كانت بدايات القرن العشرين، فترة مُبشِّرة للعلوم كافة، بالإضافة إلى وضع النموذج المعياري للجسيمات من قِـبَـل (إيرنست رذرفورد و ونيلز بور- Ernest Rutherford and Neils Bohr)، كما كانت فترة اكتشافات في حقل ميكانيكا الكم، وبفضل الدراسات المستمرة لسلوك الإلكترون، بدأ العلماء باقتراح نظريات تتصرف فيها العناصر البدائية بطريقة تتحدى فيزياء نيوتن الكلاسيكية.
إحدى هذه الأمثلة هو نموذج السحابة الإلكترونية المُقترح من قِـبَـل (إيروين شرودنجر- Erwin Schrodinger)، وبفضل هذا النموذج، فإنَّ الإلكترونات لم تعد تُصور على أنَّـها جسيمات تتحرك حول نواة مركزية في مدارٍ ثابت، ولكن عوضًا عن ذلك، اقترح شرودنجر نموذجًا يستطيع العلماء بواسطته إعطاء تخمينات علميِّة للأمكنة التي يمكن أن يتواجد فيها الإلكترون، بالتالي، مواقع هذه الإلكترونات يمكن وصفها فقط كجزء من «سحابة» حول النواة والتي يُحتمل أن يتواجد فيها الإلكترون.
الفيزياء الذريِّة والقرن العشرين:
ظهرت أولى النظريات الذريِّة من اليونان القديمة والهند، عندما افترض الفلاسفة من أمثال ديموقريطس أن جميع المادة تتألف من وحدات صغيرة، وخفية، وغير قابلة للتدمير. وصيغَ مفهوم الذرَّة في اليونان القديمة وأعطى نهوضًا للمدرسة الفكريِّة المعروفة باسم «المذهب الذرِّي»، وكان مفهوم هذه النظرية كانت فلسفيًا أكثر مما كان علميًا.
ذرَّات وجزيئات مختلفة كما صوَّرها جون دالتون في النظام الجديد للفلسفة الكيميائية
ولم يفصل هذا المفهوم علميًا حتى جاء القرن التاسع عشر، مع أولى الأدلة المُعتمِدة على تجارب مخبريِّة، فعلى سبيل المثال استخدم العالم الانجليزي (جون دالتون)، في بدايات القرن التاسع عشر مفهوم الذرَّة لتفسير الكيفيِّة التي تتفاعل فيها العناصر الكيميائيِّة عبر سلسلة من التجارب المُتضمنة غازات مُعينة، واستمرَّ دالتون على هذا المِنوال حتى طوَّر ما يُعرف بـ (نظرية دالتون الذريِّة- Dalton atomic theory ).
توسَّعت هذه النظرية على إثر قوانين حفظ الكتلة والنسب المحددة وتلخصت بخمسة مقدمات: العناصر، في أنقى حالاتها، تتكوَّن من جسيمات تُدعى بالذرَّات، وذرَّات العنصر الواحد جميعها مُتشابهة، ويُمكن التفريق بين ذرَّات العناصر المُختلفة من خلال الوزن الذري؛ وذرَّات هذه العناصر تتحد لتكوِّن المركبات الكيميائيِّة؛ فالذرَّات لا تفنى ولا تُستحدث في التفاعل الكميائي، وما يتغير هو تجمُعاتها فقط.
اكتشاف الإلكترون:
مع نهايات القرن التاسع عشر، بدأ العلماء بوضع نظريات تنصُّ على أنَّ الذرَّة مصنوعة من أكثر من وحدة أساسية. وعلى أية حال، فمعظم العلماء اتفقوا على أن هذه الوحدة هي من حجم أصغر ذرَّة معروفة -الهيدروجين- ولكن سرعان ما تغير هذا الأمر مع نهاية القرن التاسع عشر عندما طرأت تغييرات عديدة بسبب أبحاث قام بها علماء مثل (السير جوزيف جون طومسون – Sir Joseph John Thomson).
عبر سلسلة من التجارب التي أُجريت باستخدام أنابيب أشعة الكاثود ((أقطاب مشحونة بشحنة سالبة يدخل بواسطتها الإلكترون إلى الأجهزة الكهربائية)) راقب طومسون انحياد أشعة الكاثود بسبب وجود المجال المغناطيسي والكهربائي، واستنتج بأنَّها ليست مصنوعة من الضوء كما اُعتُــقِـد قديمًا ولكن من جسيمات مشحونة بشحنة سالبة أصغر بـ 1000 ضعف من الهيدروجين وأخف بـ 1800 ضعف.
