ما بين النهرين (موسيقى ـ)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما بين النهرين (موسيقى ـ)

    مابين نهرين (موسيقي)

    Mesopotamian music - -

    ما بين النهرين (موسيقى ـ)

    قدمت مكتشفات المواقع الأثرية في بلاد ما بين النهرين وثائق وأدوات كثيرة، تثبت تطور الموسيقى وآلاتها الإيقاعية والوترية والنفخية. ومن التصنيف العلمي لهذه المكتشفات توصل العلماء إلى القول: إن سكان بلاد الرافدين قد عرفوا الآلات الموسيقية وطرق استخدامها منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد.
    كاتب وعازف آشوريان (1000 ق.م)
    يقول المؤرخ الموسيقي الشهير كورت زاكس C.Sachs: «إن الطبول وجدت آثارها في بلاد ما بين النهرين منذ عهد السومريين، وكانت على أشكال وهيئات وأحجام متعددة ومتفاوتة، وقد ضمت اثني عشر نوعاً». ودليله على ذلك وجود اثني عشر اسماً لها في اللغة السومرية؛ واثني عشر مرادفاً في اللغة الأكّدية، ولم تسجل النقوش السومرية إلا نوعاً واحداً من الطبول يمثّل طبلة ضخمة وضعت على الأرض، ويرتفع إطارها الخشبي إلى محاذاة عنق العازف، وهذا يعني أن قطرها يراوح بين مئة وخمسين، ومئة وثمانين سنتيمتراً، وكانت تسمى «جلد الثور الضخم». وثمة نقش بارز على إناء للزينة يعود تاريخه إلى 2900 ق.م يصور طبلة كبيرة مستطيلة الشكل يقرع عليها العازف.
    أما في العصرين البابلي والآشوري، فقد كانت الطبول أكثر تنوعاً، فهي بين كبيرة توضع على الأرض، وصغيرة تمسك باليد. وكانت الطبول في بعض الأحيان تصاحب الناي، أو البوق، أو الصنوج الصغيرة.
    ومن شواهد آثار الطبول في بلاد ما بين النهرين عثر في مدينة لارسا على مشهد يجمع بين الملاكمة والموسيقى، ففي الجهة اليمنى تجلس امرأة تقرع الصنوج اليدوية الصغيرة، ويقابلها رجل واقف يقرع بكلتا يديه على الطبل الكبير الذي يشبه آلة «التمباني» [ر. الآلات الموسيقية] timpani الحديثة المستعملة في الفرق الموسيقية في أوربا؛ والتي انتقلت إليها عن طريق العرب في أثناء الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر الميلادي. ويعود تاريخ هذا الأثر الموسيقي إلى القرن الثاني قبل الميلاد.
    وتؤكّد الدراسات الأثرية أن الدف المستدير كان معروفاً في حضارة بلاد ما بين النهرين منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وأقدمها ذلك المشهد المرسوم على جرّة فخارية ملونة باللون القرمزي، ويمثل ثلاث نسوة عاريات ينقرن على دف دائري بوساطة العصا، ويعود تاريخ هذه القطعة الأثرية إلى 2650 ق.م. وقد استعمل الآشوريون نوعين من الدفوف (الدف المستدير الكبير، والدف المستدير الصغير)، وكانت هذه الآلات تستعمل في السلم والحرب.
    أما آلة «الناي» فهي قديمة الاستخدام في بلاد ما بين النهرين، ويذهب كورت زاكس إلى القول: «إن السومريين كانوا يستخدمون بعض الأواني الفخارية للصفير». وثمة نقش على أحد أختام الملك «جوديا» السومري يذكر أن الراعي «أنلوليم» كان يشترك في طقوس الإله «بنخرسو»، ويعزف على آلة الناي؛ ليدخل السرور على بلاد «إينينو». كما عثر في المقبرة الملكية في مدينة أور [ر] على أجزاء من ناي أصلي مصنوع من الفضة طوله 26.7 سم يحتوي على أربعة ثقوب متساوية الأبعاد فيما بينها. وعثر أيضاً على ناي آخر مصنوع من الفضة، له ثقب واحد، ويعود زمن هذه القطع الأثرية إلى نحو 2450 ق.م. وأقدم آثار الناي المزدوج التي عثر عليها في بلاد ما بين النهرين يعود تاريخها إلى عهد الملك السومري «أورنامو» مؤسسس سلالة أور الثالثة الذي حكم نحو 2050 ق.م، وهذه الآلة هي أقدم ما عثر عليه في حضارات الشرق القديم، وهي الأصل الذي اشتقت منه آلة «الأولوس» aulos اليونانية.
