ارسطو
Aristotle - Aristote
أرسطو
(384ق.م -322 ق.م)
فيلسوف يوناني ترك أثراً عميقاً في الفكر اليوناني ومن بعده في الفكر المسيحي والفكر العربي الإِسلامي والفكر الحديث. وكان أشهر تلامذة أفلاطون.
ولأرسطو مؤلفات كثيرة ومتنوعة, ولكن لم يصلنا منها إِلا 47 مؤلفاً يمكن جعلها, من حيث الموضوع, في الأقسام التالية: الكتب المنطقية, وتشمل: المقولات, والعبارة, والتحليلات الأولى, والتحليلات الثانية, والجدل, والمغالطات السفسطائية.
والكتب الطبيعية, وهي: السماع الطبيعي, وفي السماء, وفي الكون والفساد, والآثار العلوية أو الظواهر الجوية, وفي النفس, والطبيعيات الصغرى, وخمسة كتب في التاريخ الطبيعي هي: تاريخ الحيوان, وأعضاء الحيوان, وتكوين الحيوان, ومشي الحيوان, وحركة الحيوان.
والكتب الميتافيزيقية, أو كتاب ما بعد الطبيعة: وصل إِلينا هذا الكتاب مؤلفاً على صورة مقالات عددها أربع عشرة مقالة مسماة بالأحرف اليونانية. ولهذا أطلق العرب على هذا الكتاب «كتاب الحروف». والاسم الأصلي الذي كان يطلقه أرسطو نفسه على هذه الكتاب هو «الفلسفة الأولى». أما التسمية باسم «ما بعد الطبيعة» فقد وردت في تعليقة لأندرونيقوس الروديسي على شرح ميتافيزيقة ثاوقرسطس. وليس من شك في أن الأصل في هذه التسمية يعود إِلى أسباب خارجية, وهي أن ترتيب هذه المجموعة قد جاء بعد الطبيعيات.
والكتب الأخلاقية والكتب السياسية, وتشمل: الأخلاق النيقوماخية (الأخلاق كتبها إِلى ابنه نيقوماخوس), والأخلاق الكبرى, وكتاب السياسة, ودستور الأثينيين.
والكتب الشعرية, وهي: في الشعر, وفي الخطابة.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات وفق أقسام العلوم الثلاثة الكبرى التي قال بها أرسطو إِلى مايلي:
العلوم الشعرية: وتدرس نتاج العقل, لأن العقل يصنعها من مواد وجدت من قبل, سواء أكانت شعرية أم خطابية.
والعلوم العملية: وتدرس مختلف صور النشاط البشري الأخلاقي أو السياسي أو الاقتصادي.
والعلوم النظرية: وهي أسمى العلوم, لأنها تبتغي المعرفة المجردة. وتشمل العلوم الطبيعية, والعلوم الرياضية والميتافيزيقية.
أسلوب أرسطو ومنهجه
يتميز أرسطو من أفلاطون في تفكيره المنطقي القائم على التحليل , وانطلاقه من الواقع المادي الملموس. هذا التفكير المنطقي التحليلي ظاهر جداً في منهجه, بل طبع بطابعه الخاص مجمل أفكاره, وفيها المسائل اللغوية, مع أن نزعته العلمية حاولت قدر الإِمكان, أن تخفف من حدته, بإِضافة التجربة والملاحظة إِلى التحليل. أما نزعته الواقعية, فيمكن ملاحظتها حتى في الفلسفة الأولى, إِذ انطلق من العالم الطبيعي, مميزاً علله التي تتحكم فيه, ومن ثم ارتقى نحو العالم غير المادي لدراسة المبادئ المطلقة للوجود.