هذا هو ما دحضَ مفهوم أنَّ ذرَّة الهيدروجين هي أصغر وحدة في المادة، وذهب طومسون أبعد من ذلك ليقترح أنَّ الذرَّات قابلة للانقسام، لكي يُفسِّر الشحنة الإجمالية للذرَّة، وقد اقترح طومسون نموذجًا تتوزع به «الكريات» سالبة الشحنة في بحر مُنتظم من الشحنات الموجبة – عُرِفَ باسم «نموذج الخوخ الذرِّي- plum pudding model».
سُميت هذا الكريات فيما بعد باسم «الإلكترونات»، اعتمادًا على الجُسيمة النظريِّة التي تنـبَّـأ بها الفيزيائي الإيرلندي (جورج جونستون ستوني- George Johnstone Stoney’s) في العام 1874، ومنها وُلِــدَ نموذج الخوخ الذرِّي، وسُمي بهذا الاسم لأنه يُشبه التحلية الإنجليزية المتكوِّنة من كيكة الخوخ والزبيب، وقُدِّم هذا المفهوم للعالم في إصدار آذار 1904م من المجلة الإنجليزية «Philosophical Magazine».
تطور النموذج المعياري:
كشفت التجارب اللَّاحقة عن عدد من المشاكل العلميِّة فيما يخص نموذج الخوخ الذرِّي، وكبداية، كانت هنالك مشكلة توضيح أنَّ الذرَّة تملك خلفية مُنتظمة ذات شحنة موجبة، الأمر الذي سبَّب مشكلة عُرِفَت باسم )مشكلة طومسون-Thomson problem)، وبعدها بخمس سنين، لاقى هذا النموذج رفضًا من (هانز جيجر وإيرنست مارسدين- Hans Geiger and Ernest Marsden)، اللذان أجريا سلسلة من التجارب باستخدام جسيمات ألفا ورقائق الذهب المعروفة باسم «تجربة رقائق الذهب- gold foil experiment».
في هذه التجربة، قام جيجر ومارسدين بقياس نمط تفرُّق جُسيمات ألفا على شاشة فلورسنتية، فإذا كان نموذج طومسون صحيحًا، فإنَّ جُسيمات ألفا سوف تمرُّ عبر البُـنية الذرِّية لرقائق الذهب دون عوائق، ومع ذلك، فقد لاحظوا عِوضًا عن ذلك أنه بالرغم من أنَّ معظم الجُسيمات التي أُطلِقت عَبرت من خلال البُـنية الذرِّية باتجاه مستقيم، إلَّا أنَّ بعضها تفرَّقت باتجاهات مُختلفة، والبعض الاَخر يعود إلى الخلف باتجاه المصدر.
استنتج جيجر ومارسدين أنَّ الجُسيمات واجهت قوَّة ساكنة أكبر بكثير مما سُمح لها في نموذج طومسون، وبما أنَّ جُسيمات ألفا كانت تُمثِّـل نواة الهيليوم (موجبة الشحنة) فإنَّ هذا الأمر تضمَّن أنَّ الشحنة الموجبة في الذرَّة كانت قد تشتت على نحوٍ واسع، لكنَّها مُتركزة في حيزٍ صغير، وحقيقةَ أنَّ هذه الجُسيمات التي لم تنحاد، مرَّت من خلالها دون عوائق تعني أن هذه المساحات الموجبة فصل بينها مساحات واسعة من الفضاء الفارغ.
وبحلول 1911م، قام (إيرنست رذرفورد-Ernest Rutherford) بتفسير تجارب جيجر-مارسدين ورفض نموذج طومسون للذرَّة، بل عوضًا عن ذلك، اقترح نموذجًا تتكوَّن فيه الذرَّة في أغلبها من مساحة فارغة، ومُحاطة بسحابة من الإلكترونات، عُرِف باسم «نموذج رذرفورد للذرَّة».
صقلت التجارب اللاحقة لـ (أنطونيوس فان دين بروك ونيلز بور-
Antonius Van den Broek and Neils Bohr) النموذج إلى حدٍّ أبعد، فحينما اقترح فان دين بروك أنَّ العدد الذرِّي للعناصر مُشابه جدًا لشحنتها الموجبة، اقترح الأخير نظامًا للذرَّة مُشابهًا لنظامنا الشمسي، حيث تحتوي فيه النواة على العدد الذرِّي للشحنة الموجبة ومُحاطة بعدد مُساوي له من الإلكترونات في مداراتها وعُرِفَ باسم «نموذج بور».
