اتاتورك (مصطفي كم)
Atatürk (Mustafa Kemal-) - Atatürk (Mustafa Kemal-)
أتاتورك (مصطفى كمال ـ)
(1298 -1357هـ/1881-1938م)
زعيم تركي وقائد عسكري وسياسي وأول رئيس للجمهورية التركية بعد أن ألغى الخلافة العثمانية فيها. كان أبوه موظفاً في مصلحة الجمارك، ثم اعتزل خدمة الحكومة واشتغل في التجارة. وأصل أسرته من لاريسا Larissa باليونان، هاجرت إلى سالونيك حيث ولد مصطفى ونشأ فيها، ثم توفي والده وهو لايزال صبياً يافعاً قليل الثروة.
اشتغل مصطفى مع خاله في الزراعة ورعي الماشية. والتحق بالمدرسة الإعدادية العسكرية في موناستير Monastir (1895) حيث أضاف أحد أساتذته اسم كمال إلى اسمه لتفوقه في الرياضيات. وانتسب إلى المدرسة الحربية في اصطنبول (1899) حيث بدأ يهتم بالحياة السياسية ويشارك في حركات المعارضة السرية المناهضة للسلطان عبد الحميد الثاني [ر]. وما إن تخرج برتبة ملازم ثان عام 1901 حتى دخل كلية الحرب العليا وتخرج فيها برتبة نقيب في مطلع عام 1905، والتحق بفوج الخيالة في دمشق وقام بضرب قرى جبل الدروز، وحرق المزارع لقمع ثورة فيه. كما اشترك مع عدد من زملائه الضباط في الجيش الخامس المرابط في ولاية سورية، بتأسيس جمعية سرية اسمها «الوطن والحرية»، تأسست لها فروع في يافا والقدس، ثم تقرر نقل نشاط الجمعية إلى سالونيك حيث اتخذت شكلها العسكري النهائي باسم جمعية الاتحاد والترقي [ر]، بعد توحيدها مع بقية الجمعيات في الخارج. وعاد مصطفى كمال إلى سالونيك في أيلول 1907 ضابطاً في أركان الجيش الثالث، وبدأت مشاركته منذ ذلك الحين في الأعمال السياسية والعسكرية، فشارك محمود شوكت في التوجه نحو اصطنبول لخلع السلطان عبد الحميد الثاني، كما اشترك عام 1911 مع الجيوش العثمانية في قتال الطليان الذين جاؤوا لغزو طرابلس الغرب، وحارب البلغار حين نشبت حرب البلقان الثانية، وكان مع القوة التي استعادت أدرنة، ثم عيّن ملحقاً عسكرياً في صوفيا (تشرين الأول 1913). وفي الحرب العالمية الأولى لمع اسمه في معارك الدردنيل، وكان برتبة عقيد حين برز في صدّ هجمات الإنكليز والفرنسيين على شبه جزيرة غاليبولي (1915)، ثم حارب في جبهة القفقاس واسترجع من الروس مدن تبليسي وموش Moush (آب 1916)، والتقى العقيد عصمت الذي أصبح أخلص أصدقائه. ولم يكن على وفاق مع الجنراك الألماني فالكنهايم Falkenhaym بشأن سير العمليات فقدم استقالته، ورافق الأمير وحيد الدين في رحلة قصيرة إلى ألمانية. وحين مات السلطان محمد الخامس تولى العرش السلطان وحيد الدين محمد السادس (3 تموز 1918)، فاستدعاه لقيادة الجيش السابع في فلسطين، ونفذ مصطفى كمال انسحاب الجيش منها إلى شمال حلب وجعل مقر قيادته مدينة حلب. وقد خرج منها بعد قتال شوارع قاده بنفسه مع سكانها الذين استولوا على معظم أحياء المدينة. ولما وقعت هدنة مودرس Mudros (30 تشرين الأول 1918) أظهر معارضته لبنودها ولاسيما ما يتصل منها بالجيوش التي تشرف على الحدود السورية. ولما سرحت الجيوش التركية في الجنوب، عاد مصطفى كمال إلى اصطنبول وألح على تأليف حكومة تناضل لتحقيق الأهداف القومية التركية (تشرين الثاني 1918)، لكنه اصطدم بمقاومة السلطان والحكومة القائمة، وحينئذ أدرك أنه لايمكن القيام بأي عمل إلا من الأناضول ولاسيما بعد أن احتل الفرنسيون والإنكليز والطليان أجزاء مهمة من تركية. وحين قرر السلطان إبعاده عن العاصمة وتعيينه مفتشاً عاماً للجيش التاسع مع سلطات كاملة في ولايات سيواس وطرابزون وأَرضروم ووان وصامسون (30 نيسان 1919)، رحب بالمنصب إذ أتاح له الفرصة لتنظيم حركة التحرير الوطني التي كان يتطلع إليها، وعزم بعدها على إعلان الاستقلال التام لتركية. ولاسيما حين قررت حكومة اصطنبول أن تضع تركية بحماية الدول الكبرى (26 أيار 1919).
