20 برجاً حول أسوار الكرملين لعبت دوراً رئيسياً في الدفاع عنه
الكرملين والساحة الحمراء.. خزانا التاريخ الروسي
المصدر:
من الأماكن التي يبدأ منها أي سائح زيارته إلى روسيا، وإن لم تكن الأولى له. إذ تضم في كل زاوية فيها أجمل ما أبدعته أيادي المعماريين الروس القدماء، فهي خزان أحداث بدأت منذ قرون، منها ما هو دموي، ومنها ما هو احتفائي، لكنها لاتزال تتسيد بلا منازع رمزية الدولة الروسية بكل محطات تاريخها. يقع الكرملين وسط العاصمة الروسية مباشرة، وهو قلبها الذي يمكن رؤيته حتى من أماكن بعيدة داخل المدينة، بسبب الطبيعة المستوية لطبوغرافيا المدينة.
فهو رمز الاتحاد الروسي، والمكان الذي يوقره جميع سكانه، وأكثر الأماكن التي تجذب السياح الأجانب الذين يرغبون في الانغماس في تاريخ الدولة أما الميدان الأحمر، أو الساحة الحمراء، فهي التوأم التاريخي والمكاني للكرملين، ولا يمكن استكمال التجوال في موسكو أو البدء فيه، دون أن تطأ الأقدام وتجول العيون في هذا المكان الأسطوري بجماله، والذي يشكل وحدة واحدة مع الكرملين، ولكن بتاريخ خاص به.
قلعة منيعة
الكرملين هو أكبر قلعة فاعلة في أوروبا، ورغم أنها، كجوهرة سياحية، موجودة في العديد من المدن الروسية، إلا أن الكرملين يبقى المركز التاريخي والسياسي والثقافي الأبرز.
تعني كلمة الكرملين - قلعة في وسط المدينة. ولا توجد شواهد على تاريخ ظهورها في موسكو، لكن كتب التاريخ تشير إلى أن الأمير يوري دولغوروكي اختار هذا المكان في القرن الـ12 موقعاً أمامياً لإمارته سوزدال، لذا فكر على الفور في بناء قلعة منيعة أمام الغزاة المحتملين. ومن هنا ظهرت أول منطقة مأهولة في موسكو، وفي العام 1147، أقام دولغوروكي وليمة في المكان، ليعتبر هذا العام عام تأسيس العاصمة الروسية.
لا تكفي مشاهدة الفن المعماري المميز للكرملين لتكوين فكرة عن عظمة المكان، دون التعرف على تاريخه، والأحداث التي شهدها على مدار قرون.
ففي البداية كان عبارة عن مستوطنة محاطة بسور وجدران خشبية. وقام دولغوروكي عام 1156 بتجهيزها، وأصبحت مذ ذاك الحين تعرف بكرملين «قلعة» موسكو، وبدأت معها الملامح الأولى للمدينة الناشئة.
وبما أن الحرائق في ذلك الوقت لم تكن حالة نادرة في موسكو، بل واحترقت أكثر من مرة كونها محاطة بجدران من خشب البلوط، فقد أصبح حكام المدينة في أمس الحاجة إلى حل هذه المشكلة، فقرروا إحاطة الكرملين بتحصينات حجرية. وبدأ العمل المكثف في البناء باستخدام الحجر الجيري، ومنذ عام 1368 بدأت جدران المدينة من الحجر الأبيض ترتفع.
ويوجد 20 برجاً حول أسوار الكرملين، لعبت منذ القدم دوراً رئيسياً في مراقبة الأحداث حوله والدفاع عنه.
بيد أن المظهر الحديث له بدأ يأخذ ملامحه في 1485 ـ 1495، بمشاركة عدد كبير من أفضل المهندسين المعماريين من سائر أنحاء عموم روسيا، إلى جانب المهندسين الإيطاليين، الذين تفننوا في بناء الهياكل الدفاعية للقلعة، وحفر ممرات سرية للنهر وبئر لتزويد المدافعين عن القلعة بالمياه. وبذلك، أفلحت الخطط الدفاعية الروسية، رغم أشكالها البدائية، في صد الاعتداءات الخارجية.