نموذج السحابة الإلكترونية – The Electron Cloud Model :
خلال عشرينيات القرن الماضي، أصبح العالم النمساوي إيروين شرودنجر مشغوفًا بالنظريات التي وضعها: ماكس بلانك، ألبرت أينشتاين، نيلز بور، أرنولد سامرفيلد، وفيزيائيون آخرون. وخلال هذه الفترة اشترك شرودنجر في حقول النظرية الذرِّية والأطياف، باحثًا في جامعة زيورخ ومن ثم جامعة ويلهم فريدريش في برلين (التي تابع فيها من بعد بلانك 1927م).
في سنة 1926 م، استعرض شرودنجر قضية الطبيعة الموجيِّة والإلكترونات في سلسلة من الأوراق البحثيِّة، كما وصف ما سُمي فيما بعد بمعادلة شرودنجر -معادلة تفاضلية تصف الحالة الكُموميِّة لتغيرات النظام الكمي بمرور الزمن- كما استخدم معادلات رياضيِّة لوصف أرجحية إيجاد إلكترون في موقعٍ محدد.
وأصبح هذا أساسٌ لِما عُرِفَ فيما بعد كنموذج السحابة الإلكتروني أو «نموذج ميكانيكا الكم للإلكترون»، كُلُّ هذا بالإضافة إلى معادلة شرودنجر، اعتمد على نظرية الكم، التي تنصُّ على أن كُلّ المادة تمتلك خصائص تشترك معها طبيعة موجيِّة، ويختلف نموذج السحابة الإلكتروني عن نموذج بور في أنه لا يُعطي المسار الدقيق للإلكترون.
وبدلًا من ذلك، فهو يتنبأ بالموقع المُحتمل للإلكترون اعتمادًا على دالة من الاحتمالات. وتَصف دالة الاحتمالات في الأساس منطقة مُشابهة للسحابة يُحتمل تواجد الإلكترون فيها، ومن هنا جاءت التسمية، وحيثما كانت السحابة أكثر كثافةً، كانت احتمالية إيجاد الإلكترون هي الأكبر، وأينما قلَّت احتمالية وجود الإلكترون، كانت السحابة أقل كثافة.
هذه المناطق الكثيفة تُعرف باسم «مدارات الإلكترون»، بما أنها كانت أكثر الأماكن احتمالًا لوجود الإلكترون، وبتوسيع هذه النموذج إلى نموذج ثلاثي الأبعاد، فسوف نحصل على ذرَّة ذات شكل شبيه بالزهرة كما في الصورة أعلاه.
وبفضل أعمال شرودنجر، بدأ العلماء في التوصُّل إلى أنَّه في عالم ميكانيكا الكم؛ يستحيل معرفة الموقع الدقيق والزخم للإلكترون في نفس الوقت، بغض النظر عمَّا يعرفه المُراقب مبدئيًا عن الجُسيمة، فإنَّه يُمكن فقط التنبؤ بالموقع المُتعاقب أو الزخم ضمن ما تشترطه الاحتمالات.
لا يُمكن التأكد من الموقع أو الزخم ولا في أي وقت، بل في الواقع، كُلَّما عرفت أكثر عن زخم الجُسيمة، كُلَّما عرفت أقل عن موقعها، والعكس صحيح، وهذا ما يُعرف اليوم باسم «مبدأ عدم التأكد».
لاحظ أن المدارات المذكورة في الفقرات السابقة كُــوِّنت من ذرَّة هيدروجين واحدة (أي أنَّها تملك إلكترونًا واحدًا فقط). ولكن عند التعامل مع ذرَّات تمتلك إلكتروناتٍ أكثر، فإنَّ المناطق الموجود فيها مدارات الإلكترونات سوف تنتشر بشكل متساوٍ لتُصبح على شكل كُروي غائم، ويتناسب هنا مفهوم «سحابة الإلكترون» مع هذه الفكرة.
