ليستر (جوزيف) Lister (Joseph-) - Lister (Joseph-)
ليستر (جوزيف ـ)
(1827ـ 1912)
جوزيف ليستر Joseph Lister جراح إنكليزي يعود إليه الفضل في إيجاد مبادئ التطهير antisepsis في العمليات الجراحية وجعل نظافتها أمراً واقعاً. وقد أرسى هذا دعائم تطور الجراحة الحديثة، وخفف المضاعفات القيحية التي كانت تؤدي إلى الموت في أحيان كثيرة.
كان جوزيف ليستر الابن الرابع لتاجر خمر ثري اتصف بالمعرفة، وتميز في علم الضوء. وكانت الأسرة تنتمي إلى طائفة الصحابيين Quaker’s البروتستنتية؛ لذا عاش الطفل وترعرع في جو صارم شديد التقيد بالمبادئ الأخلاقية. وعلى الرغم من أن جوزيف ليستر ترك هذه الطائفة فقد بقي متأثراً في كثير من طباعه وعاداته بمبادئها الأخلاقية والتربوية ولاسيما الجرأة والشجاعة في الدفاع عما يعتقده صواباً.
اكتسب أبوه الذي كان يمضي أوقات فراغه في دراسة علم الضوء وأجهزته شهرة لما أدخله من تحسين وتعديل في المجهر الضوئي، ولذا ليس من المستغرب أن يلتفت ابنه جوزيف منذ نعومة أظفاره إلى الأهمية البيولوجية للعالم غير المرئي بالعين المجردة ويكشفه المجهر.
تمنى جوزيف ليستر منذ فجر حياته أن يصبح جراحاً في المستقبل، ولكن والده لم يقره في البدء على رأيه؛ لأن تلك المهنة في ذاك الزمان قبل اكتشاف طرق التخدير والتطهير كانت تعد غير لائقة ولا يرغب كثير فيها.
التحق ليستر بعد إنهاء دراسته الثانوية بكلية الطب في جامعة لندن، وتأثر منذ بداية حياته الجامعية بوليم شاربي W.Sharpy أستاذ الفيزيولوجيا؛ ومن الجدير بالذكر أنه حضر عام 1846، وهو مازال طالباً، أول عملية جراحية طُبّق فيها التخدير بنجاح في أوربا في مستشفى الجامعة من قبل روبرت ليستون R.Liston.
حاز ليستر شهادة الطب عام 1852، وكان عنوان رسالته الجامعية (أطروحته) «موات gangrene المستشفى» أي الموات الذي يصيب مرضى المستشفيات.
كان ليستر ميسور الحال مؤَمَن العيش لا حاجة له للعمل مباشرة بعد تخرجه، لذا نصحه أستاذه شاربي أن يمضي شهراً مع جيمس سيم J.Syme الجراح الشهير الذي كان يلهج باسمه الجميع، ويعمل في أدنبره. استجاب ليستر لنصح أستاذه. وما إن وصل أدنبره حتى حدث انجذاب متبادل بين الجراح الكبير والطبيب الشاب، مما دفع الأستاذ إلى تكليفه بالقيام بعمل جراح مقيم في المستشفى. وبقي يعمل مع سيم عدة سنوات تزوج فيها ابنته، وألقى محاضرتين في الجمعية الملكية عن نتائج بحوثه الأولى عام 1857 عن الالتهابات، والثانية عام 1858 عن تخـثر الدم. وما أن جاء عام 1859 حتى كان عليه أن يختار بين كرسي الجراحة في غلاسكو Glascow الذي عُرض عليه وبين البقاء في أدنبره مع سيم. وبعد تردد كثير اختار غلاسكو. وكانت محاضراته في الجراحة في مدرج جامعتها تحظى بأكبر عدد حضور في المملكة المتحدة.
وبقي ليستر مهتماً بحوادث الموات التي يصاب بها نزلاء المستشفيات بعد خضوعهم لمداخلات جراحية، وقد ازداد عددها حتى أصبح يقال: إن مَن تُجرى له عملية جراحية يواجه الموت بقدر ما يواجهه الجندي في ساحة المعركة. وعلى الرغم من أن دراساته بالمجهر جعلته متآلفاً مع الآلية الفيزيولوحية للالتهاب، فإن السبب الأساسي لسيرورته التي تقضي على بعض المرضى دون بعضهم الآخر بقيت غائبة عنه.
