لي تشينغ مصور وشاعر صيني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لي تشينغ مصور وشاعر صيني

    لي تشينغ Li Cheng - Li Cheng
    لي تشينغ

    (نحو 918 ـ 967م)



    لي تشينغ Li Cheng أو Li Tch eng مصور وشاعر صيني، سليل أسرة تانغ Tang الملكية. نشط بين عامي 940- 967. شُهر بجدارياته fresques البوذية وتكويناته النصبية monumentales، عُدّ في زمنه من أعظم كبار مصوري المناظر الطبيعية في الصين. تخلى عن كل شيء طلباً للعزلة منذ عام 959، ولاذ بحماية أحد الوزراء. ومع أنه أحد أفضل مصوري المناظر الطبيعية في زمانه مع المصورَين كوان تونغ Kouan T ong وفان كوان Fan K ouan، فإن المتتبعين أخباره والمهتمين بأعماله لم يقعوا إلا على أعمال معدودة ونادرة تعود إليه فعلاً وحقاً. وقد قيل إن لي تشينغ كان إنساناً متفوقاً واستثنائياً، وإن خصوبة إبداعه لا تُضاهى، وإنه أول من صوّر الطبيعة تصويراً صارماً ومتقشفاً، وأول من مثّلها بمناظر طبيعية كبيرة، وضمّنها الأشجار العارية والأغصان الملتفة في جو من العزلة والصمت، كما كان أول من تخلى عن التفاصيل وبساطة الألوان في سبيل فهم الكون فهماً حدسياً وشاملاً.


    لي تشينغ: "هضاب معبد الناسك"

    إن دراسة هذا الطيف العظيم العصي على الإمساك، والذي سيطر على العصر الذهبي للمنظر الصيني الكلاسي، هي برأي مؤرخي الفن الصيني مخيبة للآمال على الرغم من إجماع هؤلاء المؤرخين على أهمية أعماله الفنية التي فتحت الباب واسعاً أمام المنظر الطبيعي في عهد أسرة سونغ Song، ونهضت به ليبلغ أقصى درجات التعبير وأقواها، ولكن إسراف المصادر الأدبية بالإطراء والمديح التجريديين يدللان على عجز هذه المصادر عن تقديم أدلة دقيقة على طبيعة إبداعات لي تشينغ وخصائصها.

    تعود جذور أسرته إلى تشانغآن Chang an التي غادرتها هرباً من الاضطرابات حين سقوط أسرة تانغ Tang، لتستقر في شاندونغ Shandong.

    نشأ لي تشينغ تنشئة أدبية رائعة ومثالية، ولكن مصيره كان مصير أرستقراطي خابت آماله، ما دفعه إلى البحث عن ملجأ في عزلة الفن القصوى، ينشد الانعتاق الفردي بالشعر ونشوة الخمرة، وكان في بعض المناسبات يرفض عروض أنصار الآداب والفنون السخية على اعتبار أن الخلق الفني لا يمكن أن ينهض ويتطور إلا إذا كان مستقلاً واستجابة لحافز نابع من الذات، وقيل إنه توفي في التاسعة والأربعين في نُزُل auberge عقب ثملات متكررة، وعليه فإن هذه السمات على اختلافها، وهذا النفور الأكيد من سلطة المال، ما هي إلا صورة راسخة وقاطعة في سير حيوات معظم المصورين والأدباء، فتقويمهم ومكانتهم يقومان في الأغلب على نظام طقسي ورمزي، ولا يستندان بالضرورة إلى واقع تاريخي حقيقي ملموس.

    يزعم المؤرخون التقليديون أن لي تشينغ تتلمذ على يد كوان تونغ، وأنه كان معلماً لفان كوان، إن هذا الزعم ينم على وجود تعاقب زمني لنشاط الفنانين الثلاثة وعلى إسهامهم في تيار فني مشترك، من دون أن تكون بينهم علاقات شخصية ومباشرة.