وقد اُعتُرِفَ بهذه المُساهمة على الصعيد العالميّ كواحدة من أكثر المُساهمات أهميةً في القرن العشرين، وسابقةٌ أطلقت العنان لثورةٍ في حقل الفيزياء، وميكانيكا الكم وجميع العلوم الأخرى، ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، لم يعد العلماء يعملون في كونٍ ذو خصائص مُطلقة للزمان والمكان، لكن في شكوكٍ كميِّة ومكانٍ نسبيّ!
إحدى هذه الأمثلة هو نموذج السحابة الإلكترونية المُقترح من قِـبَـل (إيروين شرودنجر- Erwin Schrodinger)، وبفضل هذا النموذج، فإنَّ الإلكترونات لم تعد تُصور على أنَّـها جسيمات تتحرك حول نواة مركزية في مدارٍ ثابت، ولكن عوضًا عن ذلك، اقترح شرودنجر نموذجًا يستطيع العلماء بواسطته إعطاء تخمينات علميِّة للأمكنة التي يمكن أن يتواجد فيها الإلكترون، بالتالي، مواقع هذه الإلكترونات يمكن وصفها فقط كجزء من «سحابة» حول النواة والتي يُحتمل أن يتواجد فيها الإلكترون.
الفيزياء الذريِّة والقرن العشرين:
ظهرت أولى النظريات الذريِّة من اليونان القديمة والهند، عندما افترض الفلاسفة من أمثال ديموقريطس أن جميع المادة تتألف من وحدات صغيرة، وخفية، وغير قابلة للتدمير. وصيغَ مفهوم الذرَّة في اليونان القديمة وأعطى نهوضًا للمدرسة الفكريِّة المعروفة باسم «المذهب الذرِّي»، وكان مفهوم هذه النظرية كانت فلسفيًا أكثر مما كان علميًا.
ذرَّات وجزيئات مختلفة كما صوَّرها جون دالتون في النظام الجديد للفلسفة الكيميائية
ولم يفصل هذا المفهوم علميًا حتى جاء القرن التاسع عشر، مع أولى الأدلة المُعتمِدة على تجارب مخبريِّة، فعلى سبيل المثال استخدم العالم الانجليزي (جون دالتون)، في بدايات القرن التاسع عشر مفهوم الذرَّة لتفسير الكيفيِّة التي تتفاعل فيها العناصر الكيميائيِّة عبر سلسلة من التجارب المُتضمنة غازات مُعينة، واستمرَّ دالتون على هذا المِنوال حتى طوَّر ما يُعرف بـ (نظرية دالتون الذريِّة- Dalton atomic theory ).
توسَّعت هذه النظرية على إثر قوانين حفظ الكتلة والنسب المحددة وتلخصت بخمسة مقدمات: العناصر، في أنقى حالاتها، تتكوَّن من جسيمات تُدعى بالذرَّات، وذرَّات العنصر الواحد جميعها مُتشابهة، ويُمكن التفريق بين ذرَّات العناصر المُختلفة من خلال الوزن الذري؛ وذرَّات هذه العناصر تتحد لتكوِّن المركبات الكيميائيِّة؛ فالذرَّات لا تفنى ولا تُستحدث في التفاعل الكميائي، وما يتغير هو تجمُعاتها فقط.
اكتشاف الإلكترون:
مع نهايات القرن التاسع عشر، بدأ العلماء بوضع نظريات تنصُّ على أنَّ الذرَّة مصنوعة من أكثر من وحدة أساسية. وعلى أية حال، فمعظم العلماء اتفقوا على أن هذه الوحدة هي من حجم أصغر ذرَّة معروفة -الهيدروجين- ولكن سرعان ما تغير هذا الأمر مع نهاية القرن التاسع عشر عندما طرأت تغييرات عديدة بسبب أبحاث قام بها علماء مثل (السير جوزيف جون طومسون – Sir Joseph John Thomson).
عبر سلسلة من التجارب التي أُجريت باستخدام أنابيب أشعة الكاثود ((أقطاب مشحونة بشحنة سالبة يدخل بواسطتها الإلكترون إلى الأجهزة الكهربائية)) راقب طومسون انحياد أشعة الكاثود بسبب وجود المجال المغناطيسي والكهربائي، واستنتج بأنَّها ليست مصنوعة من الضوء كما اُعتُــقِـد قديمًا ولكن من جسيمات مشحونة بشحنة سالبة أصغر بـ 1000 ضعف من الهيدروجين وأخف بـ 1800 ضعف.
