مانيه (ادوار)
Manet (Edouard-) - Manet (Edouard-)
مانيه (إدوار ـ)
(1832ـ 1883)
إدوار مانيه Édouard Manet مصوِّر ورسام فرنسي، ولد في باريس، في كنف عائلة بورجوازية غنية لأب ذي مقام رفيع في وزارة العدل (كان مستشاراً في المحاكم العليا)، وكانت والدته ديزيريه فورنييه Désirée Fournier ابنة أحد قناصل نابليون الأول.
حاول دراسة الفن في بداية حياته لكن والديه رفضا، فعمل تلميذاً بحاراً مدة من الزمن، حاول بعدها دخول المدرسة البحرية لكنه أخفق في اجتياز الامتحان، فقرر وقْف حياته لفن التصوير.
درس مع أنتونان بروست (الذي أصبح فيما بعد وزيراً للمعارف)، وزار بلاداً عديدة منها هولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا، ومتاحفها وأماكن الفن فيها. وصاحبَ رجالات الفكر والأدب أمثال الشاعر بودلير Baudelaire، والكاتب إميل زولا Émile Zola، اللذين دافعا عنه دفاعاً قوياً بادئ الأمر. كما تحمس له أوجين دولاكروا Delacroix وعرّفه الأوساط الفنية.
درس الفن في مرسم توماس كوتور Thomas Couture، ولازم متحف اللوڤر Louvre، ونسخ كثيراً من لوحات تنتوريتو Tintoretto، وتتسيانو Tiziano، وفيلاسكيز Velázquez، وروبنز Rubens، ودولاكروا.
وعلى الرغم من أنه ابتدأ حياته كلاسيّاً، فإنه كان يتمتع بالجرأة الضرورية لكل فنان مبدع، الجرأة حتى التحدي، فعدّه الفنانون الشباب زعيماً وقائداً روحياً لهم. كان يقول لهم: «في أي شكل ترونه ابحثوا عن النور القوي والظل القوي، أما الباقي فهو يأتي من ذات نفسه، وهذا شيء بسيط في أغلب الأحيان…»، لذا كان هو مركز الدائرة التي تحلَّق الفنانون الشباب حولها، أولئك الذين نشأت عن مناقشاتهم وأعمالهم المدرسة الانطباعية.
وطّد مانيه أفكار معلمه كوربيه Gustave Courbet الذي كان يدعو الفنانين إلى الخروج من مرسمهم إلى الطبيعة، لا بل زاد عليها إذ قال: «عندما أصل إلى المرسم فكأنني أدخل قبراً».
واهتم بالموضوعات الواقعية؛ فكان يصف حياة البورجوازيين اليومية حتى سمي (مصوِّر الحياة الحديثة)، وصوَّر لوحة «الموسيقى في حديقة التويللري» وهي الحدائق التابعة لقصر اللوڤر، وفي لوحته تُشاهد بوضوح: الشاعر بودلير، والكاتب غوته Goethe، والموسيقي أوفنباخ.
تعددت اتجاهات مانيه الفنية كثيراً؛ فهو المبدع الحقيقي للفن الحديث والزعيم الواعي للانطباعية من جهة، وهو الوجه الأخير في الفن الكلاسي العظيم من جهة أخرى، ذلك الفن الذي استقى منه موضوعاته، لكن تقاليد العصر كانت تنظر بكراهية إلى إفراطه في استعمال حريته الثقافية.
اشترك مانيه في صالون باريس لعام 1861 بلوحته «غيتاريرو» Guitarero، وحصل على لقب الشرف. ولكنه استمد في عام 1863 من لوحة معلمه كوربيه «بعد العشاء في أورنان» فكرة جريئة جديدة دمج فيها العاري الكلاسي مع موضوعات حديثة مرسومة في الهواء الطلق، وفي ذلك يقول: «أعلم أنه من الصعب تعرية النموذج في الشارع. ولكن هناك الحقول، في فصل الصيف يستطيع المرء أن يقوم بدراسات العاري في الريف…»، وطبّق ما قاله فكانت لوحته «الغداء على العشب»، والتي عرضت بصالون المرفوضين وباتت رمزاً للثورة في الفن، وهي تمثّل فتاة عارية جالسة في غابة تتحدث مع رجلين بملابس ذلك الزمان العصرية. فكانت فضيحة طنانة هوجمت بشدة من قبل النقاد والناس العاديين على السواء، حتى إن نابليون الثالث انتقدها حين رآها بقوله: «إنه يهاجم الخفر والحياء»، ولم تقتصر الفضيحة على الموضوع بل تعدتها في التقانة، إذ احتفظت بالتضاد بين الفاتح والقاتم؛ ولكنها زادته حدة باستعمال السطوح الكبيرة والألوان القاتمة للخلفية والفاتحة للأشخاص، وتظهر هذه العناصر على جليتها في لوحة أخرى لمانيه اسمها «أوليمبيا»، وفيها نرى عارية مضطجعة على سرير وإلى جانبها زنجية تقدم لها باقة من الأزهار، وقطة سوداء تنظر بدهشة؛ فكانت فضيحة أكبر من سابقتها، وقال له بودلير عندما رآها: «إنك الأول في شيخوخة فنك».
