مأدبا.. معبر الحضارات على طريق الملوك
المصدر:
عند مدخل مأدبا تبدأ الحكاية، حكاية تاريخ عريق وحضارات مرت، وتركت الدلالات والقصص التاريخية، عبر أزمنة مختلفة، فالمدينة تتزين بالفسيفساء الجميلة، التي تروي زمناً سابقاً، وتجارب كانت ولا تزال جزءاً من تاريخ حاضرنا، وفي هذا المكان تتعانق المساجد والكنائس القديمة لتجسد نموذجاً للتآخي والسلام. في مدينة مأدبا، التي تقع وسط المملكة الأردنيّة الهاشميّة، حيث تبعد 33 كيلو متراً جنوب غرب العاصمة عمّان، تتمازج الأزمنة التاريخية، ويبقى هذا الإرث أمامنا للتمعن به، وإدراك أن المدن تنسج وجودها وأهميتها من تسلسل الأحداث عليها واستمرارها في البقاء، واقفة تروي تفاصيل تمثل تاريخاً للبشرية، فهي مدينة شكلت موطناً للقبائل ومهداً للعراقة، ورمزاً للبداوة والحداثة.
وقال الشعر فيها غزلاً..
هي مأدبا وحبيبة الأطيارِ هي لهفة الدحنون والنوّارِ
هي قصة العشق القديم وطعمه وولادتي وطفولتي وذماري
أشربت حبك منذ أول ليلة والعشقُ والأقدارُ ليس خياري
كم جبت أحياء المدينة عاشقاً مع أصدقائي والهيام مساري
وصنعت خارطتي ورحت متيما بالتين والزيتون والأمطارِ
في شارع العشاق عرس مدينتي وبه الحمام يبوح بالأسرارِ
لم يتغير اسم مأدبا عبر المراحل التاريخية المختلفة، إلا بشكل طفيف في اللفظ، ما يعطي دلالة واضحة ومهمة على تاريخ المدينة، ويعود أصل تسمية مدينة مأدبا إلى احتمالات عدة، فهناك احتمال أن الكلمة سريانية، وتعني «مكان الطين» أو «المياه الهادئة»، لأن المياه تستقر عادة حول المدينة، ويوجد احتمال آخر هو أن الاسم آراميّ، حيث تتكون مأدبا من كلمتين؛ هما «ميا» و«أيب»، فالكلمة الأولى تعني المياه، والثانية تعني الفاكهة.
ويبلغ عدد سكان مأدبا أكثر من 200 ألف نسمة، بحسب الإحصاءات الرسمية للعام الماضي، وقبل فترة وجيزة أعلنت وزارة السياحة والآثار الأردنية عن فوز المدينة بلقب عاصمة السياحة العربية لعام 2022، بعد تحقيقها للمعايير والشروط المرجعية كافة، التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة.
تجارب متتالية
ويقول الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الدكتور صالح الشورة: «مأدبا مدينة غارقة في القدم، وتتميز بمرور حضارات مختلفة عليها، فالمدينة كانت جزءاً من الدولة المؤابية، التي تأسست في القرن الـ13 قبل الميلاد، وكانت إحدى محطات طريق الملوك، الذي كان أهم الطرق التجارية، الذي يربط مصر ببلاد الشام، المدينة تنقلت بين الحضارات واستوطن بها السكان منذ فجر التاريخ، وخضعت لسيطرة الأموريين والعمونيين واحتلها الأشوريون، ثم كما نعرف فإن المنطقة تعرضت للغزو الفارسي في ما بعد.
أضاف الشورة: في بداية القرن الثاني خضعت لسيطرة الرومان، وتميزت المدينة في هذه الحقبة التي من خلالها تم بناء الشوارع المعمدة والمباني وأحواض الماء المميزة، وفي الفترة البيزنطية تطورت المدينة خصوصاً بعد انتشار المسيحية، وشهدت بناء الكنائس بشكل لافت وأهمها كنيسة الخارطة.