وبدا له مفهوم جديد لحل هذه المشكلة حينما اطلع عام 1865 على أعمال باستور التي تتصل بالاختمار fermentation والتفسخ putrefaction، وعرف أن أسبابها عوامل مجهرية حية. وفكر ليستر في أن تقيح الجروح قد يعود إلى أسباب مشابهة، ثم تذكّر أن حمض الفنيك يستعمل في معالجة المجاري فقرر الأخذ به لتطهير الجروح. فطبق أول تجربة لفكرته على كسر مفتوح في الساق. نظف الجرح بحمض الفنيك ثم وضع فوقه ضمادات مشربة بهذا الحمض، فنجحت التجربة وقام بتكرارها مع إدخال تحسينات على أسلوب عمله، حتى أصبحت بالنسبة إليه من الأمور المألوفة التي تعقب العمليات التي يقوم بها. ولابد من الإشارة إلى أنه حينما بدأ ليستر تجاربه لم تكن نظرية حدوث أمراض بالأحياء الدقيقة قد عُرفت.
لم يعلن ليستر نجاح تجاربه مباشرة بل انتظر عام 1867 لينشر النتائج التي توصل إليها في مجلة لانست Lancet، كما ألقى في العام ذاته محاضرة في الجمعية الطبية البريطانية British Medical Association عن مبادئ التطهير.
وراح عدد من الجراحين البريطانيين يسخرون من نظريته التي تقول إن أحياء مجهرية هي سبب التقيح، كما كان يطلق على طريقته في المجلات الطبية حين الإتيان على ذكرها «المعالجة بالفنيك»، وكان رده على سخريتهم جميعاً متابعة تجاربه. وراح عدد كبير من الجراحين غير البريطانيين يزورون مستشفى غلاسكو للاطلاع على طريقته، وأعلن قسم منهم حين عودته إلى بلاده أن ثورة طرأت على الطرق الجراحية. وحاول بعض الجراحين البريطانيين تطبيق أسلوبه في التطهير لكن عملهم كان بعيداً عن التقيد بمنهجيته، فلم يتوصلوا إلى نتائج إيجابية، حتى إن منهم من قال بعد إخفاقه: إن النتائج التي أعلنها ليستر عارية عن الصحة.
لم يكتف ليستر بدراسة تأثير حمض الفنيك في تطهير الجروح، بل راح يدرس بالمجهر نتائج خياطتها بالخيوط العادية وخيوط الحرير على حيوانات المخبر، وتبين له أن هذه المواد لا تصلح لإلحام الجروح. وإليه يرجع الفضل في استعمال القصابات catgut للخياطة. ويتم الحصول عليها من كلاجين الطبقة تحت المخاطية لأمعاء الخراف. ومن تجاربه أيضاً محاولة تطهير قاعات العمليات بحمض الفنيك، فوضع لهذه الغاية أسس مبخرة vaporiser آلية تنشر ضبابة من حمض الفنيك. لكنه أهمل هذه الطريقة فيما بعد. وهو أول من استخدم الشاش gauze في الضمادات. كما يعود إليه الفضل في استعمال أنابيب من المطاط لنزح drainage الجروح. وكان من شدة ثقته بنفسه أن طبقها على الملكة فكتوريا. كما توصل إلى معارف كثيرة تتصل بالجراثيم. فهو أول من استفرد جرثوماً واحداً وحصل على مزروع نقي منه وحده، باستعماله محقنة واللجوء إلى ترقيق متكرر للمحلول.
أصيب ليستر بصدمة شديدة حين وفاة والده، إذ لم تكن العلاقة بينهما أبوية فحسب بل كانت ضرباً من النقاش العلمي المستمر أيضاً. كان يطرح برسائل أسبوعية يبعثها إلى والده المشكلات التي تعترضه، فيتبادلان الرأي لإيجاد حل لها. وفي العام ذاته أحيل سيم أستاذه على التقاعد، فحل ليستر مكانه وشغل كرسي الجراحة في أدنبره، فتابع تجاربه فيها كما كان يفعل في غلاسكو.
وفي عام 1874- أي بعد سبع سنوات من نشر نتائجه - كتب إلى باستور يلفت انتباهه إلى أهمية التطهير في العمل الجراحي. فنشأت إثر ذلك صداقة بين العالمين.
لم يكتمل نجاح ليستر والأخذ بطريقته «بالتطهير» إلا في عام 1877 حينما شغل كرسي الجراحة في King’s College في لندن.
وصف أحد أتراب ليستر سلوكه الاجتماعي حين كان طالباً في الجامعة بأنه اتسم بلطف المعشر مع ميل إلى العزلة والنأي عن الارتباط بصداقة متينة. ولكنه فقد بعد زواجه بعض صرامته من دون أن يؤثر ذلك في اندفاعه للعمل وشغفه بالمثابرة عليه.
منح ليستر عام 1883 لقب فارس Sir، ثم بعد أربعة عشر عاماً لقب لورد Lord، وانتخب رئيساً للجمعية الملكية Royal Society، وانتدب ليمثل العِلم البريطاني حين تأبين باستور.
وعندما توفي ليستر وُجد بجانب سريره دفتر صغير كتب فيه بعض الملاحظات عن تقيح الجروح.
