سور مجرى العيون تاريخ يتطلع للمستقبل
المصدر:
التاريخ: 15 أكتوبر 2021
ت +ت -الحجم الطبيعي
وسط أجواء صاخبة يتوارى التاريخ، بين عشوائيات وأكوامٍ من المخلفات المتراكمة والتعديات، والتي صارت تحت وقع إهمال السنين المتتاليات، أمراً واقعاً يُشوّه أصالة المكان وعراقته، ويفرض القبح على تفاصيل أحد أعرق الأسوار التاريخية في القاهرة.. «سور مجرى العيون».
عبق التاريخ بتفاصيله تختزنه حجارة السور الذي شهد محطات مفصلية من تاريخ مصر في العصر الإسلامي.. أما ألق المستقبل، فترسمه أيادي التطوير والبناء حالياً من أجل إضفاء لمسات جمال سحرية تعيد رسم السور والمنطقة المحيطة به كقطعة فنيّة وحضارية متطورة، تنقذه مما عاناه في العهود الأخيرة. هو ذلك السور المنسي على مدار عقود طويلة عانى فيها من الإهمال الشديد، قبل أن تمتد إليه أيادي التطوير والبناء العاملة كخلية نحل لا تهدأ في مصر، ضمن سلسلة مشروعات التطوير والتنمية التي تغطي المحافظات كافة، والتي تضمنت تطوير «السور» لاستعادة رونقه التاريخي وإحيائه من جديد كمعلم تاريخي شاهد على عديد من الحقب التي عاشتها مصر.
تصميم أنيق
على مساحة 3500 متر، وبتصميمه المعماري المهيب، يعلو السور شامخاً في مدينة القاهرة، بأحجار «النحيت»، كأحد أبرز الآثار الإسلامية التاريخية بالعاصمة، بدءاً من منطقة فم الخليج (منطقة قاهرية عريقة) وصولاً إلى منطقة السيدة عائشة (جنوب القاهرة).
قبل نحو ثمانية قرون، وفي عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي (مؤسسة الدولة الأيوبية في مصر 1169 - 1193 م)، كانت الإرهاصات الأولى، فقد أنشئت قناطر للمياه، من أجل نقل المياه من خلال القناة المائية بعد أن تقوم السواقي برفعها من إحدى الآبار القريبة من القلعة (كانت القلعة آنذاك مقر الحكم خلال عصر الدولة الأيوبية) لتوصيل المياه إلى مجموعة الآبار الضخمة داخل القلعة ذاتها.
طراز معماري
ولم يتبقَ من تلك القناطر العتيقة التي أنشئت في عهد صلاح الدين الأيوبي، شيء سوى بعض الآثار ناحية القلعة مواجهة لمسجد السيدة عائشة. وتعود القناطر الحالية إلى عهد السلطان محمد بن قلاوون في عام 1312 الذي أنشأ أربع سواقٍ جديدة على النيل في منطقة فم الخليج.
ثم كان تشييد السور بشكله الحالي في عصر السلطان الغوري في 1501 الذي أنشأ ست سواقٍ بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، من أجل تقوية المياه لتصل إلى الآبار الموجودة بالقلعة، والربط بين أقرب نقطة تربط نهر النيل بالقلعة، بعد أن تعرض للنحر وانحصرت المياه عند منطقة فم الخليج.
شيد سور مجرى العيون، على الطراز المعماري للفن الإسلامي العريق، ويتكون من برج (يطلق عليه المأخذ) وهو البرج الذي يضم ست سواقٍ، ويقسم هذا البرج إلى عدة عقود تسمى عقود السواقي المسؤولة عن حمل القناة المائية.
ومع تعاقب العصور، أُهملت المنطقة، حتى صارت في طي النسيان تماماً خلال العقود الأخيرة، وتراكمت حولها المخلفات والتعديات بمختلف أشكالها، وصارت «القمامة» منتشرة يميناً ويساراً حول السور، حتى امتدت إليها أيادي التطوير والبناء في مصر بعد 30 يونيو 2013 من خلال المشروعات التطويرية التي اعتمدتها مصر.
