ليبنتز (غوتفريد ڤيلهلم) فيلسوف ورياضي ومؤرخ وفيزيائي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليبنتز (غوتفريد ڤيلهلم) فيلسوف ورياضي ومؤرخ وفيزيائي

    ليبنتز (غوتفريد فلهلم) (فلسفيا) Leibniz (Gottfried Wilhelm-) - Leibniz (Gottfried Wilhelm-)
    ليبنتز (غوتفريد ڤيلهلم -)

    (1646-1716)




    غوتفريد ڤيلهلم ليبنتز (ليبنيس) Gottfried Wilhelm Leibniz فيلسوف ورياضي وفيزيائي ومؤرخ ودبلوماسي ألماني. ولد في مدينة لايبزيغ Leipzig بألمانيا، وتُوفِّي في مدينة هانوڤر Hannover. كان أبوه من رجال القانون، وأستاذاً لعلم الأخلاق في جامعة لايبزيغ، ويقتني مكتبة حافلة أفاد منها ليبنتز أكثر مما أفاد من دراسته في المدارس التي تعلّم فيها. كان ليبنتز أول من اكتشف «حساب التفاضل» Differential calculus، كما طوّر الآلة الحاسبة التي اخترعها باسكال Pascal وخصها بالطرح والجمع، فصارت قادرة على الضرب والقسمة واستخلاص الجذور، كما شغل بمسائل التعدين والمناجم مما أدى إلى اكتشافات مهمة في الجيولوجيا والطاقة.

    أتقن ليبنتز اللاتينية واليونانية في سنّ مبكرة، وقرأ مؤلفات أفلاطون وأرسطو في نصوصها اليونانية، وانتسب في الخامسة عشرة من عمره إلى جامعة لايبزيغ لدراسة الفلسفة، حيث قرأ مؤلفات المفكرين والعلماء المحدثين أمثال فرانسيس بيكون[ر] Bacon وديكارت[ر] Descartes وكبلر[ر] Kepler وغاليليه[ر] Galilei وهوبز[ر] Hobbes وغيرهم. وتخرج سنة 1663، فانتقل عقب ذلك إلى جامعة يينا Jena لدراسة الرياضيات. وكانت ثمرة دراسته رسالة بعنوان «فن التركيب» De Arte Combinatoria سنة 1666 التي تعدّ إرهاصاً بالمنطق الرياضي. ثم ارتحل إلى جامعة ألتدورف Altdorf في نورنبرغ Nürnberg (بألمانيا) حيث حصل على درجة دكتوراه في القانون سنة 1667ودرجة أستاذية. رفض العمل أستاذاً للقانون؛ لكي يعمل في الحقل الدبلوماسي، فقضى في باريس أربعة أعوام قائماً بخدمة المصالح الألمانية في بلاط لويس الرابع عشر، أتقن فيها اللغة الفرنسية. وبعد ممارسته الأعمال الدبلوماسية والقانونية عاد إلى الرياضيات والفلسفة اللتين كانتا هوايته المفضلة. وفي سنة 1676 قام باكتشاف رياضي عظيم لحساب التفاضل منطلقاً من فكرة ميتافيزيقية؛ هي فكرة الكميات اللامتناهية infinite في الصغر. وكان نيوتن[ر] Newton قد بدأ في سنة 1665 في اكتشاف مماثل لاكتشاف ليبنتز، ومن هنا قامت مجادلات طويلة حول صاحب أولوية اكتشاف هذا العلم، والراجح أن كليهما قام باكتشافه مستقلاً تماماً عن الآخر، بدليل اختلاف طريقتي كليهما في وضع مسائل هذا العلم، كما أنه نشر دراساته هذه عام 1684 قبل نيوتن.

    كتب ليبنتز معظم أعماله في صورة مراسلات مع آخرين وهي عديدة لم يتسنَّ بعد للباحثين إحصاؤها ونشرها. وكان معظمها مكتوب بالفرنسية واللاتينية؛ لأن الألمانية لم تكن شائعة في أوربا، وأهم ما كتب في الرياضيات «في التناسب الحق بين الدائرة والمربع» (1682)، و«المنهج الجديد لتعيين النهايات الكبرى والصغرى» (1684)، وهو الكتاب المشهور حيث يعرض أول مرة أسس الحساب اللانهائي الصغير ورمزيته. أما في الفلسفة فقد كتب «تأملات في المعرفة والحقيقة والأفكار»Meditationes de Cognitione, Veritate et ideis عام (1684)، و«المقال في منهج الفلسفة واللاهوت» De vero methodo philosophiae et theologiae مابين (1686-1690)، و«المذهب الجديد في الطبيعة والاتصال بين الجواهر» Système nouveau de la nature et de la communication des substances عام (1696)، و«مقالات جديدة في الفهم البشري» Nouveaux Essais sur l’entendement humain عام (1704)، و«مقالات في العدالة الإلهية أو الثيوديسية» Essais de Théodicée عام (1710)، و«المونادولوغيا: المبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي» La Monadologie: Principes de la nature et de la grace عام (1714). وفي السياسة نشر «قانون دولي عام دبلوماسي» Codex Juris gentium diplomaticus عام (1692).

