طريق الكباش.. سحر الحضارة المصرية القديمة
المصدر:
«مصر ليست دولة تاريخية.. مصر جاءت أولاً ثم جاء التاريخ».. ليس على سبيل المبالغة وصف أديب نوبل نجيب محفوظ، بلاده بأنها جاءت قبل التاريخ، ذلك أن عظمة الحضارة المصرية القديمة التي لا تزال حتى الآن تبوح بأسرارها، تذهل العالم، بما حققته من تقدم هائل على الصُعد كافة، بفكرها وعلمها وآثارها العظيمة الباقية. وليس خفياً أن مدينة مصرية واحدة تضم «أهم آثار العالم» ولا تضاهيها أية مدينة أخرى حول العالم، وهي الأقصر (جنوب مصر) أو طيبة، عاصمة مصر في العصر الفرعوني.
وتلقب الأقصر عادة بمدينة المئة باب أو مدينة الشمس والتي أيضاً يقسمها نهر النيل إلى شطرين (شرقي وغربي)، وتبعد عن القاهرة بحوالي 670 كم.
تحوي الأقصر - التي يعود تأسيسها إلى عصر الأسرة الرابعة (2575 ق.م) وأصبحت عاصمة لمصر القديمة في عصر الأسرة الـ 11 - في البر الغربي (وادي الملوك ووادي الملكات، ومعبد مدينة هابو، ومعبد الرامسيوم، ودير المدينة، والدير البحري، والملقطة، وهي بقايا قصر أمنحوتب الثالث، وتمثالا ممنون)، وفي البر الشرقي تضم عدة معالم حضارية سياحية، أبرزها (معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ومتحف الأقصر ومتحف التحنيط).
يتميز الطريق الرابط بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، بخصوصيته ضمن المناطق السياحية الأثرية التي تسحر الزائرين، وهو «طريق الكباش» بقلب مدينة الأقصر، والذي يضم تماثيل برأس كبش وأخرى برأس إنسان، تعود إلى عصري الأسرة الـ 18 والـ 30.
زهور ومجارٍ
وذلك على امتداد 2700 متر، وكان عدد التماثيل يبلغ 1300 كبش بين كل اثنين منها مسافة أربعة أمتار، ويصل طول الكبش الواحد إلى نحو مترين ونصف المتر، وبين الكباش أحواض زهور ومجارٍ للمياه، فيما يتواجد حالياً 300 كبش فقط من الكباش الأصلية، بعد أن تعرضت الكباش إلى التدمير والتعديات المختلفة.
فكرة تشييد ذلك الطريق «الساحر» الذي يصل عرضه إلى 76 متراً، بدأت في عصر الملك أمنحتب الثالث، وهو تاسع فراعنة الأسرة الـ 18 ويعد من أعظم حكام مصر على مر التاريخ في الفترة ما بين (1391 ق.م. – 1353 ق.م.)، فيما استُكمل بناؤه في عصر الملك نختنبو الأول (مؤسس الأسرة الفرعونية الـ 30 والأخيرة).
نُحت كل كبش من تلك الكباش من كتلة حجرية واحدة من الحجر الرملي، وتتوزع بين شكلين رئيسيين (جسم أسد ورأس إنسان)، و(جسم كبش ورأس كبش)، يرتبط الشكل الأول بالأسد الذي يعتبره القدماء المصريون أحد رموز إله الشمس الإله آمون أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة، بينما الهيئة الثانية ترتبط بالكبش وهو من رموز الإله خنوم، الذي كان يُعرف بكونه «إله الخصوبة» في الديانة المصرية القديمة.
على امتداد الطريق من معبد الأقصر وحتى معابد الكرنك، يضم الطريق كباشاً تعود إلى الأسرة الـ 18 (الهيئة الأولى، برأس الإله آمون رع)، كما يضم كباشاً تعود للأسرة الـ 30 (من الهيئة الثانية، على هيئة أبو الهول).
وقد تم إضافة بعض الملحقات للطريق في عصور مختلفة، مثل: استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، ومعاصر للعصائر المستخدمة في الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام على الطريق مثل أعياد الأوبت وعيد الوادي الجميل وغيرهما، وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار.