هذا هو ما دحضَ مفهوم أنَّ ذرَّة الهيدروجين هي أصغر وحدة في المادة، وذهب طومسون أبعد من ذلك ليقترح أنَّ الذرَّات قابلة للانقسام، لكي يُفسِّر الشحنة الإجمالية للذرَّة، وقد اقترح طومسون نموذجًا تتوزع به «الكريات» سالبة الشحنة في بحر مُنتظم من الشحنات الموجبة – عُرِفَ باسم «نموذج الخوخ الذرِّي- plum pudding model».
سُميت هذا الكريات فيما بعد باسم «الإلكترونات»، اعتمادًا على الجُسيمة النظريِّة التي تنـبَّـأ بها الفيزيائي الإيرلندي (جورج جونستون ستوني- George Johnstone Stoney’s) في العام 1874، ومنها وُلِــدَ نموذج الخوخ الذرِّي، وسُمي بهذا الاسم لأنه يُشبه التحلية الإنجليزية المتكوِّنة من كيكة الخوخ والزبيب، وقُدِّم هذا المفهوم للعالم في إصدار آذار 1904م من المجلة الإنجليزية «Philosophical Magazine».
تطور النموذج المعياري:
كشفت التجارب اللَّاحقة عن عدد من المشاكل العلميِّة فيما يخص نموذج الخوخ الذرِّي، وكبداية، كانت هنالك مشكلة توضيح أنَّ الذرَّة تملك خلفية مُنتظمة ذات شحنة موجبة، الأمر الذي سبَّب مشكلة عُرِفَت باسم )مشكلة طومسون-Thomson problem)، وبعدها بخمس سنين، لاقى هذا النموذج رفضًا من (هانز جيجر وإيرنست مارسدين- Hans Geiger and Ernest Marsden)، اللذان أجريا سلسلة من التجارب باستخدام جسيمات ألفا ورقائق الذهب المعروفة باسم «تجربة رقائق الذهب- gold foil experiment».
في هذه التجربة، قام جيجر ومارسدين بقياس نمط تفرُّق جُسيمات ألفا على شاشة فلورسنتية، فإذا كان نموذج طومسون صحيحًا، فإنَّ جُسيمات ألفا سوف تمرُّ عبر البُـنية الذرِّية لرقائق الذهب دون عوائق، ومع ذلك، فقد لاحظوا عِوضًا عن ذلك أنه بالرغم من أنَّ معظم الجُسيمات التي أُطلِقت عَبرت من خلال البُـنية الذرِّية باتجاه مستقيم، إلَّا أنَّ بعضها تفرَّقت باتجاهات مُختلفة، والبعض الاَخر يعود إلى الخلف باتجاه المصدر.
استنتج جيجر ومارسدين أنَّ الجُسيمات واجهت قوَّة ساكنة أكبر بكثير مما سُمح لها في نموذج طومسون، وبما أنَّ جُسيمات ألفا كانت تُمثِّـل نواة الهيليوم (موجبة الشحنة) فإنَّ هذا الأمر تضمَّن أنَّ الشحنة الموجبة في الذرَّة كانت قد تشتت على نحوٍ واسع، لكنَّها مُتركزة في حيزٍ صغير، وحقيقةَ أنَّ هذه الجُسيمات التي لم تنحاد، مرَّت من خلالها دون عوائق تعني أن هذه المساحات الموجبة فصل بينها مساحات واسعة من الفضاء الفارغ.
وبحلول 1911م، قام (إيرنست رذرفورد-Ernest Rutherford) بتفسير تجارب جيجر-مارسدين ورفض نموذج طومسون للذرَّة، بل عوضًا عن ذلك، اقترح نموذجًا تتكوَّن فيه الذرَّة في أغلبها من مساحة فارغة، ومُحاطة بسحابة من الإلكترونات، عُرِف باسم «نموذج رذرفورد للذرَّة».
صقلت التجارب اللاحقة لـ (أنطونيوس فان دين بروك ونيلز بور-
Antonius Van den Broek and Neils Bohr) النموذج إلى حدٍّ أبعد، فحينما اقترح فان دين بروك أنَّ العدد الذرِّي للعناصر مُشابه جدًا لشحنتها الموجبة، اقترح الأخير نظامًا للذرَّة مُشابهًا لنظامنا الشمسي، حيث تحتوي فيه النواة على العدد الذرِّي للشحنة الموجبة ومُحاطة بعدد مُساوي له من الإلكترونات في مداراتها وعُرِفَ باسم «نموذج بور».