ردَّ مصطفى كمال على الحكومة بمذكرة أكد فيها الحاجة إلى الدفاع عن الاستقلال الكامل للأمة والدولة التركية، ورفض الدعوة الموجهة إليه للحضور إلى العاصمة، وألقى بياناً استنكر فيه تصرفات الحكومة، ودعا الأمة للنضال من أجل إنقاذ الوطن وحماية أراضيه، وما إن أعلن اجتماع المجلس الوطني في سيواس للدفاع عن حقوق الولايات التركية الشرقية، وصرّح أن الأناضول يجب أن تكون مقرّ السلطة لا اصطنبول الخاضعة للنفوذ الأجنبي، حتى عزله السلطان من منصبه ووجهت إليه تهمة الخيانة، فردّ مصطفى كمال بالاستقالة من الجيش، وحمل لواء النضال زعيماً للشعب (9 تموز 1919). وعقد مؤتمر وطني في أرضروم ما بين 23 تموز -7 آب، وانتخب مصطفى كمال رئيساً له، وجاء في منهاج المؤتمر أن الوطن بحدوده القومية وحدة لاتتجزأ، وأن أساس الحكم هو إرادة الأمة، ودعا إلى مقاومة كل احتلال أجنبي ورفض أي نوع من الوصاية والحماية، وإلى تشكيل حكومة مؤقتة.وعُقد مؤتمر آخر في سيواس (4 أيلول 1919) حضره مندوبون من جميع أنحاء الأناضول والرومللي، فأقر منهاج أرضروم، وأكد استقلال تركية ووحدتها، وانتخب لجنة تمثيلية برئاسة مصطفى كمال لتتولى تمثيل الأمة، وأخفقت محاولة للتقارب قام بها رئيس الحكومة الجديدة علي رضا باشا، ولاسيما بعد احتلال جيوش الحلفاء مدينة اصطنبول، واعتقال أنصار مصطفى كمال (16 آذار 1920). وانعقد المجلس الوطني الكبير في أنقرة (23 نيسان 1920) وحضره المندوبون المنتخبون وأعضاء البرلمان الراغبون في الانضمام إليه، وأعلن هذا المجلس أنه يمثل الأمة، وأنه يحتفظ بالسلطات التشريعية والتنفيذية إلى أن تتمكن حكومة السلطان من ممارسة مهامها بحرّية، وأنه يخوّل هذه السلطات إلى مجلس وزراء يرأسه رئيس المجلس الوطني الكبير. وانتخب مصطفى كمال رئيساً للمجلس ورئيساً للوزارة الوطنية الأولى التي تألفت في 3 أيار 1920، فصدر عليه حكم بالإعدام في 11 أيار 1920، لكنه لم يعبأ بهذا الحكم، واتخذ الإجراءات الدفاعية لوقف زحف الجيوش التي أُرسلت للقضاء على الحركة الوطنية. وفي 30 أيار 1920 عقد الفرنسيون هدنة مع المجلس الوطني الكبير بعد قتال دام سنة كاملة في كيليكية، في حين احتدم الصراع مع اليونانيين الذين شنوا هجوماً باتجاه الأناضول في 22 حزيران بموافقة الحلفاء لفرض شروطهم بالقوة وإجبار تركية على القبول بتقسيم البلاد. وفي 10 آب 1920 قبل السلطان والداماد فريد بالتوقيع على معاهدة سيفر Sèvres التي قسّمت الدولة العثمانية، فاقتصرت تركية على الأناضول واصطنبول وما حولها، لكن أتاتورك لم يقبل بهذا الأمر، فنظم في أنقرة المقاومة لإنهاء المعاهدة، وطرد اليونانيين من غربي الأناضول وتراقية (الرومللي).