لوتو(لورنتسو) مصور إيطالي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لوتو(لورنتسو) مصور إيطالي

    لوتو (لورنتس) Lotto (Lorenzo-) - Lotto (Lorenzo-)
    لوتو (لورنتسو ـ)

    (1480 ـ 1556)



    لورنتسو لوتو Lorenzo Lotto مصور إيطالي، ولد في البندقية Venise، وتوفي في لوريتو Loreto، وهو سليل أسرة من مدينة برغامو Bergamo، مجهول النشأة والتكون الفني، حتى إن مترجمي السير ونقاد الفن لم يعترفوا بأهميته إلا بعد أن قدمه برنار بيرنسون Bernard Berenson في إحدى دراساته عام 1895.


    لورنتسو لوتو: "زوج وزوجة" (1523)

    كان لوتو- على الرغم من أصله البندقي- يعمل خارج مدينته مع الفنانين المستقلين، مثل: بوردنون Pordenone ورومانينو Romanino وساڤولدو Savoldo، ممن أفادوا من ازدهار الفن في البندقية، ووجدوا في أمكنة إقامتهم النائية والفرعية الشروط الملائمة للتعبير بحرية، بل والتصوير بجرأة تتعارض مع كلاسية البندقية الراسخة والمدعومة على الدوام من بيلّيني Bellini وتتسيانو Tiziano وڤيرونيزه Veronese. إن حياة لوتو مثل فنه تنم على عذاب أليم تصاحبها حيوية طاغية، وطبع سهل التأثر، وحياة لم تعرف الاستقرار. ففي عام 1495 كان عليه أن يذهب إلى مدينة مارش Marches حيث عمل مدة طويلة، ويُعتقد أن أباه التاجر هو الذي كان يدفع لوتو إلى السفر للاتصال بزبائنه؛ مما أدى إلى تنقلّه الدائم بين مدنٍ عدة كان من بينها روما (1509) حيث عمل سنوات معدودات في حجرات الڤاتيكان Vatican، ليعود، من ثم، إلى مارش (1512)، ثم إلى جيزي Jesi وريكاناتي Ricanati، وبعدها إلى برغامو. وفي عام 1527 فتح دفتر حساباته ليسجل فيه معلومات قيّمة تدور حول حياته وانطباعاته وتأملاته الأخلاقية، فسلطَّت الضوء وكشفت النقاب عن رجل مولع بالاستبطان (التأمل الباطني)، يشكو سوء التعامل المالي وعسر علاقاته مع أصدقائه وزبائنه، ومع مساعديه الذين كانوا يسرقونه ويغادرون محترفه بعد قصر إقامة. ومع كل ذلك لم يكن لوتو سوداوياً، بل كان طيب السريرة ومحباً للعزلة، عاش فقيراً على الرغم من موهبته واجتهاده، يسد احتياجاته من ثمن لوحاته. وكان يلجأ أحياناً إلى الأديرة والأصدقاء ليحل ضيفاً عليهم، إلى أن استقبل في عام 1554 خادماً في سانتا كازا دي لوريتو Santa Casa di Loreto حيث توفي.

    عمل لوتو على الإفادة من أكثر التأثيرات تنوعاً: بيلّيني ورفايلّو Raffaello وبارتولوميو Bartolomeo وبوتيتشلّي Botticelli ودورر Dürer وهولباين الابن Holbein le jeune وكوريجيو Correggio وتتسيانو.

    لم يستطع لوتو، على الرغم من طبيعته القلقة، أن يلتحق بالتيار التكلفي maniérisme؛ وذلك لأن فنه صلب ومتماسك ينوس بين الرومنسية والمأسوية، ولايخلو من الجذل والدعابة أحياناً. لقد ابتكر لوتو في البندقية ما يمكن تسميته بـ«تصوير الطباع».


    لورنتسو لوتو: "تمجيد العذراء" (1533)

    يقول ڤازاري :Vasari إن لوتو تعلم على يد بيلّيني وجورجيوني، ورجح بيرنسون Berenson ارتباطه بأسرة ڤيڤاريني Vivarini وأفرادها المصورين لدى مورانو Morano، وكان هؤلاء قد عملوا، مثل لوتو، في مارش، ولكن لوتو أضاف إلى أسلوب هذه الأسرة قيماً valeurs لونية جديدة تنوس بين القوطية والبيزنطية. ويبدو أن لوتو في بداياته كان متأثراً بفن الشمال، فثمة قرابة لايمكن دحضها بين أعماله وأعمال دورر وياكوبو Jacopo ومدرسة الدانوب، وقد تجلّى ذلك في اللوحات: «القديس جيروم في الصحراء» (متحف اللوڤر، 1506)، و«القديس جيروم التائب» (روما)، و«العائلة المقدسة» (روما). ولا يخفى تأثره الحاسم أيضاً بـ «بيروجينو» Perugino ولا بـ«رافايلو» في جداريات كنيسة سواردي Suardi أو جداريات سان ميشيلSan Michele في برغامو (1525). وقد أنتج لوتو في هذه المرحلة السعيدة، فترة الهدوء والاستقرار في برغامو، أجمل لوحاته لمذابح الكنائس: «القديس بارتولوميو» (1516)، و«القديس برناردينو» (1521)، و«القديس سبيريتو» Spirito (1521). وقد تناول المشهد الموجود في سانتا كونڤرساسيون بڤيينا كل من بيلّيني وتتسيانو ولوتو؛ فقدّم بيلّيني مشهداً جامداً، وتتسيانو مشهداً لمجموعة من الأرستقراطيين، في حين قدم لوتو مشهداً يموج بالانفعال والحركة، تشارك فيه العذراء بفعالية، ويضع الطفل يسوع في حيز دينامي ينتشر من حركة إلى حركة ومن نظرة إلى نظرة، وبذلك يكون لوتو قد بشر بالباروك Baroque، حين كانت المرحلة التكلفية في ذروة ازدهارها. يعدّّ هذا المشهد دليلاً ساطعاً على مغزى التكوين composition اللافت للنظر، والمبني على علاقات من خطوط الرقش العربي Arabesque المفعمة بالحيوية، والمتناقض مع تيار جورجيوني الذي يغذي مدرسة البندقية ويطبق اللون المحلي.

