جبل طارق.. صخرة شاهدة على سنن التاريخ
1/5
المصدر:
في أقصى جنوب شبه جزيرة إيبيريا، وعلى منطقة صخرية متوغلة في مياه البحر الأبيض المتوسط، توجد تلك الصخرة المكونة من الحجر الجيري، المرتفعة عن سطح البحر بـ 426 متراً، التي تعرف باسم جبل طارق، في إشارة إلى طارق بن زياد الذي قاد فتح الأندلس في العام 711 للميلاد، وقد تم تحريف الاسم إلى «غيبرالتر» باللغة الإنجليزية، وهي اليوم منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني.
رغم أن مساحة جبل طارق لا تتجاوز 6.8 كم²، إلا أنها تحمل الكثير من بصمات التاريخ نتيجة مؤثرات الجغرافيا التي وضعتها في موقع طالما شهد الكثير من الأحداث والتحولات والتجارب الحضارية والثقافية والصراعات التنافسية لأجل السيطرة على المضيق الذي يربط بين إسبانيا شمالاً والمغرب جنوباً، وبالتالي بين القارتين الأوروبية والأفريقية، حيث لا تتجاوز أقصر مسافة بين ضفتيه 14 كلم، وهو يصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط ومياه المحيط الأطلسي، وعرف في العربية القديمة ببحر الزُّقاق وبحر المجاز، وكذلك باسم باب المغرب، وقبل ذلك أطلق عليه الرومان اسم مضيق قادس، وعُرف في العالم القديم بصفته أحد أعمدة هرقل، حيث يروى أنه كانت تقع خلفه قارة أطلانطس الأسطورية، ويسمى حالياً بمضيق جبل طارق نسبة إلى الصخرة التي تحمل معالم دولة ولكن بسيادة منقوصة.
يبلغ عدد سكان جبل طارق حوالي 35 ألف نسمة، أي ما يعادل حوالي 5000 نسمة لكل كلم، لتكون واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية.
ويعتبر جبل طارق نفسه فضاء إنسانياً واسعاً دون النظر في الخلفيات العرقية والدينية والثقافية للسكان، فعلى تلك الصخرة يعيش البروتستانت والكاثوليك والمسلمون واليهود والهندوس معاً في وئام، وفي سنة 2010 أصبح هندوسي من أصول هندية، وهو هاريش بودراني، رئيساً للبرلمان، وأصبحت يهودية زعيمة للمعارضة، وانتُخبت فتاة مسلمة ملكة جمال جبل طارق، وفي سنة 2015 كرّم رئيس الوزراء فابيان بيكاردو علناً الجيل الثالث من المسلمين كجزء لا يتجزأ من هوية جبل طارق.
القلعة الحرة
وكانت الحكومة قد أصدرت ورقة نقدية من فئة 5 جنيهات جبل طارق، تظهر على يمينها صورة للقائد المسلم طارق بن زياد حاملاً سيفه، وفي الخلفية قوس إسلامي، ونجمة خماسية، وتحت الصورة اسم طارق بن زياد بالأحرف اللاتينية، وعلى يسار العملة «القلعة الحرة» التي تعود إلى العصر الأموي، ولا تزال موجودة حتى وقتنا هذا في دولة جبل طارق.
وينقسم جنيه جبل طارق إلى 100 بنس ويجري صرف جنيه جبل طارق بالتماثل مع الجنيه الإسترليني في جبل طارق، لكن بنوك المملكة المتحدة تفرض رسوماً على تحويل جنيه جبل طارق إلى الجنيه الإسترليني.
جبل طارق الذي وصفه الاتحاد الأوروبي في العام 2018 بالمستعمرة البريطانية يبقى مرتبطاً بالبر الإسباني، وأدى خروج لندن من الاتحاد إلى وضع الصخرة في حالة غموض تام، في استفتاء بريكست في المملكة المتحدة لعام 2016، أيّد 96 في المئة من الناخبين في جبل طارق البقاء في الكتلة القارية التي يشعرون أنها تمنحهم المزيد من النفوذ للتعامل مع الحكومة في مدريد، وهم يعتبرون أن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية لا تقبل الانفصال عن إسبانيا التي ينطلق منها كل صباح أكثر من 15000 شخص للعمل في جبل طارق ثم يعودون مساء إلى ديارهم، وهم يشكلون نحو 50 في المئة من القوى العاملة في الإقليم.