وعلى مدار التاريخ وحتى يومنا هذا، بقي الكرملين في قلب الأحداث السياسية والتاريخية. فهنا تم تتويج القياصرة الروس واستقبال السفراء الأجانب، كما أن نابليون حاول تفجيره أثناء فراره من موسكو.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت موسكو أحد الأهداف الرئيسة للقصف الجوي الألماني، لكن بفضل عملية «التنكر» اختفت القلعة. وساهمت إجراءات التمويه في منع الطيارين الألمان من العثور على الكرملين من الجو، وساعدت في تجنيبه عمليات القصف. وفي الحقبة السوفيتية، قيل إنه لم تسقط قنبلة واحدة عليه. لكن بعض الروايات تقول إنه تعرض مع ذلك لسقوط قنابل شديدة الانفجار، وأدت إحداها بزنة طن واحد إلى انهيار جزء منه، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا حينها ونستون ليونارد سبنسر تشرشل، الذي وصل لاحقاً إلى الكرملين، توقف وخلع قبعته أثناء مروره بالمكان المدمر.
في عام 1955، تم افتتاح الكرملين في موسكو جزئياً للجمهور - وتحول إلى ما يشبه متحف في الهواء الطلق. في الوقت ذاته، جرى حظر الإقامة في محيط الكرملين (تم تسريح آخر السكان في عام 1961).
في عام 1990، تم إدراج مجموعة الكرملين في قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي لليونسكو. في الوقت نفسه، أصبح مقراً لرئاسة الدولة، لكنه احتفظ بوظائف المتحف. لذلك عند مرورك، على سبيل المثال، بين المقر الرئاسي ومسرح الكرملين المفتوح للعامة، واللذين تفصلهما أمتار قليلة، ستجد موظفين في ملابس عسكرية، سرعان ما يوجهون السياح المفقودين إلى الطريق الصحيح. ولكن عاماً بعد عام، أصبحت المزيد والمزيد من أركان الكرملين مفتوحة للتنزه، وغالباً ما يتم استخدامه لتصوير الأفلام.
توأم تاريخي
الميدان الأحمر، أو الساحة الحمراء، هي التوأم التاريخي والمكاني للكرملين، ولا يمكن استكمال التجوال في موسكو أو البدء فيه، دون أن تطأ الأقدام وتجول العيون في هذا المكان الأسطوري بجماله، والذي يشكل وحدة واحدة مع الكرملين، ولكن بتاريخ خاص به.
تعود القصة إلى القرن الـ16، عندما سميت الساحة باسم «ترويتسكايا»، نسبة للكنيسة الموجودة هناك. كما كان يطلق عليها اسم منطقة «النار»، بسبب الحرائق المتكررة التي تحدث بين المباني الخشبية فيها.
وفي القرن الـ17، تلقت الساحة اسمها الحديث - الحمراء، أي «الجميلة» بلغة ذلك الوقت، حيث كان كل شيء جميلاً آنذاك في روسيا يوصف بالأحمر.
وقد بدأ بناء موقع الساحة الحمراء بنسخته الأولى في القرنين الـ12 والـ13. وبعد حريق موسكو الشهير في عام 1493، تم تحرير المساحة القريبة من الكرملين من البيوت الخشبية منعاً لتكرار الحرائق، وبعد ذلك تم تشكيل المربع الذي نشأت فيه فيما بعد الأسواق التجارية، التي سيطرت مع حلول القرن الـ16على الساحة.
في الجزء الجنوبي منها، وفي موقع العديد من الكنائس القديمة، تم بين الأعوام 1555 ـ 1561 بناء كاتدرائية الشفاعة، والتي تسمى أيضاً كاتدرائية القديس باسيليوس المبارك. وفي القرن الـ17 بدأت تجرى فيها الاحتفالات الرسمية وإعلان المراسيم القيصرية.
وآنذاك أيضاً، كان يؤتى بالمدانين مكبلين، لعل من يتبرع لسداد ديونهم وتخليصهم من العقوبة التي قد تصل لوضع رؤوسهم تحت المقصلة. كما كان باعة التفاح المحلى بالسكر والمعجنات يتجولون في الساحة، فيما كان النشالون بدورهم يتجولون في الحشد لـ«استغلال الفرصة»، حيث الساحة تعج بالناس الذين جاؤوا لسماع آخر الأخبار والمراسيم الملكية.