عدنان تكريتي
ليستر (جوزيف ـ)
(1827ـ 1912)
جوزيف ليستر Joseph Lister جراح إنكليزي يعود إليه الفضل في إيجاد مبادئ التطهير antisepsis في العمليات الجراحية وجعل نظافتها أمراً واقعاً. وقد أرسى هذا دعائم تطور الجراحة الحديثة، وخفف المضاعفات القيحية التي كانت تؤدي إلى الموت في أحيان كثيرة.
كان جوزيف ليستر الابن الرابع لتاجر خمر ثري اتصف بالمعرفة، وتميز في علم الضوء. وكانت الأسرة تنتمي إلى طائفة الصحابيين Quaker’s البروتستنتية؛ لذا عاش الطفل وترعرع في جو صارم شديد التقيد بالمبادئ الأخلاقية. وعلى الرغم من أن جوزيف ليستر ترك هذه الطائفة فقد بقي متأثراً في كثير من طباعه وعاداته بمبادئها الأخلاقية والتربوية ولاسيما الجرأة والشجاعة في الدفاع عما يعتقده صواباً.
اكتسب أبوه الذي كان يمضي أوقات فراغه في دراسة علم الضوء وأجهزته شهرة لما أدخله من تحسين وتعديل في المجهر الضوئي، ولذا ليس من المستغرب أن يلتفت ابنه جوزيف منذ نعومة أظفاره إلى الأهمية البيولوجية للعالم غير المرئي بالعين المجردة ويكشفه المجهر.
تمنى جوزيف ليستر منذ فجر حياته أن يصبح جراحاً في المستقبل، ولكن والده لم يقره في البدء على رأيه؛ لأن تلك المهنة في ذاك الزمان قبل اكتشاف طرق التخدير والتطهير كانت تعد غير لائقة ولا يرغب كثير فيها.
التحق ليستر بعد إنهاء دراسته الثانوية بكلية الطب في جامعة لندن، وتأثر منذ بداية حياته الجامعية بوليم شاربي W.Sharpy أستاذ الفيزيولوجيا؛ ومن الجدير بالذكر أنه حضر عام 1846، وهو مازال طالباً، أول عملية جراحية طُبّق فيها التخدير بنجاح في أوربا في مستشفى الجامعة من قبل روبرت ليستون R.Liston.
حاز ليستر شهادة الطب عام 1852، وكان عنوان رسالته الجامعية (أطروحته) «موات gangrene المستشفى» أي الموات الذي يصيب مرضى المستشفيات.
كان ليستر ميسور الحال مؤَمَن العيش لا حاجة له للعمل مباشرة بعد تخرجه، لذا نصحه أستاذه شاربي أن يمضي شهراً مع جيمس سيم J.Syme الجراح الشهير الذي كان يلهج باسمه الجميع، ويعمل في أدنبره. استجاب ليستر لنصح أستاذه. وما إن وصل أدنبره حتى حدث انجذاب متبادل بين الجراح الكبير والطبيب الشاب، مما دفع الأستاذ إلى تكليفه بالقيام بعمل جراح مقيم في المستشفى. وبقي يعمل مع سيم عدة سنوات تزوج فيها ابنته، وألقى محاضرتين في الجمعية الملكية عن نتائج بحوثه الأولى عام 1857 عن الالتهابات، والثانية عام 1858 عن تخـثر الدم. وما أن جاء عام 1859 حتى كان عليه أن يختار بين كرسي الجراحة في غلاسكو Glascow الذي عُرض عليه وبين البقاء في أدنبره مع سيم. وبعد تردد كثير اختار غلاسكو. وكانت محاضراته في الجراحة في مدرج جامعتها تحظى بأكبر عدد حضور في المملكة المتحدة.
وبقي ليستر مهتماً بحوادث الموات التي يصاب بها نزلاء المستشفيات بعد خضوعهم لمداخلات جراحية، وقد ازداد عددها حتى أصبح يقال: إن مَن تُجرى له عملية جراحية يواجه الموت بقدر ما يواجهه الجندي في ساحة المعركة. وعلى الرغم من أن دراساته بالمجهر جعلته متآلفاً مع الآلية الفيزيولوحية للالتهاب، فإن السبب الأساسي لسيرورته التي تقضي على بعض المرضى دون بعضهم الآخر بقيت غائبة عنه.
