اتحاد سوفييتي (تاريخ)
Soviet Union - Union Soviétique
الاتحاد السوفييتي تاريخياً
أدت الأزمات الحادة التي شهدتها روسية القيصرية في الحرب العالمية الأولى إلى سقوط النظام القيصري بعد أن أخفقت محاولات القيصر إنقاذ حكم أسرته من آل رومانونف. وبعد أن رفضت الحكومات المؤقتة الثلاث التي تعاقبت على السلطة (آذار - تشرين الأول 1917) الاستجابة لمطلب الجماهير بوقف الحرب وعقد سلام بلا ضم ولا تعويض، رأى لينين أن الوقت قد حان للقيام بالثورة وتسلم البلاشفة (فريق الأكثرية في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي) السلطة في روسية، فقام أنصاره في ليل 24-25 تشرين الأول 1917 بالاستيلاء على السلطة في العاصمة بتروغراد (ليننغراد فيما بعد، وسان بطرسبورغ منذ 1991)، بعد أن تغلبوا على مقاومة المنشفيك (فريق الأقلية في الحزب).
وفي مساء يوم 25 تشرين الأول أيد مؤتمر المجالس السوفييتية الروسية ثورة أكتوبر، وأقال الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها كيرنسكي Kerenski، وبذلك أصبحت السلطة في روسية بيد البلاشفة بزعامة لينين [ر] بعد إسقاط سلطة الملاكين الكبار والبرجوازيين.
عهد لينين (1917-1924)
عقب تسلم البلاشفة السلطة في روسية، باشروا تنفيذ برنامجهم الثوري من أجل إقامة نظام اشتراكي بقيادة البروليتارية. ففي 28 تشرين الثاني 1917 قرروا تشكيل حكومة جديدة من البلاشفة برئاسة لينين. وأصدروا «قرار السلام» الذي يعرض السلام على الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى بلا ضم ولا تعويضات، و«قرار الأرض» الذي يقضي بإلغاء الملكيات العقارية الكبيرة بلا تعويضات ومنحها للفلاحين الفقراء.
وفي الأسابيع اللاحقة، تبنت الحكومة البلشفية سلسلة من الإصلاحات مثل قرار القوميات الذي يقر بالمساواة بين شعوب روسية وسيادتها وحقها في تقرير مصيرها، وتطبيق الزواج المدني، والفصل بين الكنيسة والدولة، والرقابة العمالية على المنشآت الصناعية. كما أممت بعض المصانع، وسرعان ما أثارت هذه الإصلاحات المتاعب أمام الحكومة البلشفية، إذ قام كيرنسكي رئيس الحكومة المؤقتة بالهجوم على العاصمة بتروغراد في محاولة لاستعادتها، ودعا مجلس «الدومة» المحلي في بتروغراد السكان إلى المقاومة وأيدته بعض النقابات. ودارت المعارك بين الكتائب الحمراء وقوات «البيض» في موسكو. وبدءاً من نهاية 1917 تألفت في المناطق الجنوبية من روسية بضعة جيوش بيضاء معادية للثورة، في حين قرر كثير من القوميات إقامة دول مستقلة لهم (فنلندة، أوكرانية، شعوب القفقاس..) استغلت بعض الدول الأجنبية الظروف التي تمر بها الثورة لتوسيع مناطق نفوذها (الأتراك في ما وراء القفقاس، واليابانيون في الشرق الأقصى). وردت الحكومة البلشفية بإنشاء دائرة الأمن السياسي (التُشكا) أواخر 1917، وبتأسيس الجيش الأحمر (28 كانون الثاني 1918) بهدف القضاء على الفوضى وعلى الثورة المضادة والتدخل الخارجي. ووقعت مع الحكومة الألمانية معاهدة سلام منفرد (معاهدة بريست - ليتوفسك 13 آذار 1918).