ومن الطريف أنه بالقرب من بوابة الساحة، كانت هناك «بورصة» للكهنة العاطلين عن العمل. ونظراً للعدد الكبير من الكنائس المنزلية، كان الطلب دائماً على الكهنة «المشردين». فيجيء الناس إلى هنا لتوظيف كاهن لخدمة القداس، والذي كان غالباً ما يساوم للوصول إلى السعر الأقصى. وفي حال فشل في ذلك، كان يقوم بالتهديد بتناول الطعام، في حال لم يوافق صاحب العمل، لأن الكاهن كان لا يستطيع آنذاك أن يخدم القداس إذا أكل شيئاً.
أحداث مؤسفة
مع مرور الوقت، فقدت الساحة الحمراء وظيفتها التجارية، وتحولت إلى ساحة للاحتفالات بالأحداث والمهرجانات الشعبية المختلفة، وتعزز ذلك مع نجاح الثورة البلشفية في العام 1917، والتي شهدت الساحة على إثرها أحداث مؤسفة كتدمير كاتدرائية قازان، بداعي أنها كانت تعيق مرور المعدات العسكرية.
كما ظهرت في ذلك الحين أول المدافن في الساحة الحمراء بجوار جدار الكرملين، يتقدمها ضريح فلاديمير لينين الشهير، حيث يرقد مفجر الثورة البلشفية محنطاً منذ وفاته عام 1924 وحتى الآن، والذي كان تم نقله خلال الحرب العالمية الثانية إلى عدة أماكن سرية ضماناً لسلامته.
وكما كان الحال مع الكرملين خلال الحرب، جرت عملية تمويه للساحة الحمراء إلى درجة لا يمكن معها التعرف عليها من الجو، لإرباك الطائرات الحربية الألمانية. فبدت من السماء وكأنها منطقة سكنية عادية، لكنها محاطة بهياكل دفاعية ومتاريس وألغام مضادة للدبابات.
ومنذ العهد السوفييتي والساحة الحمراء تستخدم لإقامة العروض العسكرية والمواكب الاحتفالية، وما زال هذا التقليد مستمراً حتى اليوم.
لكن نمو ناطحات السحاب حول المكان بدأت تشوه المنظر البانورامي الكلاسيكي للساحة الحمراء. ويرفع نشطاء شعارات بأن طبيعة التطور العمراني حول الساحة الأبرز في روسيا، تنتهك بشكل صارخ معايير اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
الكرملين والساحة الحمراء.. خزانا التاريخ الروسي
المصدر:
- موسكو ـ فهيم الصوراني
من الأماكن التي يبدأ منها أي سائح زيارته إلى روسيا، وإن لم تكن الأولى له. إذ تضم في كل زاوية فيها أجمل ما أبدعته أيادي المعماريين الروس القدماء، فهي خزان أحداث بدأت منذ قرون، منها ما هو دموي، ومنها ما هو احتفائي، لكنها لاتزال تتسيد بلا منازع رمزية الدولة الروسية بكل محطات تاريخها. يقع الكرملين وسط العاصمة الروسية مباشرة، وهو قلبها الذي يمكن رؤيته حتى من أماكن بعيدة داخل المدينة، بسبب الطبيعة المستوية لطبوغرافيا المدينة.
فهو رمز الاتحاد الروسي، والمكان الذي يوقره جميع سكانه، وأكثر الأماكن التي تجذب السياح الأجانب الذين يرغبون في الانغماس في تاريخ الدولة أما الميدان الأحمر، أو الساحة الحمراء، فهي التوأم التاريخي والمكاني للكرملين، ولا يمكن استكمال التجوال في موسكو أو البدء فيه، دون أن تطأ الأقدام وتجول العيون في هذا المكان الأسطوري بجماله، والذي يشكل وحدة واحدة مع الكرملين، ولكن بتاريخ خاص به.
قلعة منيعة
الكرملين هو أكبر قلعة فاعلة في أوروبا، ورغم أنها، كجوهرة سياحية، موجودة في العديد من المدن الروسية، إلا أن الكرملين يبقى المركز التاريخي والسياسي والثقافي الأبرز.
تعني كلمة الكرملين - قلعة في وسط المدينة. ولا توجد شواهد على تاريخ ظهورها في موسكو، لكن كتب التاريخ تشير إلى أن الأمير يوري دولغوروكي اختار هذا المكان في القرن الـ12 موقعاً أمامياً لإمارته سوزدال، لذا فكر على الفور في بناء قلعة منيعة أمام الغزاة المحتملين. ومن هنا ظهرت أول منطقة مأهولة في موسكو، وفي العام 1147، أقام دولغوروكي وليمة في المكان، ليعتبر هذا العام عام تأسيس العاصمة الروسية.