رحلة السور
يروي رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار الدكتور أسامة طلعت، قصة سور مجرى العيون لـ«البيان»، قائلاً: «يبدأ السور من الفرع الصغير بنهر النيل أو فرع سيالة الروضة، حيث يستمد الماء من برج يُسمى برج المأخذ، وهو برج مسدس الشكل، كان يمتد منه مجرى ماء على عقود متتالية مصحوب بفتحات، لذلك أطلق عليه «مجرى العيون»
وأضاف أن السور كانت وظيفته توصيل الماء إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي، وأن المتبقي منه حالياً والذي يبدأ من «برج المأخذ» مروراً بمنطقة عين الصيرة وصولاً إلى شارع صلاح سالم، من أعمال السلطان قنصوة الغوري، في أواخر عصر المماليك الشراكسة.
وقال: «فكرة هذا السور قديمة، فقد بدأت من وقت استخدام ظهور السور كمجرى مائي بداية من القرن السادس الهجري (القرن الـ12 الميلادي)، وكان كل السلاطين اللاحقين يقومون بتجديد السور، ومنهم محمد بن قلاوون الذي جدده بالقرن الثامن الهجري، ومن أبرزهم قنصوة الغوري صاحب التجديد الموجود اليوم».
وكان السور يعمل بطريقة الرفع الهيدروليكي للمياه؛ حيث كانت ترفع السواقي الماء من النيل من برج المأخذ، وكانت المياه تجري في قناة بها انكسارات وزاوية ميل من أعلى إلى أسفل، ومن ثم ترفع المياه إلى القلعة، بحسب طلعت.
هذه التقنية كانت تعمل وفقاً لعلم الهيدروليك، وهو علم هندسة الماء ووزنه، الذي كان أحد العلوم المتقدمة في الحضارة الإسلامية.
رحلة جديدة
تاريخ جديد يكتب لذلك السور العتيق، بعد رحلة جديدة مع التطوير، تتزامن وتطوير المنطقة المحيطة به، كمكان أثري شاهد على حقبة مهمة من تاريخ مصر في العصر الإسلامي، بما في ذلك الطراز العمراني من الفن الإسلامي المميز في تلك الحقبة، وذلك بعد أن تسبب الامتداد العمراني المنظم وغير المنظم، في أن يصبح الجزء الجنوبي من السور محاطاً ببنايات عشوائية، ومن هنا جاء اهتمام الدولة المصرية بتطوير المنطقة، ضمن مشروع تطوير المنطقة التاريخية، كما يقام حالياً مشروع الإسكان المعروف بالـ«90 فدان» في المنطقة المحيطة به مكان منطقة المدابغ القديمة.
ويعتبر المجرى هو الحد الشمالي للمشروع الإسكاني الضخم، وهناك خطة طموحة لترميمه، خاصة أنه يعاني من إلقاء المخلفات خاصة في النقطة الواقعة قبالة مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، وتم التعاون مع جميع المسؤولين لرفع المخلفات، ومعظمها مخلفات بناء داخل السور.
رفع المخلفات
وكشف المسؤول المصري عن خطة حماية السور بعد رفع المخلفات، التي وضعتها الحكومة، وتتلخص الخطة في عدد من الإجراءات؛ أولها: ترميم الأجزاء المنهارة من دعامات السور نتيجة سوء التعامل، ثم وضع أكشاك أمنية، وكاميرات وكشافات، إلى جانب إغلاق عيون المجرى بسور مؤقت لحين الانتهاء من مشروع الـ 90 فدان. ويشدد على أن هناك خطة طموحة لتطوير سور مجرى العيون وإعادة توظيفه كمزار سياحي بشكل يليق بهذا المعلم الفريد في مصر.