وواصل قائلاً: للأسف المنطقة تعرضت إلى زلازل قوية ضربت مأدبا ومدناً أخرى في الأردن وفلسطين، ولولا ذلك لبقيت العديد من الآثار ماثلة أمامنا، ومع ذلك فالمدينة تحوي تاريخاً ضخماً لا يمكن المرور عليه دون التوقف والتعرف لارتباطه بفترات في غاية الأهمية، وتشتهر مأدبا أيضاً بالفسيفساء، حيث تعرف بمدينة الفسيفساء ويوجد بها خريطة مأدبا، وهي جزء من أرضية فسيفسائية لكنيسة قديمة، وهي أقدم خريطة أصلية للأراضي المقدسة، والتي يعود إنشاؤها إلى سنة 560، توجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس في مأدبا، والتي بُنيت في عام 1896 فوق بقايا الكنيسة البيزنطية.
وأضاف: بالطبع من المهم ذكر أنه في الحكم الإسلامي تمكّن المسلمون من فتح مأدبا بعد الفتح الإسلامي للشام عام 637 ميلادي، ومر الخليفة عمر بن الخطاب بمأدبا في طريقه لفتح القدس، وفي التاريخ الحديث انتعشت المدينة منذ استقرار العشائر المسيحية فيها في عام 1880 فيها، وهي عشائر قدمت من الكرك، اليوم المدينة أصبحت من أهم المدن التاريخية الجاذبة للسياح لامتلاكها مقومات عديدة جذابة، أهمها متحف مأدبا الأثري ومتحف الحكاية التراثي في جبل نيبو، ومنتزه مأدبا الأثري.
الوئام والتعايش
ويشير الرئيس التنفيذي لمركز التعايش الديني الأب نبيل حداد إلى أن هذه المدينة الأردنية التي يعتز أهلها بأن جذورهم تمتد في التاريخ وهم يحملون إرث المؤابيين، وحفظوا وحافظوا على هذا الإرث، وهم جزء من التكوين العربي والبدوي وعلى سفوح وسهول مأدبا المطلة على بحيرة لوط، يستذكرون أنهم في مدينتهم الأقرب إلى أم الرصاص ومكاور وجبل نيبو، ومن هناك يطلون على المغطس، وشكلت قيم التاريخ هذه وقداسته تكوينهم وهويتهم الوطنية.
ويوضح حداد، قائلاً: حتى مطلع القرن الماضي ازدهرت مأدبا بأهلها من أبناء القبائل والعشائر المسيحية، الذين وجدوا في المدينة مستقراً لهم، وسط القبائل العربية، وسجلوا نموذجاً في العلاقة الطيبة، فالتآلف والوئام وتكريس قيم الاحترام المتبادل هي الحالة السائدة بينهم، فلم يتردد أهل مأدبا المسلمون في تشييد مسجد أسموه مسجد عيسى ابن مريم، ليعانق هذا السلوك الحضاري الوئامي خريطة مأدبا، التي صورت ضفتي النهر المقدس صورة جغرافية، تجسدت في وحدة طوبوغرافية زينتها سيرة التآخي بين سكانها، وبالرغم من التغير الذي طرأ على شكلها الديموغرافي واتساع رقعتها إلا أن مأدبا حافظت على هويتها الخاصة بها.
ويؤكد حداد أيضاً أن اللافت في مأدبا وجود عدد كبير من الكنائس المكتشفة منها كنيسة الخارطة وكنيسة يوحنا المعمدان وكنيسة الروم الكاثوليك التي تحوي أيضاً خريطة تعكس تاريخاً كتابياً متميزاً، وإلى الغرب من مأدبا جبل نيبو، حيث تجتذب قمة هذا الجبل المسيحيين، الذين يتوجهون إلى كنيسة يوحنا المعمدان، والتي يشرف عليها رهبان حراسة الأرض المقدسة.
محط أنظار العالم
وتقول الكاتبة الصحافية فلحة بريزات: مأدبا تحتضن إرثاً تاريخياً قديماً يكشف الحضارات التي مرت في المنطقة وتركت بصمتها، ولديها مخزون لافت من المواقع الأثرية، إذ تضم (جبل نيبو، مكاور والذي يعود إلى العصر الروماني – البيزنطي، ماعين وتعود إلى العصر المؤابي– البيزنطي، والمخيط ويعود أيضاً للعصر البيزنطي، ولواء ذيبان الذي يعود إلى العصر النبطي – المملوكي ويعتقد أنها عاصمة ميشع، وهو أحد ملوك موآب البارزين في القرن التاسع قبل الميلاد، وموقع اللاهون ويعود إلى العصر البرونزي – العثماني). وبرزت مأدبا بموروثها التاريخي المتنوع من خلال اللوحات الفسيفسائية وصنفت بأنها مدرسة الفسيفساء في العالم، فهي تقع على هذه اللوحات المنتشرة في شوارعها وجدرانها وأبنيتها القديمة، ولديها أكبر لوحة فسيفساء في العالم، تمثل الطريق الملوكي واستخدم بها 2 مليون حجر لتشكيلها.