المطار الأخطر في العالم
مطار جبل طارق كان قد افتتح عام 1939 في خضم الحرب العالمية الثانية، وهو من أغرب وأخطر المطارات في العالم، حيث يقع في قلب المدينة، ويتقاطع مدرجه مع شارع تشرشل للسيارات، ولا تسافر منه الطائرات إلا إلى نحو ثلاث وجهات وهي إسبانيا والمملكة المتحدة ومالطا.
اليوم، لا يزال الوضع يحتاج إلى قرار الحسم في تحديد طريقة التعامل مع الوضع خلال المرحلة القادمة، وبريطانيا لا تزال تعمل مع حكومة جبل طارق على مواصلة العمل المشترك من أجل التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل الجزيرة وضمان سيادة أراضيها لكن دون تنازلات.
تعاقب الدول والحضارات
يشير المؤرخون إلى أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ نحو 125,000 عام، وقد عرفت وجود إنسان النياندرتال البدائي وهو أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى، ويعتبر الفينيقيون من أوائل الشعوب التي استوطنتها حوالي 950 قبل الميلاد، ثم أقام فيها الرومان مستوطنة صغيرة استمرت حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية، ليأتي دور الفاندال الذين سيطروا عليها، قبل أن يتم ضمها إلى المملكة الإسبانية حتى الفتح الإسلامي في 30 أبريل 711 ميلادي، وفي العام 1150، تم في عهد السلطان عبد المؤمن، أحد سلاطين الدولة الموحدية، إنشاء مدينة هناك وجرى تحصينها، ولا تزال أثارها قائمة إلى اليوم، ثم جرى ضم جبل طارق إلى مملكة غرناطة حتى عام 1309 حين قامت القوات الإسبانية بغزو المدينة وسيطرت عليها حتى العام 1333 ليعاد تحريرها من قبل بني مرين الذين أعادوها بدورهم في 1374 م إلى مملكة غرناطة فاحتفظت بها حتى سقوطها نهائياً بيد الإسبان في عام 1492 م، لينهي بذلك 750 عاماً من الحكم الإسلامي للمدينة.
دولة يهودية 3 أعوام
بعد سيطرة الإسبان، شهدت المدينة في العام 1474 محاولة إقامة أول كيان خاص باليهود السفارديم اللاجئين من قرطبة فراراً من موجة التطرف التي أعقبت سقوط الأندلس، وقد انتقل 4350 يهودياً بقيادة زعيمهم بيدرو دي هريرا إلى جبل طارق بإذن من دوقات مدينة سيدونيا، مقابل الالتزام بدفع الضرائب، وهناك أنشأوا حامية من سلاح الفرسان، وأعلنوا قيام دولة استمرت لمدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام فقط، فقد أعاد دوق سيدونيا تحالفه مع الإسبان وتم إجبار اليهود على العودة إلى قرطبة ليواجهوا قدرهم أمام محاكم التفتيش التي كانت تطالهم إلى جانب المسلمين، وتم لاحقاً ضم جبل طارق نهائياً للتاج الإسباني الذي جرى إنشاؤه في العام 1501 على يد الملكة إيزابيلا الأولى، لكن الصراع على المنطقة لم ينته، ففي العام 1607، خسرت إسبانيا كامل أسطولها البحري الراسي في جبل طارق خلال مدة لا تتجاوز أربع ساعات عندما فاجأه الأسطول الهولندي بهجوم مباغت، وفي العام 1704 استغل السير جورج روك حرب الخلافة في إسبانيا ليعلن سيطرة البريطانيين على الصخرة، وفي 1713 تحول جبل طارق رسمياً إلى التبعية البريطانية وفق معاهدة يوترخت التي أبرمت بين ممثلي الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا وممثلي الملك فيليب الخامس ملك إسبانيا من جهة، وبين ممثلي الملكة آن، ملكة المملكة المتحدة ودوق سافوي من النمسا وغيرهم.