رأت الدول الحليفة أن توقيع هذه المعاهدة خيانة من روسية. فقدمت دعمها للقوى المناهضة للثورة (الجيوش البيضاء)، وقام الإنكليز بعملية إنزال في مورمانسك (آذار 1918) وفي أرخانجلسك (آب 1918)،واحتل الألمان أوكرانية، واستولى اليابانيون على فلاديفوستك.
الحرب الأهلية: عزز توقيع الحكومة البلشفية على معاهدة السلام معارضة الاشتراكيين الثوريين الذين لجؤوا إلى استخدام العنف (اغتيال السفير الألماني ميرباخ، ومحاولة الانقلاب غير الناجحة على البلاشفة في موسكو ومدن أخرى، تموز 1918). وقاد ذلك إلى القطيعة بينهم وبين البلاشفة وإلى قيام نظام الحزب السوفييتي الوحيد. وفي شهر آب تعرض لينين لمحاولة اغتيال على يد أحد الاشتراكيين الثوريين وأصيب بجروح خطيرة. وانتشر الإرهاب في جميع أنحاء البلاد على يد «البيض» والدخلاء الأجانب.
وبدءاً من أيلول 1918، ردت الحكومة البلشفية على «الإرهاب الأبيض» بـ «الإرهاب الأحمر»، فعلى أثر أحداث آب، شمل الحظر الذي كانت الثورة قد فرضته على الأحزاب البرجوازية وصحفها (كانون الثاني 1918) كل الأحزاب الأخرى وصحفها، وأصدرت أوامرها بإحداث محاكم الثورة. فاشتد أوار الحرب الأهلية التي أدت إلى دمار البلاد وسقوط مئات الألوف من القتلى. وعلى الرغم من التدخل الخارجي وتقديم السلاح والعتاد والمؤن والمال إلى جنرالات «البيض» من قادة الحرب الأهلية في أوكرانية وسيبيرية وبلدان البلطيق، وقوة الفئات المعارضة في الداخل (أنصار النظام القيصري، والبرجوازية الليبرالية، والاشتراكيين الثوريين والمنشفيك)، فقد تمكنت الحكومة البلشفية من كسب الحرب: لتفتت أعدائها، واختلاف وجهات نظرهم حول نظام الحكم المزمع إقامته، ولاسيما بعد أن أعدم البلاشفة القيصر وأفراد أسرته، ولاعتماد الحكومة الثورية على العمال وعلى قسم مهم من الفلاحين، ولضخامة الجيش الأحمر وقوته، وقوة قوى الأمن السياسي (التُشكا) واستخدامها في القضاء على جيوش «البيض» واغتيال قادة المناهضين للثورة وأنصارهم. وكذلك الإجراءات الاقتصادية الصارمة أو شيوعية الحرب (إخضاع الفلاحين للرقابة الصارمة واقتطاع جزء مهم من محاصيلهم للقضاء على المجاعة، وتأميم المنشآت الصناعية الصغيرة، وتأميم التجارة الداخلية والخارجية، وتأميم السكك الحديدية والمصارف، وفرض العمل الإجباري على الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 16-50 عاماً). وقد تصدى الجيش الأحمر للجيوش الأجنبية المتدخلة، مما اضطر الحلفاء إلى إخلاء الأراضي التي كانوا يحتلونها من روسية بدءاً من عام 1919. في حين أنهت معاهدة ريغا (1921) الحرب البولندية - الروسية. وغدا البلاشفة من عام 1921 سادة روسية وأوكرانية وبيلوروسية والقفقاس. في حين صارت فنلندة وبولندة وبلدان البلطيق (أستونية وليتوانية، ولاتفية) دولاً مستقلة (1920). وأعيدت بسارابية إلى رومانية.
