الثقوب السوداء: أجرام ثلاثية الأبعاد أم أسطح ثنائية الأبعاد؟
إذا ما أردنا أن نبحث عن شيء يُلخص محدودية معرفتنا بالكون؛ فالثقوب السوداء هي أفضل دليل على ذلك. فنحن لا نستطيع رؤيتها لأنّ شيئًا لا يمكنه النجاة من جاذبيّتها، حتّى لو كان هذا الشيء هو الضوء، كما أننا لا نملكُ أيّ فكرة عن المادة التي تكوّنُها، و لا عن مصير الأشياء الحبيسة داخلها عند موتها.
ولم يتمكّن الفيزيائيون حتى الآن من تحديد ما إذا كانت هذه الثقوب السوداء أجرامًا ضخمة ثلاثيّة الأبعاد، أم مجرّد أسطح ثنائية الأبعاد، تظهرُ لنا ثلاثيّة الأبعاد مثل ما يحصل في تقنية الهولوجرام (التصوير التجسيمي).
توصّلت إحدى الدراسات الجديدة إلى نتائج جعلت فرضيّة الثقوب السوداء الهولوجرافية أقوى من ذي قبل، وذلكَ من خلال حسابات جديدة لعشوائية الثقب الأسود، تدعم إمكانية أن تكون هذه الألغاز الكونية العظيمة مجرّد خداع بصري بالنسبة لنا.
لنتحدّث قبل كلّ شيء عن فرضية الهولوجرام، اقتراح هذه الفرضية عالم الفيزياء ليونارد ساسكيند في تسعينيات القرن الماضي، وتفترض من الناحية الرياضيّة أنّ الكون يحتاج بُعدين فقط -لا ثلاثة- من أجل أن تعمل فيه قوانين الفيزياء والجاذبية كما يجب.
بالنسبة لنا، يبدُو كل شيء على هيئة ثلاثيّة الأبعاد لعمليات ثُنائية الأبعاد معروضة على الأفق الكوني الضخم. قد تبدُو الفكرة جنونية، لكنّها في الحقيقة قد تسمحُ لنا بحل بعضٍ من التناقضات الموجودة بين النظرية النسبية لآينشتاين وميكانيكا الكم، فعندما نقول أنّ لا شيء بإمكانه الهروب من قبضة ثقب أسود من جهة، وأنّ المادة لا يمكنها أن تفنى من جهة أخرى، يخلق نوعًا من المفارقة.
وكما شرحَت فيونا ماكدونالد السنة الماضية؛ نجح الفيزيائيون مؤخّرًا بشكل كبير في مُطابقة نتائج الأبحاث حول ظاهرة الجاذبية مع سلوك الجسيمات الكميّة باستعمال بُعدين مكانيّين فقط، وقد نُشرت منذ سنة 1997، أكثر من 10.000 ورقة علميّة تدعم هذه الفكرة.
لنترُك الكون برمّته في حاله الآن، ونركزّ فقط على الثقوب السوداء، اقترح العُلماء أن السبب وراءَ عدم تمكننا من معرفة مصير الأشياء التي تصل إلى حافة الثقب الأسود أو أفق الحدث وتصلُ إلى داخله؛ هو عدم وجود شيء يدعى ‘داخل الثقب الأسود’ من الأساس، بل إن كل ما يصلُ إلى حافة الثقب الأسود يُحتجز في حيّز التقلبات الجاذبية على السطح.
وفي هذا الشأن، وضعَ فريقٌ من الفيزيائيين بقيادة دانيال برانزيتي من معهد ماكس بلانك للفيزياء النظرية بألمانيا تقديرات جديدة لكميّة العشوائية الموجودة في الثقب الأسود، وحساباتهم تلك تدعمُ السيناريو الذي نحنُ بصدد الحديث عنه.
لدينا القدرة الآن على استعمال نموذج أكثر تكاملًا و ثراءً مُقارنة بما كان سابقًا، والحصول على نتائج أكثر واقعيّة وقوّة. وهذا ما سمحَ لنا بحل عدّة تفاصيل غاضمة كانت تُعاني منها الحسابات السابقة، يقول برانزيتي.
ويركزّ الباحثون على “العشوائية” وهي خاصيّة فيزيائيّة تسمحُ لنا بمعرفة مدى ترتيب أو فوضوية شيء ما. وكان ستيفن هوكنج اقترح مُسبقًا أنّ عشوائية الثقب الأسود لها علاقة تناسبيّة مع مساحته، لا مع حجمه، دفعت هذه الفكرة الاقتراحات حول هولوغرافية الثقوب السوداء نحوَ الأمام.