ومع أن لكل علم من العلوم موضوعه وأسلوبه الخاصين به, فإِن عند أرسطو أسلوباً عاماً للبحث يبين نوع تفكيره وسعة معارفه, ويبدو ذلك في قوله في كتابه «ما بعد الطبيعة»: «البحث عن الحقيقة عسير جداً, من جهة, وسهل, من جهة أخرى. وما يبرهن على ذلك أن لا أحد يدرك الحقيقة إِدراكاً كاملاً, ولا أحد يجهلها جهلاً كاملاً. فكل فيلسوف يجد ما يقوله في الطبيعة, وكل قول من هذه الأقوال, إِذا نظرنا إِليه على انفراد هو لا شيء, أو هو شيء زهيد جداً, بالنسبة إِلى الحقيقة, غير أن مجموع الأقوال يأتي بنتائج مثمرة. فمن العدل إِذن ألا نشكر الذين نتفق وإِياهم في الأفكار وحسب, بل الذين يختلفون عنّا في الآراء. لقد أسهم هؤلاء في البحث عن الحقيقة, لكونهم أنموا فينا القدرة على التفكير».
ولما كانت الحقيقة صعبة الإِدراك, اتّبع أرسطو منهجاً من أربع مراحل يوضحها في الكتاب نفسه. ويقوم المنهج, في مرحلته الأولى, على تعيين موضوع البحث, ليتمكن, بالتالي, من تعيين الدليل الذي يلائمه, لأن «البعض لا يقبل إِلا لغة الرياضيات, والبعض لا يريد إِلا أمثلة, والبعض يريد الاستشهاد بالشعر, والبعض يحتم في كل بحث برهاناً محكماً», في حين يعدّ غيره هذا الإِحكام «إِسرافاً» ولكن يجب «أن يبدأ بتعرف مقتضيات كل نوع من العلم... فلا تقتضى الدقة الرياضية في كل موضوع, وإِنما فقط في الكلام على المجردات, ولذلك فالمنهج الرياضي لا يصلح للعلم الطبيعي, لأن الطبيعة تحتوي على المادة». ويقوم, في مرحلته الثانية, على سرد الآراء المضادة لآرائنا, وتمحيصها, بقصد الوقوف على شتى الآراء في الفروع جميعها. فالذي «يسمع الحجج المتعارضة جميعاً يكون موقفه أفضل للحكم». ويقوم, في مرحلته الثالثة, على «فحص الصعوبات, لأن الباحث من دون هذا الفحص, يشبه مسافراً يجهل الوجهة التي ينبغي له أن يتجه إِليها... فهدف البحث لا يظهر إِلا لمن عرف قبلاً الصعوبات».
وأما مرحلته الرابعة, فإِنه يقوم على النظر في المسائل نفسها والفحص عن حلولها مستعيناً بالنتائج المستخلصة في المراحل السابقة. ويعرض أرسطو, في نهاية الفصل الأول من المقالة الثالثة, أربع عشرة مسألة يؤلف مجموعها مفردات موضوع كتاب ما بعد الطبيعة.
ومع أن هذه المسائل صعبة ومعقدة, كما يصفها أرسطو نفسه, فإِنه يدرسها ويجيب عنها بأن يعرض, كلما بحث في مسألة منها, الآراء المهمة فيها, ويناقشها. وكثيراً ما نراه يعرض الصعوبات بصورة قضية ونقيضها, ويناقش كل واحدة منها. غير أن هذا العرض يعبّر غالباً عن موقف أرسطو العقائدي الذي يعدّ كل الفلسفات السابقة إِما ناقصة مقارنةً إِلى فلسفته التي عدّها خاتمة الفلسفات, وإِما انحرافاً عنها. وهذا كله يأتي بحثاً عن الحقيقة.
اعتقد أرسطو, بادئ ذي بدء, أن الحقيقة يمكن تحديدها بالعلاقة البسيطة بين الأفكار. بيد أنه لم يتأخر, بعد استقلاله عن أفلاطون, في العدول عن هذه المفهوم المثالي, إِذ لم تبق الحقيقة, في نظره, قائمة على مجرد توافق الفكر مع نفسه, بل على توافقه مع الأشياء والموجودات الخارجية, أي مع العالم الحسي. وبهذا أخرج أرسطو الحقيقة من إِطار المنطق وأدخلها في إِطار الميتافيزيقة. فالوجود العقلي يفترض, إِذن, وجوداً واقعياً.