المصدر:
- القاهرة- البيان
التاريخ: 15 أكتوبر 2021
ت +ت -الحجم الطبيعي
وسط أجواء صاخبة يتوارى التاريخ، بين عشوائيات وأكوامٍ من المخلفات المتراكمة والتعديات، والتي صارت تحت وقع إهمال السنين المتتاليات، أمراً واقعاً يُشوّه أصالة المكان وعراقته، ويفرض القبح على تفاصيل أحد أعرق الأسوار التاريخية في القاهرة.. «سور مجرى العيون».
عبق التاريخ بتفاصيله تختزنه حجارة السور الذي شهد محطات مفصلية من تاريخ مصر في العصر الإسلامي.. أما ألق المستقبل، فترسمه أيادي التطوير والبناء حالياً من أجل إضفاء لمسات جمال سحرية تعيد رسم السور والمنطقة المحيطة به كقطعة فنيّة وحضارية متطورة، تنقذه مما عاناه في العهود الأخيرة. هو ذلك السور المنسي على مدار عقود طويلة عانى فيها من الإهمال الشديد، قبل أن تمتد إليه أيادي التطوير والبناء العاملة كخلية نحل لا تهدأ في مصر، ضمن سلسلة مشروعات التطوير والتنمية التي تغطي المحافظات كافة، والتي تضمنت تطوير «السور» لاستعادة رونقه التاريخي وإحيائه من جديد كمعلم تاريخي شاهد على عديد من الحقب التي عاشتها مصر.
تصميم أنيق
على مساحة 3500 متر، وبتصميمه المعماري المهيب، يعلو السور شامخاً في مدينة القاهرة، بأحجار «النحيت»، كأحد أبرز الآثار الإسلامية التاريخية بالعاصمة، بدءاً من منطقة فم الخليج (منطقة قاهرية عريقة) وصولاً إلى منطقة السيدة عائشة (جنوب القاهرة).
قبل نحو ثمانية قرون، وفي عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي (مؤسسة الدولة الأيوبية في مصر 1169 - 1193 م)، كانت الإرهاصات الأولى، فقد أنشئت قناطر للمياه، من أجل نقل المياه من خلال القناة المائية بعد أن تقوم السواقي برفعها من إحدى الآبار القريبة من القلعة (كانت القلعة آنذاك مقر الحكم خلال عصر الدولة الأيوبية) لتوصيل المياه إلى مجموعة الآبار الضخمة داخل القلعة ذاتها.
طراز معماري
ولم يتبقَ من تلك القناطر العتيقة التي أنشئت في عهد صلاح الدين الأيوبي، شيء سوى بعض الآثار ناحية القلعة مواجهة لمسجد السيدة عائشة. وتعود القناطر الحالية إلى عهد السلطان محمد بن قلاوون في عام 1312 الذي أنشأ أربع سواقٍ جديدة على النيل في منطقة فم الخليج.
ثم كان تشييد السور بشكله الحالي في عصر السلطان الغوري في 1501 الذي أنشأ ست سواقٍ بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، من أجل تقوية المياه لتصل إلى الآبار الموجودة بالقلعة، والربط بين أقرب نقطة تربط نهر النيل بالقلعة، بعد أن تعرض للنحر وانحصرت المياه عند منطقة فم الخليج.
شيد سور مجرى العيون، على الطراز المعماري للفن الإسلامي العريق، ويتكون من برج (يطلق عليه المأخذ) وهو البرج الذي يضم ست سواقٍ، ويقسم هذا البرج إلى عدة عقود تسمى عقود السواقي المسؤولة عن حمل القناة المائية.
ومع تعاقب العصور، أُهملت المنطقة، حتى صارت في طي النسيان تماماً خلال العقود الأخيرة، وتراكمت حولها المخلفات والتعديات بمختلف أشكالها، وصارت «القمامة» منتشرة يميناً ويساراً حول السور، حتى امتدت إليها أيادي التطوير والبناء في مصر بعد 30 يونيو 2013 من خلال المشروعات التطويرية التي اعتمدتها مصر.