تأثر مانيه بالانطباعيين وأقنعوه ببعض آرائهم، ففي عام 1874 ذهب مع رينوار Pierre-Auguste Renoir ومونيه Claude Monet إلى ضاحية باريسية قائمة على ضفاف نهر السين، وهناك رسم بضع لوحات حسب مفاهيم الانطباعية وأهمها «موعد البحار»، وهي في متحف الفنون الجميلة في تورني، كما تعدّ لوحاته «مشرب في ملهى الفولي برجيه» و«ارجانتوي» و«سكة حديد نانا» من اللوحات الانطباعية الصرفة أيضاً، كما عرض في صالة نادار مع أفراد الجمعية المغفلة للتصوير والنحت والحفر، وقد بدا في هذه المرحلة أكثر ارتباطاً بذاتيته وبالعصر الذي يعيش فيه، فصارت ألوانه أشد إشراقاً وأكثر تأثراً بنور الشمس، وإن أنكر في البداية كونه انطباعياً.
ولكن مانيه لم يهمل الموضوع في سبيل الشكل، بخلاف الانطباعيين الذين كانوا أول من اتجه نحو الشكل وأهمل الموضوع، واستمروا فيه حتى كان الفن المجرد.
اشتهر مانيه في كل الأوساط الراقية حتى إن كليمنصو Clemenceau نفسه كان يدافع عنه ويوصي بشراء لوحاته، وفي عام 1881 حين صار صديقه بروست Proust وزيراً منحه وسام جوقة الشرف بدرجة فارس.
ضاعف مانيه نشاطاته في السنين الأخيرة من حياته - وهو الرجل المعروف في المجتمعات الراقية وفي المقاهي معاً - إلى حين شعوره باضطرابات حركية أدت بعد عملية جراحية إلى وفاته. ويقول عنه بودلير: «إنه الفنان، الفنان الحقيقي الذي استطاع أن يرينا ويفهمنا كم نحن عظماء وشعراء حتى ونحن نضع ربطات العنق ونلبس الجزمات الملمعة».
نهيل نزال
Manet (Edouard-) - Manet (Edouard-)
مانيه (إدوار ـ)
(1832ـ 1883)
إدوار مانيه Édouard Manet مصوِّر ورسام فرنسي، ولد في باريس، في كنف عائلة بورجوازية غنية لأب ذي مقام رفيع في وزارة العدل (كان مستشاراً في المحاكم العليا)، وكانت والدته ديزيريه فورنييه Désirée Fournier ابنة أحد قناصل نابليون الأول.
حاول دراسة الفن في بداية حياته لكن والديه رفضا، فعمل تلميذاً بحاراً مدة من الزمن، حاول بعدها دخول المدرسة البحرية لكنه أخفق في اجتياز الامتحان، فقرر وقْف حياته لفن التصوير.
إدوارد مانيه: "سكة الحديد" (1873) |
درس الفن في مرسم توماس كوتور Thomas Couture، ولازم متحف اللوڤر Louvre، ونسخ كثيراً من لوحات تنتوريتو Tintoretto، وتتسيانو Tiziano، وفيلاسكيز Velázquez، وروبنز Rubens، ودولاكروا.