شق المصريون القدماء ذلك الطريق، الذي أطلق عليه طريق الإله، من أجل مرور المواكب الكبرى لملوك الفراعنة، وإحياء الاحتفالات المُهمة، مثل عيد تتويج الملك، والاحتفالات الفرعونية القديمة التي يتقدمها الملك وحاشيته، ويصطف عامة الشعب على جانبي الطريق في كرنفال فرعوني ساحر.
شهد الطريق- الذي يتكون من رصيف من الحجر الرملي تتراص على جانبيه التماثيل في المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد موت- أعمال حفر متعددة على مر التاريخ لاستكشاف ثرواته وكنوزه الأثرية، وهي أعمال التنقيب التي تمكن من خلالها اكتشاف العديد من التماثيل.
وقد بدأت أعمال الحفائر بالطريق في نهاية الأربعينات من القرن الـ 20 بواسطة الأثري زكريا غنيم، واستمرت حتى العام 2011 إلى أن توقفت بسبب نقص الاعتمادات المالية بعد الأحداث التي شهدها البلد آنذاك، فيما تم أخيراً استئناف العمل مرة أخرى من أجل الكشف عن باقي أجزاء الطريق تمهيداً لافتتاحه للزيارة.
إهمال واسع
تعرض الطريق إلى إهمال واسع، وجملة من التعديات خلال فترات سابقة، حتى أن مصريين استخدموا كتلاً حجرية وكباشاً كأساس حجري لمنازلهم، إلى أن امتدت يد التطوير والترميم إلى الطريق في السنوات الأخيرة، في خطٍ متوازٍ مع المشروعات العملاقة التي تشهدها مصر، والتي كان للآثار المصرية نصيباً كبيراً منها، لجهة مشروعات التطوير، ومنها تطوير وترميم طريق الكباش.
سنوات من العمل الجاد استهدفت إعادة البريق إلى «الطريق الساحر»، الذي يروي جانباً من عظمة الحضارة المصرية القديمة، شهدت تلك الأعمال ترميم مئات القطع الأثرية، ضمن رؤية الدولة المصرية لتحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح في العالم، بحسب تصريحات وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني في أكتوبر الماضي.
بدأت جهود تطوير وترميم الطريق «الصعبة» في العام 2007، وواجهتها جملة من العقبات، من بينها وقوع الطريق وسط مبانٍ سكنية وأراضٍ زراعية، إلى أن تم البدء في استئناف المشروع بشكل عملي في العام 2017 من خلال عمليات التنظيف الميكانيكي والكيميائي، إضافة إلى جمع أعداد من الكباش وبقايا أو أجزاء منها من تلك التي تم اكتشافها من قبل الأثريين أثناء أعمال الحفر والتنقيب، وتم التعاون معها لترميمها بألوانها الأصلية، بحسب ما أعلنه مدير ترميم آثار منطقة الكرنك، سعدي زكي، في وقت سابق.
واستمر العمل على تطوير الطريق من العام 2017 وحتى الآن، تمهيداً لافتتاح الطريق في حفل عالمي ساحر. على أن تتواصل أعمال الحفر والاكتشافات الأثرية والترميم بعد افتتاح الطريق في الأيام المقبلة.
وكما جذبت مصر أنظار العالم في أبريل الماضي، من خلال موكب المومياوات الملكية الذي شهد تغطية عالمية واسعة، فإنها تتحضر لافتتاح طريق الكباش الجديد، باحتفال ضخم، يعيد إحياء «عيد الأوبت» الذي كان يقام سنوياً في هذا الطريق، والذي يعد من أقدم أعياد المصريين القدماء.
الطريق الجديد
يقول وزير السياحة والآثار في مصر خالد العناني، إن الهدف من افتتاح طريق الكباش الجديد، هو الترويج للسياحة وإظهار جمال الأقصر، موضحاً أن فكرة المشروع طريق يربط بين معبدي الأقصر والكرنك ويستعرض العراقة المصرية. وبحسب العناني، فإن المشروع الذي بدأ منذ 18 عاماً هو طريق يربط معبدي الأقصر والكرنك، وتوقف المشروع لسنوات طويلة ثم تم استئناف العمل فيه.