وأضافت بريزات: أهل محافظة مأدبا عرفوا بحبهم للزراعة وخصوصاً أن لديها مناخاً مناسباً وأراضي خصبة، ومن هنا اشتهروا بزراعة القمح والعدس وغيرها من الحبوب، وأيضاً بحبهم لصناعة البسط وغزلها باستخدام الصوف، وما يميز المدينة ذلك النسيج الاجتماعي المتماسك بين المسلمين والمسحيين، فالكنائس تعانق مآذن المساجد في السماء، وهنالك حالة وئام وتعايش من أجمل الصور الممكنة.
وتابعت بريزات: إن المنازل القديمة والحجارة العتيقة، التي تعود إلى حقب زمنية قديمة، والشوارع المبنية بالطريقة الرومانية، ووجود عشرات الكنائس المكتشفة، يجعل من مأدبا محط أنظار العالم، فهذه التوليفة صنعت هوية خاصة بالمكان، فمأدبا يوجد بها مواقع دينية مهمة للمسلمين وأيضاً للمسيحيين، وتهم كل من يبحث في السجلات التاريخية، فوجود الكنائس يروي حكايات مهمة ووجود جبل نيبو، وهو جبل مقدس لأتباع عدة ديانات ويُعتقد أن فيه مقام نبي الله موسى عليه السلام، وأصبح هذا الجبل مقصداً للمسيحيين الأوائل القادمين من القدس، وتم بناء كنيسة صغيرة هناك في القرن الرابع الميلادي تخليداً لحياة موسى. ولا تزال بعض الحجارة من تلك الكنيسة في مكانها الأصلي، وتضم المحافظة أيضاً الحديقة الأثرية، السرايا، القصر المحترق، المتحف الأثري والمتحف الشعبي، قلعة الملك هيردوس الكبير في مكاور.
المصدر:
- عمّان – ماجدة أبو طير
عند مدخل مأدبا تبدأ الحكاية، حكاية تاريخ عريق وحضارات مرت، وتركت الدلالات والقصص التاريخية، عبر أزمنة مختلفة، فالمدينة تتزين بالفسيفساء الجميلة، التي تروي زمناً سابقاً، وتجارب كانت ولا تزال جزءاً من تاريخ حاضرنا، وفي هذا المكان تتعانق المساجد والكنائس القديمة لتجسد نموذجاً للتآخي والسلام. في مدينة مأدبا، التي تقع وسط المملكة الأردنيّة الهاشميّة، حيث تبعد 33 كيلو متراً جنوب غرب العاصمة عمّان، تتمازج الأزمنة التاريخية، ويبقى هذا الإرث أمامنا للتمعن به، وإدراك أن المدن تنسج وجودها وأهميتها من تسلسل الأحداث عليها واستمرارها في البقاء، واقفة تروي تفاصيل تمثل تاريخاً للبشرية، فهي مدينة شكلت موطناً للقبائل ومهداً للعراقة، ورمزاً للبداوة والحداثة.
وقال الشعر فيها غزلاً..
هي مأدبا وحبيبة الأطيارِ هي لهفة الدحنون والنوّارِ
هي قصة العشق القديم وطعمه وولادتي وطفولتي وذماري
أشربت حبك منذ أول ليلة والعشقُ والأقدارُ ليس خياري
كم جبت أحياء المدينة عاشقاً مع أصدقائي والهيام مساري
وصنعت خارطتي ورحت متيما بالتين والزيتون والأمطارِ
في شارع العشاق عرس مدينتي وبه الحمام يبوح بالأسرارِ
لم يتغير اسم مأدبا عبر المراحل التاريخية المختلفة، إلا بشكل طفيف في اللفظ، ما يعطي دلالة واضحة ومهمة على تاريخ المدينة، ويعود أصل تسمية مدينة مأدبا إلى احتمالات عدة، فهناك احتمال أن الكلمة سريانية، وتعني «مكان الطين» أو «المياه الهادئة»، لأن المياه تستقر عادة حول المدينة، ويوجد احتمال آخر هو أن الاسم آراميّ، حيث تتكون مأدبا من كلمتين؛ هما «ميا» و«أيب»، فالكلمة الأولى تعني المياه، والثانية تعني الفاكهة.