    عمله في التفاضل والتكامل: على الرغم من بساطة الطريقة التي اتبعها نيوتن في حساب ميل المماس لمنحني دالة y = f(x) منسوب إلى محورين متعامدين oy, ox؛ فقد كانت مصطلحات ليبنتز تفصح عن مدلولها مباشرة، وهي أكثر قابلية للتطبيق. فهو الذي وضع الرمز dx لما سماه (differential of x)؛ أي تفاضل x الذي عرفه بأنه تغيّر صغير جداً في قيمة x. وهكذا أصبح تفاضل y يشار إليه بـ dy؛ أي تغير طفيف في قيمة الدالة y. ولما كان المماس للمنحني في النقطة ذات الإحداثيات (x, y) هو مستقيماً يشترك مع المنحني في هذه النقطة؛ فهو يكاد يسير في اتجاه المنحني في جوار هذه النقطة، ومنه ينتج أن ميل المماس (أو ظل زاويته مع محور x) هو ويعرف طلاب الثالث الثانوي العلمي أن هذا ما أصبح يسمى اليوم مشتق derivative الدالة أعلاه. وقد يشار إليه حالياً برمز y ¤ كالذي وضعه نيوتن؛ وهو y.

    ومن المعروف أن العملية العكسية للاشتقاق هي التكامل. ولكن كلمة تكامل integral لم تكن قد استُعملت بعد، وإنما كان يقال مجموع التراتيب. فوضع له ليبنتز رمزاً أخذه من الحرف الأول S لكلمة مجموع SUM باللغة الإنكليزية وحرّفه قليلاً فأصبح هكذا ò. ومجموع التراتيب حسب التسمية القديمة ò y. ولكن ليبنتز انتبه عندئذ إلى أن التكامل ليس مجموع أطوال وإنما هو في الحقيقة مجموع مساحات صغيرة كل منها بعداه y وdx. فالمساحة الواقعة تحت المنحني (أو التكامل) ضمن مجال [a, b] أشار له بالرمز الذي لايزال مستعملاً .

    وباستعمال رموز ليبنتز يصبح من السهل الوصول إلى نتائج مهمة. فمثلاً لإيجاد مشتق الدالة العكسية للدالة y = sin x، يحسب مشتق هذه الدالة، وقيمته . فمشتق الدالة العكسية؛ أي مشتق x بالنسبة إلى y هو . ولما كان إذن . وقد طوّر ليبنتز حساب التفاضل والتكامل كما طوره نيوتن.

    عمله في الجبر: ويعد ليبنتز من أوائل الذين فكروا بجدولة الأمثال في المعادلات الخطية، أي في المعينات determinants. ولا يختلف جدوله عن الجدول الحالي إلا بعدم وجود خطين حاضنين للجدول. كما بين بعض الآفاق الواسعة في استعمال الأعداد التخيلية Imaginary numbers. ومن جملة ذلك أنه حلل ثنائي الحدين x4 + a4 إلى عوامل خطية. فقد كتبه



    بحسب المطابقة الشهيرة تفاضل مربعي حدين. ثم حلل كلاً مما في داخل قوسين بحسب القاعدة نفسها، وبين أن عبارة ما- بأعداد تخيلية imaginary numbers - قد تكون حقيقية، مثل



    عمله في الحسابيات arithmetics: بحث ليبنتز في نظرية الأعداد number theory، ووضع مثلثات عددية تشبه مثلث الكرجي - باسكال.

    فلسفته:

    طوّر ليبنتز مذهباً فلسفياً جديداً حاول فيه التأليف والتوفيق بين أضداد مختلفة توفيقاً مبتكراً، فحاول على غرار التأليفات الرياضية البحث عن مبادئ وقوانين لتأليفات مماثلة للفلسفة معتمداً منطق تحليل ما هو مركب إلى العناصر البسيطة الأولية ويرمز لها بإشارات تكون «ألف باء» التفكير البشري، لاتخاذها مبادئ للبرهنة على صدق أي قضية؛ إضافة للاهتداء إلى قضايا جديدة ورموز تصلح لتكوين «لغة كلية» يعتمدها المرء في استدلالاته للكشف عن الحقائق في شتى مجالات التفكير، وقد أفنى حياته في إنجاز مشروع تلك اللغة دون أن يصل إلى نتائج مفيدة.

