شارل إدوار جانِّريه معماري ومنظم مدن ومصور ومنظر فرنسي من أصل سويسري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شارل إدوار جانِّريه معماري ومنظم مدن ومصور ومنظر فرنسي من أصل سويسري

    لوكوربوزييه (شارل ادوارد جانريه معروف ب) Le Corbusier (Charles-Edouard Jeanneret-Gris) - Le Corbusier (Charles-Edouard Jeanneret-Gris)
    لوكوربوزييه (شارل إدوار جانِّريه المعروف بـ)

    (1887ـ 1965)



    شارل إدوار جانِّريه Charles- Édouard Jeanneret المعروف بـ «لوكوربوزييه» Le Corbusier معماري ومنظم مدن ومصور ومنظر فرنسي من أصل سويسري، ومن كبار الأعلام في القرن العشرين. ولد في قرية لا شو دي فون La Chaux- de- Fonds السويسرية لأب يعمل في صناعة الحفر وطلاء الساعات بالميناء، وأم موسيقية.


    كان في صغره مجداً محباً للرسم، ويساعد أباه في محترفه. وفي سن الثالثة عشرة ترك المدرسة الابتدائية، والتحق بمدرسة الفنون والصنائع ليتعلم الحفر والنحت بإشراف مدرسه شارل لبلاتينييه Charles L Epplatenier فأخذ عنه دقة الملاحظة والرسم عن الطبيعة والميل نحو دراسة تاريخ الفن والعمارة، وقد اشتغل معه لوكوربوزبيه في بناء بيته في 1904ـ 1905 وفي هذا البيت كان أول شُبَّاك ركني corner window في القارة الأوربية كلها.

    بين عامي 1907 و1909 زار لوكوربوزييه أغلب دول أوربا ورسم مخططات إجمالية croquis لمبانيها التاريخية، وفي أثناء وجوده في ڤيينا عام 1908 تدرب في محترف يوسف هوفمَن Josef Hoffmann، وفي باريس تدرب في محترف أوغست بيريه Auguste Perret ومكث عنده أربعة عشر شهراً، ثم سافر إلى ألمانيا عام 1910 وأمضى نحو خمسة عشر شهراً في مكتب بيتر بيرِنْز Peter Behrens وعن طريق هذين المعماريين خبر مادة الخرسانة وإمكاناتها الإنشائية، إضافة إلى إنشاء المباني الصناعية بالصلب والزجاج، ما دفعه إلى رفض النظريات المتعلقة بإنعاش الفنون والمهن التقليدية وتطوير أفكار جديدة عن جماليات الآلة، وكان أول كتاب نشره في عام 1912 يدور حول حركة الفن الزخرفي وتطورها في ألمانيا.

    عند قيام الحرب العالمية الأولى عاد إلى قريته، حيث عمل بالتدريس في مدرسته القديمة من دون أن ينقطع في الوقت نفسه عن الدراسة والبحث، وإنجاز أعمال معمارية في القرية نفسها.

    صمم لوكوربوزييه في عام 1914 نموذجاً لبيت Dom- ino وهو بيت صغير من طابقين، يتألف من هيكل خرساني لستة أعمدة تحمل ثلاث بلاطات وسلماً معلقاً، وهذه الفكرة على بساطتها تضمنت مبدأ أساسياً لتصميماته المعمارية اللاحقة.

    من الممكن تصنيف إنتاج لوكوربوزييه المعماري ضمن مرحلتين أساسيتين:

    المرحلة الأولى: فترة ما بين الحربين العالميتين التي تظهر الاتجاه الوظيفي وتأثره بالعمارة الإنشائية.

    المرحلة الثانية: فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى وفاته، تجلّت فيها خصائصه المعمارية، وتميزت بتحرره من سلطة الأشكال والخطوط الهندسية المنتظمة، واستخدام المنحنيات.