    ويذكر المؤرخون سرعة انتشار أعماله، وتعاظم شهرته واتساعها طوال عهد أسرة سونغ، ولكن اختفاء معظم أعماله بعد مئة وخمسين عاماً من وفاته يصعب تعليله وتفسيره، ففي القرن الحادي عشر زعم مي فو Mi Fu، أحد أكثر العارفين نباهة في عصره، أنه لم يشاهد من أعمال لي تشينغ إلا عملين أصليين وثلاثمئة عمل مزور، ما قاده إلى صوغ مسلمته الشهيرة ومفادها «أن لا وجود لعمل يعود إلى لي تشينغ»، ومع ذلك ذكر دليل هويزونغ Huizong بعد مدة نحو مئة وخمسين عملاً للي تشينغ، وثمة نظريات كثيرة أدلت بدلوها لتوضيح غياب أعمال هذا الفنان المفاجئ، فمن المعروف أن حفيد لي تشينغ عمل بدأب ومنهجية على شراء كل أعماله، فلعل جمع أعمال هذا الفنان في مكان واحد أدى إلى زوالها المفاجئ أو إلى ندرتها من جرّاء اندلاع حريق مثلاً، وثمة تفسير آخر يشير إلى نشاط المعلم المتقلب ونزواته وأهوائه: «لم يكن لي تشينغ يصور إلا إرضاء لشخصه، ولم يقبل الطلبات الخاصة إلا نادراً».

    تصعب معرفة خصائص لي تشينغ اعتماداً على ما دوّنه النقاد والعارفون فحسب. فقد كان لي تشينغ مصور مناظر طبيعية تحديداً، وكان ممن تناولوا موضوعات الثلج والغابات في الشتاء. وكان مفهومه للفراغ أو لفضاء اللوحة من نوع بينجيّان Pingyan (تصوير الأشياء وتصوير المسافات بينها اعتماداً على منظور أفقي بمستوى النظر)، وبهذه الطريقة يكون خط الأفق منخفضاً في صور السهول والهضاب، أما إذا وقف المصور على جبل شاهق تحولت السهول والهضاب في اللوحة إلى شاشة مطلة، وإلى فضاء من نوع غويان gaoyan (المسافة من علٍ)، وهذه الطريقة في التمثيل استخدمها فان كوان الذي ارتبط اسمه بلي تشينغ، وعدّ تلميذاً من تلامذته أو من معاصريه، وعليه فمن الممكن أن يفيد عمل فان كوان في معرفة الأدلة الأدبية الخالصة حول لي تشينغ وجمعها.

    ثمة مقطع من كتاب شين غوا Shen Goa، الأديب والعالم الشهير، يتعرض بالنقد لأعمال لي تشينغ، وفيه يضع شين غوا معياره النقدي في الحكم على مفهوم الفراغ في المنظر الطبيعي وتطوره في القرن الحادي عشر، فبدل أن يتقيد المصور بنقطة فرار واحدة وثابتة تقع على مستوى الأرض، استخدم في اللوحة أو الصورة الواحدة نقاط فرار عدة، مما أتاح له أن يسيطر على الموضوع وأن يصوره من أمام ومن أعلى (منظور عين الطائر) وبالتناوب، وعليه فإن المنظور البصري الواقعي المستخدم من قبل لي تشينغ بدا قديماً ومحدوداً مقارنة مع المنظور المذكور أعلاه، ومع ذلك لا ينبغي الذهاب بعيداً بالمقارنة بين لي تشينغ وفان كوان، فالاثنان معاً أسهما على نحو أكيد في تيارات فنية واحدة، مع احتفاظ كل منهما بمزاجه، وطابعه الخاص الذي عبرت عنه مقولة المصور والنظري هان زهوو Han Zhuo (بداية القرن الثاني عشر) الدالة والفصيحة ناعتاً فان كوان بـ«البطولي» ولي تشينغ بـ«اللطيف».

    من أجمل أعمال لي تشينغ التقليدية، إضافة إلى «معبد في الجبل» لوحة «الغابة الشتوية» ولوحة «قراءة المسلة» بأشجارها العارية وبناء construction حيزها وفضائها وخط أفقها الواطئ، والمنسجمة مع أفكار لي تشينغ ونظرياته، وثمة لوحتان أخريان تعودان إليه هما: «الآثم في الجبال الثلجية» و«معبد بوذي في الجبال غب المطر» وفيهما تتآلف مجموعة الألوان الصينية lavis المتدرجة مع دقة التفاصيل ومع عظمة المجموع وروعته.

    إن دراسة وافية وشاملة لهذا الفنان الكبير تبقى موضوعاً قيد البحث، فما زالت أعماله تستثير أسئلة تتطلب حلاً وإجابة.

    فائق دحدوح
يعمل...
X