حاول الإسبان استعادة جبل طارق في مناسبات عدة، ومن ذلك الحصار العسكري الذي أقاموه من حول الصخرة واستمر من 1779 إلى 1783 لينتهي إلى الفشل، وفي عام 1830 أصبح جبل طارق مستعمرة للتاج البريطاني، ومع افتتاح قناة السويس في العام 1869 زاد إصرار البريطانيين على الاحتفاظ بجبل طارق، ولا سيما أن البحر الأبيض المتوسط بات طريقهم الرئيسي إلى مستعمراتهم في شرق إفريقيا وجنوب آسيا.
ضمانة القردة
ربما من أطرف الأساطير التي يتم تداولها بين السكان المحليين، أن جبل طارق سيبقى تحت الوصاية البريطانية طالما بقيت قردة المكاك تمرح بحرية في المنطقة، وهي ظاهرة وسمة مميزة للصخرة لا يوجد لها نظير في كافة الدول الأوروبية، ومن أجل ذلك سيتم تعديل قانون حماية حقوق الحيوانات، بحيث يعتبر لمس قردة المكاك أو أي تدخل آخر في سلوكها الطبيعي جريمة، باستثناء الأشخاص الحاصلين على إذن للإدارة أو البحث أو الممارسات البيطرية.
رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي كان على علم بهذه الأسطورة، أمر بتوجيه قيادة خاصة لجنود النخبة، في هجوم الحلفاء الكامل ضد ألمانيا، وهي مهمة سرية تتمثل في إعادة توطين القردة في المستعمرة بالاعتماد على قطيع جديد يتم جلبه من إفريقيا بعد أن تبين أن عددها على الصخرة قد تراجع كثيراً وبات لا يتجاوز عشرة فقط.
وعلى مدى العقود المتتالية، نفذت حكومة جبل طارق العديد من التدابير لحماية هذه القردة، مثل وضع حدود للسرعة في حركة المرور على الطرق للوصول إلى المنطقة العليا من الصخرة ومنع دهسها، كما حدث في أكثر من مناسبة، أو فرض غرامات على إعطائها الطعام، لأن ذلك قد يغير نظامها الغذائي ويسبب أمراضاً مثل مرض السكري.
- تمثال لجورج روك الذي أعلن ضم جبل طارق إلى بريطانيا
- صورة طارق بن زياد تتصدر ورقة نقدية بجبل طارق
- الحركة في جبل طارق
- قرد على أعلى قمة جبل طارق
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
1/5
المصدر:
- طنجة، تونس -
في أقصى جنوب شبه جزيرة إيبيريا، وعلى منطقة صخرية متوغلة في مياه البحر الأبيض المتوسط، توجد تلك الصخرة المكونة من الحجر الجيري، المرتفعة عن سطح البحر بـ 426 متراً، التي تعرف باسم جبل طارق، في إشارة إلى طارق بن زياد الذي قاد فتح الأندلس في العام 711 للميلاد، وقد تم تحريف الاسم إلى «غيبرالتر» باللغة الإنجليزية، وهي اليوم منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني.
رغم أن مساحة جبل طارق لا تتجاوز 6.8 كم²، إلا أنها تحمل الكثير من بصمات التاريخ نتيجة مؤثرات الجغرافيا التي وضعتها في موقع طالما شهد الكثير من الأحداث والتحولات والتجارب الحضارية والثقافية والصراعات التنافسية لأجل السيطرة على المضيق الذي يربط بين إسبانيا شمالاً والمغرب جنوباً، وبالتالي بين القارتين الأوروبية والأفريقية، حيث لا تتجاوز أقصر مسافة بين ضفتيه 14 كلم، وهو يصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط ومياه المحيط الأطلسي، وعرف في العربية القديمة ببحر الزُّقاق وبحر المجاز، وكذلك باسم باب المغرب، وقبل ذلك أطلق عليه الرومان اسم مضيق قادس، وعُرف في العالم القديم بصفته أحد أعمدة هرقل، حيث يروى أنه كانت تقع خلفه قارة أطلانطس الأسطورية، ويسمى حالياً بمضيق جبل طارق نسبة إلى الصخرة التي تحمل معالم دولة ولكن بسيادة منقوصة.
يبلغ عدد سكان جبل طارق حوالي 35 ألف نسمة، أي ما يعادل حوالي 5000 نسمة لكل كلم، لتكون واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية.
