احد (غزوه)
Ghazwet Uhud - Ghazwet Uhud
أُحُد (غزوة -)
أُحد جبل شمال المدينة المنورة بينه وبينها قرابة ميل، وعنده كانت الوقعة بين المسلمين بقيادة الرسول e والمشركين بقيادة أبي سفيان بن حرب، في يوم السبت لسبع خلون من شوال وقيل للنصف منه سنة 3هـ.
وكانت قريش قد أمضت حولاً كاملاً بعد موقعة بدر تستعد للأخذ بالثأر، وبذلت في هذا السبيل جُلّ جهودها، وخصصت أموال القافلة التي حاول المسلمون اعتراضها (التي كانت السبب في وقعة بدر) للإنفاق على هذه الاستعدادات. وقد أرسلت أشخاصاً ليسيروا في العرب يستنفرونهم. ولما أتمت قريش استعداداتها، واجتمعت بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وتهامة خرجت بحلفائها تقصد المدينة، وكان عدد من خرج ثلاثة آلاف، منهم سبعمئة دارع ومعهم مئتا فرس. وكان أبو سفيان قد خرج بزوجته هند بنت عتبة، كما خرج غيره من رؤساء قريش بنسائهم، فكان عددهن خمس عشرة امرأة. وكان بين من خرج كذلك وحشي غلام جُبير بن مُطعم وكان حبشياً يقذف بحربة له قذف الحبشة وقد وعده جبير بأنه سيعتق إن هو قتل عمّ محمد بعمه طعيمة بن عدي.
عند ما علم الرسول e بخروج قريش، استشار أصحابه كعادته وتعددت الآراء. كان من رأي الرسول في البدء المقام في المدينة ووافقه على ذلك عبد الله بن أبيّ، والأكابر من أصحاب رسول الله. ولكن الفتيان الذين لم يشهدوا بدراً طلبوا من رسول الله الخروج إلى عدوهم، رغبة منهم في الشهادة ولقاء العدو، كما أن رجالاً من أهل السن والتجربة منهم حمزة، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وغيرهم من الأوس والخزرج، كان من رأيهم الخروج لملاقاة قريش حتى لا يظن عدوهم أنهم كرهوا الخروج إليهم جبناً، ولاسيما أن قريشاً مكثت حولاً تجمع وتستجلب العرب من بواديها ومن تبعها من أحابيشها ومعهم الخيل والإبل، وأن المشركين إذا نزلوا بساحتهم وحاصروهم في بيوتهم وحصونهم، فإنهم سوف يرجعون بعد ذلك وافرين لم يُكْلَموا، فيجرئهم ذلك على المسلمين في المدينة حتى يشنوا الغارات عليهم ويصيبوا أطرافهم.
ويبدو أن الرسول اقتنع بهذه الحجج فدخل ولبس لأمته وخرج عليهم. وقد ندم بعضهم وقالوا لعلنا استكرهنا رسول الله، فقالوا: يا رسول الله إن شئت مكثنا، فقال رسول الله: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له». وسار الرسول في ألف من أصحابه واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما كان المسلمون بالشوط (مكان بين المدينة وأحد) عاد عبد الله بن أبيّ بثلث الجيش من المقاتلين من جماعته أهل النفاق والريب بحجة أن الرسول e لم يأخذ برأيهم، وأدى خروج هذا الفريق إلى حدوث بعض البلبلة في صفوف المسلمين. ولكن الرسول e لم يلبث أن وحد صفوف البقية وسار بهم حتى نزل الشعب من أُحد في عَدوة الوادي، حيث غدت المدينة أمامه وجبل أحد خلفه.
تهيأ الرسول للقتال وهو في سبعمئة من أصحابه، وأمّر على الرماة عبد الله بن جُبير وكانوا يومئذ خمسين رجلاً جعلهم وراءه وأوصاهم أن يحموا ظهور المسلمين حتى لايؤتوا من ورائهم، وأن يلزموا مكانهم لا يبرحونه حتى لو رأوا المسلمين يقتلون، وأن يرشقوا خيل الأعداء بالنبل، لأن الخيل لا تقدم على النبل. وأعطى اللواء مصعب بن عمير وأجاز بعض الغلمان يومئذ وأخَّر آخرين.