المصدر:
- القاهرة - محمد خالد
«مصر ليست دولة تاريخية.. مصر جاءت أولاً ثم جاء التاريخ».. ليس على سبيل المبالغة وصف أديب نوبل نجيب محفوظ، بلاده بأنها جاءت قبل التاريخ، ذلك أن عظمة الحضارة المصرية القديمة التي لا تزال حتى الآن تبوح بأسرارها، تذهل العالم، بما حققته من تقدم هائل على الصُعد كافة، بفكرها وعلمها وآثارها العظيمة الباقية. وليس خفياً أن مدينة مصرية واحدة تضم «أهم آثار العالم» ولا تضاهيها أية مدينة أخرى حول العالم، وهي الأقصر (جنوب مصر) أو طيبة، عاصمة مصر في العصر الفرعوني.
وتلقب الأقصر عادة بمدينة المئة باب أو مدينة الشمس والتي أيضاً يقسمها نهر النيل إلى شطرين (شرقي وغربي)، وتبعد عن القاهرة بحوالي 670 كم.
تحوي الأقصر - التي يعود تأسيسها إلى عصر الأسرة الرابعة (2575 ق.م) وأصبحت عاصمة لمصر القديمة في عصر الأسرة الـ 11 - في البر الغربي (وادي الملوك ووادي الملكات، ومعبد مدينة هابو، ومعبد الرامسيوم، ودير المدينة، والدير البحري، والملقطة، وهي بقايا قصر أمنحوتب الثالث، وتمثالا ممنون)، وفي البر الشرقي تضم عدة معالم حضارية سياحية، أبرزها (معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ومتحف الأقصر ومتحف التحنيط).
يتميز الطريق الرابط بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، بخصوصيته ضمن المناطق السياحية الأثرية التي تسحر الزائرين، وهو «طريق الكباش» بقلب مدينة الأقصر، والذي يضم تماثيل برأس كبش وأخرى برأس إنسان، تعود إلى عصري الأسرة الـ 18 والـ 30.
زهور ومجارٍ
وذلك على امتداد 2700 متر، وكان عدد التماثيل يبلغ 1300 كبش بين كل اثنين منها مسافة أربعة أمتار، ويصل طول الكبش الواحد إلى نحو مترين ونصف المتر، وبين الكباش أحواض زهور ومجارٍ للمياه، فيما يتواجد حالياً 300 كبش فقط من الكباش الأصلية، بعد أن تعرضت الكباش إلى التدمير والتعديات المختلفة.
فكرة تشييد ذلك الطريق «الساحر» الذي يصل عرضه إلى 76 متراً، بدأت في عصر الملك أمنحتب الثالث، وهو تاسع فراعنة الأسرة الـ 18 ويعد من أعظم حكام مصر على مر التاريخ في الفترة ما بين (1391 ق.م. – 1353 ق.م.)، فيما استُكمل بناؤه في عصر الملك نختنبو الأول (مؤسس الأسرة الفرعونية الـ 30 والأخيرة).
نُحت كل كبش من تلك الكباش من كتلة حجرية واحدة من الحجر الرملي، وتتوزع بين شكلين رئيسيين (جسم أسد ورأس إنسان)، و(جسم كبش ورأس كبش)، يرتبط الشكل الأول بالأسد الذي يعتبره القدماء المصريون أحد رموز إله الشمس الإله آمون أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة، بينما الهيئة الثانية ترتبط بالكبش وهو من رموز الإله خنوم، الذي كان يُعرف بكونه «إله الخصوبة» في الديانة المصرية القديمة.
على امتداد الطريق من معبد الأقصر وحتى معابد الكرنك، يضم الطريق كباشاً تعود إلى الأسرة الـ 18 (الهيئة الأولى، برأس الإله آمون رع)، كما يضم كباشاً تعود للأسرة الـ 30 (من الهيئة الثانية، على هيئة أبو الهول).
وقد تم إضافة بعض الملحقات للطريق في عصور مختلفة، مثل: استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، ومعاصر للعصائر المستخدمة في الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام على الطريق مثل أعياد الأوبت وعيد الوادي الجميل وغيرهما، وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار.