ويعتبر جبل طارق نفسه فضاء إنسانياً واسعاً دون النظر في الخلفيات العرقية والدينية والثقافية للسكان، فعلى تلك الصخرة يعيش البروتستانت والكاثوليك والمسلمون واليهود والهندوس معاً في وئام، وفي سنة 2010 أصبح هندوسي من أصول هندية، وهو هاريش بودراني، رئيساً للبرلمان، وأصبحت يهودية زعيمة للمعارضة، وانتُخبت فتاة مسلمة ملكة جمال جبل طارق، وفي سنة 2015 كرّم رئيس الوزراء فابيان بيكاردو علناً الجيل الثالث من المسلمين كجزء لا يتجزأ من هوية جبل طارق.
القلعة الحرة
وكانت الحكومة قد أصدرت ورقة نقدية من فئة 5 جنيهات جبل طارق، تظهر على يمينها صورة للقائد المسلم طارق بن زياد حاملاً سيفه، وفي الخلفية قوس إسلامي، ونجمة خماسية، وتحت الصورة اسم طارق بن زياد بالأحرف اللاتينية، وعلى يسار العملة «القلعة الحرة» التي تعود إلى العصر الأموي، ولا تزال موجودة حتى وقتنا هذا في دولة جبل طارق.
وينقسم جنيه جبل طارق إلى 100 بنس ويجري صرف جنيه جبل طارق بالتماثل مع الجنيه الإسترليني في جبل طارق، لكن بنوك المملكة المتحدة تفرض رسوماً على تحويل جنيه جبل طارق إلى الجنيه الإسترليني.
جبل طارق الذي وصفه الاتحاد الأوروبي في العام 2018 بالمستعمرة البريطانية يبقى مرتبطاً بالبر الإسباني، وأدى خروج لندن من الاتحاد إلى وضع الصخرة في حالة غموض تام، في استفتاء بريكست في المملكة المتحدة لعام 2016، أيّد 96 في المئة من الناخبين في جبل طارق البقاء في الكتلة القارية التي يشعرون أنها تمنحهم المزيد من النفوذ للتعامل مع الحكومة في مدريد، وهم يعتبرون أن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية لا تقبل الانفصال عن إسبانيا التي ينطلق منها كل صباح أكثر من 15000 شخص للعمل في جبل طارق ثم يعودون مساء إلى ديارهم، وهم يشكلون نحو 50 في المئة من القوى العاملة في الإقليم.
المطار الأخطر في العالم
مطار جبل طارق كان قد افتتح عام 1939 في خضم الحرب العالمية الثانية، وهو من أغرب وأخطر المطارات في العالم، حيث يقع في قلب المدينة، ويتقاطع مدرجه مع شارع تشرشل للسيارات، ولا تسافر منه الطائرات إلا إلى نحو ثلاث وجهات وهي إسبانيا والمملكة المتحدة ومالطا.
اليوم، لا يزال الوضع يحتاج إلى قرار الحسم في تحديد طريقة التعامل مع الوضع خلال المرحلة القادمة، وبريطانيا لا تزال تعمل مع حكومة جبل طارق على مواصلة العمل المشترك من أجل التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل الجزيرة وضمان سيادة أراضيها لكن دون تنازلات.
تعاقب الدول والحضارات
يشير المؤرخون إلى أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ نحو 125,000 عام، وقد عرفت وجود إنسان النياندرتال البدائي وهو أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى، ويعتبر الفينيقيون من أوائل الشعوب التي استوطنتها حوالي 950 قبل الميلاد، ثم أقام فيها الرومان مستوطنة صغيرة استمرت حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية، ليأتي دور الفاندال الذين سيطروا عليها، قبل أن يتم ضمها إلى المملكة الإسبانية حتى الفتح الإسلامي في 30 أبريل 711 ميلادي، وفي العام 1150، تم في عهد السلطان عبد المؤمن، أحد سلاطين الدولة الموحدية، إنشاء مدينة هناك وجرى تحصينها، ولا تزال أثارها قائمة إلى اليوم، ثم جرى ضم جبل طارق إلى مملكة غرناطة حتى عام 1309 حين قامت القوات الإسبانية بغزو المدينة وسيطرت عليها حتى العام 1333 ليعاد تحريرها من قبل بني مرين الذين أعادوها بدورهم في 1374 م إلى مملكة غرناطة فاحتفظت بها حتى سقوطها نهائياً بيد الإسبان في عام 1492 م، لينهي بذلك 750 عاماً من الحكم الإسلامي للمدينة.