    زاول لوتو الأيقونوغرافيا (تصوير الأيقونات) iconographie الدينية بحرية زائدة، ذهبت به حدّ المساس بالمقدسات، ففي لوحة «بشارة سانتا ماريا سوبرا مركانتي» تولي العذراء ظهرها للملاك، وعلى مسافة منها قط مذعور هارب، إنه لمقطع محمل بالرموز، فالحيوان صورة للشيطان يطرده الملاك الذي يبشر بسر التجسد.

    كان لوتو في الأعوام 1530- 1540 خاضعاً لتأثير تتسيانو، مما يفسر بعض الضعف في أعمال كهولته باستثناء ما قدمه من صور شخصية. وكان فضوله هذا يتنقل بين الطبيعة الصامتة والمنظر الطبيعي المديني أو الريفي، وكان يتأمل المنظر الطبيعي بكل الحب والعاطفة، يبث الحياة، فيه ضوء خافت رهيف، وكان يميل إلى الظلال الحارة والمخففة والشفافة، وكان يعرف طريقة الانتقال بمهارة وعلى نحو غير محسوس من اللون الغامق إلى اللون الفاتح ومن الظل إلى النور.

    تجلّى تجديد لوتو في الصورة الشخصية، فكان المجدِّد الأكبر في عصره. كان المصورون الإيطاليون على الدوام ميالين إلى تصوير المجتمع، ولكنهم حافظوا في الوقت نفسه على التقيد بأنماط محددة لم يحيدوا عنها حتى القرن الخامس عشر، فالمصور تتسيانو صور الأرستقراطي كامل الأوصاف في مجتمع متآلف ومتكامل الأخلاق، ولم ير المصورون التكلفيون maniéristes الفلورنسيون فيمن يصورونهم إلا رجال بلاط، في حين أن لوتو ابتكر الصورة النفسية (السيكولوجية)، محاولاً النفاذ إلى دخيلة نماذجه الإنسانية وتسليط الضوء على ما هو خاص بكل منها، ففي إحدى لوحاته يُشاهد رجل مريض في السابعة والثلاثين يشير بيده إلى كبده موطن دائه. لقد سعى لوتو إلى تقديم صورة شخصية ناطقة وبليغة، كتلك الصور الشخصية التي راجت لاحقاً في القرن السابع عشر، وكان إذا ما أراد تمييز شخوصه وإبراز خصوصيتهم؛ يلجأ غالباً إلى إبراز مهنهم وأدواتهم المستخدمة؛ مثل: مجموعة بائع الأثريات، وقوس الصياد، وكتاب الأستاذ، ودفتر الطبيب ووصفاته.

    أفاد لوتو كثيراً من الكتاب، ونوَّع في مغزاه، وميز بين الكتاب المفتوح لرجل دين، وكتاب يقلِّبه بعصبية شاب رومنسي. وكانت هذه الخاصية رمزية على الأغلب، ومعرفة المرموز إليه سهلة، حينما يكون الرمز جمجمة أو تويجات ورود منثورة على طاولة أحد الفتيان، أو تلك التي يدعكها بيده رجل سوداوي، لأنها تستحضر للأذهان على الفور رهافة الحياة وهشاشتها وقصر مدتها، وقد تكون هذه الخاصيات مبهمة، وكانت كذلك في كثير من لوحاته.

    كان لوتو منقِّباً دؤوباً ومجرباً لا يكلّ، وكانت كل لوحة من لوحاته تجربة جديدة، إن لم تكن مغامرة جديدة، كان فناناً متعطشاً وفضولياً ومحباً للتجديد وطليعياً، يجمع مزاجه بين الحمية والتأمل العميق. وكانت موهبته تقتات، ودونما توقف، على مذهب الحيوية (الحياة مصدرها غير مادي) vitalisme، مما جعل منه أحد المبشرين بالباروك.

    فائق دحدوح
يعمل...
X