فادية هاني
تعاني الرواية والروائيون من غياب النقد المتخصص فيها، في الساحة الثقافية العربية، حيث أصبح يتلاشى حضور الأقلام التي تفند الرواية وشخصياتها وطقوسها وفنونها وتفصلها للقارئ مقدمة إيجابياتها وسلبياتها ليستفيد القارئ والكاتب أيضاً على حد سواء، فجنح روائيون كثيرون في عصرنا إلى الاستسهال وكتابة ما تيسر من روايات قد تكون عليها العديد من المآخذ والملاحظات.
وفي المقابل، نجد روايات رائعة تستحق التقدير والتقديم، لكن في غياب النقد غاب ألق حضورها وتأثيرها.
«البيان» تضيء على المسألة في هذا الاستطلاع، حيث تقول الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان: «للأسف لا يوجد نقد لأي شيء، لا فقط النقد المتخصص في الرواية، الدول العربية بالمجمل، غاب عنها موضوع النقد، سواء كان الأدبي أو الفني، كما أن النقاد الذين رحلوا لم تولد الساحة غيرهم وبقي مكانهم فارغاً، وفي وقت سابق كان في الصحف ناقد على الأقل يكتب عن آخر الأفلام والمسرحيات وغيرها، وينتقد بشكل مستمر، الآن لم يعد موجوداً لأن الحساسية ازدادت عند الفنانين والروائيين، ولم يعد أحد يتقبل النقد بشكل أساسي، ولا يتقبل أن ينتقده أحد أو يقلل مثلاً من عمله تحت أي ظرف».
وتضيف: «إن غياب النقد ليس بالأمر الجيد في الواقع الأدبي، بالعكس يؤثر على الذائقة، ولطالما أنه لا يوجد من يوجه انتقاداً أو أي لوم أو عتب على العمل فالكل سيكتب ويطبع وينتج؛ لأنه أمن على نفسه من أي انتقاد، وهنا للأسف يتساوى السيئ والجيد، لذا من المطلوب وجود ناقد مهني».
عملية واسعة
بدورها، توضح الكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي أن غياب العملية النقدية ليس في مجال الرواية فقط، وتؤكد أن هذا الغياب يؤثر على حركة الإبداع، وتطور المنتج، سواء أكان أدبياً أو فنياً أو في أي مجال من مجالات الأدب والإبداع.
وتقول: «العملية النقدية واسعة، وتشمل مختلف مفاصل الحياة، وتكمن أهمية النقد في دراسته للمنجز وتعزيز النجاحات والتميز الذي احتواه، والتنبيه للخلل أو الاهتزازات إن وجدت، ومع الأسف هذا الدور كما نلاحظه جميعاً غائب في مجال الأدب والراوية تحديداً، وغائب في مجالات الحياة الأخرى، وبالتالي فإن غياب الحركة النقدية القوية، عن ملاحقة المنتجات الروائية، يؤدي لعدم فهم المؤلف للجنس الروائي، وعدم الإلمام بالأخطاء والهفوات، وبالتالي يكررها في أعماله التالية، وهذا بطبيعة الحال لا يساهم في التطور ولا تقدم الكتابة والتأليف في مجال الرواية، وعموماً غياب النقد والحركة النقدية يعني غياب الإبداع ومحدودية الحركة الإبداعية المتميزة والمتوهجة».
عناصر ومواضيع
وتؤكد شيماء المرزوقي أن تعثر الحركة النقدية التي تستهدف الرواية، له أثر سلبي على مؤلف وكاتب الرواية نفسه، وعلى الساحة الأدبية والمجتمعية التي تتلقى هذا العمل، وعلى القراء بصفة عامة، ويكمن هذا الأثر في عدم التركيز على العمل كقيمة إنسانية، وعدم إظهار محاسنة ومكامن الإبداع وما احتواه من عناصر ومواضيع، كما أن غياب النقد يسبب ركوداً في نشاط الحركة الأدبية.
وعما إذا كان غياب النقد يؤدي إلى استسهال الكتابة، تشير المرزوقي إلى وجود استسهال في الكتابة والتأليف بشكل عام، فغياب النقد يغيب استفادة المؤلف الذي يستسهل الكتابة الروائية ويؤدي إلى عدم تطوره وقلة معرفته بمكامن القصور والخلل، وعدم فهمه لجوانب الكتابة الروائية وحبكتها وسردها وحوارها، وبالتالي يستمر في تقديم منجزات ركيكة أو متواضعة أو مصابة بالخلل.