    وفي عام 1917 عاد إلى باريس وحاول القيام بمجموعة أعمال معمارية، لكنه كان في الوقت نفسه ميالاً إلى التصوير، وكان فناناً تجريدياً شغوفاً باستخدام الزاوية القائمة التي أفرد لها صفحات في دراسته النظرية. اشترك مع الفنانين بول درْميه Paul Dermée وأوزانفان Ozenfant في إصدار بيان عن فن ما بعد التكعيبية[ر] Après le cubisme في عام 1918، تضمن وجهة نظر جديدة بدأها أوزانفان وأسماها «مذهب النقاء»، ثم اشتركا معاً في إصدار مجلة «الروح الجديدة» L’Esprit Nouveau في الأعوام 1920 ـ 1925، نشر فيها لوكوربوزييه كثيراً من المقالات في العمارة وتخطيط المدن. وفي عام 1923 جمع عدداً من هذه المقالات ونشرها في كتابٍ بعنوان «نحو عمارة» Vers une Architecture ظل محتفظاً بأهميته وثيقة تاريخية ذات أثر مهم على الفكر المعماري الحديث، وأطلق فيه عبارته الشهيرة «البيت آلة للمعيشة».

    اتجه لوكوربوزييه منذ عام 1922، نحو مشروعات الإسكان الشعبي، فأوجد أنظمة لإنتاج البيوت بكميات كبيرة وبسرعة وسهولة وتكلفة دنيا، ومن هذه النظم «نظام تروي» Troyes system مستعملاً الخرسانة المصبوبة، و«نظام مونول» Monol system ذو الهيكل الخرساني المسلح، ثم وضع نموذجاً سكنياً جديداً في بيت «ستروان» Maison Citrohan عام 1922، وهو من المشروعات المهمة التي تحمل مفهوماً جديداً في تصميم البيوت، من ناحية رفع المبنى على أعمدة، وأتبعه بمشروعات مشابهة لهذا النموذج.

    ظهرت الشاعرية في عمارة لوكوربوزييه بأسلوبين مختلفين: الأول في المراحل الأولى من إنتاجه، والثاني في أعماله المتأخرة بعد عام 1950، ويُظهِر الأسلوب الأول تمسكه بالخطوط المستقيمة والأشكال والحجوم الهندسية المنتظمة، وقد جاء هذا الاتجاه مع البدايات الأولى لاستخدام الخرسانة المسلحة عام 1924 مادةَ بناء، حيث لخص فلسفته المعمارية في خمس نقاط لعمارة جديدة مشتقة من إمكانات هذه المادة التي عدَّها تتويجاً للهندسة، وهذه النقاط هي:

    ـ رفع المباني على أعمدة pilotis.

    ـ حديقة السطح le toit-jardin.

    ـ المسقط الحر le plan libre.

    ـ الشبابيك الأفقية الشريطية la fenêtre en longueur.

    ـ الواجهة الحرة la façade libre.

    وكل هذه النقاط مستخلصة من الإنشاء الهيكلي الحديث الذي أحدث ثورة في العمارة، ثم أضاف لاحقاً نقطة سادسة هي الكاسرات الشمسية للتحكم بالإنارة والتهوية، والتي صارت نموذجاً يحتذى في تصاميم الواجهات. وكان أهمَّ تطبيق لهذه الفلسفة مشروعُه «فيللا شتَين في غارش» Villa Stein à Garches في 1927، و«فيللا ساڤوا» Savoye في بواسي Poissy بالقرب من باريس في 1928ـ 1931 التي تعد إحدى روائع العمارة في القرن العشرين.

    في عام 1924 صمم مشروع قرية «بيساك» Village de Pessac في ضواحي مدينة بوردو Bordeaux ونفذ منها 51 بيتاً في عام واحد، استخدم في إنشائها عناصر مسبقة الصنع، وصنع منها سمفونية رائعة، كانت بداية لمشروعات جمة نفذت خارج فرنسا.

    وعلى الرغم من أن أفكاره الجديدة أثارت قلق الرأي العام إلا أنه اشترك في معرض باريس 1925 بتصميم جناح مجلة «الروح الجديدة»، وأعلن مبدأ «نحن لا نعترف بالفنون الزخرفية» متجهاً بذلك إلى موضوع الإسكان، فكان هذا العمل انتصاراً للأفكار المعمارية الجديدة في العصر الحديث.

    وتبع هذه المرحلة اشتراكه في مسابقة قصر «عصبة الأمم» في جنيف Palais de la Société des Nations à Genève في 1927، ومشروع «قصر السنتروسويوس» بموسكو Palais de Centrosoyous à Moscou عام 1928، وذلك بتكليف من الحكومة السوڤييتية، فابتكر طرقاً جديدة في نظام التدفئة والتكييف طبقها في مشروع ملجأ جيش الخلاصLa cité- refuge de l’Armée du salut في باريس عام 1929.