وبدا له مفهوم جديد لحل هذه المشكلة حينما اطلع عام 1865 على أعمال باستور التي تتصل بالاختمار fermentation والتفسخ putrefaction، وعرف أن أسبابها عوامل مجهرية حية. وفكر ليستر في أن تقيح الجروح قد يعود إلى أسباب مشابهة، ثم تذكّر أن حمض الفنيك يستعمل في معالجة المجاري فقرر الأخذ به لتطهير الجروح. فطبق أول تجربة لفكرته على كسر مفتوح في الساق. نظف الجرح بحمض الفنيك ثم وضع فوقه ضمادات مشربة بهذا الحمض، فنجحت التجربة وقام بتكرارها مع إدخال تحسينات على أسلوب عمله، حتى أصبحت بالنسبة إليه من الأمور المألوفة التي تعقب العمليات التي يقوم بها. ولابد من الإشارة إلى أنه حينما بدأ ليستر تجاربه لم تكن نظرية حدوث أمراض بالأحياء الدقيقة قد عُرفت.
لم يعلن ليستر نجاح تجاربه مباشرة بل انتظر عام 1867 لينشر النتائج التي توصل إليها في مجلة لانست Lancet، كما ألقى في العام ذاته محاضرة في الجمعية الطبية البريطانية British Medical Association عن مبادئ التطهير.
وراح عدد من الجراحين البريطانيين يسخرون من نظريته التي تقول إن أحياء مجهرية هي سبب التقيح، كما كان يطلق على طريقته في المجلات الطبية حين الإتيان على ذكرها «المعالجة بالفنيك»، وكان رده على سخريتهم جميعاً متابعة تجاربه. وراح عدد كبير من الجراحين غير البريطانيين يزورون مستشفى غلاسكو للاطلاع على طريقته، وأعلن قسم منهم حين عودته إلى بلاده أن ثورة طرأت على الطرق الجراحية. وحاول بعض الجراحين البريطانيين تطبيق أسلوبه في التطهير لكن عملهم كان بعيداً عن التقيد بمنهجيته، فلم يتوصلوا إلى نتائج إيجابية، حتى إن منهم من قال بعد إخفاقه: إن النتائج التي أعلنها ليستر عارية عن الصحة.
لم يكتف ليستر بدراسة تأثير حمض الفنيك في تطهير الجروح، بل راح يدرس بالمجهر نتائج خياطتها بالخيوط العادية وخيوط الحرير على حيوانات المخبر، وتبين له أن هذه المواد لا تصلح لإلحام الجروح. وإليه يرجع الفضل في استعمال القصابات catgut للخياطة. ويتم الحصول عليها من كلاجين الطبقة تحت المخاطية لأمعاء الخراف. ومن تجاربه أيضاً محاولة تطهير قاعات العمليات بحمض الفنيك، فوضع لهذه الغاية أسس مبخرة vaporiser آلية تنشر ضبابة من حمض الفنيك. لكنه أهمل هذه الطريقة فيما بعد. وهو أول من استخدم الشاش gauze في الضمادات. كما يعود إليه الفضل في استعمال أنابيب من المطاط لنزح drainage الجروح. وكان من شدة ثقته بنفسه أن طبقها على الملكة فكتوريا. كما توصل إلى معارف كثيرة تتصل بالجراثيم. فهو أول من استفرد جرثوماً واحداً وحصل على مزروع نقي منه وحده، باستعماله محقنة واللجوء إلى ترقيق متكرر للمحلول.
أصيب ليستر بصدمة شديدة حين وفاة والده، إذ لم تكن العلاقة بينهما أبوية فحسب بل كانت ضرباً من النقاش العلمي المستمر أيضاً. كان يطرح برسائل أسبوعية يبعثها إلى والده المشكلات التي تعترضه، فيتبادلان الرأي لإيجاد حل لها. وفي العام ذاته أحيل سيم أستاذه على التقاعد، فحل ليستر مكانه وشغل كرسي الجراحة في أدنبره، فتابع تجاربه فيها كما كان يفعل في غلاسكو.
وفي عام 1874- أي بعد سبع سنوات من نشر نتائجه - كتب إلى باستور يلفت انتباهه إلى أهمية التطهير في العمل الجراحي. فنشأت إثر ذلك صداقة بين العالمين.
لم يكتمل نجاح ليستر والأخذ بطريقته «بالتطهير» إلا في عام 1877 حينما شغل كرسي الجراحة في King’s College في لندن.
وصف أحد أتراب ليستر سلوكه الاجتماعي حين كان طالباً في الجامعة بأنه اتسم بلطف المعشر مع ميل إلى العزلة والنأي عن الارتباط بصداقة متينة. ولكنه فقد بعد زواجه بعض صرامته من دون أن يؤثر ذلك في اندفاعه للعمل وشغفه بالمثابرة عليه.
منح ليستر عام 1883 لقب فارس Sir، ثم بعد أربعة عشر عاماً لقب لورد Lord، وانتخب رئيساً للجمعية الملكية Royal Society، وانتدب ليمثل العِلم البريطاني حين تأبين باستور.
وعندما توفي ليستر وُجد بجانب سريره دفتر صغير كتب فيه بعض الملاحظات عن تقيح الجروح.
عدنان تكريتي