دولة يهودية 3 أعوام
بعد سيطرة الإسبان، شهدت المدينة في العام 1474 محاولة إقامة أول كيان خاص باليهود السفارديم اللاجئين من قرطبة فراراً من موجة التطرف التي أعقبت سقوط الأندلس، وقد انتقل 4350 يهودياً بقيادة زعيمهم بيدرو دي هريرا إلى جبل طارق بإذن من دوقات مدينة سيدونيا، مقابل الالتزام بدفع الضرائب، وهناك أنشأوا حامية من سلاح الفرسان، وأعلنوا قيام دولة استمرت لمدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام فقط، فقد أعاد دوق سيدونيا تحالفه مع الإسبان وتم إجبار اليهود على العودة إلى قرطبة ليواجهوا قدرهم أمام محاكم التفتيش التي كانت تطالهم إلى جانب المسلمين، وتم لاحقاً ضم جبل طارق نهائياً للتاج الإسباني الذي جرى إنشاؤه في العام 1501 على يد الملكة إيزابيلا الأولى، لكن الصراع على المنطقة لم ينته، ففي العام 1607، خسرت إسبانيا كامل أسطولها البحري الراسي في جبل طارق خلال مدة لا تتجاوز أربع ساعات عندما فاجأه الأسطول الهولندي بهجوم مباغت، وفي العام 1704 استغل السير جورج روك حرب الخلافة في إسبانيا ليعلن سيطرة البريطانيين على الصخرة، وفي 1713 تحول جبل طارق رسمياً إلى التبعية البريطانية وفق معاهدة يوترخت التي أبرمت بين ممثلي الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا وممثلي الملك فيليب الخامس ملك إسبانيا من جهة، وبين ممثلي الملكة آن، ملكة المملكة المتحدة ودوق سافوي من النمسا وغيرهم.
حاول الإسبان استعادة جبل طارق في مناسبات عدة، ومن ذلك الحصار العسكري الذي أقاموه من حول الصخرة واستمر من 1779 إلى 1783 لينتهي إلى الفشل، وفي عام 1830 أصبح جبل طارق مستعمرة للتاج البريطاني، ومع افتتاح قناة السويس في العام 1869 زاد إصرار البريطانيين على الاحتفاظ بجبل طارق، ولا سيما أن البحر الأبيض المتوسط بات طريقهم الرئيسي إلى مستعمراتهم في شرق إفريقيا وجنوب آسيا.
ضمانة القردة
ربما من أطرف الأساطير التي يتم تداولها بين السكان المحليين، أن جبل طارق سيبقى تحت الوصاية البريطانية طالما بقيت قردة المكاك تمرح بحرية في المنطقة، وهي ظاهرة وسمة مميزة للصخرة لا يوجد لها نظير في كافة الدول الأوروبية، ومن أجل ذلك سيتم تعديل قانون حماية حقوق الحيوانات، بحيث يعتبر لمس قردة المكاك أو أي تدخل آخر في سلوكها الطبيعي جريمة، باستثناء الأشخاص الحاصلين على إذن للإدارة أو البحث أو الممارسات البيطرية.
رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي كان على علم بهذه الأسطورة، أمر بتوجيه قيادة خاصة لجنود النخبة، في هجوم الحلفاء الكامل ضد ألمانيا، وهي مهمة سرية تتمثل في إعادة توطين القردة في المستعمرة بالاعتماد على قطيع جديد يتم جلبه من إفريقيا بعد أن تبين أن عددها على الصخرة قد تراجع كثيراً وبات لا يتجاوز عشرة فقط.
وعلى مدى العقود المتتالية، نفذت حكومة جبل طارق العديد من التدابير لحماية هذه القردة، مثل وضع حدود للسرعة في حركة المرور على الطرق للوصول إلى المنطقة العليا من الصخرة ومنع دهسها، كما حدث في أكثر من مناسبة، أو فرض غرامات على إعطائها الطعام، لأن ذلك قد يغير نظامها الغذائي ويسبب أمراضاً مثل مرض السكري.