وعلى الرغم من أنه ابتدأ حياته كلاسيّاً، فإنه كان يتمتع بالجرأة الضرورية لكل فنان مبدع، الجرأة حتى التحدي، فعدّه الفنانون الشباب زعيماً وقائداً روحياً لهم. كان يقول لهم: «في أي شكل ترونه ابحثوا عن النور القوي والظل القوي، أما الباقي فهو يأتي من ذات نفسه، وهذا شيء بسيط في أغلب الأحيان…»، لذا كان هو مركز الدائرة التي تحلَّق الفنانون الشباب حولها، أولئك الذين نشأت عن مناقشاتهم وأعمالهم المدرسة الانطباعية.
إدوارد مانيه: "منطقة الأرجنتوي" (1874) |
واهتم بالموضوعات الواقعية؛ فكان يصف حياة البورجوازيين اليومية حتى سمي (مصوِّر الحياة الحديثة)، وصوَّر لوحة «الموسيقى في حديقة التويللري» وهي الحدائق التابعة لقصر اللوڤر، وفي لوحته تُشاهد بوضوح: الشاعر بودلير، والكاتب غوته Goethe، والموسيقي أوفنباخ.
تعددت اتجاهات مانيه الفنية كثيراً؛ فهو المبدع الحقيقي للفن الحديث والزعيم الواعي للانطباعية من جهة، وهو الوجه الأخير في الفن الكلاسي العظيم من جهة أخرى، ذلك الفن الذي استقى منه موضوعاته، لكن تقاليد العصر كانت تنظر بكراهية إلى إفراطه في استعمال حريته الثقافية.
اشترك مانيه في صالون باريس لعام 1861 بلوحته «غيتاريرو» Guitarero، وحصل على لقب الشرف. ولكنه استمد في عام 1863 من لوحة معلمه كوربيه «بعد العشاء في أورنان» فكرة جريئة جديدة دمج فيها العاري الكلاسي مع موضوعات حديثة مرسومة في الهواء الطلق، وفي ذلك يقول: «أعلم أنه من الصعب تعرية النموذج في الشارع. ولكن هناك الحقول، في فصل الصيف يستطيع المرء أن يقوم بدراسات العاري في الريف…»، وطبّق ما قاله فكانت لوحته «الغداء على العشب»، والتي عرضت بصالون المرفوضين وباتت رمزاً للثورة في الفن، وهي تمثّل فتاة عارية جالسة في غابة تتحدث مع رجلين بملابس ذلك الزمان العصرية. فكانت فضيحة طنانة هوجمت بشدة من قبل النقاد والناس العاديين على السواء، حتى إن نابليون الثالث انتقدها حين رآها بقوله: «إنه يهاجم الخفر والحياء»، ولم تقتصر الفضيحة على الموضوع بل تعدتها في التقانة، إذ احتفظت بالتضاد بين الفاتح والقاتم؛ ولكنها زادته حدة باستعمال السطوح الكبيرة والألوان القاتمة للخلفية والفاتحة للأشخاص، وتظهر هذه العناصر على جليتها في لوحة أخرى لمانيه اسمها «أوليمبيا»، وفيها نرى عارية مضطجعة على سرير وإلى جانبها زنجية تقدم لها باقة من الأزهار، وقطة سوداء تنظر بدهشة؛ فكانت فضيحة أكبر من سابقتها، وقال له بودلير عندما رآها: «إنك الأول في شيخوخة فنك».
إدوارد مانيه: "مشرب في ملهى الفوليه برجيه" (1881) |
ولكن مانيه لم يهمل الموضوع في سبيل الشكل، بخلاف الانطباعيين الذين كانوا أول من اتجه نحو الشكل وأهمل الموضوع، واستمروا فيه حتى كان الفن المجرد.
اشتهر مانيه في كل الأوساط الراقية حتى إن كليمنصو Clemenceau نفسه كان يدافع عنه ويوصي بشراء لوحاته، وفي عام 1881 حين صار صديقه بروست Proust وزيراً منحه وسام جوقة الشرف بدرجة فارس.
ضاعف مانيه نشاطاته في السنين الأخيرة من حياته - وهو الرجل المعروف في المجتمعات الراقية وفي المقاهي معاً - إلى حين شعوره باضطرابات حركية أدت بعد عملية جراحية إلى وفاته. ويقول عنه بودلير: «إنه الفنان، الفنان الحقيقي الذي استطاع أن يرينا ويفهمنا كم نحن عظماء وشعراء حتى ونحن نضع ربطات العنق ونلبس الجزمات الملمعة».
نهيل نزال