    ميّز ليبنتز بين حقائق العقل الضرورية الخالدة؛ وحقائق الواقع العرضية الحادثة، فالأولى هي التي لايمكن تصوّر ضدها؛ وإلا كانت متناقضة مع ذاتها، ومنها مبادئ الرياضيات والمنطق، وقضاياها تعتمد مبدأ عدم التناقض، أما الثانية فيمكن للعقل تصور نقيضها، وقيمتها ترجع إلى مبدأ السبب الكافي، فإن ما يوجد يوجد لسبب كاف، وحقائق الرياضيات والمنطق عامة استمدت ضرورتها من كونها موجودة في العقل الإلهي، أما الحقائق التجريبية الحادثة فيرجع صدقها إلى هذا العالم الذي تنتمي إليه؛ والذي خلقه الله بإرادته، فاختاره من بين عدد لا حصر له من العوالم الممكنة، وهذا العالم ينسجم وحكمة الله الفائقة. والعقل البشري لا يقف عند حدود تسجيل الحقائق التجريبية التي تمثّل عنصراً مهماً في المعرفة؛ ولكنها لا تستوعب إمكانيات المعرفة كلها، بل يسعى لاكتشاف الحقيقة الخالدة التي بلغت أعلى صورها ونقائها في العلوم الرياضية التي تعد مبادئها مثالاً للحقائق الضرورية التي لا يرقى إليها الشك. ومن هنا كانت الرياضيات النموذج المحتذى للمعرفة الحقة التي ينبغي على سائر العلوم أن تقتدي بها وبمناهجها بما فيها الميتافيزيقا.

    انتقد ليبنتز تفسيرات ديكارت عن الامتداد؛ خاصية ثابتة للأجسام وأن الجسم في حالة انفعال دائم. كما انتقد فكرة ديموقريطس[ر] Democritus عن الجواهر الفردة وأن الجوهر وحدة؛ لأن الجواهر الفردة (الأجسام) ممتدة، وكل امتداد يعني أن الجسم منقسم إلى كثرة، وعندها لا يكون جوهراً، فالجوهر لا مادي إذن، والوحدة الحقيقية لا تكون إلا في الجوهر البسيط الذي لا أجزاء له، ويطلق عليه ليبنتز اسم «الموناد» monad، وهو لفظ يوناني معناه الوحدة، والموناد جوهر روحي غير منقسم، لايمكن تصوره إلا بالفكر وحده، فهو إذن لا مادي، متعال على الزمان والمكان ولا شكل له، كما أن «الموناد» لا يفنى ولا ينحل؛ ولكنه مخلوق في هذا العالم من قِبَل خالق يصدر عنه، كما يصدر النور عن الشمس، وللجوهر قدرة ذاتية على الفعل والحركة تلقائياً، وأحياناً تكون هذه الفعالية واضحة تامة، وأحياناً تكون خامدة كما في المادة الخالصة، وتتمايز المخلوقات بحسب موناداتها في التدرج بالوجود تبعاً لدرجة إدراكها بموجب مبدأ الاتصال الذي يستبعد الانتقال الفجائي، فالله «موناد المونادات» كما يسميه ليبنتز. وما تدركه المونادات إنما هوصورة للعالم أجمع فهي مرآة للوجود تنعكس عليها الأشياء كلها لكونها متصلة، وتعمل المونادات بتناغم؛ مما يفترض وجود خالق منسق. والتناغم الحاصل بين أفعال النفس والجسم مرده إلى«انسجام أزلي» مسبق، كل بحسب قوانينه، وما المكان سوى «نظام لأوضاع» ظواهر عدة في وقت واحد، وما الزمان إلا «نظام المواقف المتعاقبة» فليس الزمان والمكان شيئين متمايزين ومستقلين عن المونادات وسابقين عليهما، كما يتوهم نيوتن، فهما نظام وجود المونادات.

    والشرّ عند ليبنتز نقص وهو ملازم للموجودات وهذا ما يعرف بالشر الميتافيزيقي، أما الشر الخلقي فناتج من سوء استخدام الحرية. وما الخطيئة إلا الفعل الصادر عن إدراك ناقص، والسبيل إلى الخير يكمن في ترويض النفس على اكتساب إدراكات متميزة؛ أي القواعد الكلية، وفيها نحقق كمال العقل والحصول على السعادة الحقة التي هي الغبطة العقلية. وتعد فلسفة ليبنتز عقلية «قطعية» تبنّاها، لكن كريستيان فولف[ر] Chr. Wolff من بعده هاجمها بقوةِ «كانت»[ر] في فلسفته النقدية. أما ميتافيزيقاه الروحية فأفاد منها غوته[ر] وشيلر[ر] وأعلام المثالية الألمانية. أما جهود الفلاسفة المناطقة فاتجهت للقول: إن المنطق والرياضيات هما محور فلسفته، وإن قضية «تضمن الموضوع للمحمول» هي أساس مذهبه الميتافيزيقي عن الجواهر البسيطة أو «المونادات».

    وتقوم الأكاديمية البروسية للعلوم في برلين منذ سنة 1923 بإصدار نشرة نقدية لكل مؤلفات ليبنتز بإشراف رايشل Reichel، ويتوقع أن تتم في أربعين مجلداً. وقد صدر المجلد الأول منها سنة 1923، وتوالى صدورها حتى اليوم.

    محمد وائل الأتاسي، سوسان إلياس
يعمل...
X