ويبلغ عدد سكان مأدبا أكثر من 200 ألف نسمة، بحسب الإحصاءات الرسمية للعام الماضي، وقبل فترة وجيزة أعلنت وزارة السياحة والآثار الأردنية عن فوز المدينة بلقب عاصمة السياحة العربية لعام 2022، بعد تحقيقها للمعايير والشروط المرجعية كافة، التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة.
تجارب متتالية
ويقول الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الدكتور صالح الشورة: «مأدبا مدينة غارقة في القدم، وتتميز بمرور حضارات مختلفة عليها، فالمدينة كانت جزءاً من الدولة المؤابية، التي تأسست في القرن الـ13 قبل الميلاد، وكانت إحدى محطات طريق الملوك، الذي كان أهم الطرق التجارية، الذي يربط مصر ببلاد الشام، المدينة تنقلت بين الحضارات واستوطن بها السكان منذ فجر التاريخ، وخضعت لسيطرة الأموريين والعمونيين واحتلها الأشوريون، ثم كما نعرف فإن المنطقة تعرضت للغزو الفارسي في ما بعد.
أضاف الشورة: في بداية القرن الثاني خضعت لسيطرة الرومان، وتميزت المدينة في هذه الحقبة التي من خلالها تم بناء الشوارع المعمدة والمباني وأحواض الماء المميزة، وفي الفترة البيزنطية تطورت المدينة خصوصاً بعد انتشار المسيحية، وشهدت بناء الكنائس بشكل لافت وأهمها كنيسة الخارطة.
وواصل قائلاً: للأسف المنطقة تعرضت إلى زلازل قوية ضربت مأدبا ومدناً أخرى في الأردن وفلسطين، ولولا ذلك لبقيت العديد من الآثار ماثلة أمامنا، ومع ذلك فالمدينة تحوي تاريخاً ضخماً لا يمكن المرور عليه دون التوقف والتعرف لارتباطه بفترات في غاية الأهمية، وتشتهر مأدبا أيضاً بالفسيفساء، حيث تعرف بمدينة الفسيفساء ويوجد بها خريطة مأدبا، وهي جزء من أرضية فسيفسائية لكنيسة قديمة، وهي أقدم خريطة أصلية للأراضي المقدسة، والتي يعود إنشاؤها إلى سنة 560، توجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس في مأدبا، والتي بُنيت في عام 1896 فوق بقايا الكنيسة البيزنطية.
وأضاف: بالطبع من المهم ذكر أنه في الحكم الإسلامي تمكّن المسلمون من فتح مأدبا بعد الفتح الإسلامي للشام عام 637 ميلادي، ومر الخليفة عمر بن الخطاب بمأدبا في طريقه لفتح القدس، وفي التاريخ الحديث انتعشت المدينة منذ استقرار العشائر المسيحية فيها في عام 1880 فيها، وهي عشائر قدمت من الكرك، اليوم المدينة أصبحت من أهم المدن التاريخية الجاذبة للسياح لامتلاكها مقومات عديدة جذابة، أهمها متحف مأدبا الأثري ومتحف الحكاية التراثي في جبل نيبو، ومنتزه مأدبا الأثري.
الوئام والتعايش
ويشير الرئيس التنفيذي لمركز التعايش الديني الأب نبيل حداد إلى أن هذه المدينة الأردنية التي يعتز أهلها بأن جذورهم تمتد في التاريخ وهم يحملون إرث المؤابيين، وحفظوا وحافظوا على هذا الإرث، وهم جزء من التكوين العربي والبدوي وعلى سفوح وسهول مأدبا المطلة على بحيرة لوط، يستذكرون أنهم في مدينتهم الأقرب إلى أم الرصاص ومكاور وجبل نيبو، ومن هناك يطلون على المغطس، وشكلت قيم التاريخ هذه وقداسته تكوينهم وهويتهم الوطنية.