كانت خسائر الحرب العامة الأولى والحرب الأهلية وحرب التدخل المادية والبشرية مريعة. فقد انخفض الإنتاج الزراعي انخفاضاً شديداً. وفقدت روسية في المدة بين عامي 1913 و1921 نحو 13 مليون نسمة (ضحايا الحرب والأوبئة الشديدة والمجاعة). وأثارت الصعوبات الاقتصادية (اختفاء المواشي، وتهدم المناجم، وانخفاض الإنتاج الصناعي إلى 13٪ بالموازنة مع عام 1913، ودمار وسائل المواصلات، وانخفاض قيمة العملة...) أزمات خطيرة أدت إلى انتفاضات فلاحية وعمالية لم تلق نجاحاً، وأدى ذلك إلى انقسامات في صفوف الحزب الشيوعي حول الوسائل الواجب اتباعها للتغلب على الصعوبات التي تعاني منها البلاد، في حين حدث تمرد في صفوف البحرية على النظام البلشفي وإجراءاته التعسفية. واضطر لينين أمام هذا الوضع الذي هدد مستقبل الثورة البلشفية إلى الإعلان أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي (آذار 1921) عن تخلي الحكومة عن سياسة «شيوعية الحرب» وتبني سياسة اقتصادية جديدة، تقوم على أساس برنامج يهدف إلى تحقيق الاشتراكية في ملكية وسائل الإنتاج والتبادل، وأن تقوم الحكومة بتطبيق برنامجها هذا نيابة عن المجتمع الاشتراكي بإقامة تعاونيات زراعية (كولخوزات) وصناعية وتخطيط اقتصاد الدولة على هذه الأسس.
السياسة الاقتصادية الجديدة: تمثلت هذه السياسة في المجال الزراعي في إلغاء مصادرة المحصولات الزراعية بهدف كسب الفلاحين إلى جانب الثورة، في حين حوفظ على الملكية الاشتراكية للأرض التي بدأت عام 1919 بتأسيس مزارع الدولة (السوفخوزات) والتعاونيات، ومنح الفلاحون حق حرية الاختيار بين البقاء في هذه المؤسسات أو تركها، وأدت هذه السياسة في مدى خمسة أعوام إلى نتائج مرضية في القطاع الزراعي ولاسيما في مجال إنتاج الحبوب.
أما في المجال الصناعي فقد تمثلت هذه السياسة بإعادة بناء القطاع الخاص في المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة على قاعدة التنافس فيما بينها. وأعيدت التجارة الداخلية إلى هذا القطاع بهدف تشجيع التصنيع وإيجاد الأسس المادية للاشتراكية بتحقيق التراكم الرأسمالي اللازم لبناء المجتمع الاشتراكي، ومنحت بعض الامتيازات للرأسماليين الأجانب، مثل فورد الذي بنى مصنعاً للسيارات في غوركي Gorki. كذلك شجعت الدولة تطوير القطاع الاشتراكي الذي شمل النشاطات الاقتصادية الرئيسية كالنقل والمصارف والتجارة الخارجية والصناعة الكبيرة. واستفادت منشآت هذا القطاع من تمويلات الدولة الضخمة، ولاسيما في مجال الطاقة، لإنشاء التروستات (421 تروستاً في عام واحد) التي كانت تضم المنشآت الصناعية والفروع التي تمارس النشاط نفسه (الفحم في حوض الدونتز، والتعدين في أوكرانية...) وهي مؤسسات عامة كانت تتمتع باستقلال مالي وتتحمل مسؤولية إدارتها التي يجب أن تكون رابحة. ومع أن هذه المشروعات حققت بعض النجاحات (مثل بناء عدة مفاعلات للطاقة الكهربائية وصنع أوائل السيارات والطائرات وإنجازات متنوعة في مجال الصناعات الاستهلاكية)، فإن نقص الأموال والتقنين جعل عملية النهوض الصناعي صعبة ولاسيما في مجال الصناعة الثقيلة، وكان لينين يأمل أن يؤدي التنافس بين القطاعين العام والخاص إلى تحقيق تقدم اقتصادي يسمح بالانطلاق نحو بناء الاقتصاد الاشتراكي
Soviet Union - Union Soviétique
الاتحاد السوفييتي تاريخياً
أدت الأزمات الحادة التي شهدتها روسية القيصرية في الحرب العالمية الأولى إلى سقوط النظام القيصري بعد أن أخفقت محاولات القيصر إنقاذ حكم أسرته من آل رومانونف. وبعد أن رفضت الحكومات المؤقتة الثلاث التي تعاقبت على السلطة (آذار - تشرين الأول 1917) الاستجابة لمطلب الجماهير بوقف الحرب وعقد سلام بلا ضم ولا تعويض، رأى لينين أن الوقت قد حان للقيام بالثورة وتسلم البلاشفة (فريق الأكثرية في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي) السلطة في روسية، فقام أنصاره في ليل 24-25 تشرين الأول 1917 بالاستيلاء على السلطة في العاصمة بتروغراد (ليننغراد فيما بعد، وسان بطرسبورغ منذ 1991)، بعد أن تغلبوا على مقاومة المنشفيك (فريق الأقلية في الحزب).