رغمَ وجود إجماع في المُجتمع العلميّ على وجوب امتلاك الثقوب السوداء لخاصية العشوائية، وإلّا كان وجودها ينتهك القانون الثاني للديناميكا الحراريّة؛ لم يُتّفق حتى الآن حول أصل هذه العشوائية،أو كيف يتم حساب قيمتها، يقول جوان كينيل.
ومن أجل التفكير من زاوية جديدة حيالَ هذه المُشكلة، قام برانزيتي وزُملائه باستخدام مقاربة نظريّة تُسمى بـحلقة الجاذبيّة الكمّية (Loop Quantum Gravity – LQG) لشرح المفهوم المعروف بالجاذبية الكموميّة.
تسعى الجاذبيّة الكموميّة في مجال الفيزياء النظريّة لوصف قوة الجاذبيّة بالاعتماد على مبادىء ميكانيكا الكم، وتتوقّع أن يكون نسيج الزمكان مكوّنًا من حبيبات في مُنتهى الصغر تسمّى بالكوانتا (Quanta) وهي ذرات الزمكان.
وتُعرف مجموعة من هذه الكوانتا باسم المكثفات (Condensates)، ووجدَ فريق البحث أنّه مثل الإبريق المليء بالذرّات التي تكون جُزيئات الماء، يتكوّن الثقب الأسود من مكثفات لها نفس الخصائص، وبالتالي يُمكن دراسة سلوكها الجماعي وتأثيرها الجاذبي عبرَ دراسة خصائص أحدها فقط.
وهذا يعني، رغمَ كوننا عاجزين عن رؤية أو قياس كلّ ما يقبع وراءَ أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود ــ دون الحديث عن عدم إمكانية قياس عشوائيته ــ كلّ ذلك لا يهمّ حقًا، إذا ما كان بإمكاننا قياس الخصائص الجماعية لكلّ ذرّاته بالاعتماد على ذرّة واحدة فقط.
تمامًا كما تظهرُ السوائل حسب مقياسنا كمواد متواصلة، رغم أنّها مكوّنه من عدد ضخم من الذرّات، كذلكَ هو الأمر في الجاذبيّة الكموميّة، المكوّن الأساسي لذرّات المكان تشكّل نوعًا من السوائل، وذلكَ هو الزّمكان المتواصل، يشرحُ فريق البحث في تصريح صحفي، ويرد عنهم في وفي موقع آخر أنها هندسة مُستمرّة ومتجانسة يُمكن وصفها كالمكثفات.
إذن، ما لذي يعني ذلك بالنسبة لفرضية الهولوجرام؟ حسنًا، تخيّل الثقب الأسود على أنه سلّة ثلاثيّة الأبعاد خاصة برياضة كرّة السلة، الحلقة تمثّل أفق الحدث، والشبكة هي الثقب الذي يجذبُ نحوهُ كلّ المواد ثم تختفي بعد ذلك. الآن، ارفع تلك الشبكة نحو الحلقة لجعلها تبدُو مسطّحة مثل دائرة ثنائية الأبعاد، الآن تخيّل أن كلّ من المعدن والشبكة مكوّنان من الماء، كل شيء نقوم بقياسه الآن داخل الحلقة يمُكن تطبيقه كذلك على ما يوُجد داخل الشبكة.
مع وضع هذه الفكرة في أذهاننا، يملك برانزيتي وفريقه الآن نموذجًا مُحدّدًا لإظهار أنّ الطبيعة ثلاثية الأبعاد للثقوب السوداء لا تتعدّى كونها وهمًا، كل المعلومات الخاصة بالثقب الأسود يمكن أن تجتمعَ على سطح ثُنائي الأبعاد، دون الحاجة إلى وجود ثقب أو منطقة داخليّة.وفي هذا الصدد علّقت ذا دايلي جالاكسي “من الآن سنعود إلى العلاقة بين خاصية العشوائية ومساحة السّطح، بدلًا من علاقتها مع الحجم”.
هذاا وقد نُشر النموذج الجديد في موقع مراجعة الأوراق الفيزيائية في حين يستحيلُ تقريبًا الآن أن يتم إثبات ثُنائيّة أبعاد الثقوب السوداء، علماء الفيزياء النظريّة متأكدّون من أخذ ذلك على محملِ الجد على كل حال. هذه الدراسة قد تعتبر خطوة ضخمة من أجل دفعهم إلى الأمام في مُهمّتهم نحوَ فهم حقيقة هذه الألغاز الكونيّة.