    وتعود آثار آلة «البوق» [ر] في بلاد ما بين النهرين إلى فجر السلالات الثاني (2600- 2500) ق.م، وأقدم هذه الآثار عبارة عن كسرة من الحجر الكلسي، عثر عليها في منطقة جفاجي (ديالي)، وهي محفوظة في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية. وتدلّ النقوش التي يعود تاريخها إلى العصر الآشوري وزمن الملك سنحاريب (704- 681ق.م) على وجود البوق، حيث يظهر الجنود وهم ينفخون في هذه الآلة التي كانت شائعة بكثرة في ذلك العصر.
    أما آلة «القرن» cor التي يعود أصلها إلى العهد الأكّدي (قرنو) و(قرنوم)؛ فيقول عنها عالم الآثار العراقي صبحي أنور رشيد: «إن أحد النصوص المسمارية السومرية من عصر (إيسن -لارسا) يخبرنا عن تجوال المنادي في شوارع المدينة، ونفخه في القرن معلناً ضياع ختم أسطواني يعود إلى أحد التجار». ومنه يُستنتج أن القرن كان يستخدم آنذاك وسيلة من وسائل الإعلام الرسمية. ومما تجدر الإشارة إليه أن آلتي البوق والقرن قد اقتبستهما أوربا من الشرق في العصور الوسطى، وقامت بتطويرهما وتحسينهما حتى صارتا تستخدمان في الفرق الموسيقية الكبيرة.
    وأقدم ظهور لآلة العود [ر] في بلاد ما بين النهرين يعود إلى العصر الأكّدي (2350-2170) ق.م حيث وجدت آثاره في مجموعة من الأختام الأسطوانية التي يعود تاريخها إلى ذلك العصر، وكان العود آنذاك يتميز بصغر صندوقه، وطول رقبته، واستمر بشكله الكمّثري الصغير حتى العصور المتأخرة، وكان في البداية خالياً من المفاتيح، وبدأ بوتر واحد، ثم بوترين وثلاثة وأربعة، وكانت طريقة مسكه تختلف عن الطريقة الحالية، فقد كان يمسك بصورة مائلة إلى الأعلى. وفي العصر الهلنستي صار العود يمسك بصورة مائلة إلى الأسفل.
    أما آلة «الهارب» harp فيعود تاريخها- في بلاد ما بين النهرين - إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وتعود آلة «الكنَّارة» kinnor في أصلها إلى الاسم البابلي «كِنّاروم» وهي سومرية الأصل، وأقدم ظهور لها كان بحدود 2700 ق.م، ويعدّ ما عثر عليه في المقبرة الملكية بمدينة «أور» من «كنارات» من أثمنها وأندرها في هذا المجال، ومن أشهرها «الكنارة الذهبية» و«الكنارة الفضية» و«الكنارة الجبسية». وقد استمر وجود هذه الآلة على نطاق واسع في العصور اللاحقة، وقدمت مكتشفات الآثار في بلاد ما بين النهرين شواهد كثيرة تثبت ذلك.
    أما شواهد آلة القانون الأثرية فقليلة جداً؛ لذلك اختلفت الآراء في الأصل الأول لها. ويقول صبحي أنور رشيد: «إنها آلة آشورية الأصل، يعود تاريخها إلى القرن العاشر الميلادي»، ويرى أنها تطورت من آلة «النزهة»، وأخذت في وقت ما الشكل المعروف، وهو شكل (شبه منحرف).
    تجب الإشارة إلى أن الموسيقى في بلاد ما بين النهرين قد شهدت تطورات مهمة وكبيرة؛ ليس فقط في آلاتها، بل في أدائها وتدوينها. وعلى الرغم من أنها عاصرت ميلاد الدين، وشاركته في طقوسه التي يمثل الغناء ركناً رئيساً فيها؛ لكنها لم تكن مقصورة عليها، بل كانت ركناً مهماً في مختلف الاحتفالات والمناسبات الدنيوية، وكانت الموسيقى حافزاً مؤكداً صهرَ الناس في حالة واحدة. ويشاهد في الآثار الفرق الموسيقية التي تقدم وصلاتها أمام الناس بصورة جميلة وأناقة لافتة.
    علي القيم
يعمل...
X