وفي مساء يوم 25 تشرين الأول أيد مؤتمر المجالس السوفييتية الروسية ثورة أكتوبر، وأقال الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها كيرنسكي Kerenski، وبذلك أصبحت السلطة في روسية بيد البلاشفة بزعامة لينين [ر] بعد إسقاط سلطة الملاكين الكبار والبرجوازيين.
عهد لينين (1917-1924)
عقب تسلم البلاشفة السلطة في روسية، باشروا تنفيذ برنامجهم الثوري من أجل إقامة نظام اشتراكي بقيادة البروليتارية. ففي 28 تشرين الثاني 1917 قرروا تشكيل حكومة جديدة من البلاشفة برئاسة لينين. وأصدروا «قرار السلام» الذي يعرض السلام على الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى بلا ضم ولا تعويضات، و«قرار الأرض» الذي يقضي بإلغاء الملكيات العقارية الكبيرة بلا تعويضات ومنحها للفلاحين الفقراء.
وفي الأسابيع اللاحقة، تبنت الحكومة البلشفية سلسلة من الإصلاحات مثل قرار القوميات الذي يقر بالمساواة بين شعوب روسية وسيادتها وحقها في تقرير مصيرها، وتطبيق الزواج المدني، والفصل بين الكنيسة والدولة، والرقابة العمالية على المنشآت الصناعية. كما أممت بعض المصانع، وسرعان ما أثارت هذه الإصلاحات المتاعب أمام الحكومة البلشفية، إذ قام كيرنسكي رئيس الحكومة المؤقتة بالهجوم على العاصمة بتروغراد في محاولة لاستعادتها، ودعا مجلس «الدومة» المحلي في بتروغراد السكان إلى المقاومة وأيدته بعض النقابات. ودارت المعارك بين الكتائب الحمراء وقوات «البيض» في موسكو. وبدءاً من نهاية 1917 تألفت في المناطق الجنوبية من روسية بضعة جيوش بيضاء معادية للثورة، في حين قرر كثير من القوميات إقامة دول مستقلة لهم (فنلندة، أوكرانية، شعوب القفقاس..) استغلت بعض الدول الأجنبية الظروف التي تمر بها الثورة لتوسيع مناطق نفوذها (الأتراك في ما وراء القفقاس، واليابانيون في الشرق الأقصى). وردت الحكومة البلشفية بإنشاء دائرة الأمن السياسي (التُشكا) أواخر 1917، وبتأسيس الجيش الأحمر (28 كانون الثاني 1918) بهدف القضاء على الفوضى وعلى الثورة المضادة والتدخل الخارجي. ووقعت مع الحكومة الألمانية معاهدة سلام منفرد (معاهدة بريست - ليتوفسك 13 آذار 1918).