رحلة السور
يروي رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار الدكتور أسامة طلعت، قصة سور مجرى العيون لـ«البيان»، قائلاً: «يبدأ السور من الفرع الصغير بنهر النيل أو فرع سيالة الروضة، حيث يستمد الماء من برج يُسمى برج المأخذ، وهو برج مسدس الشكل، كان يمتد منه مجرى ماء على عقود متتالية مصحوب بفتحات، لذلك أطلق عليه «مجرى العيون»
وأضاف أن السور كانت وظيفته توصيل الماء إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي، وأن المتبقي منه حالياً والذي يبدأ من «برج المأخذ» مروراً بمنطقة عين الصيرة وصولاً إلى شارع صلاح سالم، من أعمال السلطان قنصوة الغوري، في أواخر عصر المماليك الشراكسة.
وقال: «فكرة هذا السور قديمة، فقد بدأت من وقت استخدام ظهور السور كمجرى مائي بداية من القرن السادس الهجري (القرن الـ12 الميلادي)، وكان كل السلاطين اللاحقين يقومون بتجديد السور، ومنهم محمد بن قلاوون الذي جدده بالقرن الثامن الهجري، ومن أبرزهم قنصوة الغوري صاحب التجديد الموجود اليوم».
وكان السور يعمل بطريقة الرفع الهيدروليكي للمياه؛ حيث كانت ترفع السواقي الماء من النيل من برج المأخذ، وكانت المياه تجري في قناة بها انكسارات وزاوية ميل من أعلى إلى أسفل، ومن ثم ترفع المياه إلى القلعة، بحسب طلعت.
هذه التقنية كانت تعمل وفقاً لعلم الهيدروليك، وهو علم هندسة الماء ووزنه، الذي كان أحد العلوم المتقدمة في الحضارة الإسلامية.
رحلة جديدة
تاريخ جديد يكتب لذلك السور العتيق، بعد رحلة جديدة مع التطوير، تتزامن وتطوير المنطقة المحيطة به، كمكان أثري شاهد على حقبة مهمة من تاريخ مصر في العصر الإسلامي، بما في ذلك الطراز العمراني من الفن الإسلامي المميز في تلك الحقبة، وذلك بعد أن تسبب الامتداد العمراني المنظم وغير المنظم، في أن يصبح الجزء الجنوبي من السور محاطاً ببنايات عشوائية، ومن هنا جاء اهتمام الدولة المصرية بتطوير المنطقة، ضمن مشروع تطوير المنطقة التاريخية، كما يقام حالياً مشروع الإسكان المعروف بالـ«90 فدان» في المنطقة المحيطة به مكان منطقة المدابغ القديمة.
ويعتبر المجرى هو الحد الشمالي للمشروع الإسكاني الضخم، وهناك خطة طموحة لترميمه، خاصة أنه يعاني من إلقاء المخلفات خاصة في النقطة الواقعة قبالة مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، وتم التعاون مع جميع المسؤولين لرفع المخلفات، ومعظمها مخلفات بناء داخل السور.
رفع المخلفات
وكشف المسؤول المصري عن خطة حماية السور بعد رفع المخلفات، التي وضعتها الحكومة، وتتلخص الخطة في عدد من الإجراءات؛ أولها: ترميم الأجزاء المنهارة من دعامات السور نتيجة سوء التعامل، ثم وضع أكشاك أمنية، وكاميرات وكشافات، إلى جانب إغلاق عيون المجرى بسور مؤقت لحين الانتهاء من مشروع الـ 90 فدان. ويشدد على أن هناك خطة طموحة لتطوير سور مجرى العيون وإعادة توظيفه كمزار سياحي بشكل يليق بهذا المعلم الفريد في مصر.