    في عام 1930 صار لوكوربوزييه مواطناً فرنسياً، وتزوج امرأة من إمارة موناكو، والتحق بالحركة النقابية في فرنسا، وقام في هذه الفترة بمشروع مهم يظهر المزج المثير بين الخط المستقيم والمنحني (هندسة الاثنين) أو (سريالية لوكوربوزييه)، وذلك في مشروع الجناح السويسري لسكن الطلبة في المدينة الجامعية بباريس في عام 1930ـ 1932، وكان المبنى جديداً في فكرته وتصميمه، إذ أبرز العقلانية في التصميم تاركاً المجال للاجتهاد الفردي، وصار نموذجاً للمباني المتشابهة المعروفة باسم Slab buildings في كل دول العالم.

    لابد هنا من الإشارة إلى الناحية الشاعرية في أسلوبه الثاني، وذلك باتجاهه نحو الأشكال الحرة غير الهندسية وابتكاراتها الصرحية، ذات التعبير البروليتاري الخشن، في توظيف الخرسانة المسلحة (بإبقائها دون إنهاء).

    في هذه الفترة ألف لوكوربوزييه كتابه «حينما كانت الكاتدرائيات بيضاء» الذي نشره بعد عودته من رحلة إلى أمريكا أواخر عام 1935، تحدث فيه عن التعليم المعماري ولاسيما في فرنسا، ومشاهداته وملاحظاته عن العمارة والحياة الاجتماعية في أمريكا، ولم تنشر له ترجمة إنكليزية حتى عام 1947.

    ولعل أهم المشروعات التي صممها خارج فرنسا مبنى وزارة التعليم والصحة العامة في ريو دي جانيرو Rio de Janeiro في البرازيل عام 1936، الذي ظل شاهداً على العمارة المعاصرة في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية 1936ـ 1943.

    وفي الجانب التخطيطي قدم لوكوربوزييه كثيراً من الدراسات والأبحاث النظرية التي أدت دوراً مهماً في تنامي فكرة التخطيط الحديث، فقد ناهض بشدة الاتجاهات التقليدية السائدة في تخطيط المدن، ويعود ذلك إلى عام 1922 حينما وضع مخططاً لمدينة معاصرة تتسع لثلاثة ملايين نسمة، كان أساساً لمفهوم جديد في تنظيم المدن، وأبرز أفكاره في هذا المجال بأن يتحول قلب المدينة إلى ناطحات سحاب تحيط بها عمارات سكنية ثم بيوت مستقلة، مع إبقاء 95% من الأرض منتزهات وحدائق، وجعل طرق المواصلات على مستويات مختلفة. كان هذا المشروع بداية لسلسلة من المشروعات لتخطيط مدينة باريس، أتبعه بمشروع «فوازان» Voisin في 1925، ومشروع «المدينة المشعة» La Ville Radieuse عام 1930، ومشروعات أخرى في المعرض الدولي عام 1937. فوضع في الثلاثينيات نحو عشرين مشروعاً طبق فيها دراساته النظرية على مدن كبيرة قائمة وأخرى جديدة مقترحة، منها مدن: سان باولو وبوينس آيرس وريو دي جانيرو، ومسابقات تخطيط برشلونة عام 1932، والضفة اليمنى لمدينة جنيف عام 1933، وتعديل مدينة ستوكهولم، ومدينة أنفرس Anvers ببلجيكا عام 1933، ومدينة الجزائر التي وضع لها سلسلة من المشروعات بين عامي 1930ـ 1942.

    ولابد من الإشارة إلى أن لوكوربوزييه يعد أحد أبرز مؤسسي مجموعة سيام Syam المعمارية (1928) وقد استمر نشاطها حتى عام 1956، وقدم في أثنائها اتفاق أثينا المتضمن اقتراح وظائف المدينة الثلاث (العمل والسكن والترفيه) وطبقه على مشروعاته التخطيطية الآنفة الذكر.

    في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قدم لوكوربوزييه في فرنسا مجموعةً من المشروعات، ولكنها لم تنفذ، منها مشروع بيوت «مورُندان» Morondins ومشروع «لاروشيل ـ لاباليس» La Rochelle- la Pallice وأبدعها مشروع إعادة تصميم بلدة «سان دييه» Saint - Dié في 1945.