رأت الدول الحليفة أن توقيع هذه المعاهدة خيانة من روسية. فقدمت دعمها للقوى المناهضة للثورة (الجيوش البيضاء)، وقام الإنكليز بعملية إنزال في مورمانسك (آذار 1918) وفي أرخانجلسك (آب 1918)،واحتل الألمان أوكرانية، واستولى اليابانيون على فلاديفوستك.
الحرب الأهلية: عزز توقيع الحكومة البلشفية على معاهدة السلام معارضة الاشتراكيين الثوريين الذين لجؤوا إلى استخدام العنف (اغتيال السفير الألماني ميرباخ، ومحاولة الانقلاب غير الناجحة على البلاشفة في موسكو ومدن أخرى، تموز 1918). وقاد ذلك إلى القطيعة بينهم وبين البلاشفة وإلى قيام نظام الحزب السوفييتي الوحيد. وفي شهر آب تعرض لينين لمحاولة اغتيال على يد أحد الاشتراكيين الثوريين وأصيب بجروح خطيرة. وانتشر الإرهاب في جميع أنحاء البلاد على يد «البيض» والدخلاء الأجانب.
وبدءاً من أيلول 1918، ردت الحكومة البلشفية على «الإرهاب الأبيض» بـ «الإرهاب الأحمر»، فعلى أثر أحداث آب، شمل الحظر الذي كانت الثورة قد فرضته على الأحزاب البرجوازية وصحفها (كانون الثاني 1918) كل الأحزاب الأخرى وصحفها، وأصدرت أوامرها بإحداث محاكم الثورة. فاشتد أوار الحرب الأهلية التي أدت إلى دمار البلاد وسقوط مئات الألوف من القتلى. وعلى الرغم من التدخل الخارجي وتقديم السلاح والعتاد والمؤن والمال إلى جنرالات «البيض» من قادة الحرب الأهلية في أوكرانية وسيبيرية وبلدان البلطيق، وقوة الفئات المعارضة في الداخل (أنصار النظام القيصري، والبرجوازية الليبرالية، والاشتراكيين الثوريين والمنشفيك)، فقد تمكنت الحكومة البلشفية من كسب الحرب: لتفتت أعدائها، واختلاف وجهات نظرهم حول نظام الحكم المزمع إقامته، ولاسيما بعد أن أعدم البلاشفة القيصر وأفراد أسرته، ولاعتماد الحكومة الثورية على العمال وعلى قسم مهم من الفلاحين، ولضخامة الجيش الأحمر وقوته، وقوة قوى الأمن السياسي (التُشكا) واستخدامها في القضاء على جيوش «البيض» واغتيال قادة المناهضين للثورة وأنصارهم. وكذلك الإجراءات الاقتصادية الصارمة أو شيوعية الحرب (إخضاع الفلاحين للرقابة الصارمة واقتطاع جزء مهم من محاصيلهم للقضاء على المجاعة، وتأميم المنشآت الصناعية الصغيرة، وتأميم التجارة الداخلية والخارجية، وتأميم السكك الحديدية والمصارف، وفرض العمل الإجباري على الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 16-50 عاماً). وقد تصدى الجيش الأحمر للجيوش الأجنبية المتدخلة، مما اضطر الحلفاء إلى إخلاء الأراضي التي كانوا يحتلونها من روسية بدءاً من عام 1919. في حين أنهت معاهدة ريغا (1921) الحرب البولندية - الروسية. وغدا البلاشفة من عام 1921 سادة روسية وأوكرانية وبيلوروسية والقفقاس. في حين صارت فنلندة وبولندة وبلدان البلطيق (أستونية وليتوانية، ولاتفية) دولاً مستقلة (1920). وأعيدت بسارابية إلى رومانية.