أما المشركون فقد جعلوا المدينة خلفهم واستقبلوا أحُداً، واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية، وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، وكان النصر في بادئ الأمر للمسلمين، حتى قال كثير من الصحابة ممن شهد أحداً «ما ظَفَّر الله نبيه في موطن قط ما ظَفَّرَه وأصحابه يوم أحد»، فقد قتل المسلمون تسعة من بني عبد الدار من أصحاب اللواء وكان آخر من أخذه منهم صؤاب غلام لبني أبي طلحة حبشي، فقاتل حتى قطعت يداه ثم أخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه، وانكشف المشركون وهربوا منهزمين لا يلوون على شيء. ولم ينقلب انتصار المسلمين إلى هزيمة إلاَّ عندما ترك الرماة مكانهم مخالفين أمر رسول الله وسارعوا لجمع الغنائم. ومع أن عبد الله بن جبير ناشدهم ألاّ يخالفوا أمر الرسول، فإنه لم يبق من الرماة مع عبد الله إلا عدد لايكاد يبلغ العشرة، ولاحظ خالد بن الوليد ترك المسلمين أماكنهم وخلوَّ الجبل من المدافعين عن مؤخرة المسلمين فأتاهم من الخلف وأعمل الرماح في ظهورهم، وانتقضت صفوف المسلمين وصاروا بين قتيل، وجريح، ومضطرب جهدته الحرب حتى لا يدري ما يصنع، وأصيبت رباعية الرسول (السن التي بين الثنية والناب) وشقت شفته وجرح في وجنتيه. ومما زاد الفوضى التي عمت المسلمين الإشاعة التي سرت مفادها أن الرسول الكريم قد قتل، فأضعف هذا من حماسة المسلمين في قتال عدوهم. ولكن الرسول، على الرغم من إصابته، استطاع أن يصل إلى سفح جبل أحد مع الفئة التي كانت حولـه، فكان لظهوره سالماً أكبر الأثر في رفع معنويات المسلمين، فالتفوا حوله، وغسلوا جراحه، واستمروا في مقاومة عدوهم بعد أن كثر فيهم القتل، ويبدو أن قريشاً اكتفت بما حققت ورأت أنها قد ثأرت للعار الذي لحقها ببدر فقررت الانصراف والعودة إلى مكة. فقد صعد أبو سفيان على ربوة ونادى بأعلى صوته» «إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، أعل هبل» ودعا صحبه للعودة، فطلب الرسول من عمر بن الخطاب أن يجيبه، فقام عمر وقال: «الله أعلى وأجل، لا سواء: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار». وهكذا انتهت هذه الموقعة وانصرفت قريش إلى مكة بعد أن أعلن أبو سفيان للمسلمين أن الموعد بينه وبينهم سيكون بدراً العام المقبل.
خسر المسلمون في معركة أحد ما يزيد على سبعين قتيلاً بينهم رجال لهم مكانتهم كحمزة بن عبد المطلب عم الرسول وقد قتله بالرمح وحشي غلام جبير بن مطعم، ومصعب بن عمير وغيرهما. وقد ذكرت كتب التاريخ والسيرة أسماءهم. على أن الجانب المعنوي من الخسارة كان أفدح من الجانب المادي في البدء وكان من الممكن أن تؤدي هذه الخسارة إلى هبوط معنويات المسلمين أو شعورهم بعدم رضى الله عنهم، ولكن تنزلت آيات قرآنية، تضمها سورة آل عمران، فيها شرح لأسباب الخسارة وحض للمسلمين على عدم عصيان الرسول وعلى الأخذ بأوامره، وعدم الالتفات إلى الشائعات كمقتل الرسول وغير ذلك، وفيها تنديد بجماعة المنافقين وثناء على شهداء المعركة وأن لهم الجنة. وقد هدأت الآيات خواطر المسلمين وزال الغم عنهم.
وإذا كانت موقعة أحد هزيمة للمسلمين فهي لم تكن نصراً كاملاً لقريش، فقريش كانت تريد من وراء الإعداد الطويل لهذه المعركة القضاء على الرسول والإسلام، وضرب مركز قوته وتجمعه ضربة قاصمة، ولكن النتائج جاءت على غير ما أرادت قريش، ولم تؤد إلى تحقيق أي هدف من أهدافها، كما أن في عودة أبي سفيان ورجاله إلى مكة من دون مهاجمة المدينة خير دليل على عدم ثقته بقوته وعلى شعوره بأن ما تم في أحد كان أقصى ما يستطيع. ويؤكد هذا ما تذكره المصادر من أن المسلمين كانوا المنتصرين في أول المعركة، وأن خسارتهم جاءت نتيجة فوضى صفوفهم بعد تخلي الرماة عن مواقعهم التي أوصاهم الرسول بالاحتفاظ بها مهما كانت الظروف والأحوال. ولو كانت قريش على جانب كبير من القوة لقبلت تحدي الرسول بعد المعركة حين لحقها حتى حمراء الأسَد التي تبعد ثمانية أميال عن المدينة، ولعادت إليه، ولكنها آثرت السلامة وقنعت بنصر غير كامل.
وبسبب خسارة المسلمين في أحد، فقد ألح الرسول الكريم على درء أي تحرك عدائي يوجه إلى المدينة والتصدي له. وقد أكثر من بث العيون والأرصاد حول عاصمته لإخباره بكل التحركات المريبة. وكان حال سماعه بأنباء تحركات من هذا القبيل يرسل جماعة من أصحابه لردها قبل وصولها أو لتفريق جموعها. وكان خروج الرسول السريع في محرم من السنة الرابعة للهجرة إلى دومة الجندل التي تبعد نحو 500 ميل عن المدينة ليفرق تجمعاً معادياً من قبائل قضاعة وغسان قد أظهره بمظهر القوي أمام عرب الجزيرة، وهكذا فإن الإسلام، على الرغم من الانكسار في أحد، غدا يزداد منعة وعزة على مر الأيام.
نجدة خماش