وتغلب الأتراك على الأرمن في الجبهة الشرقية، ووقعت هدنة 18 تشرين الثاني 1920، تلاها توقيع معاهدات عام 1920 و1921 اعترفت فيها بامتلاك تركية لإقليم قارص وأردهان الذي ضمته روسية عام 1878. وقد أدت هجمات اليونانيين المتكررة إلى استيلائهم على كوتاهية وأفيون قره حصار وأسكيشهر، وتراجعت الجيوش التركية إلى ماوراء نهر سقارية. وحينذاك سمّى المجلس الوطني الكبير مصطفى كمال قائداً عاماً مع سلطات كاملة لمدة 3 أشهر. فخاض معركة دامت 22 يوماً هُزم فيها الجيش اليوناني، وأنعم المجلس الوطني على مصطفى كمال برتبة المشير ولقب «غازي» أي المنتصر. وشن مصطفى كمال الهجوم الثاني على اليونانيين فاخترق صفوفهم ودخلت الجيوش التركية إزمير، ولم يأت منتصف أيلول 1921 حتى غادر آخر جندي يوناني الأراضي التركية. وفي 11 تشرين الأول 1921 وقعت معاهدة مُدانية Mudanya واسترجع الأتراك تراقية، كما عقد الفرنسيون اتفاقاً مع الأتراك اعترفوا فيه بالحكومة الوطنية وجلوا عن جنوب شرقي الأناضول، ودعا الحلفاء الحكومة الوطنية في أنقرة للمشاركة في مؤتمر لوزان بغية الاتفاق على شروط السلام، ولكن مصطفى كمال جعل المجلس الوطني الكبير يصوت على خلع السلطان محمد السادس (4 تشرين الثاني 1922) الذي غادر اصطنبول على متن سفينة بريطانية، ونُصب ابن عمه عبد المجيد الثاني مكانه. وأسفر مؤتمر لوزان (21 تشرين الثاني 1922 -24 تموز 1923) عن توقيع معاهدة لوزان التي عُدّت نصراً دبلوماسياً كبيراً لقضية القومية التركية، ونالت تركية كل ما رغبت فيه تقريباً من حيث إنها أمة مستقلة معترف بها دولياً ومتحررة من الامتيازات الأجنبية. ودخلت الجيوش التركية اصطنبول في 6 تشرين الأول 1923 بعد جلاء قوات الحلفاء عنها، وبذلك انتهت حرب الاستقلال، وجرت انتخابات المجلس الوطني الكبير الثاني (حزيران -آب 1923). وفي 9 آب أسس مصطفى كمال حزب الشعب الجمهوري وأصبح رئيساً له. واجتمع المجلس الوطني من جديد في 11 آب وأقر انتخاب مصطفى كمال رئيساً للمرة الثانية، كما أقرّ دستوراً جديداً خوّل الرئيس تعيين رئيس وزرائه، ووافق على أن تكون العاصمة أنقرة وألغى السلطنة العثمانية وأعلن الجمهورية التركية، وانتخب مصطفى كمال رئيساً للجمهورية في 30 تشرين الأول 1923، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى وفاته في 10 تشرين الثاني 1938، فطلب من المجلس المصادقة على إلغاء الخلافة ونفي أعضاء الأسرة السلطانية إلى خارج البلاد، ثم شرع في تنفيذ برنامج الإصلاح الداخلي المستوحى من النظم الغربية.