ويوضح حداد، قائلاً: حتى مطلع القرن الماضي ازدهرت مأدبا بأهلها من أبناء القبائل والعشائر المسيحية، الذين وجدوا في المدينة مستقراً لهم، وسط القبائل العربية، وسجلوا نموذجاً في العلاقة الطيبة، فالتآلف والوئام وتكريس قيم الاحترام المتبادل هي الحالة السائدة بينهم، فلم يتردد أهل مأدبا المسلمون في تشييد مسجد أسموه مسجد عيسى ابن مريم، ليعانق هذا السلوك الحضاري الوئامي خريطة مأدبا، التي صورت ضفتي النهر المقدس صورة جغرافية، تجسدت في وحدة طوبوغرافية زينتها سيرة التآخي بين سكانها، وبالرغم من التغير الذي طرأ على شكلها الديموغرافي واتساع رقعتها إلا أن مأدبا حافظت على هويتها الخاصة بها.
ويؤكد حداد أيضاً أن اللافت في مأدبا وجود عدد كبير من الكنائس المكتشفة منها كنيسة الخارطة وكنيسة يوحنا المعمدان وكنيسة الروم الكاثوليك التي تحوي أيضاً خريطة تعكس تاريخاً كتابياً متميزاً، وإلى الغرب من مأدبا جبل نيبو، حيث تجتذب قمة هذا الجبل المسيحيين، الذين يتوجهون إلى كنيسة يوحنا المعمدان، والتي يشرف عليها رهبان حراسة الأرض المقدسة.
محط أنظار العالم
وتقول الكاتبة الصحافية فلحة بريزات: مأدبا تحتضن إرثاً تاريخياً قديماً يكشف الحضارات التي مرت في المنطقة وتركت بصمتها، ولديها مخزون لافت من المواقع الأثرية، إذ تضم (جبل نيبو، مكاور والذي يعود إلى العصر الروماني – البيزنطي، ماعين وتعود إلى العصر المؤابي– البيزنطي، والمخيط ويعود أيضاً للعصر البيزنطي، ولواء ذيبان الذي يعود إلى العصر النبطي – المملوكي ويعتقد أنها عاصمة ميشع، وهو أحد ملوك موآب البارزين في القرن التاسع قبل الميلاد، وموقع اللاهون ويعود إلى العصر البرونزي – العثماني). وبرزت مأدبا بموروثها التاريخي المتنوع من خلال اللوحات الفسيفسائية وصنفت بأنها مدرسة الفسيفساء في العالم، فهي تقع على هذه اللوحات المنتشرة في شوارعها وجدرانها وأبنيتها القديمة، ولديها أكبر لوحة فسيفساء في العالم، تمثل الطريق الملوكي واستخدم بها 2 مليون حجر لتشكيلها.
وأضافت بريزات: أهل محافظة مأدبا عرفوا بحبهم للزراعة وخصوصاً أن لديها مناخاً مناسباً وأراضي خصبة، ومن هنا اشتهروا بزراعة القمح والعدس وغيرها من الحبوب، وأيضاً بحبهم لصناعة البسط وغزلها باستخدام الصوف، وما يميز المدينة ذلك النسيج الاجتماعي المتماسك بين المسلمين والمسحيين، فالكنائس تعانق مآذن المساجد في السماء، وهنالك حالة وئام وتعايش من أجمل الصور الممكنة.
وتابعت بريزات: إن المنازل القديمة والحجارة العتيقة، التي تعود إلى حقب زمنية قديمة، والشوارع المبنية بالطريقة الرومانية، ووجود عشرات الكنائس المكتشفة، يجعل من مأدبا محط أنظار العالم، فهذه التوليفة صنعت هوية خاصة بالمكان، فمأدبا يوجد بها مواقع دينية مهمة للمسلمين وأيضاً للمسيحيين، وتهم كل من يبحث في السجلات التاريخية، فوجود الكنائس يروي حكايات مهمة ووجود جبل نيبو، وهو جبل مقدس لأتباع عدة ديانات ويُعتقد أن فيه مقام نبي الله موسى عليه السلام، وأصبح هذا الجبل مقصداً للمسيحيين الأوائل القادمين من القدس، وتم بناء كنيسة صغيرة هناك في القرن الرابع الميلادي تخليداً لحياة موسى. ولا تزال بعض الحجارة من تلك الكنيسة في مكانها الأصلي، وتضم المحافظة أيضاً الحديقة الأثرية، السرايا، القصر المحترق، المتحف الأثري والمتحف الشعبي، قلعة الملك هيردوس الكبير في مكاور.