نموذج السحابة الإلكترونية – The Electron Cloud Model :
خلال عشرينيات القرن الماضي، أصبح العالم النمساوي إيروين شرودنجر مشغوفًا بالنظريات التي وضعها: ماكس بلانك، ألبرت أينشتاين، نيلز بور، أرنولد سامرفيلد، وفيزيائيون آخرون. وخلال هذه الفترة اشترك شرودنجر في حقول النظرية الذرِّية والأطياف، باحثًا في جامعة زيورخ ومن ثم جامعة ويلهم فريدريش في برلين (التي تابع فيها من بعد بلانك 1927م).
في سنة 1926 م، استعرض شرودنجر قضية الطبيعة الموجيِّة والإلكترونات في سلسلة من الأوراق البحثيِّة، كما وصف ما سُمي فيما بعد بمعادلة شرودنجر -معادلة تفاضلية تصف الحالة الكُموميِّة لتغيرات النظام الكمي بمرور الزمن- كما استخدم معادلات رياضيِّة لوصف أرجحية إيجاد إلكترون في موقعٍ محدد.
وأصبح هذا أساسٌ لِما عُرِفَ فيما بعد كنموذج السحابة الإلكتروني أو «نموذج ميكانيكا الكم للإلكترون»، كُلُّ هذا بالإضافة إلى معادلة شرودنجر، اعتمد على نظرية الكم، التي تنصُّ على أن كُلّ المادة تمتلك خصائص تشترك معها طبيعة موجيِّة، ويختلف نموذج السحابة الإلكتروني عن نموذج بور في أنه لا يُعطي المسار الدقيق للإلكترون.
وبدلًا من ذلك، فهو يتنبأ بالموقع المُحتمل للإلكترون اعتمادًا على دالة من الاحتمالات. وتَصف دالة الاحتمالات في الأساس منطقة مُشابهة للسحابة يُحتمل تواجد الإلكترون فيها، ومن هنا جاءت التسمية، وحيثما كانت السحابة أكثر كثافةً، كانت احتمالية إيجاد الإلكترون هي الأكبر، وأينما قلَّت احتمالية وجود الإلكترون، كانت السحابة أقل كثافة.
هذه المناطق الكثيفة تُعرف باسم «مدارات الإلكترون»، بما أنها كانت أكثر الأماكن احتمالًا لوجود الإلكترون، وبتوسيع هذه النموذج إلى نموذج ثلاثي الأبعاد، فسوف نحصل على ذرَّة ذات شكل شبيه بالزهرة كما في الصورة أعلاه.
وبفضل أعمال شرودنجر، بدأ العلماء في التوصُّل إلى أنَّه في عالم ميكانيكا الكم؛ يستحيل معرفة الموقع الدقيق والزخم للإلكترون في نفس الوقت، بغض النظر عمَّا يعرفه المُراقب مبدئيًا عن الجُسيمة، فإنَّه يُمكن فقط التنبؤ بالموقع المُتعاقب أو الزخم ضمن ما تشترطه الاحتمالات.
لا يُمكن التأكد من الموقع أو الزخم ولا في أي وقت، بل في الواقع، كُلَّما عرفت أكثر عن زخم الجُسيمة، كُلَّما عرفت أقل عن موقعها، والعكس صحيح، وهذا ما يُعرف اليوم باسم «مبدأ عدم التأكد».
لاحظ أن المدارات المذكورة في الفقرات السابقة كُــوِّنت من ذرَّة هيدروجين واحدة (أي أنَّها تملك إلكترونًا واحدًا فقط). ولكن عند التعامل مع ذرَّات تمتلك إلكتروناتٍ أكثر، فإنَّ المناطق الموجود فيها مدارات الإلكترونات سوف تنتشر بشكل متساوٍ لتُصبح على شكل كُروي غائم، ويتناسب هنا مفهوم «سحابة الإلكترون» مع هذه الفكرة.
وقد اُعتُرِفَ بهذه المُساهمة على الصعيد العالميّ كواحدة من أكثر المُساهمات أهميةً في القرن العشرين، وسابقةٌ أطلقت العنان لثورةٍ في حقل الفيزياء، وميكانيكا الكم وجميع العلوم الأخرى، ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، لم يعد العلماء يعملون في كونٍ ذو خصائص مُطلقة للزمان والمكان، لكن في شكوكٍ كميِّة ومكانٍ نسبيّ!