وعلم صلاح الدين بحركة الفرنجة فانتقل بقواته شمالاً حتى بلغ سهل حطين وعسكر في كفر سبت بعد أن سد جميع الطرق والممرات إلى طبرية، وبث بعض قواته الخفيفة الحركة لمناوشة الفرنجة في الطريق وإنهاكهم، وخاصة القوات التي تحرس المؤخرة، واستمرت الحال على هذا النحو حتى المساء حين وصل الفرنجة إلى الهضبة المشرفة على سهل حطين عند لوبية وقد لقوا من العناء ما لاقوه بسبب الحر الشديد وعدم توافر الماء ورمايات المسلمين ودخان الحرائق التي أشعلها المسلمون في الأعشاب على الطريق، فقرروا المبيت ليلتهم في ذلك الموقع مطوقين بأعدائهم. وفي صبيحة يوم الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الآخر/الرابع من تموز التحم الجيشان في قتال ضار استمر طوال النهار وحال الظلام بينهما فبات كل من الطرفين على حاله، وفي صبيحة اليوم التالي (السبت الخامس والعشرين ربيع الآخر/ الخامس من تموز) عاود الطرفان القتال بضراوة وحاول الفرنجة اختراق الطوق للوصول إلى الماء أكثر من مرة لكنهم ردوا على أعقابهم وقد أنهكوا واشتد بهم العطش وآذاهم الحر والدخان، ولم ينقض منتصف النهار حتى انهار مشاتهم وتوقفوا عن القتال، وأصيب فرسانهم بالإعياء وفقد التعاون بينهم، واعتصم الجميع بقرون حطين والمسلمون يرهقونهم من جميع الجهات بهجماتهم المتكررة، إلى أن انتهت المعركة باستيلاء المسلمين على صليب الصلبوت واستسلام من بقي حياً من الفرنجة وفيهم الملك غاي وأكثر رؤوس الفرنجة وقد أثخنتهم الجراح، ولم ينج من قادتهم سوى ريموند الثالث ورينالد صاحب صيدا وباليان إبلين الذين تمكنوا من اختراق الطوق منفردين في نفر قليل من أتباعهم.
    صان صلاح الدين حياة الملك غاي وبقية البارونات وقتل أرناط بسيفه وأمر بإعدام رؤوس الداوية والاسبتارية لنكايتهم بالمسلمين، و بمعاملة بقية الفرسان الأسرى بالحسنى، وافتدى كثير منهم نفسه فيما بعد، وبيع من لم يملك القدرة على الفداء بيع الرقيق، ودمرت القوة العسكرية لمملكة بيت المقدس تدميراً تاماً.
    استثمر صلاح الدين نصره في حطين، فاستولى على طبرية وحرر عسقلان وعكا وأكثر المعاقل التي كانت لمملكة بيت المقدس والمدن الساحلية جنوبي بيروت باستثناء صور، وفي العشرين من رجب /الثاني من تشرين الأول من السنة نفسها، أي بعد ثلاثة أشهر من وقعة حطين، استسلمت القدس لصلاح الدين بعد حصار شديد، وسمح لمن بقي فيها من الفرنجة بالخروج سالمين بعد دفع فدية على قدر حالهم، ولم يبق في المدينة من النصارى إلا العرب من أهل البلاد وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
    تابع صلاح الدين عملياته لتحرير بقية الأراضي التي يسيطر عليها الفرنجة ولم يبق في يدهم حتى أواخر عام 585هـ/1189م سوى قلعة كوكب (بلفوار) ومدينة صور من مملكة بيت المقدس. وتقلصت ممتلكات كونتية طرابلس وإمارة أنطاكية إلى حدود حاضرتيهما وبعض أرباضهما، وانتهى أمر قسم كبير من مؤسسات الفرنجة في بلاد الشام.
    النتائج السياسية والعسكرية لمعركة حطين
    تعد معركة حطين نقطة تحول حاسمة في الموقف السياسي - العسكري في المشرق ، فقد دمرت المؤسسة العسكرية الصليبية التي ظلت ترهب المشرق نحو قرن من الزمن، وتحول المسلمون من وضع الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي وانتعشت الآمال بقرب نهاية الوجود الفرنجي في البلاد. وتبين للجميع أهمية الوحدة السياسية وتلاحم القوى وبناء القدرة الذاتية والتخطيط الشامل ووضوح الهدف في تحقيق النصر. ومن الناحية العسكرية فقد كانت معركة حطين والترتيبات التي سبقتها والعمليات التي تلتها نموذجاً رائعاً للحرب الحركية والمناورة الجيدة تمثلت فيها مختلف أنواع الأعمال الحربية من الاستطلاع الجيد والاختيار الصحيح لأرض المعركة إلى القتال في المسير والقتال التصادمي والهجوم والدفاع والتطويق وغير ذلك ، غير أن أبرز ما فيها نجاح المسلمين في تشتيت جهود العدو وإنهاكه وإرهاقه بالرمايات من الحركة وإضعاف معنوياته والإفادة من نقاط ضعفه قبل الانقضاض النهائي عليه، ومن ثم استثمار النصر من دون تلكؤ ليكون النجاح تاماً غير منقوص. ولا شك بأن الكفاية القتالية العالية والتصميم على انتزاع النصر إلى جانب الاستعداد الدائم للتضحية من أهم عناصر النجاح في جميع الأحوال وفي كل مكان وزمان.
    محمد وليد الجلاد
يعمل...
X