مركز تربوي للفنون باسم الفنانة الراحلة سوسن جلال
ــ أديب مخزوم ـ 5 أيار 2023
تم إطلاق اسم الفنانة سوسن جلال التي رحلت عام 2021 على المركز التربوي للفنون التشكيلية بمنطقة برزة البلد، وهذه الخطوة من ضمن خطوات تكريم بعض الفنانين والباحثين التشكيليين الراحلين، التي اتخذتها مديرية تربية دمشق.
وسوسن جلال كانت إحدى أكثر الفنانات السوريات غزارة في الإنتاج والعرض، وأعمالها، المنجزة على الورق المقوى بمواد لونية متنوعة، تشكل إضافة لتجاربها السابقة في إيقاعاتها وتقنياتها وجمالياتها، وتفتح باب النقاش أو الحوار الثقافي المفيد، كونها في هذه اللوحات، تجسد الزهور الشامية في كل أشكالها وألوانها وعناصرها وبرؤى حلمية شفافة تلتقي مع تطلعات الحداثة والمعاصرة.
والراحلة سوسن جلال من الفنانات القادمات من محترفات كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1977، والمعروف أنها تنتمي إلى عائلة فنية عشقت الفن إلى حد الصفاء (والدها الفنان الراحل محمود جلال، وشقيقها الفنان الراحل خالد جلال)، كان منزل والدها منذ طفولتها مركز لقاء الفنانين. ووالدها كما تقول كان أستاذها الأول، حيث شجعها منذ البداية ودفعها في اتجاه الفن، لصياغة النغم اللوني الذي كان يطل في رسومات دفاترها المدرسية.
وفي العقدين الآخيرين رأينا تحولاً على صعيد الموضوعات المطروحة في لوحاتها، وتحولاً على صعيد التقنية، إذ اعتمدت الألوان المائية والمختلطة، في أكثرية لوحاتها، بعد تجارب طويلة في مجال الرسم الزيتي، وهكذا أدخلتنا في عوالم الشفافية والشاعرية، وشاهدنا بالتالي تحولها الكبير نحو مواضيع الورود والزهور، الملتقطة من نقطة مقربة في الطبيعة.
ولقد أبرزت قدرات تعبيرية وتقنية ووصلت إلى خصوصية في رسم الزهور، وأفسحت لوحاتها المجال في اختيار زوايا متنوعة، في تشكيل لوحات الزهور باتساع ورحابة ألوانها. ولقد كانت ألوان الزهور والورود في مائياتها قابلة باستمرار لطواعية التغيير، كونها كانت تعتمد تقنية متنوعة ومواد مختلفة، في صياغة إيقاعات موسيقى الشكل، وموسيقا الظلال، التي تختصر بدورها تقاسيم المفردات الواقعية، نحو تشكيل تعبيري يعكس وهج الشمس الذي يحيل أماكن النور إلى بياض.
والانفتاح على ألوان الورود والزهور المحلية، أثمر في لوحات سوسن جلال صياغة فنية حديثة، تحمل نبض الرهافة والأناقة والشاعرية، وتؤكد ملامح إسقاط الذات، وتعرفنا على إمكانياتها في تحريك إيقاعات ظلال وأنوار العناصر، الحاملة فسحة من شفافية تدرج قطف الإحساس، وصولاً إلى الوهج المتدرج في مساحة البياض .
ونهج سوسن جلال الفني يشكل حلقة لا تنفصل عن تاريخ الفن السوري والعربي، كما قدمت في مراحل سابقة مواضيع الوجوه والعناصر الإنسانية والطيور والأحصنة والعمارة القديمة وغيرها، وكانت تتمسك بالحرية التعبيرية وتعاود الرسم بالمائي والأكريليك والزيتي، ثم تضفي أحياناً فوق المساحات الشفافة، تهشيرات الباستيل الطبشوري، التي تأتي بعيدة كل البعد عن الجماليات الخارجية، كونها تتجه نحو تفعيل الحوار الذاتي أو اللغة التعبيرية الداخلية، الشيء الذي يعطي اللوحة مفهوماً آخر وواقعية جديدة. حيث بدت شاعرية وشفافية اللون أشبه بواحة ورود وزهور، وأضحى الغناء اللوني المتتابع في إطار لوحاتها أشبه بنوتات موسيقية بصرية لمسيرتها الفنية الطويلة، وما عصف بها من تغييرات وتبدلات وتحولات وكشوفات وانفعالات.
ولهذا كان إصرارها في أعمالها الأخيرة البحث عن معنى جديد للمساحة، من أجل إيجاد حركة موسيقية ونغمية مشحونة بغنائية اللمسة العفوية والتلقائية، ضمن إطار الحلم الرومانسي والإشراقة الانطباعية. كل ذلك في خطوات البحث عن حقائق جمالية جديدة، لأن الوصول إلى اللوحة المغايرة، يعني دوماً إيجاد أو ابتكار أبجديتها ولغتها ومناخاتها الخاصة المفتوحة على المفاجآت الدائمة.
وعلى هذا كانت من الفنانات اللواتي عشن الفن من أجل الفن، وكانت إحدى المساهمات، في نهضة الفن التشكيلي السوري، وفي تحويل اللوحة إلى حالة ثقافية وجمالية. هكذا تصبح مساحات الورود والزهور في لوحاتها، مدخلاً لاقتناص الشاعرية اللونية والذهاب أبعد من الإشارات أو المظاهر الخارجية، وبالتالي الوصول إلى الصياغة الفنية في اتجاهاتها التعبيرية المنطلقة من الواقع لقطف روح المشهد بمنظور مغاير لما تراه العين في الأبعاد الثلاثة، واللجوء أحياناً إلى رسم المشهد من نقطة قريبة. وكل ذلك يعمل على إلغاء الثرثرة التشكيلية، لصالح إظهار المزيد من الاختصار والتبسيط وإبراز الطابع الغنائي، والأخذ بعين الاعتبار الاتجاه الفني على الصعيدين التكويني والتلويني.
ــ موقع الثورة أون لاين ـ 5 أيار 2023
http://thawra.sy/?p=461310
=AZWl_AOR-JHpj-m_yG0tZDmtRvb7OKSvpeGz05r1r8ur2OIZsllX8a2ecyF8jsaR-FCMLRJNJeipWgGJebNZBVCNb8RbXfZOLOjXsTPx7IKeeztD6vq 1iiZhQKkRuM7PnXjJuSIEtVgbKvJWEOpMVpW9fa8PufSIXXswO _ZvZ3lAuQ&__tn__=EH-R]