لا تكفي مشاهدة الفن المعماري المميز للكرملين لتكوين فكرة عن عظمة المكان، دون التعرف على تاريخه، والأحداث التي شهدها على مدار قرون.
ففي البداية كان عبارة عن مستوطنة محاطة بسور وجدران خشبية. وقام دولغوروكي عام 1156 بتجهيزها، وأصبحت مذ ذاك الحين تعرف بكرملين «قلعة» موسكو، وبدأت معها الملامح الأولى للمدينة الناشئة.
وبما أن الحرائق في ذلك الوقت لم تكن حالة نادرة في موسكو، بل واحترقت أكثر من مرة كونها محاطة بجدران من خشب البلوط، فقد أصبح حكام المدينة في أمس الحاجة إلى حل هذه المشكلة، فقرروا إحاطة الكرملين بتحصينات حجرية. وبدأ العمل المكثف في البناء باستخدام الحجر الجيري، ومنذ عام 1368 بدأت جدران المدينة من الحجر الأبيض ترتفع.
ويوجد 20 برجاً حول أسوار الكرملين، لعبت منذ القدم دوراً رئيسياً في مراقبة الأحداث حوله والدفاع عنه.
بيد أن المظهر الحديث له بدأ يأخذ ملامحه في 1485 ـ 1495، بمشاركة عدد كبير من أفضل المهندسين المعماريين من سائر أنحاء عموم روسيا، إلى جانب المهندسين الإيطاليين، الذين تفننوا في بناء الهياكل الدفاعية للقلعة، وحفر ممرات سرية للنهر وبئر لتزويد المدافعين عن القلعة بالمياه. وبذلك، أفلحت الخطط الدفاعية الروسية، رغم أشكالها البدائية، في صد الاعتداءات الخارجية.
وعلى مدار التاريخ وحتى يومنا هذا، بقي الكرملين في قلب الأحداث السياسية والتاريخية. فهنا تم تتويج القياصرة الروس واستقبال السفراء الأجانب، كما أن نابليون حاول تفجيره أثناء فراره من موسكو.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت موسكو أحد الأهداف الرئيسة للقصف الجوي الألماني، لكن بفضل عملية «التنكر» اختفت القلعة. وساهمت إجراءات التمويه في منع الطيارين الألمان من العثور على الكرملين من الجو، وساعدت في تجنيبه عمليات القصف. وفي الحقبة السوفيتية، قيل إنه لم تسقط قنبلة واحدة عليه. لكن بعض الروايات تقول إنه تعرض مع ذلك لسقوط قنابل شديدة الانفجار، وأدت إحداها بزنة طن واحد إلى انهيار جزء منه، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا حينها ونستون ليونارد سبنسر تشرشل، الذي وصل لاحقاً إلى الكرملين، توقف وخلع قبعته أثناء مروره بالمكان المدمر.
في عام 1955، تم افتتاح الكرملين في موسكو جزئياً للجمهور - وتحول إلى ما يشبه متحف في الهواء الطلق. في الوقت ذاته، جرى حظر الإقامة في محيط الكرملين (تم تسريح آخر السكان في عام 1961).
في عام 1990، تم إدراج مجموعة الكرملين في قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي لليونسكو. في الوقت نفسه، أصبح مقراً لرئاسة الدولة، لكنه احتفظ بوظائف المتحف. لذلك عند مرورك، على سبيل المثال، بين المقر الرئاسي ومسرح الكرملين المفتوح للعامة، واللذين تفصلهما أمتار قليلة، ستجد موظفين في ملابس عسكرية، سرعان ما يوجهون السياح المفقودين إلى الطريق الصحيح. ولكن عاماً بعد عام، أصبحت المزيد والمزيد من أركان الكرملين مفتوحة للتنزه، وغالباً ما يتم استخدامه لتصوير الأفلام.
توأم تاريخي
الميدان الأحمر، أو الساحة الحمراء، هي التوأم التاريخي والمكاني للكرملين، ولا يمكن استكمال التجوال في موسكو أو البدء فيه، دون أن تطأ الأقدام وتجول العيون في هذا المكان الأسطوري بجماله، والذي يشكل وحدة واحدة مع الكرملين، ولكن بتاريخ خاص به.