كانت خسائر الحرب العامة الأولى والحرب الأهلية وحرب التدخل المادية والبشرية مريعة. فقد انخفض الإنتاج الزراعي انخفاضاً شديداً. وفقدت روسية في المدة بين عامي 1913 و1921 نحو 13 مليون نسمة (ضحايا الحرب والأوبئة الشديدة والمجاعة). وأثارت الصعوبات الاقتصادية (اختفاء المواشي، وتهدم المناجم، وانخفاض الإنتاج الصناعي إلى 13٪ بالموازنة مع عام 1913، ودمار وسائل المواصلات، وانخفاض قيمة العملة...) أزمات خطيرة أدت إلى انتفاضات فلاحية وعمالية لم تلق نجاحاً، وأدى ذلك إلى انقسامات في صفوف الحزب الشيوعي حول الوسائل الواجب اتباعها للتغلب على الصعوبات التي تعاني منها البلاد، في حين حدث تمرد في صفوف البحرية على النظام البلشفي وإجراءاته التعسفية. واضطر لينين أمام هذا الوضع الذي هدد مستقبل الثورة البلشفية إلى الإعلان أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي (آذار 1921) عن تخلي الحكومة عن سياسة «شيوعية الحرب» وتبني سياسة اقتصادية جديدة، تقوم على أساس برنامج يهدف إلى تحقيق الاشتراكية في ملكية وسائل الإنتاج والتبادل، وأن تقوم الحكومة بتطبيق برنامجها هذا نيابة عن المجتمع الاشتراكي بإقامة تعاونيات زراعية (كولخوزات) وصناعية وتخطيط اقتصاد الدولة على هذه الأسس.
السياسة الاقتصادية الجديدة: تمثلت هذه السياسة في المجال الزراعي في إلغاء مصادرة المحصولات الزراعية بهدف كسب الفلاحين إلى جانب الثورة، في حين حوفظ على الملكية الاشتراكية للأرض التي بدأت عام 1919 بتأسيس مزارع الدولة (السوفخوزات) والتعاونيات، ومنح الفلاحون حق حرية الاختيار بين البقاء في هذه المؤسسات أو تركها، وأدت هذه السياسة في مدى خمسة أعوام إلى نتائج مرضية في القطاع الزراعي ولاسيما في مجال إنتاج الحبوب.
أما في المجال الصناعي فقد تمثلت هذه السياسة بإعادة بناء القطاع الخاص في المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة على قاعدة التنافس فيما بينها. وأعيدت التجارة الداخلية إلى هذا القطاع بهدف تشجيع التصنيع وإيجاد الأسس المادية للاشتراكية بتحقيق التراكم الرأسمالي اللازم لبناء المجتمع الاشتراكي، ومنحت بعض الامتيازات للرأسماليين الأجانب، مثل فورد الذي بنى مصنعاً للسيارات في غوركي Gorki. كذلك شجعت الدولة تطوير القطاع الاشتراكي الذي شمل النشاطات الاقتصادية الرئيسية كالنقل والمصارف والتجارة الخارجية والصناعة الكبيرة. واستفادت منشآت هذا القطاع من تمويلات الدولة الضخمة، ولاسيما في مجال الطاقة، لإنشاء التروستات (421 تروستاً في عام واحد) التي كانت تضم المنشآت الصناعية والفروع التي تمارس النشاط نفسه (الفحم في حوض الدونتز، والتعدين في أوكرانية...) وهي مؤسسات عامة كانت تتمتع باستقلال مالي وتتحمل مسؤولية إدارتها التي يجب أن تكون رابحة. ومع أن هذه المشروعات حققت بعض النجاحات (مثل بناء عدة مفاعلات للطاقة الكهربائية وصنع أوائل السيارات والطائرات وإنجازات متنوعة في مجال الصناعات الاستهلاكية)، فإن نقص الأموال والتقنين جعل عملية النهوض الصناعي صعبة ولاسيما في مجال الصناعة الثقيلة، وكان لينين يأمل أن يؤدي التنافس بين القطاعين العام والخاص إلى تحقيق تقدم اقتصادي يسمح بالانطلاق نحو بناء الاقتصاد الاشتراكي