شق المصريون القدماء ذلك الطريق، الذي أطلق عليه طريق الإله، من أجل مرور المواكب الكبرى لملوك الفراعنة، وإحياء الاحتفالات المُهمة، مثل عيد تتويج الملك، والاحتفالات الفرعونية القديمة التي يتقدمها الملك وحاشيته، ويصطف عامة الشعب على جانبي الطريق في كرنفال فرعوني ساحر.
شهد الطريق- الذي يتكون من رصيف من الحجر الرملي تتراص على جانبيه التماثيل في المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد موت- أعمال حفر متعددة على مر التاريخ لاستكشاف ثرواته وكنوزه الأثرية، وهي أعمال التنقيب التي تمكن من خلالها اكتشاف العديد من التماثيل.
وقد بدأت أعمال الحفائر بالطريق في نهاية الأربعينات من القرن الـ 20 بواسطة الأثري زكريا غنيم، واستمرت حتى العام 2011 إلى أن توقفت بسبب نقص الاعتمادات المالية بعد الأحداث التي شهدها البلد آنذاك، فيما تم أخيراً استئناف العمل مرة أخرى من أجل الكشف عن باقي أجزاء الطريق تمهيداً لافتتاحه للزيارة.
إهمال واسع
تعرض الطريق إلى إهمال واسع، وجملة من التعديات خلال فترات سابقة، حتى أن مصريين استخدموا كتلاً حجرية وكباشاً كأساس حجري لمنازلهم، إلى أن امتدت يد التطوير والترميم إلى الطريق في السنوات الأخيرة، في خطٍ متوازٍ مع المشروعات العملاقة التي تشهدها مصر، والتي كان للآثار المصرية نصيباً كبيراً منها، لجهة مشروعات التطوير، ومنها تطوير وترميم طريق الكباش.
سنوات من العمل الجاد استهدفت إعادة البريق إلى «الطريق الساحر»، الذي يروي جانباً من عظمة الحضارة المصرية القديمة، شهدت تلك الأعمال ترميم مئات القطع الأثرية، ضمن رؤية الدولة المصرية لتحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح في العالم، بحسب تصريحات وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني في أكتوبر الماضي.
بدأت جهود تطوير وترميم الطريق «الصعبة» في العام 2007، وواجهتها جملة من العقبات، من بينها وقوع الطريق وسط مبانٍ سكنية وأراضٍ زراعية، إلى أن تم البدء في استئناف المشروع بشكل عملي في العام 2017 من خلال عمليات التنظيف الميكانيكي والكيميائي، إضافة إلى جمع أعداد من الكباش وبقايا أو أجزاء منها من تلك التي تم اكتشافها من قبل الأثريين أثناء أعمال الحفر والتنقيب، وتم التعاون معها لترميمها بألوانها الأصلية، بحسب ما أعلنه مدير ترميم آثار منطقة الكرنك، سعدي زكي، في وقت سابق.
واستمر العمل على تطوير الطريق من العام 2017 وحتى الآن، تمهيداً لافتتاح الطريق في حفل عالمي ساحر. على أن تتواصل أعمال الحفر والاكتشافات الأثرية والترميم بعد افتتاح الطريق في الأيام المقبلة.
وكما جذبت مصر أنظار العالم في أبريل الماضي، من خلال موكب المومياوات الملكية الذي شهد تغطية عالمية واسعة، فإنها تتحضر لافتتاح طريق الكباش الجديد، باحتفال ضخم، يعيد إحياء «عيد الأوبت» الذي كان يقام سنوياً في هذا الطريق، والذي يعد من أقدم أعياد المصريين القدماء.
الطريق الجديد
يقول وزير السياحة والآثار في مصر خالد العناني، إن الهدف من افتتاح طريق الكباش الجديد، هو الترويج للسياحة وإظهار جمال الأقصر، موضحاً أن فكرة المشروع طريق يربط بين معبدي الأقصر والكرنك ويستعرض العراقة المصرية. وبحسب العناني، فإن المشروع الذي بدأ منذ 18 عاماً هو طريق يربط معبدي الأقصر والكرنك، وتوقف المشروع لسنوات طويلة ثم تم استئناف العمل فيه.