تعود القصة إلى القرن الـ16، عندما سميت الساحة باسم «ترويتسكايا»، نسبة للكنيسة الموجودة هناك. كما كان يطلق عليها اسم منطقة «النار»، بسبب الحرائق المتكررة التي تحدث بين المباني الخشبية فيها.
وفي القرن الـ17، تلقت الساحة اسمها الحديث - الحمراء، أي «الجميلة» بلغة ذلك الوقت، حيث كان كل شيء جميلاً آنذاك في روسيا يوصف بالأحمر.
وقد بدأ بناء موقع الساحة الحمراء بنسخته الأولى في القرنين الـ12 والـ13. وبعد حريق موسكو الشهير في عام 1493، تم تحرير المساحة القريبة من الكرملين من البيوت الخشبية منعاً لتكرار الحرائق، وبعد ذلك تم تشكيل المربع الذي نشأت فيه فيما بعد الأسواق التجارية، التي سيطرت مع حلول القرن الـ16على الساحة.
في الجزء الجنوبي منها، وفي موقع العديد من الكنائس القديمة، تم بين الأعوام 1555 ـ 1561 بناء كاتدرائية الشفاعة، والتي تسمى أيضاً كاتدرائية القديس باسيليوس المبارك. وفي القرن الـ17 بدأت تجرى فيها الاحتفالات الرسمية وإعلان المراسيم القيصرية.
وآنذاك أيضاً، كان يؤتى بالمدانين مكبلين، لعل من يتبرع لسداد ديونهم وتخليصهم من العقوبة التي قد تصل لوضع رؤوسهم تحت المقصلة. كما كان باعة التفاح المحلى بالسكر والمعجنات يتجولون في الساحة، فيما كان النشالون بدورهم يتجولون في الحشد لـ«استغلال الفرصة»، حيث الساحة تعج بالناس الذين جاؤوا لسماع آخر الأخبار والمراسيم الملكية.
ومن الطريف أنه بالقرب من بوابة الساحة، كانت هناك «بورصة» للكهنة العاطلين عن العمل. ونظراً للعدد الكبير من الكنائس المنزلية، كان الطلب دائماً على الكهنة «المشردين». فيجيء الناس إلى هنا لتوظيف كاهن لخدمة القداس، والذي كان غالباً ما يساوم للوصول إلى السعر الأقصى. وفي حال فشل في ذلك، كان يقوم بالتهديد بتناول الطعام، في حال لم يوافق صاحب العمل، لأن الكاهن كان لا يستطيع آنذاك أن يخدم القداس إذا أكل شيئاً.
أحداث مؤسفة
مع مرور الوقت، فقدت الساحة الحمراء وظيفتها التجارية، وتحولت إلى ساحة للاحتفالات بالأحداث والمهرجانات الشعبية المختلفة، وتعزز ذلك مع نجاح الثورة البلشفية في العام 1917، والتي شهدت الساحة على إثرها أحداث مؤسفة كتدمير كاتدرائية قازان، بداعي أنها كانت تعيق مرور المعدات العسكرية.
كما ظهرت في ذلك الحين أول المدافن في الساحة الحمراء بجوار جدار الكرملين، يتقدمها ضريح فلاديمير لينين الشهير، حيث يرقد مفجر الثورة البلشفية محنطاً منذ وفاته عام 1924 وحتى الآن، والذي كان تم نقله خلال الحرب العالمية الثانية إلى عدة أماكن سرية ضماناً لسلامته.
وكما كان الحال مع الكرملين خلال الحرب، جرت عملية تمويه للساحة الحمراء إلى درجة لا يمكن معها التعرف عليها من الجو، لإرباك الطائرات الحربية الألمانية. فبدت من السماء وكأنها منطقة سكنية عادية، لكنها محاطة بهياكل دفاعية ومتاريس وألغام مضادة للدبابات.
ومنذ العهد السوفييتي والساحة الحمراء تستخدم لإقامة العروض العسكرية والمواكب الاحتفالية، وما زال هذا التقليد مستمراً حتى اليوم.
لكن نمو ناطحات السحاب حول المكان بدأت تشوه المنظر البانورامي الكلاسيكي للساحة الحمراء. ويرفع نشطاء شعارات بأن طبيعة التطور العمراني حول الساحة الأبرز في روسيا، تنتهك بشكل صارخ معايير اليونسكو لمواقع التراث العالمي.