    في عام 1942 ابتكر منظومة التناسبية (الموديولور) Le Modulor ونشرها عام 1948 في كتاب يحمل الاسم نفسه، وهي مقياس هارموني للبعد الإنساني قابل للتطبيق عموماً في العمارة وأعمال الميكانيك. وقد اُعتمد هذا التناسب في معظم أعماله في الخمسينيات والستينيات.

    ويعدّ مبنى الوحدة السكنية في مدينة مرسيليا Marseille عام 1946 أول تطبيق للموديولور باستخدام المتوالية الحمراء والزرقاء، التي ظهرت كأبعاد قياسية في نظامه، وطبقها في المخطط العام والمقطع والواجهات والتفاصيل الداخلية حتى في تصميم الأثاث.

    في هذه الوحدة لخص لوكوربوزييه نظرياته في أن تكون المدينة (رأسية) لا تمتد على الأرض، وعمل فيها على توحيد الجماليات النقية بعدّ المبنى تعبيراً عن الإنتاج الكمي الواسع، فأولى الجانب الوظيفي للسكن اهتماماً كبيراً باعتماد تصاميم ذات مساحات دنيا وتكلفة اقتصادية معقولة، موازناً بين المتطلبات الوظيفية والمنفعية من جهة، والجوانب الفنية والجمالية من جهة أخرى.

    وقد انتشر نموذج سكن مرسيليا مثالاً للسكن الجماعي، وأتبع بسلسلة من المباني المشابهة، منها مبنى «نانت ـ ريزيه» Nantes- Rezé عام 1953، ومبنى في برلين عام 1956ـ 1957، وجاء المبنى الرابع في برييه ـ آن ـ فوريه Briey- en- Forêt.

    وفي الأربعينات ظهرت في رسومه الخطوط المنحنية على نحو فعّال، وبأسلوب يضاهي الخطوط الهندسية المتعامدة، وقد دخلت هذه اللغة الفنية في لوحاته مفردات ديناميكية.

    ثم كان مشروعه كنيسة «نوتردام ـ دي ـ هو» la Chapelle Notre- Dame- du- Haut في قرية رونشان Ronchamp عام 1950 ـ 1955 بفرنسا، وقد أظهرت هذه الكنيسة أفكار التحرر من المجتمع الصناعي وحضارة عصر المكننة والتعاطف مع المحيط الخارجي بمقياس جريء، واتهم لوكوربوزييه بتوجهه نحو اللاعقلانية والتعبيرية المفرطة، بوصفهما تفتقران إلى سيطرة لغة الخطوط المتعامدة بزواياها القائمة، مع أن النظام المتعامد يظهر في النماذج والمخططات الأولية للكنيسة. ومع كل هذه الانتقادات فإن معظم النقاد اتفقوا على أنها من أكثر المباني الدينية إقناعاً في التعبير عن القرن العشرين.


    لوكوربوزييه: "كنيسة نوتردام ـ دي ـ هو" (1955)

    أما أكبر أعمال لوكوربوزييه على الإطلاق فكان تخطيط مدينة شانديغار الجديدة Chandigarh في بنجاب الهند عام 1951، وبناء المباني العامة الرئيسية فيها ومنها الكابيتول، بالتعاون مع مجموعة من المعماريين لوضع مخططات التوسع للمدينة الجديدة. وتولى إعداد كثير من الدراسات المعمارية التنفيذية لمباني المركز الإداري والسياسي للمدينة، منها مبنى المحكمة العليا ومبنى السكرتارية ومبنى التشريع والمجالس، واستمر العمل في هذا المشروع حتى وفاته. وقد تجلت في هذا المشروع المزاوجة بين الثقافة المعمارية الغربية والشرقية، وأساليب التلاؤم مع المعطيات البيئية والمناخية للموقع الجغرافي في جبال الهيمالايا، إضافة إلى أولى تجاربه باللدائن (المواد البلاستيكية).

    تبع هذا المبنى مجموعة مشروعات أهمها جناح شركة فيليبس للمنتجات الكهربائية في معرض بروكسل عام 1958، وثلاثة أبنية في أحمد أباد (الهند) منها: مبنى اتحاد عمال الغزل والنسيج، ومركز الفنون البصرية في جامعة هارڤرد Harvard عام 1961.

    سوسن الحلبي
يعمل...
X